أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

الإرهاب الهجين:

كيف يُشكِّل تنظيم "الرايات البيضاء" تهديدًا للعراق؟

21 فبراير، 2018


شكّل صعود تنظيم أصحاب "الرايات البيضاء" تحديًا أمنيًّا جديدًا للدولة العراقية، فبعد الهزائم الميدانية التي تعرض لها تنظيم الدولة الإسلامية، وتقويض نموذج الدويلة التي يمثلها، بدا مستقبل العراق والمنطقة ككل مفتوحًا على سيناريوهات عديدة تتراوح بين استمرار العديد من العناصر الإرهابية التي كانت تنتمي إلى "داعش" في ولائها للتنظيم ولأفكاره في إطار نموذج يفتقر إلى البعد التنظيمي المتماسك، ولكنه -في الوقت ذاته- يعبر عن درجة من الشراكة الفكرية، تتلاقى مع أفكار "داعش"، التي يمكن من خلالها تنفيذ هجمات للذئاب المنفردة. 

ثمة سيناريو آخر يفترض إمكانية اندماج عناصر "داعش" في تنظيمات مسلحة هجينة جديدة، تضم أعضاء لهم خلفيات فكرية مختلفة، ويكون لديهم هدف مشترك لمواجهة المؤسسات العراقية في محاولة للثأر من هذه المؤسسات. وفي هذا السياق، يبدو من الصعب، وفقًا للمعطيات الراهنة، الحكم على تنظيم "الرايات البيضاء" على أنه يستنسخ تجربة "داعش"، حيث يبدو أن التنظيم يضم في صفوفه عناصر مختلفة غير تلك التي كانت منضوية تحت "داعش".

التنظيم "الهجين":

تُرجّح المعلومات المتاحة، والتي لا تزال محدودة، عن تنظيم "الرايات البيضاء" من فرضية كونه تنظيمًا مسلحًا هجينًا، فالتنظيم الذي يُقدر عدده بعدة مئات يضم أعضاء سابقين في تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، بالإضافة إلى أعضاء سابقين في مجموعات لها صلات بالميليشيات الكردية في شمال العراق. وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى عدد من الدلالات الرئيسية المرتبطة بتنظيم "الرايات البيضاء" وذلك على النحو الآتي: 

1- انتماءات متعددة: فقد تعددت التوصيفات للتنظيم الجديد، حيث افترض عدد من المسئولين الأمنيين في محافظة ديالى "أن عناصر التنظيم هم من بقايا عناصر داعش"، وفي هذا السياق، يطرح البعض اسم "أحمد حكومة" كقائد لتنظيم "الرايات البيضاء"، وهو شخص كان منتميًا في السابق لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وضمن هذا الاتجاه يعتقد البعض أن التنظيم الجديد عبارة عن صيغة وواجهة جديدة لتنظيم أنصار الإسلام في كردستان.

ثمة اتجاه آخر يصنف تنظيم "الرايات البيضاء" بأنه تنظيم كردي خالص يضم مجموعة من الميليشيات الكردية المسلحة المعارضة للسلطة. وإن كان البعض الآخر يفترض أن التنظيم الجديد مرتبط بحزب البعث، حيث أشار "صادق الحسيني"، رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة ديالى، في ديسمبر 2017، إلى أن "حزب البعث يقوم بتجميع مؤيديه ونقلهم بشكل سري إلى مراكز تدريب بغرض تشكيل فصائل مسلحة". 

وبالرغم من هذا التباين حول توصيف ماهية تنظيم "الرايات البيضاء" الذي يتخذ عناصره راية بيضاء اللون يتوسطها وجه أسد، فإنه من المرجح أن تكون البنية الرئيسية للتنظيم مستندة بشكل رئيسي إلى مزيج من بقايا "داعش"، وعناصر لميليشيات كردية مسلحة تحاول الضغط على الحكومة المركزية. 

2- مناطق التمركز: ينشط تنظيم "الرايات البيضاء" بصورة رئيسية في مناطق بمحافظة ديالى ومحافظة كركوك، وتتخذ عناصر التنظيم من منطقة سلسلة جبال حمرين وقضاء طوز خرماتو ملاذًا لها، حيث يستفيد التنظيم من تضاريس المكان وسلسلة جبال حمرين الصعبة التي تقع على حدود ثلاث محافظات، هي: صلاح الدين، وكركوك (في الشمال)، وصولًا إلى ديالى على الحدود الإيرانية. 

وتشير عدة مصادر أمنية عراقية إلى أن عناصر التنظيم استغلت أيضًا المنطقة الفاصلة بين القوات العراقية وقوات البيشمركة، والتي لا توجد فيها أي قوات منذ توتر العلاقة بين الجانبين في أكتوبر 2017 على خلفية استفتاء انفصال إقليم كردستان.

3- عمليات التنظيم: ذكر المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة في العراق العميد "يحيى رسول"، في فبراير 2018، أن "تنظيم الرايات البيضاء هو مجموعة غالبيتها من الخارجين عن القانون، ويقطعون الطرق، ويهربون السلاح والنفط، ويضم مجموعة من الدواعش الفارين من المعارك العسكرية التي شنها الجيش العراقي على مناطق تمركزهم". 

ويكشف هذا التصريح، والعمليات التي قام بها التنظيم، عن نمط من العمليات التي تتداخل فيها الجريمة مع الإرهاب، أو ما يعرف بمتصل الإرهاب والجريمة crime – terror continuum ، بحسب تمارا ماكارينكو Tamara makarenko، والذي ينتهى في أحد أشكاله إلى درجة أعمق من التداخل ينشأ من خلالها تنظيمات هجينة تستخدم أساليب إجرامية وتكتيكات إرهابية تخدم مصالحها.

وتتنوع عمليات التنظيم بين الهجوم على دوريات تابعة للقوات العراقية، إذ تشير بعض المصادر الأمنية إلى أن عناصر التنظيم تمتلك الكثير من الأسلحة بما في ذلك المدفعية الثقيلة وأسلحة هاون، كما تضمنت عمليات التنظيم اختطاف وحرق بعض الشاحنات، فعلى سبيل المثال، تم توجيه اتهامات للتنظيم بالضلوع في عملية حرق أربع شاحنات لمواد غذائية ونفط تعود لسائقين من محافظة البصرة، قبل أن تخطفهم على الطريق الرابط بين كركوك والسليمانية خلال شهر ديسمبر 2017. وفي شهر يناير الماضي قام التنظيم باختطاف أربعة أشخاص من منطقة "كفرى" بالقرب من قضاء طوز خورماتو.

تهديدات محتملة:

أعلنت قيادة العمليات المشتركة في العراق يوم 7 فبراير 2018 إطلاق عملية عسكرية واسعة النطاق لتحقيق الاستقرار والقضاء على العناصر والخلايا التابعة لداعش، والتنظيمات المسلحة، على غرار تنظيم "الرايات البيضاء"، التي نشأت في المناطق القريبة من طوز خورماتو. ولا يمكن إغفال ارتباط هذه العملية بالتهديدات التي يشكلها تنظيم "الرايات البيضاء" والمتمثلة فيما يلي:

1- اتفاق تبادل النفط: فظهور التنظيم في منطقة طوز خورماتو يمثل تهديدًا لمسارات نقل النفط بعد الاتفاق الذي توصلت إليه بغداد وطهران لتبادل النفط في ديسمبر الماضي، وبموجبه يتم نقل خام النفط من كركوك بالشاحنات إلى كرمنشاه في إيران بمعدل يتراوح بين 30 إلى 60 ألف برميل يوميًّا، وتلتزم إيران بتسليم نفس الكمية وبنفس المواصفات عبر موانئ جنوب العراق.

ويعني هذا الاتفاق أن العراق يحتاج إلى إرسال أعداد كبيرة من الشاحنات يصل عددها في أدنى تقدير من 75 إلى 100 شاحنة تمر عبر المناطق التي يتواجد بها تنظيم "الرايات البيضاء"، وهو ما يعزز من احتمالية تعرض هذه الشاحنات لهجمات التنظيم، وإمكانية توظيف الاستيلاء على هذه الشاحنات كمصدر لتمويل أنشطة التنظيم. 

2- الاضطرابات الأمنية: يحتمل أن يستغل التنظيم حالة عدم الاستقرار والاضطراب الأمني الحادث في شمال العراق بعد أزمة استفتاء انفصال إقليم كردستان، وتدخل قوات الحكومة المركزية لتقويض أي محاولة للانفصال تخرج محافظة كركوك الغنية بالنفط من حسابات حكومة بغداد. فقد استثمر التنظيم، بشكل أو بآخر، الصدام والتوتر الحادث بين القوات العراقية وقوات البيشمركة من أجل التكريس لتواجده، ولهذا يتمركز العديد من عناصر التنظيم في المنطقة الفاصلة بين القوات العراقية وقوات البيشمركة منذ توتر العلاقة بين الجانبين في شهر أكتوبر الماضي. 

ولعل التهديد الذي يشكله تنظيم "الرايات البيضاء" هو ما دفع الجانبين (القوات العراقية وقوات البيشمركة) إلى تخفيف حدة التوتر فيما بينهما، والتنسيق لمجابهة التنظيم، فالعملية التي أعلنت عنها بغداد في 7 فبراير 2018 شارك فيها قوات من الفرقة المدرعة التاسعة للجيش العراقي وفرقة الرد السريع التابعة لوزارة الداخلية وقوات الحشد الشعبي، بالتنسيق مع قوات البيشمركة الكردية، وبإسناد من طيران الجيش وطيران التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لمكافحة "داعش".

3- الثأر من السلطة: يبدو التهديد الأكبر من طبيعة التركيبة المحتملة، لا سيما في ظل حالة الغموض المحيطة بالتنظيم، إذ إن وجود عناصر لهم توجهات مختلفة داخل هذا التنظيم مرتبط إلى حد بعيد بهدف واحد هو الثأر من السلطة العراقية، فعناصر "داعش" تعتقد أن بغداد قضت على تجربتها ودولة النقاء المتخيلة التي كانت تصبو إليها، كما أن العناصر الكردية، أو حتى البعثية، التي يُعتقد أنها منتمية إلى التنظيم الجديد تطمح هي الأخرى في الثأر من بغداد لأنها تقوض طموحاتها السياسية. وهكذا سيؤدي هذا الطابع الانتقامي إلى هجمات مؤثرة تستهدف بالأساس مؤسسات الدولة العراقية وقواتها المتواجدة في مناطق وجود التنظيم.

مستقبل التنظيم:

قد يكون من المبكر الحكم على تنظيم "الرايات البيضاء" بأنه نسخة جديدة لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، خصوصًا أن التنظيم لم يكشف حتى الوقت الراهن بشكل واضح عن أهدافه وأيديولوجيته، وبالتالي يمكن افتراض أن التنظيم بمنزلة تنظيم هجين، سواء في عضويته أو تكتيكاته وهجماته.

واستنادًا إلى ذلك، يبدو مستقبل التنظيم مرهونًا بسيناريوهين، أحدهما أن يكون التنظيم يعبر بالفعل عن نسخة جديدة من "داعش"، وفي هذه الحالة سيكون التنظيم عرضة لتحديات كبيرة في ظل الخسائر الميدانية التي تعرض لها التنظيم الرئيسي، وفقدان الكثير من موارده ومصادر تمويله، ناهيك عن ذبول نموذج "داعش" وتراجع جاذبيته لدى العديدين.

بينما ينصرف السيناريو الآخر إلى احتمالية هيمنة طابع التمرد الكردي، حتى في حالة عضوية عناصر من "داعش" بالتنظيم، والمصالح السياسية على التنظيم الجديد، بحيث يكون التنظيم آلية تُوظَّف في الصراع الدائر بين الحكومة العراقية وإقليم كردستان، وذلك بهدف الضغط على بغداد. وفي هذه الحالة سيكون الوضع أكثر تعقيدًا بالنسبة لحكومة بغداد التي تسعى إلى تجاوز الآثار التي خلّفتها سنوات الاضطرابات الأمنية.