أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

إعادة "تقييم":

دلالات تحقيق بريطانيا في أنشطة جماعة الإخوان

08 أبريل، 2014


أياً تكن دوافع قرار رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، بإجراء تقويم داخلي تقوم به أجهزة الأمن الخارجية والداخلية حول فلسفة جماعة الإخوان المسلمين وأنشطتهم، وحول سياسات الحكومة البريطانية إزاء هذه المنظمة التي تمتلك العديد من الفروع في العديد من العواصم الأوروبية؛ فإن اتخاذ هذا القرار بحد ذاته يعكس تحولاً كبيراً في الرؤية البريطانية لجماعة الإخوان، ويؤكد أن ثمة توجهاً بريطانياً إيجابياً، وإن ضمنياً، تجاه المواقف المصرية والسعودية الأخيرة من الجماعة وأنشطتها، وتحديداً منذ ثورة 30 يونيو 2013، والتي أطاحت بحكم الجماعة وبالرئيس السابق محمد مرسي بعد فشلهما في إدارة شؤون الدولة المصرية.

توقيت القرار وأسبابه

يثير توقيت إعلان كاميرون، فتح هذا التحقيق داخلياً وخارجياً، التساؤل حول مغزى الخطوة البريطانية، التي ربما كانت تبدو غير متوقعة بالنظر إلى مجمل المواقف الأوروبية والأمريكية من جماعة الإخوان بعد سقوط نظام حكمها في مصر، وتعثر تجارب حكمها في بلدان أخرى؛ إذ يأتي القرار البريطاني بدايةً بعد أسابيع قليلة من إعلان المملكة العربية السعودية تصنيف جماعة الإخوان ضمن الجماعات الإرهابية، ويتزامن القرار ثانياً مع تصاعد وتيرة العنف "الإخواني" في مصر.

ويلاحظ ثالثاً أن هذا القرار جاء عقب انخفاض حدة الخطاب الأمريكي والأوروبي تجاه الأحداث في مصر منذ ثورة 30 يونيو، حيث صدر مؤخراً عن وزير الخارجية الأمريكية، جون كيري، ما يحمل الإخوان مسؤولية ما آلت إليه الأمور في مصر بعد استئثارهم بالسلطة وفشلهم في إدارة الدولة، كما بدأت تهدأ بمرور الوقت حدة الخطاب الأوروبي الذي انتقل من شجب عزل الرئيس السابق محمد مرسي إلى التعاطي جدياً مع خريطة الطريق، خصوصاً منذ الاستفتاء على الدستور الجديد في يناير 2014.

وعلى مستوى الداخل البريطاني، يمكن القول إن قرار كاميرون - كما يكشف عن ذلك بيانه إلى الحكومة - لم يصدر نتيجة ضغوط سعودية أو مصرية كما تدعي جماعة الإخوان المسلمين، لكنه يعد قراراً مدروساً بعناية ويختص قبل أي شيء آخر باعتبارات تمس أمن بريطانيا القومي، فوفقاً لصحيفة الجارديان، "قام السير كيم كاروتش، مستشار رئيس الوزراء للأمن القومي، بالعمل على هذه المراجعة منذ فترة".

كما يشير البيان بشكل صريح إلى مجموعة من الشكوك تجاه نشاط جماعة الإخوان في بريطانيا منها: تزايد القلق حول أنشطتها المتشددة وتخطيطها لتأسيس قاعدة انطلاق لها في لندن لتنفيذ خططها في دول أخرى، لاسيما بعد لجوء عدد من قادة الجماعة من مصر إلى بريطانيا بعد أحداث 30 يونيو، وتأكيد عقد اجتماع سري لقيادات إخوانية متعددة في لندن في نهاية العام الماضي لدراسة كيفية الرد على السلطات المصرية بعد عزل مرسي، وهو الاجتماع الذي انعقد في شقة تقع فوق مكتب مؤسسة خيرية إسلامية في ضاحية كريكلود شمال غرب لندن؛ وهي أمور اضطرت رئيس الحكومة إلى الشروع في محاولة إعادة تقييم فهم ونشاط جماعة الإخوان وعلاقاتها المحتملة بالتطرف والعنف وانعكاسات ذلك على بريطانيا التي تمثل أحد أبرز مقرات تجمع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين.

دلالات القرار

ومما لا ريب فيه أن القرار البريطاني المفاجئ سوف يترك تداعيات سلبية على جماعة الإخوان بغض الطرف عن المخرجات النهائية للتحقيقات التي ستجري خلال المرحلة المقبلة ويتوقع أن تستمر حوالي أربعة أشهر على الأقل، إذ يبدو ذلك جلياً من خلال بيان الجماعة التي ردت فيه على بيان رئيس الحكومة البريطانية، والذي ذكر أن القرار "أثار دهشتنا لأن الإدارات البريطانية المتعاقبة كانت دوماً من أخبر الجهات عن مواقف الجماعة وسلمية منهجها"، الأمر الذي يعد بمثابة اعتراف إخواني ضمني بأن الجماعة اتخذت من بريطانيا مقراً لبعض أنشطتها، ومنها تأسيس التنظيم الدولي، وهو ما ينسجم إلى قدر كبير مع ما ورد في كتابات متعددة حول دور بريطانيا في تأسيس الجماعة ووجود تعاون استخباراتي بين الجانبين في العقود التالية لنشأتها منذ عام 1928، وسماح بريطانيا طيلة هذه العقود بقيام أنشطة معروفة للجماعة داخل الأراضي البريطانية وبعض العواصم الأوروبية الأخرى.

ويشير تحليل القرار البريطاني الخاص بمراجعة فلسفة وأنشطة جماعة الإخوان في داخل بريطانيا وخارجها، إلى بعض الدلالات المهمة من أبرزها ما يلي:

1- بداية تحول في الموقف البريطاني من جماعة الإخوان، إذ يعتبر قرار إجراء تحقيق بريطاني من أجل تقويم فلسفة الإخوان وأنشطتهم تغيراً في رؤية لندن للجماعة التي طالما عدت مثالاً من وجهة النظر الغربية لما يطلق عليه تيار "الإسلام المعتدل". وينبع تأثير القرار في هذه الحالة كونه لا يرتكز فقط على مراجعة أنشطة جماعة الإخوان، أو ارتباطها بأحداث إرهابية في شبه جزيرة سيناء، وهو الأمر الذي قد يطال بالطبع قضية تمويل جماعة الإخوان وغطاءها المالي والاستثماري في بعض الدول الأوروبية، لكنه يرتكز أيضاً على مراجعة "فلسفة" الجماعة، مما يعني أن الإجراءات البريطانية الجديدة، ورغم تيقن البريطانيين وعلمهم التام بالجماعة، سوف تعيد تقييم أفكار وشعارات جماعة الإخوان، والتي يجوز القول إنها تحمل مؤشرات سلبية عديدة بالنسبة لبعض الدول الأوروبية مثل مقولة "أستاذية العالم" على سبيل المثال.

2- وجود توجس بريطاني من تأثير الإخوان على أمن بريطانيا القومي، حيث يشير مضمون قرار رئيس الحكومة، ديفيد كاميرون، إلى وجود شكوك جادة لم ترقَ بعد إلى الحقيقة، وفقاً لقاعدة أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، حول أن جماعة الإخوان المسلمين قد تشكل خطراً فعلياً على أمن بريطانيا القومي؛ لأن تأسيس قاعدة إخوانية بعيدة عن أعين الاستخبارات البريطانية يثير الشكوك بالطبع حول أنشطة الجماعة في المستقبل.

ويترك هذا الأمر سلبيات إضافية بالنسبة لتنظيم الإخوان الدولي وللقيادات الإخوانية المقيمة في بعض الدول الأوروبية الأخرى التي قد ينتقل مثل هذا التوجس البريطاني إليها، لاسيما أن ثمة نشاطات إخوانية في بعض الدول مثل فرنسا وبلجيكا وسويسرا وغيرها؛ الأمر الذي ينقل الصفعة المعنوية البريطانية لجماعة الإخوان إلى صفعة مادية مماثلة في حالة إدانة التحقيقات البريطانية للجماعة، سواء أفكارها أو ممارساتها خلال الفترة الأخيرة، أخذاً في الاعتبار وجود سوابق مشابهة بعد أحداث هجمات 11 سبتمبر 2001 بين المفوضية الأوروبية وبعض نشطاء رجال أعمال الإخوان، وفي مقدمتهم يوسف ندا، بعد أن أدرجت الخارجية الأمريكية بعضهم على لائحة "الإرهاب" وبدأت ملاحقتهم في الدول الأوروبية.

3- شمول التحقيق أنشطة إخوانية خارج بريطانيا، فالتحقيق البريطاني المفترض أنه لن يقتصر على نشاطات الإخوان داخل بريطانيا فقط، بل يتجاوز ذلك إلى التحقيق في شبهات وقوف الجماعة وراء العملية الانتحارية التي استهدفت حافلة للأمن المصري في جنوب سيناء في فبراير 2014 على سبيل المثال؛ وهو ما يمكن تفسيره في إعلان المتحدث باسم رئيس الحكومة البريطانية الذي أكد على أنه "بالنظر إلى ما ظهر حالياً من مخاوف بشأن الجماعة وعلاقاتها المفترضة بالتطرف والعنف، رأينا أن من المشروع والحكيم تماماً أن نفهم بشكل أفضل ما يمثله الإخوان المسلمون وكيف ينوون تحقيق أهدافهم وانعكاسات ذلك على بريطانيا".

ويحمل الأمر السابق رسالة إلى تنظيم الإخوان، بأنه علاوة على اكتراث بريطانيا بأمنها القومي وعدم السماح بفتح المجال بشكل مطلق للتنظيم ونشاطاته في لندن، فإن بريطانيا كذلك لم تصم آذانها، ولم – ولن - تقطع مصالحها مع السلطة الجديدة في مصر، وأنها على دراية حقيقية بأسباب وقوف بعض الدول العربية، وتحديداً السعودية والإمارات، إلى جوار مصر بعد الإطاحة بحكم الإخوان، خاصة أن الدولتين تدخلان في أتون مواجهة أمنية وسياسية مباشرة مع تلك الجماعة.

اعتبارات أمنية وسياسية

يمكن القول إن القرار البريطاني يأتي نتاج بعض الضغوط الداخلية التي تطالب بإدراج جماعة الإخوان على لائحة "التنظيمات الإرهابية"، ونتاج بعض الممارسات الإخوانية المشبوهة حالياً، لكن صانع القرار البريطاني يخشى في نهاية الأمر من التأثيرات السلبية إذا ما توصلت التحقيقات إلى التوصية بإدراج الجماعة على لائحة "الإرهاب"، تخوفاً من العمل السري تحت الأرض والتحالف مع بعض المجموعات والشخصيات السلفية والجهادية في بريطانيا، علاوة على ردود فعل بعض الدول التي يتمتع فيها الإخوان بتواجد قوي وتقيم علاقات مع بريطانيا؛ ولذا فربما يكون الاحتمال الأرجح هو إدانة التحقيقات لبعض أنشطة الإخوان وأفكارهم، وتشديد الرقابة على الوجود الإخواني في بريطانيا دون اتخاذ قرار جازم بحظر الجماعة بشكل كلي كما حدث سابقاً مع حزب التحرير، وذلك تحسباً لانتشار أعمال عنف وتطرف من قبل الإخوان ومحازبيهم.

وبالتالي، فإن مجرد فتح تحقيق بريطاني شامل بأمر من رئيس الوزراء حول نشاط جماعة الإخوان وفلسفتها، وهو ما سيلحقه بشكل ما تشديد الرقابة على أنشطة الإخون على أقل تقدير، سوف يؤثر على أنشطة الجماعة في بريطانيا بشكل كبير، بعد أن كانت تمثل لندن المعقل الأوروبي للجماعة، وسوف تتأثر الخطوات البريطانية اللاحقة بعاملين مهمين، أولهما: الضغوط الداخلية من بعض الجماعات المعارضة للإخوان مثل جماعة "بريطانيا أولاً" التي نظمت تظاهرات أمام المقر الإخواني في لندن للمطالبة بطرد الإخوان من البلاد، ومن تقييم أجهزة الاستخبارات لحجم الأضرار المستقبلية التي قد يسببها التواجد الإخواني للأمن القومي البريطاني.

وثاني هذه العوامل، الضغوط والضغوط المقابلة التي تأتي من مؤيدي الإخوان الإقليميين والدوليين ومن معارضيهم. وينسحب ذلك بالطبع على مجمل مواقف دول الاتحاد الأوروبي التي لم تستطع اتخاذ موقف موحد أو استراتيجية واضحة للتعامل مع مصر منذ ثورة 30 يونيو.

ولهذا فإن اعتبارات سلامة الأمن القومي البريطاني واعتبارات المصالح الإقليمية والدولية الراهنة قد لا يُفضيان إلى اتخاذ قرار بريطاني بحظر وجود الجماعة داخل بريطانيا خلال الأشهر المقبلة، إذ ربما يتم الاكتفاء بإدانة بعض ممارسات الجماعة واتخاذ مجموعة من الإجراءات لمراقبة أنشطتها عن كثب وتعقب نشاط القيادات الإخوانية الفارة من مصر إلى بريطانيا، والطلب من بعض دول الاتحاد الأوروبي اتخاذ تدابير مشتركة للحد من نشاط الجماعة حتى لا يتعاظم خطرها، خصوصاً إذا ما ثبت تعاونها مع مجموعات سلفية جهادية في منطقة الشرق الأوسط أو أوروبا.