أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

تجارب دولية:

اقترابات جديدة لمواجهة الإرهاب والتطرف

15 يوليو، 2015


إعداد: أحمد عبد العليم

بات الإرهاب يُشكّل خطراً مُتنامياً ليس على منطقة الشرق الأوسط فحسب، ولكن على العالم أجمع، فالتهديدات الإرهابية التي قد تحدث في منطقة ما هي بالضرورة ذات تأثير كبير على الأمن والسلم في مناطق أخرى بالعالم.

ولقد أصبحت الجماعات الإرهابية أكثر قوة وأكثر انتشاراً من ذي قبل، ولا تمثل خطراً فقط على قيم وهُوية المجتمعات، وإنما على كيان الدولة ذاته، خاصةً في ظل انهيار الجيوش الوطنية في بعض دول الشرق الأوسط وتصاعد الجماعات الإرهابية بشكل كبير، وهو ما يتطلب تكاتفاً إقليمياً ودولياً من أجل مواجهة تلك التهديدات والتحديّات ذات الصِبغة العالمية.

في هذا الإطار، يأتي كتاب "اقترابات جديدة لمكافحة الإرهاب.. تصميم وتقييم مكافحة التطرف وبرامج اجتثاث التطرف"، من تأليف البروفيسور حامد السعيد - رئيس قسم الاقتصاد السياسي في كلية إدارة الأعمال بجامعة "مانشسترمتروبوليتان" في المملكة المتحدة.

ويُحلِّل الكتاب الوضع الخاص بمواجهة الإرهاب والتطرُّف في عدد من الدول، من أجل إبراز تجربتها والاستفادة منها، ومن تلك الدول تركيا وسنغافورة ودول أخرى، حيث إن تلك الدول يجمع بينها عدة أمور، أهمها معاناتها منذ عقود طويلة من الإرهاب والعنف، بالإضافة إلى أن تلك الدول قد قدّمت العديد من الآليات لمواجهة الإرهاب بالرغم من اختلافها في عدد السكان، والطبيعة الجغرافية، والتاريخ، والنظام السياسي، والثقافة السائدة والقيم المتعارف عليها؛ وهو ما يمكن الاستفادة منه في مواجهة الإرهاب في دول أخرى.

استحداث مناهج جديدة لمواجهة الإرهاب والتطرُّف

يشير الكاتب إلى أن الإرهاب المنظم أضحى هو التهديد الرئيسي الذي يواجه المجتمعات في العالم، وذلك بالرغم من أن العقد الماضي قد شهد أول حرب عالمية ضد الإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ولكن لم ينحسر الإرهاب بعد كل ذلك؛ فعلى العكس تماماً بات أقوى من ذي قبل حتى ضد الولايات المتحدة نفسها، وليس أدلّ على ذلك من العملية الإرهابية التي تمّت لاغتيال السفير الأمريكي في ليبيا عام 2012 بواسطة التنظيمات المتطرفة. وحتى في الدول العربية التي شهدت انتفاضات الربيع العربي وهدفت إلى التخلص من الاستبداد الذي دام لعقود، فإن تلك الدول قد شهدت صعوداً للجماعات المتطرفة بشكل كبير. ومن جانب آخر، فإن تفشِّي القتال في سوريا قد جذب العديد من المتطرفين خاصةً من المنتمين للقاعدة و"داعش"، بالإضافة إلى أنها قد جذبت مئات المسلمين الذين يعيشون في الغرب.

وفي السياق ذاته، فإنه وبعد مرور عشر سنوات على إسقاط النظام العراقي، فإن بلاد الرافدين مازالت تشهد موجات شديدة من العنف الطائفي، وكذلك في أفغانستان مازال العنف والتطرُّف قائمين رغم الحرب التي دارت على الإرهاب هناك. وفي الصومال، فإن "حركة الشباب" المتطرفة تمارس تهديدات شديدة على الاستقرار في البلاد والإقليم بأكمله؛ ومازال القراصنة يستغلون الإقليم الصومالي لتهديد التجارة الدولية. وأيضاً في نيجيريا، فإن الجماعات الإسلامية المسلحة قد تطورت بشكل كبير خاصةً "بوكو حرام" وجماعة "أنصار الإسلام"، واللذان أصبحا يمثلان تهديدات شديدة الخطورة على المصالح الأمريكية والغربية في هذا الإقليم من القارة الأفريقية.

وفي ظل هذا الانتشار الكبير للإرهاب وتعاظم أخطاره، يؤكد الكاتب على أن ثمة إجماعاً سائداً بين المتخصصين في دراسة الجماعات الإرهابية على وجود سوء إدارة في مواجهة هذه التنظيمات، وأن ذلك كان حتى قبل أحداث 11 سبتمبر، فهناك انتقاد للمنهج السائد المستخدم لمكافحة الإرهاب من قِبل الأكاديميين والمتخصصين، والذين ينادون بتبني منهج أوسع ومتوازن يجمع بين السياسات الناعمة والذكية كدُعامة أساسية من أجل مواجهة الإرهاب، إلى جانب التوجُّه التقليدي المعتمد على القوة العسكرية.

ومن ثم، فإن الكتاب يؤكد على أن القوة العسكرية ليست الحل الوحيد من أجل مواجهة الإرهاب، ولكن ذلك مرتبط بحزمة تدابير غير عسكرية تشمل الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حيث إن كل أجهزة الدولة وجميع الأدوات الممكنة والمتاحة، لابد من استخدامها من أجل مواجهة الإرهاب. وكذلك، فإن أي دولة تساعد الجماعات الإرهابية يجب أن تُواجه بعقوبات رادعة وإجراءات حاسمة ضدها، وينبغي نشر قائمة سنوية للدول التي تدعم الإرهاب من أجل تصعيد الأمر دولياً، وهو ما يمكن أن يُعتبر نهجاً دولياً لمكافحة الإرهاب والتطرُّف بأدوات الدفاع الجماعية.

كذلك، يبرز الكاتب دور العوامل الاقتصادية باعتبارها عاملاً هاماً من العوامل التي تؤدي إلى تفاقم ظاهرة الإرهاب في المجتمعات، فوفقاً لدراسات كثيرة ثبتت العلاقة الطردية بين الفقر والإرهاب. كذلك فإن مستوى التعليم يعد عاملاً آخر مهم، حيث إن الجماعات الإرهابية تستهدف الأفراد غير المتعلمين أو الأقل تعلُّماً بشكل أكثر من أجل تغذيتهم بأفكارهم المتطرفة وأيديولوجياتهم الإرهابية، بالإضافة إلى الظروف الاجتماعية المختلفة التي قد تؤثر أيضاً على تفاقم التطرُّف والإرهاب.

ومع ذلك، يؤكد الكاتب أنه لا يمكن الجزم بأن أياً من تلك العوامل هي التي تؤدي إلى انضمام الأفراد العاديين إلى الجماعات المتطرفة في كل الدول نظراً لاختلاف الظروف من بلد إلى آخر.

بعض التجارب الدولية في مواجهة الإرهاب

يشير الكاتب إلى أن تركيا هي واحدة من أهم دول منطقة الشرق الأوسط، تاريخياً وجغرافياً، وأنها قد عانت كثيراً من ظاهرة العنف والتطرُّف، وتعود جذور ذلك لأول تمرد كردي عام 1880، ولكن الأكراد باتوا الآن جزءاً من النظام السياسي التركي، وذلك ليس فقط على صعيد البنية المجتمعية الداخلية، ولكن أيضاً فيما يتعلق بالعلاقات الدولية والتفاعلات السياسية الخارجية التركية. ويوضح الكاتب أن الأكراد انقسموا إلى أكثر من جماعة، وهم: (الانفصاليون، وجماعات اليسار المتطرف، والميليشيات المسلحة)، وأنهم نفذوا العديد من الهجمات الإرهابية ضد تركيا في الماضي، وأن تلك الهجمات قد كلّفت الدولة التركية (30) ألف قتيل ومليارات الدولارات.

وبالتالي، فإن أنقرة لديها تاريخ وخبرة طويلة في مواجهة الإرهاب. وبالرغم من هذه الفترات الطويلة من مواجهة الإرهاب، فإن تركيا قد حافظت على ديمقراطيتها بل وطورتها، حتى في ظل ارتفاع الخسائر من العمليات الإرهابية التي وصلت على سبيل المثال في عام 1984 إلى مقتل حوالي 4 آلاف ضابط ومجند من الجيش.

ويبرز الكاتب عدة دروس من التجربة التركية في مواجهة الإرهاب، أهمها وجود العزم والحزم، حيث إنه في ذروة العمليات الإرهابية لبعض عناصر حزب العمال الكردستاني لم تدخل الدولة معه في أيّة مفاوضات، ما أثّر تباعاً على تراجع وتيرة العنف والتطرُّف.

أما في سنغافورة؛ فيشير الكاتب إلى أنه في ظل قلة الموارد الطبيعية المتاحة في سنغافورة، إلا أنه يُنظر إليها باعتبارها دولة صناعية صاعدة وأحد النمور الآسيوية، ويوضح الكاتب أن التهديدات الإرهابية للجماعات المتطرفة قد بدأت في سنغافورة مع بداية القرن الحادي والعشرين في ظل ظهور "الجماعة الإسلامية"، والتي هدّدت الأمن في سنغافورة بشكل كبير. وقامت الحكومة بجهود كبيرة في التصدي لهذا الخطر، وتوصل السنغافوريون إلى ضرورة أن تشتمل مكافحة الإرهاب على باحثين ومعلمين إسلاميين لمواجهة الأفكار المتطرفة، خاصةً أن الدول الإسلامية المحيطة بسنغافورة قد رحّبت بتلك المبادرة من أجل مواجهة التطرُّف بالأفكار الإسلامية السليمة والصحيحة.

تعميم التجارب الدولية في مواجهة الإرهاب والتطرُّف

يشير الكاتب إلى أن برامج مكافحة التطرُّف لابد أن يتم تطويرها بشكل مستمر وفقاً للظروف السائدة، وعلى دول العالم أن تتكاتف وتتعاون من أجل دعم الدول التي تعاني من الإرهاب والتطرُّف، وعلى الدول أن تتعلم من نجاحات وفشل الدول الأخرى في برامجها لمواجهة الإرهاب والتطرُّف، خاصةً أن التهديدات الإرهابية في مجملها تتشابه حتى وإن اختلف الفاعلون واختلفت أدواتهم وعقائدهم وقيمهم.

ختاماً، يبرز الكاتب معظم التجارب الدولية في مواجهة الإرهاب والتطرُّف، وأنه يمكن من خلال تلك التجارب استخلاص بعض الدروس التي قد تفيد الدول الأخرى، ومن تلك الدروس ما يلي:

1 ـ إن استحداث برامج لمكافحة الإرهاب والتطرُّف لابد أن يكون مرتبطاً بخصوصية كل دولة، فعلى كل دولة أن تطور برامجها وفق ظروفها الخاصة، وكذلك يختلف دور المجتمع المدني في ذلك، بالإضافة إلى اختلاف درجة ومستوى التهديد الإرهابي من دولة لأخرى؛ وبالتالي، يمكن تعميم الاستفادة من تجارب الدول الأخرى مع الأخذ في الاعتبار خصوصية كل دولة.

2 ـ برامج مكافحة الإرهاب ليست اختراعات جديدة أو ناشئة، ولكنها موجودة وقائمة منذ سنوات طويلة، كما أنها ليست مواجهة ضد الإرهاب المرتبط بالإسلاميين فحسب، ولكنها أيضاً برامج قد صُممت ضد العنف والتطرف المسيحي أو اليهودي أو غيرها من الانتماءات المختلفة؛ وبالتالي، فإن العنف والتطرُّف والإرهاب غير مرتبط بجماعة معينة.

3 ـ سياسات مواجهة التطرُّف في تركيا قد أدّت إلى وجود برامج متقدمة لدراسات الإرهاب، ما ساعد على اتخاذ خطوات هامة في مواجهة الإرهاب، ووجود أكبر وأدق قاعدة بيانات في العالم متعلقة بالأمن ومرتبطة بمواجهة الإرهاب والتطرُّف.

4 ـ إن تجربة استراليا في الشرطة المجتمعية، والتي هدفت إلى نشر الوعي الأمني وتقوية الاتصالات المباشرة بين الشرطة والمواطنين، قد ساعدت على مواجهة الإرهاب والتطرُّف، بل وأعادت توطيد العلاقة بين الجاليات الإسلامية والشرطة الاسترالية، وهو ما عزَّز التعاون المجتمعي لمكافحة الإرهاب.

5 ـ سياسات مواجهة الإرهاب في سنغافورة أدّت إلى توحيد الكيانات المختلفة داخل الدولة، وعزّزت الحسّ الوطني كذلك من خلال اعتبار التطرف تهديداً لوجود الدولة ذاتها، وخطراً قد يقضي على المجتمع بأكمله.

* عرض مُوجز لكتاب: "مناهج جديدة لمكافحة الإرهاب.. تصميم وتقييم برامج مكافحة التطراف واجتثاثه"، والصادر عن مؤسسة "Palgrave Macmillan" في يناير 2015.

المصدر:

Hamed El-said, New Approaches to Countering Terrorism: Designing and Evaluating Counter Radicalization and De-Radicalization Programs, (Palgrave Macmillan, January 2015).