أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

حراك مستمر:

خريطة التحالفات في العراق قبل جلسة مجلس النواب

08 يناير، 2022


حدد الرئيس العراقي، يوم الأحد الموافق 9 يناير 2022، موعداً لانعقاد الجلسة الأولى لمجلس النواب العراقي الجديد، وهي الجلسة التي يتعين على المجلس خلالها تحديد الكتلة الأكبر عدداً، التي ستكلف بتشكيل الحكومة، وكذلك تسمية الرئاسات الثلاث، رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب ورئيس الجمهورية، وهو الأمر الذي فرض على التحالفات السياسية الفائزة في الانتخابات تكثيف اتصالاتها خلال الفترة الأخيرة لتشكيل الكتلة ذات الأغلبية داخل مجلس النواب.

وتمثلت آخر هذه اللقاءات في تلك التي تمت بين زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، وقيادات عن قوى الإطار التنسيقي، فضلاً عن المباحثات التي تمت بين تحالف "تقدم" بقيادة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، وتحالف "العزم" بزعامة خميس الخنجر، وكذلك اجتماع الصدر بالحلبوسي. 

انتكاسة التفاهمات الطائفية

تمثلت أبرز اللقاءات التي عقدت في الفترة الأخيرة بين القوى السياسية في التالي:

1- لقاء الصدر بالتنسيقي: عقد لقاء بين الصدر (73 مقعداً)، وبعض قيادات الإطار التنسيقي، الذي يضم عدداً من القوى السياسية الشيعية التي أخفقت في الانتخابات الأخيرة، في مقر الأول بالنجف، في 29 ديسمبر 2021، وهو اللقاء الذي أخفق في تسوية الخلافات بين الجانبين، وهو ما وضح في التغريدة التي أطلقها الصدر في أعقاب الاجتماع، والتي أكد خلالها على حكومة أغلبية، لا شرقية ولا غربية، فضلاً عن إخفاق عقد اجتماع آخر بينهما في 5 يناير، وهو ما يؤشر إلى أن الخلافات بين الجانبين لاتزال كبيرة، ويمكن توضيح أبعاد ذلك على النحو التالي: 

‌أ- تقليص الخلافات حول حكومة الأغلبية: كان التيار الصدري يشدد على تشكيل حكومة أغلبية لا تضم الأحزاب الفائزة كافة في الانتخابات، غير أنه في الآونة الأخيرة اتجه للقبول بالتحالف مع بعض مكونات الإطار التنسيقي، وتحديداً التيار المرتبط برئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي وقوى أخرى. 

وفي المقابل، لايزال الصدر مصراً على استبعاد ائتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي، ويرفض توليه منصب نائب رئيس الدولة، كما اقترح التنسيقي. ويرفض التنسيقي، حتى الآن، استبعاد المالكي. 

‌ب- الخلاف حول الرئاسات الثلاث: يرفض التنسيقي التجديد لأي من الرؤساء الثلاثة، وتحديداً رئيس الجمهورية، برهم صالح، ورئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، رئيس البرلمان محمد الحلبوسي. ويلاحظ أن الصدر يعارض هذا الأمر لسببين، الأول هو وجود تحالف بينه وبين رئيس الوزراء العراقي الكاظمي، فضلاً عن أن تحالف تقدم بزعامة الحلبوسي يعد حليفاً مقرب من الصدر، ويسعى للاحتفاظ بمنصبه كرئيس للبرلمان العراقي. كما أن تراجع وزن التنسيقي في الانتخابات الأخيرة لا تجعله يمتلك القدرة على وضع كل هذه الاشتراطات. 

‌ج- سلاح الميليشيات: لايزال الصدر يطالب بنزع سلاح الميليشيات الخارجة عن سيطرة الدولة في إشارة إلى ميليشيات الحشد الشعبي الولائي المرتبطة بإيران، وهو ما يرفضه التنسيقي الذي يضم أحزاباً سياسية تمثل هذه القوى، ولا يتوقع أن يتم التوافق بين الجانبين بشكل كامل في هذه المرحلة. 

2- تفاهمات الحبلوسي مع الصدر: التقى الحلبوسي بمقتدى الصدر في الحنانة، مقر إقامة الأخير بمدينة النجف، في 4 يناير الجاري. وتوصل الحلبوسي إلى اتفاقات مبدئية مع الصدر على الانضمام له لتشكيل حكومة أغلبية، تضم كذلك الحزبين الكرديين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، مع انتظار موافقة تحالف العزم على الانضمام لهذا التحالف. 

ويسعى الصدر من ذلك إلى تحقيق هدفين، وهما فرض ضغوط على التنسيقي، وإجباره على التراجع عن مواقفه المتشددة، فضلاً عن قطع الطريق أمام الأخير لمحاولة بلورة تفاهمات مع خنجر، أو الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، لتشكيل تحالف ينتزع من الصدر استحقاق تشكيل الحكومة الجديدة. 

3- استمرار جهود تأسيس تحالف سني: لعبت دول خليجية دوراً في الوساطة بين الحلبوسى وخنجر، في أواخر ديسمبر الماضي، وتم التوصل لتفاهمات مبدئية تقوم على قيام الأخير بدعم الحلبوسي لتولي رئاسة مجلس النواب، على أن يتولى خنجر منصب نائب رئيس الجمهورية. 

وعلى الرغم من تداول أنباء، في 5 أكتوبر، تفيد بتكوين تحالف مشترك بين تحالفي تقدم والعزم قوامها 64 مقعداً، غير أنه من الواضح أن هذه الجهود لم تنجح تماماً بسبب تأرجح موقف خنجر تحديداً، وهو ما وضح في البيان الذي أصدره تحالف تقدم، والذي دعا خنجر وتحالف العزم إلى تحالف جامع مع إخوانه في تحالف تقدم، وهو ما يعكس استمرار التباين بين الرجلين على توزيع المناصب. 

4- استمرار الخلافات الكردية: لا يزال الخلاف قائماً بين الحزبين الكرديين الرئيسيين، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، فيما يتعلق بمنصب رئيس الجمهورية حيث يصر الديمقراطي على رفض تولي السيد برهم صالح منصب رئيس الجمهورية لولاية ثانية، وأن يتولى أحد قيادات الحزب الديمقراطي هذا المنصب الذي شغله أحد مرشحي الاتحاد الوطني منذ عام 2005. 

وفي المقابل، يرى الاتحاد الوطني أن منصب رئيس الجمهورية من حقه، خاصة بعد أن ترك المناصب الرئيسية في إقليم كردستان العراق، وتحديداً رئاسة إقليم كردستان العراق والحكومة للحزب الديمقراطي. وفي حالة إخفاق تفاهمهما على منصب رئيس العراق، فإنه يرجح أن يعودا للاحتكام إلى مجلس النواب لانتخاب أي من مرشحيهما لرئاسة الجمهورية على نحو ما جرى في الحكومة السابقة. 

استمرار الضغوط الإيرانية:

وجهت طهران ميليشيات الحشد الشعبي لتنفيذ هجمات مكثفة ضد القوات الأمريكية في العراق، وهو ما وضح في توظيف طائرات مسيرة في مهاجمة معسكر "فيكتوريا"، قرب مطار بغداد الدولي في 2 يناير، وقاعدة عين الأسد في 4 يناير، واللتين تضمان قوات أمريكية، فضلاً عن مهاجمة فيكتوريا مجدداً في 5 يناير بقاذفات كاتيوشا، واستهداف عبوة ناسفة رتل دعم لوجيستي تابع للتحالف الدولي في محافظة بابل في 6 يناير، وتهدف طهران من ذلك إلى إرسال عدة رسائل سياسية، وهي كالتالي: 

1- الضغط على الولايات المتحدة: أكد الأمين العام لفصيل كتائب سيد الشهداء، أبو آلاء الولائي، في 30 ديسمبر 2021، أن فصيله سيمضي في طريقه حتى إخراج القوات الأمريكية من العراق، في مؤشر على سعي طهران لإخراج القوات الأمريكية المتبقية في العراق كقوات استشارية، وذلك بعد انسحاب القوات القتالية الأمريكية. 

وتسعى طهران من ذلك لتحقيق عدد من الأهداف أبرزها تأكيد استمرارها في اتباع سياسات إقليمية متشددة، لتعزيز وضعها التفاوضي مع الولايات المتحدة، فضلاً عن ممارسة ضغوط غير مباشرة على واشنطن لعدم دعم حكومة أغلبية في العراق بقيادة الصدر تستبعد حلفاءها. 

ويلاحظ أن هذه الجهود لم تنجح تماماً، وهو ما وضح في تأكيد واشنطن على الشراكة العسكرية مع العراق في 6 يناير في رسالة مضادة لطهران بأن هجماتها لن تدفع واشنطن للخروج من العراق.

2- الانتقام لمقتل قاسم سليماني: تسعى ميليشيات الحشد الشعبي الولائية إلى توظيف الهجمات الفاشلة ضد القواعد الأمريكية للتأكيد على إصرارها على الانتقام لمقتل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، خاصة أن هذه الهجمات تزامنت مع الذكرى الثانية لاغتياله.

ومن الملحوظ أن هناك متغيراً مهماً طرأ في الهجمات الأخيرة، وهو تمكن الولايات المتحدة من إسقاط الطائرات المسيرة الإيرانية خارج القواعد التي تستضيف قوات أمريكية، كما أن هجمات الكاتيوشا سقطت بعيداً عن القاعدة الأمريكية، وهو ما يعني أن واشنطن، باتت قادرة على امتلاك نظم دفاع جوية قادرة على تحييد أغلب التهديدات الإيرانية بالطائرات المسيرة، وهو ما يضعف من قدرة طهران على توظيف هذه الطائرات كورقة ضغط ضد واشنطن. 

سيناريوهات الحكومة الجديدة:

في ضوء التطورات السياسية والعسكرية السابقة، يمكن القول إن سيناريوهات تشكيل الحكومة العراقية القادمة تتمثل في:

1- حكومة أغلبية غير طائفية: يفترض هذا السيناريو أن يتجه الصدر (73 مقعداً) للتحالف مع تيار تقدم (43 مقعداً) والحزب الديمقراطي الكردستاني (31 مقعداً) والاتحاد الوطني الكردستاني (17 مقعداً)، وذلك لكي يجمع الصدر حوالي 164 مقعداً، وهو ما يجعله يحتاج إلى مقعد واحد للوصول إلى الأغلبية التي تؤهله لتشكيل الحكومة الجديدة، وهو ما يمكن أن يحصل عليه من خلال التحالف مع أحد المستقلين، أو بعض مكونات الإطار التنسيقي، من دون أن يتضمن ذلك ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي.  

2- حكومة توافقية: يفترض هذا السيناريو اعتماد الصدر مبدأ التوافق، الذي يطالب به الإطار التنسيقي، والقبول بانضمام ائتلاف دولة القانون إلى الحكومة الجديدة، وهو سيناريو لايزال مستبعداً، خاصة أن الصدر لايزال يرفض مطالب الإطار التنسيقي المتعلقة بعدم التجديد للكاظمي، كما أن التنسيقي يتوجس من سعي الصدر لنزع سلاح الميليشيات الخارجة عن سيطرة الأجهزة الأمنية العراقية. 

3- حكومة أغلبية بزعامة المالكي: سعى المالكي لإجراء اتصالات مع القوى السياسية العراقية في محاولة منه لتأسيس تحالف أغلبية تنتزع من الصدر استحقاق تشكيل الحكومة القادمة. 

فقد أجرى المالكي اتصالات مع الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف العزم وتقدم، إلا أن الثابت أن الاتصالات لم تنجح في بلورة تفاهمات مع الديمقراطي الكردستاني وتقدم، نظراً لتفضيلهما التحالف مع الصدر، وهو ما يعني أن المالكي ليس أمامه سوى إقامة تحالف بين الإطار التنسيقي (54 مقعداً)، الذي ينتمي له وتحالف العزم السني (34 مقعداً)، غير أنه في حالة صياغة مثل هذا التحالف فإن التكتلين معاً سوف تمتلكان حوالي 88 مقعداً، وهي إن مكنتهما من تجاوز عدد مقاعد الصدر منفرداً (73 مقعداً)، فإنها سوف تدفع الأخير للإعلان عن تحالفه مع تقدم والديمقراطي الكردستاني، وهو ما سيمنح هذا التحالف عدد مقاعد أكبر بكثير من تحالف الإطار التنسيقي – العزم، بل وقد تحكم على باقي مكونات التنسيقي بالبقاء في المعارضة، وهو سيناريو غير مفضل لبعض مكوناتها. 

وفي الختام، يمكن القول إن الانقسامات لاتزال قائمة بين الصدر والتنسيقي، وهو ما يرجح أن يتجه الصدر إلى تعزيز تفاهماته مع تقدم والتحالف الكردي ليقترب من الحصول على الأغلبية المطلوبة لتشكيل الحكومة القادمة، ثم التفاوض مع بعض مكونات التنسيقي من مركز القوة، حتى يجبرها أن تتنازل عن سقف مطالبها المرتفعة.