أخبار المركز
  • إصدارات جديدة لمركز "المستقبل" في معرض الشارقة الدولي للكتاب خلال الفترة من 6-17 نوفمبر 2024
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

معادلة صعبة:

هل تستطيع موسكو مقايضة نفوذ إيران في سوريا بالعقوبات؟

26 نوفمبر، 2018


تحاول روسيا في المرحلة الحالية مواصلة تفاهماتها السياسية والأمنية مع الأطراف الرئيسية المنخرطة في الصراع السوري بمستويات وأنماط مختلفة. لكن المشكلة الأساسية التي تواجهها في هذا السياق تتمثل في تشابك وتناقض مصالح تلك الأطراف، على نحو يفرض خيارات محدودة أمامها ولا يتيح لها هامشًا واسعًا من الحركة، بل إنه يتسبب، في بعض الأحيان، في توتر علاقاتها مع هذه الأطراف، على نحو ما قائم حاليًا في علاقاتها مع إسرائيل بسبب اتهامها للأخيرة بالمسئولية عن إسقاط طائرة "إيليوشن 20" الروسية في 17 سبتمبر 2018.

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن الأفكار الجديدة التي تعمدت روسيا الكشف عنها لاستشراف مواقف القوى المعنية بها قبل اللقاء الذي قد يجمع الرئيسين الروسي فيلاديمير بوتين والأمريكي دونالد ترامب على هامش قمة العشرين التي ستعقد في الأرجنتين يومى 30 نوفمبر و1 ديسمبر 2018، والخاصة بالوصول إلى مقايضة بين إنهاء نفوذ إيران في سوريا مقابل تخفيف العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، تواجه عقبات عديدة لا تبدو هينة، في ظل تباين رؤية الأطراف المختلفة لأهداف وتداعيات تلك العقوبات.

اعتبارات مختلفة:

لن تقبل إيران بسهولة بإنهاء أو حتى تقليص نفوذها في سوريا مقابل تخفيف العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، لاعتبارات عديدة. إذ أنها لن تتنازل عن وجودها في سوريا، خاصة أنها استنزفت موارد مالية وبشرية غير محدودة حتى قبل اندلاع الصراع في سوريا في عام 2011، من أجل ترسيخ هذا الوجود ووضع عراقيل عديدة أمام الجهود التي تبذل للقضاء عليه أو احتواءه.

كما أن هذه المقايضة معناها توجيه ضربة قوية لحلفاءها، لا سيما النظام السوري وحزب الله، باعتبار أن إيران هى المصدر الرئيسي للدعم المالي والعسكري، بما يعني أن إنهاء وجودها في سوريا سيؤدي إلى وقف هذا الدعم، وبالتالي إضعاف قدراتهم العسكرية في مواجهة الأطراف المناوئة لهم.

فضلاً عن ذلك، فإن هذا الخيار سوف يفرض تداعيات مباشرة على الميليشيات الطائفية التي قامت إيران بتكوينها وتدريبها ليس فقط لمساعدة النظام السوري في مواجهة خصومه وإنما أيضًا لتعزيز جهود إيران في تكريس نفوذها العسكري على الأرض. وبالطبع، فإن عدم حسم المسارات المحتملة للأدوار التي يمكن أن تقوم بها هذه الميليشيات في المرحلة القادمة يضعف من إمكانية قبول إيران بمثل هذه المقايضة، باعتبار أنها سوف تحسم مصير هذه المليشيات قبل أن تبحث الخيارات الخاصة بوجودها في سوريا.

كما أن إيران لن تقبل بأية صفقات جديدة مع الإدارة الأمريكية في المرحلة الحالية. إذ أنها قد تفضل التريث في دراسة هذا الخيار، إلى حين تبلور ظروف قد تكون أكثر توافقًا مع مصالحها.

وبمعنى آخر، فإن إيران ما زالت مصرة على تحدى العقوبات الأمريكية، وترى أن لديها من الآليات ما يمكن أن يساعدها في مواجهة تلك العقوبات، رغم تداعياتها القوية على الساحة الداخلية، بشكل يمكن أن يدفعها إلى تأجيل خيار التفاوض أو الوصول إلى صفقات مع الإدارة الأمريكية حتى تتمكن من تعزيز موقعها التفاوضي لتقديم أقل قدر من التنازلات لواشنطن.

واللافت في هذا السياق، هو أن بعض الخطوات الأخيرة التي اتخذتها الإدارة الأمريكية في مرحلة ما بعد تطبيق الحزمة الثانية من العقوبات، في 5 نوفمبر الجاري، وجهت ما يمكن تسميته بـ"الإشارات الخاطئة" لإيران، التي اعتبرت، على سبيل المثال، أن إعفاء 8 دول من العقوبات الأمريكية الخاصة بوارداتها النفطية من إيران بشكل مؤقت، يضعف من قدرة الإدارة الأمريكية على تحقيق هدفها الخاص بتصفير الصادرات النفطية الإيرانية، وهو ما سيدفعها إلى التمسك بمواقفها على الأقل في المدى القريب وعدم تقديم تنازلات أو القبول بمثل تلك الصفقات.

شكوك مستمرة:

كما أن إيران ما زالت تبدي شكوكًا في إمكانية الوصول إلى اتفاق مع الإدارة الأمريكية الحالية، حيث ترى أن انسحابها من هذا الاتفاق هو احتمال وارد بقوة على غرار موقفها من الاتفاق النووي الحالي. وقد عبر عن ذلك وزير الخارجية محمد جواد ظريف بقوله، في 22 نوفمبر الجاري، أن "إيران لا ترى داعيًا لإجراء محادثات جديدة مع الولايات المتحدة دون وجود ضمانات بعدم الرجوع عن أى اتفاق يتم التوصل إليه"، مشيرًا إلى سحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب توقيعه على البيان الختامي لقمة مجموعة الدول الصناعية السبع التي عقدت في كندا في 9 يونيو 2018.

واللافت في هذا السياق، هو أن هذه الشكوك الإيرانية تمتد أيضًا إلى روسيا. فرغم التعاون الوثيق بين الطرفين سواء في الملف النووي أو السوري، فإن إيران باتت تبدى قلقًا واضحًا إزاء السياسة التي تتبناها موسكو في سوريا، خاصة بعد تغير توازنات القوى العسكرية لصالح النظام السوري.

وفي رؤية طهران، فإنه بعد تعزيز موقع النظام السوري تراجع رهان موسكو على الوجود العسكري الإيراني داخل سوريا، باعتبار أنه لم يعد هناك داعٍ لبقاء القسم الأكبر من القوات والميلشيات التابعة لإيران طالما أن النظام السوري تمكن من استعادة مساحة كبيرة من الأراضي السورية بالتوازي مع تراجع قدرة القوى المناوئة له على إسقاطه أو تهديد بقاءه في السلطة.

وتستند إيران في هذا الصدد إلى التفاهمات المستمرة التي تتوصل إليها روسيا مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، وترى أن الهدف الأساسي منها ليس تحجيم نفوذ إيران على الأرض فحسب، رغم أهمية ذلك بالطبع، وإنما تكريس نفوذ روسيا على المستويات العسكرية والسياسية والاقتصادية، بل وربما الاجتماعية أيضًا، باعتبار أنها الطرف الرئيسي الذي يتحكم في مقاليد الأمور داخل سوريا.

رفض أمريكي:

كذلك، لا يبدو أن الإدارة الأمريكية في وارد القبول بمثل تلك الصفقة، لاعتبارات خاصة بمصالح وحسابات واشنطن. فرغم أن وجود إيران في سوريا يحظى باهتمام خاص من جانب الأخيرة، إلا أنه ليس الخلاف الوحيد العالق بين الطرفين، بل إن أهميته قد تتراجع في حالة ما إذا قورن بملفات أخرى تحظى بأولوية خاصة من قبلها، على غرار البرنامجين النووي والصاروخي.

إذ تتشكك واشنطن في أن إيران تحاول الالتفاف على الاتفاق النووي الحالي وتستطيع تطوير جانب سري عسكري من برنامجها النووي. فضلاً عن أنها تتابع بالطبع تهديدات إيران باستهداف قواعدها العسكرية من خلال صواريخها الباليستية، وكان آخرها التهديدات التي وجهها قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري في 22 نوفمبر الجاري.

ومن هنا، لن تقبل واشنطن، على الأرجح، بالوصول إلى صفقة جزئية مع إيران، خاصة أنها ترى أن الاستمرار في السياسة الحالية القائمة على رفع مستوى العقوبات ومواصلة الضغط على إيران قد يتيح انتزاع مكاسب أكبر على المستويين النووي والإقليمي.

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن الأفكار الروسية الجديدة لا يبدو أنها تستوعب المعطيات الجديدة التي يفرضها التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، والذي بات مفتوحًا على أكثر من مسار خلال المرحلة القادمة.