أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

كبح التنازلات:

ماذا يعني تعيين شخصيات إيرانية متشددة للتفاوض مع الغرب؟

30 سبتمبر، 2021


لم تكن تخوفات الغرب من انتهاء الجولة السادسة من المفاوضات مع إيران بشأن إحياء الاتفاق النووي من دون تحقيق نتائج، والاضطرار إلى الانتظار حتى تشكيل فريق تفاوضي جديد عقب تولي الرئيس المتشدد إبراهيم رئيسي، من فراغ، حيث تحسب الغرب من الدخول في مفاوضات مع فريق تفاوضي جديد، بنهج مختلف، وربما رؤية مغايرة، خاصة في ظل مؤشرات تؤكد أن هذا الفريق سيكون ذات توجه متشدد، يُحتمل أن يزيد من صعوبة المباحثات، ويطيل أمدها.

ومنذ توقف المفاوضات مع الغرب بقرار إيراني في 20 يونيو 2021، عملت طهران على إرسال إشارات متباينة حول هذه المفاوضات، في الوقت الذي لم تعلن فيه حتى الآن عن موعد العودة إليها بالرغم من مرور أكثر من 3 أشهر على توقفها، وأكثر من شهرين على تولي الرئيس إبراهيم رئيسي مهام منصبة، وتشكيله للحكومة الجديدة. بيد أن قرب اكتمال هيئة فريق المفاوضين الإيرانيين بتعيين علي باقري كني في منصب المساعد السياسي لوزارة الخارجية، وهو المنصب الذي جرت العادة أن يقود فريق المفاوضين النوويين الإيرانيين؛ يعني احتمالية العودة القريبة إلى المفاوضات، التي يُتوقع لها أن تكون صعبة في ظل قيادة فريقها من قِبل أشد معارضي الاتفاق النووي.

إشارات متباينة:

منذ تولي الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي مهامه في أغسطس 2021، أكد في أكثر من مناسبة التزامه باستكمال المفاوضات مع الغرب بشأن الاتفاق النووي "لأنه تعهد وافقت عليه القيادة"، حسب تعبيره. وتصريحه هذا بالرغم مما يحمله من التزام بمواصلة التفاوض كونه أمراً وافق عليه ودعا إليه المرشد الأعلى للثورة الإسلامية؛ فإنه يكشف قدر اهتمام رئيسي الشخصي بالاتفاق النووي وعودة التفاوض من أجل إحيائه. إذ يعتبر رئيسي نفسه مدفوعاً لانخراط اضطراري في مفاوضات مع الغرب، الذي لا يرى أهمية للعلاقات معه، وهو ما لم يخفه رئيسي، بل أشار في أكثر من مرة إلى أن أولوياته ستكون للوضع الاقتصادي وحل مشاكل الداخل الإيراني، وأن الاتفاق النووي لن يكون ركيزة أساسية لسياسة حكومته، وأن خطة سياسته الخارجية لن تبدأ ولا تنتهي بالمفاوضات مع الغرب.

وقد توالت الإشارات المتباينة من المسؤولين الإيرانيين حول العودة إلى المفاوضات، مع تأكيدات وزير الخارجية، حسين أمير عبداللهيان، أن طهران "لن تتفاوض من أجل التفاوض"، وأنها "لن تتفاوض إلى مالا نهاية"، وأن "رفع العقوبات لابد أن يكون مترافقاً مع عودة التفاوض". علاوة على تصريح عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني، فدا حسين مالكي، في 23 سبتمبر 2021، بأن الاتفاق النووي "خرج من أولويات النظام". 

ومع تعيين علي باقري كني مساعداً للشؤون السياسية لوزير الخارجية الإيراني، في 14 سبتمبر 2021، خلفاً لعباس عراقجي كبير المفاوضين الإيرانيين؛ فإنه من المتوقع أن يقود المفاوضات أحد أكبر منتقدي الاتفاق النووي وأشد معارضيه. وقد عبر كني عن رفضه للاتفاق من خلال انتقادات متكررة للفريق التفاوضي وللرئيس السابق حسن روحاني، إذ لا ينتقد كني بنود الاتفاق أو نهج التفاوض، وإنما ينتقد عملية التفاوض على الاتفاق من أساسها، مؤكداً على رفضه التام لأي قيود توضع على البرنامج النووي الإيراني.

وتشير خلفية كني المتشددة إلى صعوبات محتملة في مسار التفاوض مع الغرب، وتفتح المجال أمام التكهن بإمكانية تجدد النهج التفاوضي الذي ساد خلال فترة رئاسة الرئيس الإيراني الأسبق، محمد أحمدي نجاد، بقيادة الأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي، سعيد جليلي، حيث عمل باقري كني مساعداً لجليلي خلال هذه الفترة. كما ساد جدل حول انعكاس علاقة القرابة بين كني والمرشد الأعلى، علي خامنئي، الذي يعد صهر شقيق كني الأكبر، مصباح الهدى باقري كني؛ على سير المفاوضات، وسط ترجيحات بأن يكون كني هو صوت المرشد في هذه المفاوضات.

وبالعودة إلى الإشارات المتباينة لإيران فيما يخص عملية التفاوض مع الغرب، يُلاحظ أنه على عكس شخص وتوجه علي باقري كني ناحية الغرب، اختار وزير الخارجية الإيراني نائبه الثاني للشؤون الدبلوماسية والاقتصادية بخلفية انخراط مع الغرب، حيث عيّن مهدي صفري مساعداً له خلفاً لرسول مهاجر. وقد عمل صفري سفيراً لإيران في كل من النمسا والصين وروسيا، كما كان مسؤولاً عن ملفي أوروبا وأمريكا في وزارة الخارجية الإيرانية. وهو ما لا يمكن اعتباره من قبيل المصادفة.

وتشير التعيينات الجديدة والنهج المتباطئ من قِبل طهران في الإعلان عن موعد العودة إلى المفاوضات مع الغرب، إلى اتجاه إيران إلى تعظيم مكاسبها وتقليص تنازلاتها في التفاوض؛ اعتماداً على نخبة من المحافظين والمتشددين الذين يتوالى الإعلان عنهم بدءاً من وزير الخارجية، أمير حسين عبداللهيان، إلى نوابه الجدد.

عراقيل متوقعة:

مع التسليم بأن النهج الذي يسير عليه المفاوضون الإيرانيون باختلاف توجهاتهم، يبدأ وينتهي عند الخطوط العريضة التي يضعها المرشد خامنئي، فإن مساحة التحرك للفريق المفاوض تظل كافية لتحقيق كل فريق بصمته وفقاً لخلفيته وقناعاته السياسية. وفي ظل استحواذ التيار المتشدد على كل المناصب السياسية المهمة وذات الصلة بالمفاوضات الإيرانية مع الغرب بشأن الملف النووي، فإن سيناريو اتجاه المفاوضات نحو مزيد من التعقيد يبدو مرجحاً إلى حد كبير؛ وذلك بسبب وجود عدد من العراقيل أمام التوصل لاتفاق مرضي للطرفين؛ لعل أهمها ما يلي:

1- إصرار إيران على اقتصار التفاوض على الملف النووي فقط: ترفض طهران طرح أي ملفات جديدة على مائدة المفاوضات مع الغرب، لاسيما ملفي الصواريخ الباليستية والسياسات الإقليمية لإيران. إذ أكد الرئيس إبراهيم رئيسي، في أول مؤتمر صحفي له عقب إعلان فوزه بالانتخابات، "أن المفاوضات مع الغرب لن تتضمن أي ملف آخر، وأن ملف الصواريخ الباليستية غير قابل للتفاوض، كما هي الحال مع سياسات إيران في منطقة الشرق الأوسط". وفي المقابل، تضغط الولايات المتحدة لضم هاتين القضيتين إلى المفاوضات مع إيران، كما بدا أن ثمة توافقاً أوروبياً مع الرؤية الأمريكية في هذا الشأن. بينما تتمسك روسيا بالتأكيد على أن المفاوضات مع إيران لا ينبغي أن تتضمن أي بنود جديدة، وأنه على الأطراف التوصل إلى اتفاق على أساس الصيغة السابقة لعام 2015. ويؤشر هذا التعارض بين إيران والغرب إلى احتمالية إطالة أمد المفاوضات قبل العودة الممكنة للاتفاق السابق، أو حتى الاتفاق على صيغة جديدة.

2- عدم التوصل إلى صيغة توافقية بشأن رفع العقوبات عن إيران: تشير التصريحات المتبادلة بين الولايات المتحدة وإيران إلى أن العقوبات المفروضة على الأخيرة ستكون أكبر العراقيل أمام إنجاز اتفاق قريب بين الطرفين؛ وذلك في ظل تمسك طهران بفكرة رفع العقوبات المفروضة عليها من جانب واشنطن، قبل العودة للمفاوضات، وهو ما لم تقبل به الولايات المتحدة ومعها الدول الأوروبية، حيث أكدت إدارة الرئيس جو بايدن أنه لا رفع للعقوبات من دون اتفاق شامل.

3- الاتفاق بصيغته القديمة لا يعتبر ضمانة لعدم عودة العقوبات على إيران أو التزامها: مع افتراض أن أطراف التفاوض قد استطاعت إحياء الاتفاق النووي وفق صيغته السابقة، فإن الطريق يظل مفتوحاً أمام مواصلة إيران سياساتها نفسها المزعزعة للاستقرار في المنطقة، طالما أنه لم يتم التوافق حول ضم قضية التدخلات الإيرانية في الإقليم، وهو ما يعني عودة الولايات المتحدة لفرض عقوبات مجدداً على طهران.

والجدير بالذكر أن الاتفاق النووي الذي تم التوقيع عليه عام 2015، لم يمنع الولايات المتحدة من الاحتفاظ ببعض العقوبات على إيران، لاسيما فيما يخص شخصيات تابعة للحرس الثوري، كما أضاف الرئيس الأسبق باراك أوباما عقوبات جديدة على طهران. ويُرجح مثل هذا السيناريو تصريح وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، بأن إدارة بايدن ستحافظ على قدر كاف من العقوبات الاقتصادية على إيران، كأداة للضغط عليها. وهذا يعني في النهاية أن الاتفاق هش وقابل لتفريغ مضمونه، في حالة خلوه من توافق على وجود بنود تضمن التزام إيران بالقيود المفروضة على قدراتها النووية، والتصدي للتدخلات الإيرانية غير المشروعة في دول المنطقة، وكذلك تهديداتها الصاروخية.


ختاماً، تشير مجمل التطورات التي تشهدها عملية تشكيل فريق إيران المسؤول عن المفاوضات مع الغرب، إلى توجه إيراني مفاده إظهار تشدد وصلابة في المفاوضات المقبلة والمنتظر استئنافها قريباً؛ وذلك بهدف الحد من المطالب الغربية والأمريكية، والعودة إلى الاتفاق النووي دون تقديم تنازلات كبرى. إذ تعمدت طهران المماطلة خلال الفترة الماضية للحصول على مزيد من أوراق الضغط، كان أهمها المُضي قُدماً في تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، وبشكل يمكنها من المساومة في هذه المفاوضات أمام الإصرار الأمريكي والأوروبي على تضمين أي اتفاق محتمل تعهدات إيرانية تحد من سياساتها الإقليمية وأنشطتها النووية والصاروخية.