أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

استعادة الحلفاء:

رؤية مقترحة لاستراتيجية موحدة للأطلسي ضد الصين

05 أبريل، 2021


عرض: إيمان فخري - باحثة متخصصة في الشؤون الآسيوية

يؤكد عدد كبير من الخبراء المعنيين بالشأن الأمريكي، أن الصعود الصيني يمثل التحدي الاستراتيجي الأكبر والأكثر تعقيدًا الذي تواجهه الولايات المتحدة منذ انتهاء الحرب الباردة. ومع تدشين إدارة "بايدن" لاستراتيجية جديدة للتعامل مع الصين تعتمد على تكوين تحالفات دولية لكبح جماح النفوذ الصيني، فإن ذلك يعني أنه سيتعين على الولايات المتحدة أن تتعاون بشكل مكثف مع شركائها الأوروبيين والدول الآسيوية الأخرى التي ترى في الصين تهديدًا لأمنها القومي.

وفي هذا السياق، قام المجلس الأطلنطي، الذي يُعد أحد أهم المراكز البحثية التي تدعم صناعة القرار في الولايات المتحدة، بإصدار تقرير حول كيفية قيام الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين والآسيويين بصياغة استراتيجية موحدة للتعامل مع الصين، مما يضمن نجاح المساعي الأمريكية للحد من النفوذ الصيني.

وقام بإعداد هذا التقرير عدد من الباحثين، على رأسهم "هانز بنينديجك"، وهو زميل في مركز سكوكروفت للاستراتيجيات والأمن التابع للمجلس الأطلنطي، وهو أيضًا أستاذ مساعد في العلوم السياسية في مؤسسة RAND البحثية، وقد خدم سابقًا مرتين في مجلس الأمن القومي كمدير أول لسياسة الدفاع ومراقبة الأسلحة. أما الباحثة الرئيسية الثانية فهي "سارة كيرشبيرجر"، وهي زميل غير مقيم في مركز سكوكروفت، وتعمل كرئيسة قسم استراتيجية وأمن آسيا والمحيط الهادئ في معهد السياسة الأمنية بجامعة كيل، كما تشغل منصب نائبة رئيس المعهد البحري الألماني.

وقد تم إعداد هذا التقرير خلال عام كامل، حيث تم الاعتماد على أبحاث وآراء مئات الخبراء وصانعي السياسات والأكاديميين في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا. ويتناول هذا التقرير تحليلًا للمجالات الرئيسية التي تمثل من خلالها الصين تهديدًا للمصالح الأمريكية والأوروبية، كما يتم تقديم بعض التحديات وكذلك التوصيات التي من شأنها أن تعمل على تنسيق الاستجابات الدولية بشكل أكثر كفاءة وفعالية في مواجهة الصين.

التهديدات للولايات المتحدة وحلفائها:

يُميز التقرير بين خمسة أنواع من التهديدات الصينية للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين والديمقراطيات الآسيوية. ويتعلّق التهديد الأول بالخطر الذي يمثله النظام الصيني على القيم الديمقراطية التي تدافع عنها الولايات المتحدة وحلفاؤها، وقد تعزز هذا الخطر من خلال قيام الرئيس الصيني الحالي "شي جينغ بينغ" بتكريس استخدام الحزب الشيوعي الصيني كأداة رئيسية للقمع وسيطرة الدولة، ولا سيما بعد قضية (Bo Xilai) عام 2012 التي تم بموجبها سجن العديد من الشخصيات السياسية البارزة المتهمين بالتخطيط للانقلاب ضد الرئيس الصيني. 

فضلًا عن وجود نظام مكثف للمراقبة الجماعية للمواطنين الصينيين، فقد استثمرت الحكومة الصينية الحالية بكثافة في تطوير التكنولوجيا التي تتيح مراقبة واسعة النطاق للمواطنين، حيث تشير التقديرات إلى أنه تم تركيب ما يصل إلى 2.7 مليار كاميرا في الصين، إضافة إلى خمسين مليون كاميرا تتمتع بخاصية التعرف على الوجه.

وبالإضافة إلى الانتقاد الغربي لانتهاكات حقوق الإنسان في الصين، فلطالما انتقدت الولايات المتحدة ما تسميه بسياسات التطهير العرقي التي تتبعها بكين تجاه أقلية الإيجور المسلمة، كما وجهت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون نقدًا لاذعًا لبكين بسبب قمع مظاهرات هونج كونج، وكذلك اضطهاد مؤيدي الدالاي لاما في التبت. وبالتالي، تخشى الولايات المتحدة -بصفتها قائدة العالم الحر- أن تمثل الصين نموذجًا ملهمًا للدول والقادة الاستبداديين في العالم. 

ويتمثل التهديد الثاني في اعتماد الرئيس الصيني على خطاب يتسم بمعاداة الأجانب، حيث قام بالاعتماد على استراتيجية تأجيج القومية الصينية لمنع الجماهير من الانقلاب على الحزب الشيوعي؛ إلا أن هذه الاستراتيجية كان لها انعكاسات خطيرة على الولايات المتحدة وحلفائها، فقد تم تكثيف الحديث عن الخطر الغربي الذي يهدف إلى "تخريب الصين". حيث طلب الرئيس الصيني من المواطنين الصينيين أن يتوخوا الحذر أثناء التعامل مع "العملاء الغربيين" الذين يحاولون التسلل إلى الصين أو تخريبها أو تقسيمها. كما يتم منح المواطنين مكافأة مالية كبيرة مقابل الإبلاغ عن الجواسيس الأجانب.

وقد ترافق مع هذا التهديد ظهور ما يُسمى "الحلم الصيني" وهو استراتيجية تنموية طموحة تسعى الصين لتحقيقها بحلول عام 2049، وتستخدم الصين عدة آليات لتحقيق "الحلم الصيني" ومن أهمها: "مبادرة الحزام والطريق" التي تعزز من صورة الصين كقوة دولية على الساحة العالمية، ومبادرة صنع في الصين 2025 التي تعزز الإنتاج المحلي والتصدير وتعمل على تقليل الاعتماد على الخارج.

أما التهديد الثالث فهو سعي الصين إلى إعادة تشكيل نظام الحوكمة العالمي، وخير دليل على ذلك هو ما صرح به وزير الخارجية الصيني "وانغ يي" في يناير 2021، بأن بلاده "ستنخرط بشكل استباقي في إصلاح الحوكمة العالمية".

فقد اقترح الرئيس الصيني ما يُسمى بـ(مجتمع المصير البشري Community of Human Destiny) كبديل للنظام القائم على وجود منظمة الأمم المتحدة، لكن يظل هذا المفهوم يفتقر إلى التحديد ويتسم بالغموض بشكل كبير، وذلك رغم طرح وزير الخارجية الصيني بعض الأفكار المتعلقة بهذا المفهوم، ولكنها ظلت أفكارًا عامة مثل "ممارسة مبدأ التشاور المشترك والبناء والمشاركة".

رغم أن رؤية الصين لخلق نظام موازٍ قد تكون غير مكتملة حتى الآن؛ إلا أن ذلك يمثل تهديدًا رئيسيًا للولايات المتحدة والديمقراطيات الأخرى، حيث يشير التقرير إلى أن هدف الصين الأول هو جعل العالم "آمنًا للحزب الشيوعي الصيني"، لذلك تقوم الصين باتباع استراتيجية التدخل المضاد من أجل الحفاظ على قوة الحزب في الداخل، وترتكز هذه الاستراتيجية على مبدأ صيني يسمى "الفوز بدون قتال"، أي أن الصين تعمل على بسط نفوذها السياسي في الدول الأخرى من خلال "الدبلوماسية القسرية"، التي تعني اختراق أنظمة الدول من خلال الهجمات السيبرانية وعمليات التجسس للاطلاع على البيانات السرية، فضلًا عن وقوف الصين وراء حملات إعلامية لنشر معلومات مضللة بهدف الترويج لحججها في نزاعها مع الولايات المتحدة.

في حين أن التهديد الرابع، هو التهديد الاقتصادي، فالصين تتبع ممارسات اقتصادية غير عادلة مما يؤثر سلبًا على طبيعة المنافسة الاقتصادية بين الشركات الصينية ونظيرتها الأمريكية والأوروبية، وعلى رأس هذه الممارسات هو الدعم المالي الذي تتلقاه الشركات من الدولة الصينية لتقوية مركزها المالي في الأسواق العالمية. فضلًا عن أن الرئيس الصيني أشار إلى تركيز بلاده على تطوير الصناعات المتعلقة بالحوسبة الكمية والذكاء الاصطناعي، ونية الصين لأن تتمتع بمركز الصدارة العالمي في هذين المجالين، وهو ما يهدد التفوق التكنولوجي الذي تتمتع به الولايات المتحدة وعدد من حلفائها.

ويتمثل التهديد الخامس في التهديد العسكري، ففي بداية يناير 2021، تم تحديث قانون الدفاع الوطني الصيني ليشمل التنمية الاقتصادية كأساس للعمل العسكري، مما يعني أن الصين تسعى لدمج التكنولوجيا التي يتم استخدامها على الصعيد الاقتصادي كأساس للتطوير العسكري.

كما أعلنت الصين في عام 2020 عن ميزانية دفاعية قدرها 178.2 مليار دولار، بزيادة حوالي 6.6% عن العام السابق، وبينما تبلغ الميزانية السنوية للصين حوالي ربع الإنفاق الدفاعي السنوي للولايات المتحدة؛ إلا أن هذه الصورة تتغير عندما يتم تحليل الميزانيات العسكرية من منظور القوة الشرائية. ففي عام 2017، تم قياس ميزانية الدفاع الصينية بالاعتماد على مؤشر القوة الشرائية، وقد بلغت 87% من ميزانية الدفاع للولايات المتحدة في ذلك العام. وهو ما أثار حفيظة وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية من أن الصين تبني قدراتها العسكرية في المجالات الجوية والبحرية والفضائية والمعلوماتية، مما سيمكنها من تعزيز سيطرتها الإقليمية في آسيا.

وفي هذا السياق، يُشير التقرير إلى أربعة سيناريوهات محتملة لوضع الصين بحلول عام 2050؛ السيناريو الأول وهو الأكثر ترجيحًا، ومفاده أن تقترب الصين من تحقيق هدفها ولكنها لا تستطيع بشكل كامل أن تُطور قوة عسكرية واقتصادية وأن تتمتع بتأثير جيوسياسي مماثل لقوة وتأثير الولايات المتحدة، كما سيظل وضع تايوان غير محسوم. أما السيناريو الثاني، وهو سيناريو مرجح حدوثه، وخلاله تشهد الصين ركودًا وانعكاسًا في نموها وتطورها. أما السيناريو الثالث والرابع، وهما الأقل احتمالًا في نسبة حدوثهما، فيقضي السيناريو الثالث بأن تحل الصين محل الولايات المتحدة كمركز جيوسياسي جديد للعالم، وأن تتوحد مع تايوان. في حين أن السيناريو الرابع يتمحور حول فشل السياسات الداخلية الصينية وتنامي التناقضات الداخلية وانهيار النظام الصيني. 

حدود الاتفاق والاختلاف في مواجهة التهديد

تُعد مجابهة النفوذ الصيني من أهم الموضوعات التي تحظى بتوافق بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة. فبشكل عام، كان الجمهوريون يميلون إلى التأكيد على التحديات الاقتصادية للصعود الصيني، وهو ما تجلى في خطاب "ترامب" وحربه التجارية مع الصين. بينما ركز الديمقراطيون بشكل أكبر على انتهاكات الصين لحقوق الإنسان؛ إلا أنهم أصبحوا يدركون مدى خطورة الصين على الصعيدين العسكري والاقتصادي. 

يشير التقرير إلى أن "ميشيل فلورنوي"، وكيل وزارة الدفاع في إدارة "أوباما"، قد اقترحت أنه يجب أن تكون لدى الولايات المتحدة القدرة على "إغراق جميع السفن العسكرية والغواصات والسفن التجارية الصينية في بحر الصين الجنوبي في غضون 72 ساعة".

وفي هذا الصدد، يرى كاتبو التقرير أن إدارة "ترامب" لم تستفد من هذا الإجماع بين الحزبين، واتخذت منهجًا أحاديًا للتعامل مع الصين، ومن ثم فإن إدارة "بايدن" لديها فرصة للاستفادة من الإجماع بين الحزبين بشأن التهديدات الصينية.

وقد عرض التقرير المخاوف الأوروبية من الصعود الصيني، حيث أشار إلى أن  المملكة المتحدة تحولت من الرغبة في إقامة علاقة تجارية وثيقة مع الصين من خلال السماح لشركة هواوي بلعب دور في شبكات الجيل الخامس في بريطانيا، إلى اتخاذ موقف معادٍ للصين بسبب قمع الأخيرة للاحتجاجات في هونج كونج. كما قامت السويد بتعليق جميع أنشطة معاهد كونفوشيوس على أراضيها.

ولطالما كان يُنظر إلى ألمانيا على أنها أقوى داعم للصين في أوروبا، لأسباب منها اهتمامها القوي بالحفاظ على مناخ ملائم لعمل شركاتها في مجال السيارات في الصين. ومع ذلك، علقت ألمانيا عام 2020 معاهدة تسليم المجرمين مع هونج كونج، وعرضت اللجوء على المعارضين في هونج كونج، وأعلنت عن نيتها لعب دور أمني أقوى في المحيطين الهندي والهادئ، بما في ذلك عمليات الانتشار البحري.

ويشير التقرير إلى أن أوروبا بدأت تتنبه للخطر الصيني، خاصة مع إبرام الصين في نوفمبر 2020 لاتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة التي بموجبها تم إنشاء أكبر منطقة تجارة حرة في العالم، كما حذر عدد من الدول الأوروبية من أن تنامي القدرات التكنولوجية الصينية قد يسمح لها في المستقبل بالتحكم في البيئة الرقمية العالمية.

يشير التقرير إلى اختلاف رؤية الرأي العام الأمريكي والأوروبي للتهديد الصيني، فذكر أنه في يوليو 2020، وجد "مركز بيو للأبحاث واستطلاعات الرأي" أن 73% من الأمريكيين عبروا عن وجهة نظر سلبية حول الصين، حيث ألقى 78% من المشمولين باستطلاع الرأي اللوم على الحكومة الصينية حيال تفشي فيروس كورونا. وفي استطلاع رأي آخر "لموقع بوليتكو"، رأى 61% من الأمريكيين أن الصين هي "عدو".

أما على الصعيد الأوروبي فقد كان هناك انقسام، فرغم أن 74% من البريطانيين، و71% من الألمان، و73% من الهولنديين، و63% من الإسبان، و81% من السويديين، قد أبدوا آراء سلبية حول الصين خلال عام 2020؛ إلا أن قطاعات بارزة من الأوروبيين، خاصة في جنوب وشرق أوروبا، قد شهدت تحسنًا في رؤيتهم للصين. فتشير الاستطلاعات إلى أن 14% من البولنديين و21% من الإيطاليين و22% من البلغار، قد تحسنت رؤيتهم عن الصين، كما قال ربع الإيطاليين أيضًا إن الصين كانت أكبر حليف لهم خلال الوباء.

لذا يُحذر التقرير من أن الاختلافات بين الرأي العام الأمريكي والأوروبي وتنوع الآراء داخل أوروبا يمكن أن تحد من نطاق الإجراءات المحتملة التي تتخذها إدارة "بايدن" بالتعاون مع أوروبا لتحجيم النفوذ الصيني، وأنّ صانعي السياسات الأمريكيين والأوروبيين سيتحتم عليهم صياغة المبادرات والاستراتيجيات بعناية فائقة، وذلك لضمان احتفاظهم بقبول ودعم شعبي.

التحديات صياغة استراتيجية أمريكية-أوروبية 

يحاجج كاتبو التقرير بأن هناك أربعة تحديات تواجه إدارة "بايدن" لصياغة استراتيجية موحدة مع الحلفاء الأوروبيين للضغط على الصين. يتمثل التحدي الأول في استمرار التعاون بين شركات القطاع الخاص الأوروبي والشركات الصينية، فقد أشار التقرير إلى أن ثلاث شركات أوروبية (مورفو الفرنسية، وشركة أكسيس كوميونيكيشنز السويدية، وشركة نولدوس لتكنولوجيا المعلومات الهولندية)، قد باعت أنظمة مراقبة رقمية إلى الصين، والتي يتم استخدامها في برامج المراقبة الجماعية في الصين. لذا يسلط التقرير الضوء على أوجه القصور في لوائح التصدير الأوروبية الحالية، والتي لا يبدو أن هناك أي بادرة لتغييرها لتصبح أكثر صرامة في المستقبل القريب.

أما التحدي الثاني، فيتعلق بالاختلافات بين الأطر القانونية بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية فيما يخص كيفية فرض العقوبات على المسؤولين الأجانب، فالإطار القانوني الأمريكي (قانون ماجنيتسكي) يخول للولايات المتحدة أن تعتبر تهم الفساد سببًا لفرض العقوبات على المسؤولين الأجانب، على عكس الإطار القانوني الأوروبي الذي لا يدرج تهم الفساد كسبب لفرض مثل هذه العقوبات.

أما التقارب الصيني-الروسي فهو التحدي الثالث، فقد قامت روسيا بتزويد الصين بمعدات عسكرية متطورة، مثل صاروخ أرض-جو S-400، والطائرة المقاتلة Su-35، فضلًا عن التدريبات العسكرية المشتركة التي تُجريها روسيا والصين في أوروبا وحولها، وهو ما يُعد مصدر قلق رئيسيًا لكل من الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، ليس فقط بسبب زعزعة الاستقرار في أوروبا أو البحر المتوسط؛ بل لأن تكوين جبهة روسية-صينية قد يعمل على التخفيف من أي ضغوط قد تمارسها الولايات المتحدة وحلفاؤها على الصين.

ولكن من الممكن أن تستفيد إدارة "بايدن" من اعتماد الصين بشكل كبير على المعاملات التجارية والاقتصادية مع كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للحد من تعاونها العسكري مع روسيا.

أما التحدي الرابع، فيتعلق بأهمية إشراك عدد كبير من الدول الآسيوية في مبادرات واستراتيجيات الولايات المتحدة وأوروبا لمواجهة تصاعد النفوذ الصيني، وهو ما يمثل تحديًا رئيسيًا أمام إدارة "بايدن"، فالاختلافات داخل منطقة المحيطين الهندي والهادئ أعمق بكثير من تلك الموجودة في أوروبا، فدول المنطقة تختلف في رؤيتها للصعود الصيني, وذلك بسبب الارتباط الاقتصادي الوثيق مع الصين خاصة مع دول الآسيان، مما قد يصعب مهمة الولايات المتحدة وحلفائها لصياغة استراتيجيات اقتصادية على الصعيد الآسيوي للحد من التوسع الصيني.

فضلًا عن أن اعتماد الولايات المتحدة وأوروبا على المبادرات القائمة على إدانة انتهاكات حقوق الإنسان في الصين، ستعمل على إحجام الدول الآسيوية غير الليبرالية عن المشاركة في مثل هذه المبادرات خوفًا من التدخل الغربي في بلدانهم.

أبرز التوصيّات 

تضمن التقرير عدد من التوصيات لصياغة استراتيجية أمريكية-أوروبية فعّالة تجاه الصين، ويتمثل أبرز التوصيات التي أوردها التقريرفيما يلي:

1- صعيد حقوق الإنسان: يجب على الولايات المتحدة والدول الأوروبية تبني خطاب واحد لإدانة انتهاكات الصين لحقوق الإنسان، فحتى الآن لم تصف أي دولة في العالم ما يحدث لأقلية بأنه "إبادة جماعية" سوى الولايات المتحدة، لذا على إدارة "بايدن" بذل مزيد من الجهود لإقناع حلفائها الأوروبيين بتبني خطاب مماثل.

وفيما يتعلق بهونج كونج، يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين العمل على زيادة مناصرتهم للحريات المدنية والسياسية في المدينة، وأن يقوموا بتوفير ملاذ آمن لمناصري الحقوق المدنية في هونج كونج.

كما تناول التقرير ضرورة مواصلة الدفع القوي والمتعدد الأطراف لإجراء تحقيق مستقل وإرسال بعثات لتقصي الحقائق إلى الصين للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في إقليم شينجيانج وهونج كونج. ويمكن أن يتم إرسال هذه البعثات من خلال الاتحاد الأوروبي ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وحال رفض الصين لذلك فإن ذلك سيمثل فرصة للولايات المتحدة للتأكيد على أن الصين تخفي انتهاكات لحقوق الإنسان، ولا تحترم المؤسسات والنظام الدولي. 

وقد أوصى التقرير بأنه يتعين على الدول التي ترتبط مع الصين أو هونج كونج بمعاهدات تسليم المجرمين (وهي: بلجيكا، وبلغاريا، وقبرص، وفرنسا، وليتوانيا، والبرتغال، ورومانيا، وإسبانيا، وتركيا) أن تقوم بإلغاء هذه المعاهدات، ناهيك عن عدم قيام دول أوروبية جديدة بإبرام معاهدات لتسليم المجرمين مع الصين.

2- الصعيد الاقتصادي: يجب على الولايات المتحدة وجميع الدول الأوروبية المطالبة بأن تتضمن أي اتفاقيات أو عقود يتم إبرامها مع الشركات الصينية بنودًا تنص على ضرورة احترام حقوق الإنسان، والالتزام بمعايير العمل في التجارة والاستثمار والاتفاقيات الاقتصادية الدولية.

كما يقترح كاتبو التقرير أن تقوم الولايات المتحدة والدول الأوروبية بسن تشريعات صارمة للحد من صادرات التكنولوجيا الأوروبية والأمريكية إلى الصين التي يمكن استخدامها لأغراض المراقبة الجماعية. بالإضافة إلى ذلك، يجب حظر الواردات من شينجيانغ وأجزاء أخرى من الصين، حيث يتم استخدام العمالة القسرية. ويوصي التقرير بأن تقوم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالتعاون لحماية أسواقهما من إغراق السلع الصينية، فضلًا عن ضرورة ضمان وصول المنتجات الأمريكية والأوروبية بشكل أكبر إلى الأسواق الصينية. وكذلك الحماية من الهجمات السيبرانية الصينية التي تستهدف سرقة الأسرار التكنولوجية الاقتصادية. ناهيك عن أهمية إنشاء آلية للحد من الاستثمارات الصينية في البنية التحتية الاستراتيجية الأوروبية التي يمكن أن تقوض قدرة الناتو على التعامل مع الصين حال نشوب أي نزاع.

3- الصعيد الدبلوماسي والإعلامي: يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها، الاهتمام بتمويل الأبحاث المهتمة بالتحقيق حول مدى اختراق المجتمع (المواطنين والسياسيين ورجال الأعمال) من قبل الاستخبارات الصينية. وأن يتم تنسيق الاستجابات العالمية في حالة الكشف عن أي قضية تجسس أو اختراق من قبل الصين لممارسة مزيد من الضغوط الدولية على الصين.

4- الصعيد العسكري: يقترح كاتبو التقرير أنه يتعين على الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين إجراء مزيد من التدريبات والمناورات العسكرية بشكل واقعي وافتراضي، وذلك لتقييم مدى تأثر الأمن الأوروبي في حالة نشوب صراع صيني أمريكي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. 

كما يجب على حلف الناتو تصميم التدابير العسكرية اللازمة حال نشوب مثل هذا النزاع، وهذه المراجعة ستشمل زيادة المشاركة المالية المفروضة على الدول الأوروبية في الحلف. وفي الوقت ذاته، يجب على الناتو تشكيل "لجنة الناتو والصين" بهدف مناقشة المخاوف الأمنية ومجالات التعاون المحتمل بين الجانبين. 

5- الصعيد الآسيوي: يقترح كاتبو التقرير أن تبدأ الولايات المتحدة وحلفاؤها بمواجهة التغلغل الصيني في آسيا من خلال المبادرات الثنائية مع الدول الآسيوية، والتي تقوم على تعزيز التبادل التجاري والاستثماري بين الجانب الآسيوي والجانبين الأمريكي والأوروبي، وهو ما قد يحفز عددًا أكبر من الدول الآسيوية على الانضمام للمبادرات والاستراتيجيات التي من شأنها الحد من النفوذ الاقتصادي الصيني في المنطقة. فضلًا عن أهمية فتح مزيد من الأسواق الآسيوية للشركات التكنولوجية الأوروبية والأمريكية لمنافسة شركة هواوي، وتقليل الاعتماد الآسيوي على التكنولوجيا الصينية.

ختامًا، يؤكد التقرير أن الولايات المتحدة وحلفاءها، سواء من أوروبا أو آسيا، يتعين عليهم تدشين آلية للحوار وتبادل وجهات النظر حول كيفية صياغة سياسة موحدة لمعالجة والحد من مخاوفهم تجاه الصين. وأنه على الرغم من أهمية تطوير جبهة موحدة عبر الأطلنطي للحد من الأنشطة السلبية للصين، إلا أن هناك مجالات للتعاون المشترك بين الصين من ناحية، والولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين والآسيويين من ناحية أخرى، ومن أهم هذه المجالات (مكافحة الأوبئة والتغير المناخي، ومنع انتشار الأسلحة النووية، وحفظ السلام الدولي).

المصدر: 

Hans Binnendijk , Sarah Kirchberger and others, The China Plan: A Transatlantic Blueprint for Strategic Competition, Atlantic Council, March 2021.