أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

تشديد القيود:

ملامح الاتفاق الأوروبي الجديد لسياسات الهجرة واللجوء

10 يناير، 2024


توصل الاتحاد الأوروبي – بغرفتيه المجلس (الدول الأعضاء) والبرلمان- في 20 ديسمبر 2023، إلى اتفاق سياسي بشأن إصلاح نظاميْ الهجرة واللجوء، ويتمثل الاتفاق في الميثاق الذي قدمته المفوضية الأوروبية في سبتمبر 2022. وما زال ينبغي أن يحصل الاتفاق السياسي رسمياً على موافقة كل من المجلس والبرلمان الأوروبييْن. 

وقد سبق ذلك إقرار البرلمان الفرنسي أيضاً في 19 من الشهر ذاته، قانوناً للهجرة لاقى الكثير من الانتقادات المحلية والدولية. كما صوّت مجلس العموم البريطاني، في 12 ديسمبر، بالموافقة على قانون يسمح لبريطانيا بترحيل اللاجئين الوافدين بصورة غير نظامية إلى رواندا. في دلالة على وجود اتجاه أوروبي متنامٍ إزاء إجراءات أكثر تشدداً إزاء المُهاجرين واللاجئين، في ظل بيئة يمينية مُتطرفة تتصاعد في أرجاء القارة.

اتفاقيات وقوانين: 

شهدت، الفترة الأخيرة، التوصل إلى عدد من الاتفاقيات والقوانين المتعلقة بالهجرة واللجوء في أوروبا، سواءً التي أقرها الاتحاد أم البرلمانات الوطنية، أم تلك التي تنتظر المُصادقة النهائية، ويمكن استعراض أبرزها على النحو التالي:

1. اتفاق الاتحاد الأوروبي: في ضوء تزايد معدلات الهجرة غير النظامية إلى بلدان الاتحاد الأوروبي، والتي سجلت نسبة زيادة 17%، أي بزيادة حوالي 355 ألف حالة عبور غير نظامية منذ بدء العام حتى نهاية نوفمبر 2023، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وفقاً لوكالة "فرونتكس" (الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل). ركّز الاتفاق المُعلن من قبل البرلمان والمجلس الأوروبي على مُواجهة الهجرة غير الشرعية، عبر تشديد إجراءات التدقيق للوافدين غير النظاميين، وإنشاء مراكز احتجاز للاجئين خارج دول الاتحاد الأوروبي لمدد تصل إلى 9 شهور شاملة دراسة طلبات اللجوء، على أن يتم التعجيل بترحيل طالبي اللجوء الذين رُفِضَتْ طلباتهم. 

وعلى مستوى الدول الأوروبية، سيتم تحويل عدد من طالبي اللجوء الذين بلغوا الشواطئ الأوروبية في دول جنوب المتوسط مثل إيطاليا، واليونان، وغيرهما من دول الاستقبال، إلى دول أخرى في الاتحاد الأوروبي، بما لا يقل عن 30 ألف طالب لجوء سنوياً. كما تقدم الدول الرافضة لاستقبال لاجئين جدد، مُساهمات مالية تقدر بـ20 ألف يورو عن كل طالب لجوء لم يتم نقله، لصالح الدول التي تتعرض لاستقبال اللاجئين. 

2. القانون الفرنسي الجديد: بعد رفض البرلمان النسخة الأولى من مشروع القانون في فبراير 2023، حدثت تسوية بين الحكومة الفرنسية وحزب الجمهوريين، واستبدلت المسودة السابقة بتدابير وُصِفَتْ بأنها أقرب لبرنامج حزب "التجمع الوطني" اليميني المُتطرف، وصوّت 349 نائباً بالموافقة، فيما اعترض على القانون 186 نائباً آخر. 

وقد ميّز القانون بين فئتيْن من الأجانب المُقيمين في فرنسا، الأولى؛ التي تعمل ولها مزايا الحصول على العلاوات الاجتماعية بعد 30 شهراً، والثانية؛ التي لا تعمل وعليها الانتظار لخمس سنوات للحصول على نفس المزايا السابقة. وطبقاً للقانون سوف يُحدد البرلمان الفرنسي خلال السنوات الثلاث المقبلة عدد الأجانب المُفترض بقاؤهم فيما عدا طالبي اللجوء، كما سوف يتم تجريد مُزدوجي الجنسية إذا أدينوا بجرائم القتل العمد ضد أي شخص ينتسب للسلطة العامة، ولن يصبح من حق الأبناء المولودين في فرنسا من أبويْن أجنبييْن الحصول على الجنسية إلّا بطلب ما بين الـ16 والـ18 عاماً. وفيما يخص قواعد لمّ الشمل، تم زيادة مدة الإقامة من 18 إلى 24 شهراً، وتقديم ما يثبت امتلاك موارد مُستقرة (مالية) وتأمين صحي. 

3. قانون بريطاني بترحيل اللاجئين إلى رواندا: أقرّ مجلس العموم البريطاني، في 12 ديسمبر2023، في قراءته الثانية، بموافقة 313، مقابل رفض 269، قانوناً سُمّي بـ"مشروع قانون سلامة رواندا"، وهو معني بترحيل اللاجئين من بريطانيا إلى رواندا طبقاً لاتفاق سبق وأن وُقّع بينهما. وقد واجه القانون تحديات ومراحل عديدة، بداية من ظهوره في إبريل 2022، نهاية برفض المحكمة العليا في بريطانيا للقانون، في 15 نوفمبر2023، مُعتبرة أن سياسة نقل طالبي اللجوء إلى دولة ثالثة غير قانونية، ولاسيما وأن رواندا ليست دولة آمنة. ووفقاً للقانون، يُسمَح لوزارة الداخلية البريطانية بعدم قبول أي طلب لجوء لمن عَبَر إلى البلاد بشكل غير شرعي. كذلك يفرض القانون على رواندا عدم إعادة أي شخص أرسلته بريطانيا إليها من طالبي اللجوء. 

قواسم مُشتركة:

يُلاحظ على الاتفاقات السابقة والقوانين المتعلقة بالهجرة في الاتحاد الأوروبي، وفرنسا، وبريطانيا، أن ثمّة قواسم مُشتركة سواءً في نصوصها أم مُلابسات إقرارها، كما يلي:

1. قيود مُشددة: ضغطت القوى المُنتمية لتيارات اليمين المُتطرف لإخراج قوانين ولوائح الهجرة الجديدة بشكل متشدد؛ فبالنظر إلى القانون البريطاني، المُشار إليه، فإن فكرة ترحيل اللاجئين غير النظاميين إلى رواندا، هي في الأصل، مشروع دشنه رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، بوريس جونسون في إبريل 2022، مع رواندا، وحصل على انتقادات من قبل الأمم المُتحدة والمُعارضة البريطانية والعديد من المنظمات الدولية المعنيّة بالهجرة. وفي فرنسا؛ حصل القانون الجديد للهجرة على دعم سياسي من اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان، ووصفته بأنه "نصر أيديولوجي عظيم"، بل إن هناك من يرى أن القانون يطرح برنامج اليمين المتطرف في الهجرة واللجوء، في حين أنه تسبب في استقالات بعض الوزراء من الحكومة الفرنسية، ومُعارضة من اليسار، وبعض من نوّاب حزب ماكرون (حزب النهضة وهو يمين وسط). وعلى نفس المنوال، فقد حصل اتفاق الاتحاد الأوروبي على دعم الحكومة الإيطالية، التي يُسيطر عليها اليمين، التي رأى وزير داخليتها ماتيو بيانتيدوسي، أن الاتفاق بمثابة نجاح كبير لأوروبا وإيطاليا.

شملت هذه القوانين قواعد كانت في السابق بمثابة خطوط حمراء، فمثلاً، مسألة إسقاط جنسية مزدوجي الجنسية حال ارتكابهم جرائم سبق وأن تم طرحها ورُفضت بقوة باعتبارها اعتداءً على حقوق المواطنة والمساواة، كما أن مسالة ترحيل اللاجئين إلى دولة ثالثة قد يعتبرها البعض ترحيلاً قسرياً وهو أمر أيضاً كان يُنظر إليه باعتباره خياراً لا يمكن اللجوء إليه.

2. عامل الانتخابات الأوروبية والمحلية: سيطر التفكير في الانتخابات والتنافسية على مشرّعي ومعدي قوانين الهجرة واللجوء، ففي فرنسا؛ فإن من يتصدر حملة الدفاع عن قانون الهجرة، بخلاف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، هو وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، والذي يُرجح أن يكون المُنافس الرئيسي لمارين لوبان في الانتخابات الرئاسية القادمة 2027، إذ إن قضية الهجرة واللجوء هي المحرك الرئيسي لبرنامج مارين لوبان، وهي أيضاً أبرز القضايا التي تشغل الرأي العام في فرنسا. أما عن ريشي سوناك؛ فعندما تم انتخابه، فإنه قد وعد بتقليص الهجرة – غير الشرعية- وإصلاح الاقتصاد، فيما تراجعت أسهم حزبه في مواجهة العمّال، لذا كان التفكير في رأي بوريس جونسون حلاً مُناسباً لعلاج قضية اللاجئين، خوفاً من هزيمة المحافظين العام المقبل. وفيما يخص البرلمان الأوروبي؛ فسوف تُجرى انتخاباته في يونيو 2024، وتُشير استطلاعات الرأي إلى أن الأحزاب اليمينية المُتطرفة ربما تحقق أداءً جيداً على حساب الأحزاب التقليدية مثل: الشعب الأوروبي أو الأحزاب المسيحية واليسارية.

3. مُعارضة تيارات اليسار ومنظمات حقوقية ودولية: تتشارك الاتفاقيات والقوانين التي تصدر بشأن الهجرة واللجوء في أوروبا، في مُعارضة كتل وأحزاب اليسار الأوروبي (راديكالي ووسط). إذ يعارض الألماني، داميان بويسلاجر، عضو البرلمان الأوروبي، الذي ينتمي لكتلة الخضر، الاتفاقية الأوروبية بشأن اللجوء، ويراها تقويضاً للحق في طلب اللجوء، ويعتبرها أيضاً تتضمن وجود ما وصفه بـ"معسكرات اعتقال" على حدود أوروبا. وفي فرنسا؛ بعدما أعلن حزب التجمع الوطني عن عزمه للتصويت لصالح قانون الهجرة الفرنسي، امتنع 59 من نواب حزب النهضة الذي ينتمي إليه الرئيس لفرنسي إيمانويل ماكرون عن التصويت، فضلاً عن استقالة وزير الصحة والشؤون الاجتماعية أوريليان روسو، اعتراضاً على قانون الهجرة، وهو عضو سابق في الحزب الشيوعي الفرنسي. فيما تعارض مُنظمات دولية مثل منظمة العفو الدولية اتفاق الهجرة للاتحاد الأوروبي وتراه يزيد من معاناة اللاجئين، وتعتبر أن اتفاق الهجرة سوف يقلص حقوق اللاجئين. كما تنتقد المنظمة أيضاً القانون الفرنسي، فهو بالنسبة لها، لا يحترم أبسط حقوق المهاجرين، فيما وقعت 50 منظمة تعمل في شؤون الهجرة، بياناً انتقدت فيه القانون الفرنسي مُشيرة إلى أنه سوف يتيح المجال لكراهية الأجانب. 

4. تُهم بمخالفات قانونية: تعترف رئيسة الوزراء الفرنسية بأن القانون الذي أعدّه حزبها وتمت الموافقة عليه يتعارض مع بنود القانون والدستور، كما أن "مشروع قانون سلامة رواندا" الذي وافق عليه مجلس العموم البريطاني، هو أيضاً قد لا يكون متوافقاً مع بعض اتفاقيات حقوق الإنسان، والقانون الدولي، مع العلم أن رئيس الوزراء البريطاني ألمح لاحتمالية انسحاب بريطانيا من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، ومن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، فضلاً عن أن القانون يتعارض أيضاً مع رأي المحكمة العليا في بريطانيا. 

وفي التقدير، يُمكن القول إن مناخاً يمينياً مُتطرفاً يهيمن على مشروعات قوانين الهجرة في الاتحاد الأوروبي والدول الكبرى في القارة مثل: بريطانيا، وأن المُقيمين في أوروبا من جنسيات عربية أو أصول مُسلمة أو ثقافات مُختلفة، سوف تزداد مُعاناتهم وسط مناخ يحبذ كراهية الآخر، أما عن طالبي اللجوء والعالقين في الشواطئ، والنازحين، والمقيمين في خيم الإيواء، فإن حياتهم وأمنهم وسلامتهم سوف تتعرض لمزيد من المخاطر ما بين ظروف احتجاز قاسية وطويلة الأجل، وبين عصابات تهريب، وغيرها من التحديات، التي بحاجة إلى حلول عاجلة.