أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

الإتحاد:

كيف يُسهم الابتكار المالي في مواجهة الأزمات العالمية؟

17 أكتوبر، 2022


في أعقاب الانهيار المالي عام 2008، تعرضت صناعة الخدمات المالية لأزمة معقدة، ترتب على تداعياتها ظهور موجة جديدة من الابتكارات المالية التي كان من شأنها إحداث تحوّل في الصناعة وإطلاق طفرة جديدة في مجال التكنولوجيا المالية. وخلقت الأزمة فرصاً للشركات الجديدة للتدخل والاستجابة لاحتياجات الأفراد والشركات الصغيرة، من خلال تقديم تمويل ميسّر وتعزيز المرونة في نظام الخدمات المالية. ومنذ ذلك الحين، شهد العالم تحولاً مستمراً في الخدمات المالية، حيث يتيح المبتكرون الجدد للمستهلكين كثيراً من الخيارات طوال الوقت، مع تسهيل الوصول إلى مجموعة واسعة من المنتجات. وبحلول عام 2019، كان المقرضون "البدلاء"، تلك الشركات الجديدة مقدمة الخدمات المالية عوضاً عن البنوك، يقدمون أكثر من نصف القروض الممنوحة للشركات الصغيرة في المملكة المتحدة.

ومع مواجهة جائحة عالمية غير مسبوقة، وكذلك تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، رأينا مرة أخرى عالم التكنولوجيا المالية يرتقي إلى مستوى التحدي. وسلّطت هذه الأزمات الضوء على الدور الذي يمكن أن تلعبه التكنولوجيا في جميع مجالات الحياة، وفي مقدمتها الخدمات المالية. وساعد الابتكار المالي الأفراد والشركات في مختلف الأنحاء، حيث قُدمت حلول حسنت الرفاهية المالية واستقرار الأعمال، ودعمت الفئات الأكثر ضعفاً. ونتيجة لذلك، تسارعت وتيرة تبني التكنولوجيا المالية.

تطورات متلاحقة

وحسب دراسة صادرة عن مركز المستقبل للأبحاث والداسات المتقدمة، فإن النظام العالمي شهد تطورات في العقدين الماضيين، أدت التحسينات التكنولوجية والابتكار المالي إلى تحولات في النظام المالي العالمي، وأصبحت البنوك في الوقت الحاضر لا تشبه بأي وجه من الوجوه البنوك في الماضي. وأوضحت الدراسة التي أعدها، الباحث د. مدحت نافع، أن المزايا التي يجلبها الابتكار التكنولوجي، تمكّن البنوك الكبيرة من أن تكون أكثر مرونة من البنوك الصغيرة في توليد وإدارة المنتجات المالية المختلفة، لأن البنوك الصغيرة تفتقر إلى النطاق والاستثمار المطلوبين لمواجهة تحديات الابتكار المالي، وفي مقدمتها زيادة المعلومات غير المتماثلة المؤثرة على تقييم الأصول والديون والضمانات باستمرار، وارتفاع تكاليف المعاملات.

ونوهت الدراسة بزيادة المدفوعات الإلكترونية من السرعة وكفاءة النظام، مع تقليل الحاجة إلى الاحتفاظ بالودائع لفترات أطول. هذا المثال وحده، يزيد الضغوط من أجل إحداث تغييرات جذرية في البنوك والوسطاء الماليين بصفة عامة، ومن وجهة نظر مالية، يمكن القول إن السرعة في أداء العمليات تؤدي بدورها إلى خفض تكاليف الخدمات، وانخفاض المصروفات التي لها تأثير مهم على الالتزامات المالية للمؤسسات، خاصةً البنوك.

في الماضي، كانت معظم المدفوعات تتم باستخدام أوراق الدفع، مما أتاح مصدراً آمناً للتمويل للبنوك التجارية، حيث احتفظت بهذه الأموال لفترات أطول في الحسابات الجارية. وحديثاً، زادت تسوية النفقات من خلال المدفوعات الإلكترونية بشكل كبير، وبدأت تقنية المعاملات الإلكترونية، التي ظهرت بشكل أساسي مع أجهزة الصراف الآلي، في التطور والتوسع بسرعة. وفي الآونة الأخيرة، أدى ظهور الخدمات المصرفية عبر الإنترنت والهاتف، أو حتى مزيج من الاثنين، إلى زيادة الاستثمار في هذا النوع من التكنولوجيا ومن ثم تحسّن كفاءة المدفوعات الإلكترونية.

ولفتت الدراسة إلى أن ظهور أسواق المشتقات المالية نشأت بدورها بشكل أساسي نتاج التكنولوجيا الجديدة. وقالت إن السيناريو التكنولوجي الجديد يتطلب السرعة والتنوع والتوسع في الأسواق، مما أدى إلى الحاجة إلى إدارة المخاطر وظهور المشتقات المالية. 

مواجهة الأزمات العالمية

وأشارت الدراسة إلى أن العالم يواجه حالياً ثلاث أزمات هي تبعات جائحة كورونا، والحرب الروسية - الأوكرانية، وتغير المناخ، وقد لعبت الحلول والابتكارات المالية الرقمية دوراً مهماً في مواجهة هذه الأزمات. 

كذلك تواجه أوروبا، ومن ورائها الكثير من دول العالم، موجة تضخمية غير مسبوقة منذ عقود، على خلفية اضطراب سلاسل الإمداد العالمية المتضررة بفعل جائحة كورونا والحرب الأوكرانية، مما ينعكس سلباً على تكلفة المعيشة، وزيادة مخاطر التشديد النقدي والتقشف المالي، والذي يفضي إلى زيادة تكلفة الديون، وتقويض المرونة المالية للأفراد، ويؤدي كل ذلك إلى معاناة العديد من الحكومات والأسر والشركات. وفي ظل هذه الأزمات، تؤثر التكنولوجيا المالية في المعروض النقدي وسرعة تداول النقود، وتتيح بدائل عديدة لتنشيط حركة التجارة والخدمات ودعم الصناعة من خلال تسهيل حركة رؤوس الأموال بتكلفة وزمن أقل، حسب الدراسة.

وترى الدراسة أن أحد أكبر التحديات التي يعانيها العالم، هو مخاطر تغير المناخ، وإدارة هذا النوع من المخاطر سيعتمد على إعادة ربط الأنظمة المالية لتوجيه رؤوس الأموال إلى هدف صافي الانبعاثات الكربونية الصفرية (الذي به تتساوى الانبعاثات الكربونية الجديدة مع تلك التي يتم التخلّص منها).

وتلعب التكنولوجيا المالية دوراً حاسماً في مساعدتنا على الوصول إلى هذا الهدف، من خلال هندسة منتجات وأدوات مالية مستدامة وخضراء (مثل الصكوك والسندات الخضراء ونقاط الائتمان الكربونية) من أجل تعبئة الاستثمارات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة التي وضعها البنك الدولي في عام 2015، والتي قدّرت هيئة الطاقة الدولية الالتزامات المالية المطلوبة لتحقيقها خلال العقد الراهن بما يزيد على تريليون دولار سنوياً.

الابتكار المالي في عالم جديد

لم تؤدِ الأحكام التنظيمية والقوانين والقواعد، حسب الدراسة، إلى تحصين أسواق المال بشكل كامل من حدوث أزمات جديدة حالياً أو في المستقبل، حيث إن تلك الأزمات ملازمة بطبيعتها للنظام الرأسمالي. ومن ثمّ، فمن الضروري إدراك القدرة المحدودة للتنظيم والإشراف الماليين على مراقبة النظام المالي في مواجهة مختلف أنواع المخاطر. وتميل ديناميكيات الخدمات المالية التنافسية إلى تعزيز الحد من الرقابة، وتشجع البحث عن أدوات ومنتجات جديدة تتجاوز الحدود التنظيمية. وإدراك هذه الحدود لا يعني أن الدولة تتجاهل وظيفتها التنظيمية في الأعمال المصرفية والتمويل، ولكن هذه الوظيفة يجب أن تتطور باستمرار من أجل خلق حاجز مناسب ضد سوء سلوك السوق في بحثه المستمر عن أرباح عالية.

الرهن العقاري

وحول فرص ومخاطر الابتكار المالي عالمياً، فقد آمن "ألان جرينسبان"، الرئيس الأسبق للاحتياطي الفيدرالي الأميركي، أن الابتكار المالي كان يعمل على توزيع المخاطر على أولئك الأقدر على تحملها ضمن النظام المالي. وأثبتت أزمة الرهن العقاري خلاف ذلك، مما عظّم من شأن وصف المستثمر الشهير "وارن بوفيت" للمشتقات بأنها "أسلحة دمار مالي شامل" على حد قوله. وتتضمن أدبيات الاقتصاد كلاً من المؤيدين والمعارضين للابتكار المالي. إذ يرى المؤيدون أن الأدوات الجديدة والتقنيات تعمل على تخفيض تكاليف العمليات المالية، وتجعل الأسواق أكثر كفاءة، وتساعد على حل المشكلات الاجتماعية، وتسهم في النمو الاقتصادي.

أما المشككون، فيبرزون قضية التكاليف الباهظة، حيث أكد الاقتصادي الكندي "جالبرايث" الدور الكبير للديون في مقولته: "يتضمن الابتكار المالي، بشكل أو بآخر، خلق الدين المضمون بملاءة مالية أكبر، أو أصغر من جانب الأصول الحقيقية. وتضمنت جميع الأزمات ديناً أصبح بصورة أو بأخرى خارج نطاق الحجم المقبول، وذلك بصورة خطيرة، مقارنةً لما يتوافر من وسائل للسداد".

واختتمت الدراسة بأن في ظل وجود عبء متزايد من التشريعات والقرارات التنظيمية، فإنه من المُحتمل أن يقدم الابتكار المالي صيغاً جديدة لتخطي القواعد المستحدثة، تماماً كما فعل بعد ظهور قواعد "بازل 1" الخاصة بتنظيم البنوك العالمية في أوائل تسعينيات القرن الماضي.

*لينك المقال في الإتحاد*