أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

الشروق:

دوافع صعود «اللا ليبرالية» فى الثقافة السياسية الأمريكية

07 أبريل، 2022


نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة عرضا بتاريخ ٢٩ مارس ٢٠٢٢ قدمته الباحثة هدير أبوزيد لكتاب توماس ماين بعنوان «صعود اللا ليبرالية» الذى يتناول ضرورة التعامل مع اللا ليبرالية على أنها أيديولوجية سياسية. كما ذكر أسباب وجود جمهور كبير لهذه الرؤية السياسية، وكيف يمكن الحد من تطورها والعمل على تحجيمها وإعادة مبادئ الديمقراطية الليبرالية مرة أخرى.. نعرض من المقال ما يلى.

ساهمت أحداث كل من مسيرة «وحدوا اليمين» التى حدثت فى مدينة شارلوتسفيل بفرجينيا فى أغسطس 2017، واقتحام مبنى الكابيتول فى الولايات المتحدة فى 6 يناير 2021، فى التأكيد أنه لا يزال لليمين البديل، والأيديولوجيات غير الليبرالية ذات الصِلة، من حيث الجوهر والأسلوب، حضور رئيسى فى الثقافة السياسية الأمريكية، وهو ما يسمى «بصعود اللا ليبرالية». وبناءً عليه، ستستمر مسيرة التطرف الطويلة عبر الثقافة السياسية الأمريكية وصولا إلى مستقبل غامض وسلطوى.

فى هذا السياق، أكد «توماس ماين»، أستاذ الشئون العامة والدولية بكلية باروخ، جامعة مدينة نيويورك فى كتابه المعنون «صعود اللا ليبرالية»، ضرورة التعامل مع هذا المفهوم على أنه أيديولوجية سياسية. وعليه، يجب استكشاف الأسس الفلسفية والأصول الفكرية والاجتماعية لهذه الأيديولوجية، وكذلك التطورات السياسية التى سهلت من انتشارها، فضلا عن توثيق كيفية اختراقها للخطاب السياسى السائد فى الولايات المتحدة، وأخيرا السعى لمعرفة لماذا وجدت هذه الرؤية السياسية جمهورا كبيرا، وتمارس تأثيرا طوال الوقت، وكيف يمكن الحد من تطورها والعمل على تحجيمها وإعادة مبادئ الديمقراطية الليبرالية مرة أخرى.

ماهية اللا ليبرالية؟

سعى الكاتب لتقديم تعريف لمفهوم اللا ليبرالية (عدم الليبرالية)، موضحا أنها أيديولوجية سياسية ترفض صراحة الديمقراطية الليبرالية أو بعض المبادئ المركزية للديمقراطية الليبرالية، كالمساواة السياسية، وحقوق الإنسان. بناءً عليه، تشمل الأيديولوجيات غير الليبرالية جميع المتطرفين اليمينيين، بالإضافة إلى الحركات اليسارية غير الليبرالية.

وفقا للكاتب، تستند الديمقراطية الليبرالية إلى أهمية وجود حكومة قوية مستقلة لحماية حقوق المواطنين، كما يجب أن تستمد صلاحياتها العادلة من «رضا المحكوميين»، وهو أمر غير وارد لدى مبادئ اللا ليبرالية، فضلا عن رفضها إمكانية التغيير أو الثورة، وذلك بخلاف الديمقراطية الليبرالية التى ترى أن هذا الأمر يضمن حرية التعبير وضمان عدم انتهاك الحكومة لمبادئ الديمقراطية. ناهيك عن الأسلوب الخطابى لهذه الأيديولوجية والذى يقوم على الازدراء الصريح للتسامح، والإصرار على أن السياسة هى الحرب، واحتضان مفهوم الصديق مقابل العدو، واتهام جميع المعارضين السياسيين بالخيانة.

مظاهر اللا ليبرالية

قدَّم الكاتب مجموعة من المظاهر والمؤشرات الكمية والنوعية لصعود مفهوم اللا ليبرالية وانتشار مبادئه؛ حيث قام بإجراء تحليل كمى للمنافذ غير الليبرالية للرأى السياسى على شبكة الإنترنت والذى شمل تحليل حوالى 1952 موقعا إلكترونيا، ليتوصل الكاتب من خلالها بأن هناك زيادة فى حجم الجماهير المؤيدة لمنافذ اللا ليبرالية كأيديولوجية سياسية. ليس هذا فحسب، فجمهور المواقع اليمينية غير الليبرالية أكثر تفاعلا مع مواقع الويب المفضلة وهو ما سيسهل من انتشار أفكار ومبادئ اللا ليبرالية لدى الثقافة السياسية الأمريكية.

وعلى النقيض مما يراه البعض، بأن مسيرة «وحدوا اليمين» فى أغسطس 2017، والتى ضمت أعضاء من اليمين المتطرف واليمين البديل، والقوميين البيض، للدعوة من أجل توحيد البيض، ساهمت فى خلق اعتقاد قوى بأن حركات اليمين البديل باتت تتراجع، أشار الكاتب إلى أن حركات اليمين البديل والمتطرف ما زالت مهمة وسيزداد حجم مؤيديها فى العقود المقبلة، وهو ما سيؤثر بالسلب على مستقبل السياسة الثقافية الأمريكية، والتى ستكون أكثر ميلا للسلطوية.

ومن الأدلة على ذلك، منصة «NewsBreitbart» والتى وصفها محررها السابق «ستيف بانون» بأنها «منصة اليمين البديل الأولى»، لأنها تحتوى على أكبر جمهور مقارنةً، بأى مجلة سياسية أخرى على شبكة الإنترنت، بإجمالى حوالى 51 مليون زيارة و5.5 مليون زائر فى المتوسط الشهرى.

وعليه، بات السؤال الأهم من وجهة نظر الكاتب، لماذا يجب أن يكون استمرار وجود اليمين البديل أمرا مثيرا للقلق؟. السبب هنا لا علاقة له بدعم الحركة لدونالد ترامب، أو الحمائية، أو القومية.. إلخ بل يتعلق بالعناصر الأساسية لأيديولوجية اليمين البديل، كحركة غير ليبرالية ومعادية للديمقراطية، تعتمد على العنصرية والتطرف الأبيض ومعاداة أمريكا والاعتماد على الخطاب اللاذع والتعصب.

علاوة على ما سبق، أشار الكاتب لمجموعة من المظاهر بعد انتهاء فترة ولاية الرئيس الأمريكى السابق «دونالد ترامب»؛ حيث ساهمت البيانات والتحليلات التى تم إجراؤها، وجمعها قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2020، فى خلق حالة من التفاؤل بأن ترامب سيُهزم بشكلٍ ساحق، كما سيتمكن الديمقراطيون من تشكيل حكومة موحدة بعد السيطرة على البيت الأبيض ومجلسى الكونجرس، وأخيرا، ستبدأ عملية إعادة الاصطفاف السياسى بعيدا عن المبادئ غير الليبرالية لترامب.

بالفعل، حقق الديمقراطيون حكومة موحدة، لكنهم عجزوا عن القيام بعملية إعادة التنظيم والاصطفاف السياسى، لأن قبضة اللا ليبرالية على الثقافة السياسية الأمريكية باتت، وفقا لبعض المعايير، أقوى من أى وقت مضى، فقد كان المشهد المذهل للحشود الغاضبة من مؤيدى ترامب، والتى عصفت بمبنى الكابيتول الأمريكى نتيجة للأخبار المزيفة القائلة بوجود تزوير بالانتخابات، من أهم المظاهر الدالة على انتشار المشاعر غير الليبرالية فى التاريخ الأمريكى الحديث.

أركان الثقافة الأمريكية

وفقا للكاتب، هناك ثلاثة أركان رئيسية للثقافة السياسية الأمريكية وهى: الهوية، والأفكار، والمصالح. وعلى الرغم، من أن الهوية، ويُقصد بها هوية النظام السياسى، تمثَّل جانبا ضروريا من جوانب الحياة السياسية، والتى ينبغى تطويرها بشكل يتوافق مع الديمقراطية الليبرالية، نجحت الأيديولوجيات غير الليبرالية اليمينية فى استغلال نظرية الهوية العنصرية فى رأس هجومهم على الديمقراطية الليبرالية.

جاء ذلك من خلال الاعتماد على ما يسمى بــ«أطروحة الانقلاب»، والتى ترى أن الأشخاص الغرباء أو أصحاب الطبقات الدنيا أو الخاسرين يحصلون على الأفضلية والاهتمام من جانب منظرى الرأى السائد، حيث تمكن غير الليبراليين من تعريف أنفسهم على أنهم الغرباء الحقيقيون للمجتمع الليبرالى الديمقراطى، وأنهم منبوذون من الديمقراطية الأمريكية، وبالتالى المجموعة الوحيدة التى تمتلك مسافة نقدية من المجتمع وقادرة على إحداث تغيير جذرى.

على الجانب الآخر، لعبت الأفكار دورا مهما فى الثقافة السياسية الأمريكية، حيث تمكنت الولايات المتحدة خلال الفترة من سبعينيات القرن الماضى إلى مطلع الألفية، من خلق نظام لإنتاج ونشر الأفكار العامة التى كانت بسيطة بما يكفى ليتم استيعابها من قبل الجماهير، ولكن بسبب التطورات السياسية والاجتماعية المؤلمة فى أوائل القرن الحادى والعشرين، فضلا عن انتشار تقنيات الاتصال الرقمى التى قوضت وظائف الحفاظ على الثقافة العامة للمفكرين، تحطم هذا النظام بالكامل، ما ساهم فى انتشار المبادئ غير الليبرالية فى جوانب الحياة السياسية الأمريكية كافة.

لذا، يرى الكاتب أنه يجب على المفكرين أن يتخلوا عن بعض العقائد التى أضعفت موقفهم حتى قبل التغيرات التحولية فى القرن الحادى والعشرين، لأن الثورة الرقمية باتت أمرا لا يمكن الرجوع عنه. وأخيرا، حتى لو نجحت الولايات المتحدة فى القضايا المتعلقة بسياسات الهوية وأعادت إحياء قدرتها على تطوير أفكار عامة مفيدة، ستظل المصالح هى الدافع الرئيسى وراء أى عمل سياسى، وهو أمر فى غاية الخطورة، فما زالت جماعات المصالح حاضرة بقوة فى المشهد الأمريكى، ناهيك عن المشكلات المعروفة للتعددية، ما سيؤدى لخلق مشاكل عديدة لاسيما مع الدستور الأمريكى المجزأ بشكل مثير للقلق، لأنه يقيد من فعالية العمل الجماعى، وكلها أمور ستسعى الأيديولوجيات اللا ليبرالية لاستغلالها.

ذلك أن الأفكار العامة لمعظم الخبراء قد حلت محلها «الميمات الرقمية»، وهى ما أطلق عليها الكاتب «استراتيجية السخرية»؛ حيث دعا إلى ضرورة موازنة خطاب السخرية المسلحة الذى يهيمن على احتياجات الويب بخطاب حقيقى يساعد على بناء إجماع اجتماعى حول أفكار الخبراء والمحللين الذين يستندون لمعرفة حقيقية، ولتحقيق ذلك، يجب الضغط على مقدمى خدمات الإنترنت لتعديل المحتوى الفكرى لمواقعهم الإلكترونية.

ختاما، دعا الكاتب إلى ضرورة إعادة التنظيم الديمقراطى مرة أخرى فى الولايات المتحدة من خلال تنشيط الهوية الأمريكية القائمة على مبادئ الديمقراطية الليبرالية، كالمساواة واحترام حقوق الإنسان وغيرها، وهو ما أطلق عليه الكاتب اسم «سياسات الهوية الإيجابية»، أى خلق إحساس مشترك على نطاق واسع بالمجتمع للتأكيد على الأهمية المتساوية لجميع قطاعات المجتمع وإعادة ثقة الجمهور فى الحكومة، كما أكد الكاتب أهمية الإصلاح الدستورى، من خلال إجراء تعديلات دستورية لتحسين عملية صنع القرارات والسياسات والحد من الانقسام.

*لينك المقال في الشروق*