أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

الشروق:

هجوم كابول.. لماذا يستهدف تنظيم داعش خراسان الصين؟

27 ديسمبر، 2022


نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا تناول أسباب استهداف تنظيم داعش خراسان للصين ودلالات الهجوم الإرهابى الذى استهدف الرعايا الصينيين فى كابول، مشيرا إلى أن هذا الاستهداف يمثل تحولا كبيرا فى استراتيجية التنظيم تجاه دولة كبرى فى النظام الدولى.. نعرض من المقال ما يلى.

أعلن فرع تنظيم داعش فى أفغانستان، والمعروف باسم داعش خراسان، مسئوليته عن الهجوم الإرهابى الذى استهدف فندقا يقطنه رعايا صينيون بالعاصمة الأفغانية كابول، فى 12 ديسمبر 2022، وهو الهجوم الذى صدم بكين بشدة لاستهدافه مواطنيها، على الرغم من كونها إحدى الدول القليلة التى تربطها علاقات وطيدة مع حركة طالبان الحاكمة.

• • •

تتعدد الدوافع وراء التفجير الانتحارى ضد الرعايا الصينيين بكابول، والتى يمكن توضيحها فى الآتى:

1ــ سعى الصين للهيمنة العالمية: ينتقد تنظيم داعش خراسان، عبر وسائطه الإعلامية، التوسع الاقتصادى العالمى لبكين، واصفا ذلك بـ«الإمبريالية الصينية»، وهو أمر يمثل تطورا لافتا فى خطاب التنظيم المتشدد ضد النفوذ الاقتصادى المتزايد للصين فى الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

2ــ إساءة معاملة الصين لمسلمى الإيجور: تُعد من الاعتبارات المهمة وراء عداء داعش لبكين، وبالتالى استهدافه لها، فى اعتقادهم بأنها تُمارس سياسات تمييزية تجاه الإيجور، كما تقوم بحملة تطهير عرقى ضدهم فى منطقة شينجيانج الإيجورية ذاتية الحكم، وذات الأغلبية المسلمة فى شمال غرب الصين، والتى يُطلق عليها الانفصاليون المسلمون تسمية تركستان الشرقية.

ولذلك تعتبر تنظيمات جهادية إقليمية ودولية عدة الصين عدوا لها، ومنها الحزب الإسلامى التركستانى الإيجورى، وحركة أوزبكستان الإسلامية، وحركة طالبان باكستان، بالإضافة إلى تنظيمى داعش والقاعدة.

3ــ تشدد بكين ضد تنظيم داعش: تبنت السلطات الصينية خلال الفترة الأخيرة سلسلة مواقف تعكس توجها حازما ومتشددا تجاه تنظيم داعش، حيث حذرت من موجة إرهابية جديدة وعودة تنظيم داعش منطلقا من ثلاث دول عربية، وكذلك انتشاره بوتيرة أسرع فى أجزاء كثيرة من أفريقيا، كما دعت المجتمع الدولى إلى إيلاء اهتمام شديد للتهديدات الإرهابية التى تشكّلها حركة تركستان الشرقية الإسلامية، فى ظل وجود ما يتراوح بين ألف و ثلاثة آلاف من مقاتليها فى سوريا.

4ــ الإضرار بعلاقات أفغانستان الخارجية: تتسبب العمليات الإرهابية التى تستهدف المواطنين الصينيين فى الخارج فى إثارة ردود فعل قوية وحازمة من جانب الصين، الأمر الذى قد تنظر إليه الدول المعنية على أنه تدخل فى شئونها الداخلية، كما يبدو من الواضح أن التنظيم يعمل على تفريغ كابول من أى وجود دبلوماسى أجنبى، وعدم تشجيع أى دولة على إقامة علاقات مع الحكومة الأفغانية المؤقتة الحالية.

وكذلك، يحاول التنظيم إثارة السخط الشعبى ضد الصين، من خلال ما يتم الترويج له من تسبب مشروعات مبادرة الحزام والطريق الصينية فى فساد المسئولين وتدنى ظروف العمل واستغلال الموارد وتزايد الديون للدول المشاركة فى مشاريعها، وهى ظروف تشكل أرضية خصبة ومواتية لنشر الفكر المتطرف المناهض للصين.

• • •

ينطوى الهجوم الإرهابى الأخير الذى استهدف الرعايا الصينيين فى كابول على مجموعة من الدلالات المتنوعة الأمنية والسياسية والاقتصادية، والتى يمكن توضيحها فى الآتى:

1ــ الإضرار بمبادرة الحزام والطريق: يتجه تنظيم داعش وفروعه المحلية إلى استهداف المصالح الصينية، وتحديدا المشاريع التى تندرج فى مبادرة الحزام والطريق، والمقدرة بمليارات الدولارات. ويلاحظ أن المشاريع المرتبطة بها، خاصة تلك الموجودة فى باكستان هى الأكثر عرضة للتهديدات، حيث تعهدت الصين بتقديم 57 مليار دولار لمشاريع مرتبطة بالمبادرة هناك.

وبالتالى، فإن التنظيم يسعى لإعاقة عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية فى البلدان المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق، مما يؤثر على المردود المتوقع من المبادرة ذاتها. وكذلك يهدد الاقتصادين الصينى والعالمى.

2ــ تنامى التهديدات الخارجية للصين: يلاحظ أن التهديدات المرتبطة بعدم الاستقرار السياسى والأمنى، وتصاعد الإرهاب فى الدول المجاورة تهدد مصالح بكين، الأمنية والاقتصادية، فى الخارج. وسبق وحذرت التحليلات الاستراتيجية والأمنية الصينية من إمكانية تصاعد التهديدات الإرهابية، التى تشهد درجة من عدم الاستقرار السياسى فى الدول الواقعة على طول مشاريع الحزام والطريق، وهو ما يؤثر على المصالح الاقتصادية لبكين.

3ــ تعزيز مكانة تنظيم داعش: يلاحظ أن أى حدث يرتبط ببكين، حتى ولو كان مجرد استهداف بضعة أفراد من مواطنيه فى الخارج، يحظى بأهمية كبيرة من جانب القوى الدولية والإقليمية الأخرى، ناهيك عن المتابعة الإعلامية الدولية، فى ظل تشعب علاقات الصين وامتدادها إلى أعضاء المجتمع الدولى كافة.

ولذلك، فإن استهداف بلد بحجم ومكانة وتأثير الصين من قبل تنظيم إرهابى، مثل داعش، لا يتجاوز عدد أعضائه المئات أو الآلاف، يعزز من مكانة التنظيم بين مختلف التنظيمات الإرهابية على أساس أنه هدد مصالح إحدى القوى العظمى فى النظام الدولى.

4ــ تزايد انكشاف الصينيين فى الخارج: يعكس تكرار الأعمال الإرهابية التى تستهدف العمالة الصينية فى الخارج وجود درجة من درجات الانكشاف الأمنى الخطير بالنسبة لهؤلاء، وهو ما يشير إلى إخفاق الجانب الصينى فى التوصل إلى إجراءات محددة مع السلطات الأمنية فى الدول التى توجد فيها عمالة صينية بهدف حمايتها ومنع استهدافها من قبل التنظيمات الإرهابية. ولعل ذلك ما يفسر لجوء بكين إلى الاستعانة بشركات أمنية خاصة من أجل حماية مصالحها ومواطنيها فى الخارج من الاستهداف من قبل التنظيمات الإرهابية.

وعلى الجانب الآخر، فإنه من الواضح أن التنظيمات الإرهابية، على اختلافها عاجزة عن استهداف الداخل الصينى بعمليات إرهابية، وذلك بسبب الإجراءات الأمنية المشددة التى تتبعها السلطات الصينية، والتى أكدت فاعليتها فى إجهاض أى تهديد إرهابى ناشئ.

5ــ هشاشة الوضع الأمنى فى أفغانستان: تعانى أفغانستان، منذ استيلاء حركة طالبان على السلطة فى هذا البلد فى أغسطس 2021، اضطرابات أمنية حادة، نظرا لعجز الحركة عن فرض الأمن والاستقرار، بجانب فشلها، حتى الآن، فى مواجهة التهديدات الإرهابية لتنظيم داعش.

وما يؤكد تعاظم تهديدات التنظيم هو تحوله من مجرد تنظيم صغير يقتصر وجوده على شرق أفغانستان إلى تنظيم بات يوجد فى معظم المناطق الأفغانية، خصوصا العاصمة كابول التى شن فيها سلسلة هجمات، استهدفت المقار الدبلوماسية لكل من روسيا وباكستان. ويتزامن ذلك مع تحذيرات باحتمالات قيام العديد من جنود المشاة التابعين لحركة طالبان بالانضمام إلى الجماعات المعارضة والمتطرفة، لعدم استفادتهم بشكل مباشر من استيلاء الحركة على السلطة.

• • •

يطرح الهجوم الإرهابى الأخير الذى تعرضت له المصالح الصينية فى أفغانستان، مجموعة من التداعيات المحتملة، والتى يمكن توضيحها فى الآتى:

1ــ تهديدات محدودة للداخل الصينى: تجاور أفغانستان الصين، وتحديدا منطقة شينجيانج الإيجورية، ولذلك تتخوف بكين من أن تتخذ الجماعات الانفصالية الإيجورية من أفغانستان قاعدة للتدريب ونقطة انطلاق لشن هجمات داخل الصين، خاصة حركة تركستان الشرقية الإسلامية الإيجورية، والتى تتهمها الصين بإثارة النزعات الانفصالية والهجمات الإرهابية داخل الصين.

ولدرء هذا التهديد، عرضت الصين تقديم الدعم الاقتصادى والاستثمارى لإعادة إعمار أفغانستان فى مقابل وعد حركة طالبان بعدم استخدام الأراضى الأفغانية كقاعدة للمسلحين ضد بكين، فضلا عن تأمين الاستثمارات والعمالة الصينية، غير أنه فى ظل تراجع قبضة حركة طالبان الأمنية على أفغانستان فى مواجهة داعش، فإنه من غير الواضح مدى قدرة الحركة على الوفاء بتعهداتها لبكين، وإن كان من الواضح أن الصين لا تزال قادرة على منع اختراق حدودها من جانب أفغانستان.

2ــ استهداف مصالح الصين الخارجية: على الرغم من صعوبة قيام التنظيمات الإرهابية بتنفيذ هجمات إرهابية داخل الصين، لا سيما فى ظل افتقار سكان شينجيانج للتنظيم الجيد، فإن هناك إمكانية لحدوث زيادة فى الهجمات على المواطنين الصينيين والبنية التحتية للصين ومصالحها فى الخارج، حيث تكون الجماعات الإرهابية أكثر قدرة على تحدى توسع الصين واتصالاتها فى أوراسيا.

وفى الختام، يمكن القول إن قيام تنظيم داعش خراسان باستهداف الصين أخيرا، يمثل تحولا كبيرا فى استراتيجية التنظيم تجاه دولة تُعد من القوى الكبرى فى النظام الدولى الحالى، والتى تتمتع بدرجة كبيرة من الاستقرار السياسى والأمنى الداخلى الذى يجعل من إمكانية قيام التنظيم بشن هجمات إرهابية داخلها مسألة صعبة، إن لم تكن مستحيلة الحدوث. وعلى الرغم من لجوء الصين إلى الرد على الهجوم الذى استهدف رعاياها أخيرا عبر القنوات الدبلوماسية المعتادة، فإن تكرار هذه الهجمات فى دول قريبة جغرافيا من الصين سيدفعها فى المستقبل إلى الرد عليها عسكريا، عبر توظيف الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة.

*لينك المقال في الشروق*