أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

"سيف العدل":

فرص نجاح الزعيم الجديد في قيادة تنظيم القاعدة

01 مارس، 2023


أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، يوم 15 فبراير 2023، أن المواطن المصري المقيم في إيران المكنى "سيف العدل"، أصبح زعيم تنظيم القاعدة بعد مقتل أيمن الظواهري في يوليو 2022، وهو ما يتوافق مع ما أكده تقرير للأمم المتحدة بهذا الشأن.

تاريخ "سيف العدل" الإرهابي 

فور إعلان الخارجية الأمريكية عن تولى سيف العدل قيادة تنظيم القاعدة، ظهرت العديد من التحليلات عن نشأته وحياته، وطبيعة عمله، والتي يمكن تفصيلها على النحو التالي:

1- مقدم سابق في القوات الخاصة: ولد سيف العدل، واسمه الحقيقي محمد صلاح الدين زيدان، بمحافظة المنوفية شمال القاهرة عام 1960، وعمل كمقدم سابق في القوات الخاصة المصرية، لكنه اعتقل في عام 1987 بتهمة محاولة إحياء "تنظيم الجهاد" المتهم باغتيال الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، كما شارك في محاولة اغتيال اللواء حسن أبو باشا، وزير الداخلية السابق. 

2- ترقيه في صفوف القاعدة: سافر العدل لأفغانستان في عام 1988، إذ تزوج من ابنة أبو الوليد المصري، مؤرخ القاعدة والمستشار السياسي لأسامة بن لادن، ليشغل بعدها منصب رئيس اللجنة الأمنية للقاعدة في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، كما منحه بن لادن عضوية مجلس شورى التنظيم، ثم تولى مسؤولية البنية العسكرية للقاعدة، ونجح في إقامة معسكرات تدريب تابعة للتنظيم في السودان وباكستان وأفغانستان. وبعد القصف الأمريكي لأفغانستان، في عام 2001، فر إلى إيران ويرجح وجوده فيها حتى الآن.

3- هجمات إرهابية مؤثرة: يزخر تاريخ سيف العدل في الإرهاب المسلح بالعديد من المهام، فهو كان مسؤولاً عن تأمين أسامة بن لادن، كما قام بتدريب بعض المتورطين، في هجمات 11 سبتمبر 2001، كما ساعد في بناء القدرة العملياتية للجماعة وتحويل القاعدة من مجموعة من المليشيات المناهضة للسوفييت إلى منظمة إرهابية، ناهيك عن دوره في تدريب المقاتلين في الصومال، والذين تسببوا في إسقاط طائرتين عموديتين من طراز "بلاك هوك" في مقديشو عام 1993، وقتل 18 جندياً أمريكياً، والذي كان بمثابة بداية الانسحاب النهائي للقوات الأمريكية كقوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة من الصومال.

وتورط العدل كذلك في عملية مهاجمة السفارتين الأمريكيتين في تنزانيا وكينيا عام 1998، بالإضافة إلى صلته بمقتل الصحفي الأمريكي، دانيال بيرل، في باكستان عام 2002، وهو ما دفع الحكومة الأمريكية لرصد مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار مقابل الحصول على معلومات تؤدي إلى اعتقاله.

وأخيراً، كان سيف العدل يصنف على أنه ثالث أكبر مسؤول بالتنظيم، بسبب الثقة الواسعة التي حظي بها من قبل زعيم القاعدة الأسبق أسامة بن لادن، ليصبح مبعوث القاعدة إلى الدول والجماعات التي كانت القاعدة تقيم علاقات معها، وكذلك إلى الأماكن التي سعت فيها إلى توسيع عملياتها من اليمن إلى الصومال إلى إيران، وهو ما منحه الثقل بين قيادات وأعضاء وفروع التنظيم.

أسباب تأخر الإعلان

على الرغم من عدم إعلان القاعدة بشكل رسمي أن سيف العدل هو زعيم التنظيم الجديد، فإنه من الملاحظ أن هناك مؤشرات عدة تؤكد أنه القائد الجديد، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي: 

1- صمت تنظيم القاعدة: لم يعلن تنظيم القاعدة، على غير العادة، عن هوية زعيمه الجديد، ويرجع ذلك إلى أمرين: أولهما حساسية القاعدة تجاه مخاوف حركة طالبان الحاكمة لأفغانستان التي لم ترغب في الاعتراف بأن الظواهري قتل بصاروخ أمريكي على أراضيها في منزل بكابول، وثانيهما، وربما الأهم، أن الزعيم الجديد للتنظيم يقيم في إيران في الوقت الراهن، حسب التقرير الأممي، والذي ذكر أيضاً أن موقع سيف العدل يثير تساؤلات حول طموح القاعدة لتأكيد دورها في قيادة حركة الإرهاب العالمية في مواجهة "داعش". 

2- إصرار أمريكي على العدل: أكدت واشنطن بجانب الأمم المتحدة أن سيف العدل هو الزعيم الجديد للقاعدة، والسبب في ذلك أنه في عام 2014 ظهرت وثيقة حددت الشخصيات المرشحة لخلافة الظواهري، وتضمنت أبو الخير المصري، وأبو محمد المصري، وسيف العدل، وأبو بصير الوحيشي، إلا أن المتغير الذي طرأ على هذه الوثيقة هو أنه لم يبق على قيد الحياة من هذه الأسماء إلا سيف العدل.

أضف إلى ذلك، تحكم سيف العدل في المجلس العالمي للقاعدة مجلس الشورى، الذي يضم قادة الأفرع الخارجية، إذ أن أغلب قياداته موالية لسيف العدل، مثل أبو همام السوري، صِهر سيف العدل، وأحمد عمر ديري، أمير حركة الشباب الصومالية، وهو محسوب على سيف العدل، وعبدالكريم المصري، وغيرهم من القيادات المرتبطة بـسيف العدل. وأخيراً، كان سيف العدل قد نشر رسالة، في نوفمبر 2022، باسمه الحركي الثاني "عابر سبيل" عبر موقع "ماذا" الذي يديره أبو الوليد المصري، أظهر فيها إشارات حول قيادته للقاعدة بحديثه عن تحالفات القائد. 

تداعيات محتملة

أسفر الحديث عن تعيين سيف العدل زعيماً للقاعدة، عن جملة من التداعيات وذلك على النحو التالي:

1- تعزيز المصالح الإيرانية: أثار اسم سيف العدل كزعيم جديد للتنظيم، الكثير من التساؤلات حول طبيعة الدور الإيراني في تحريك الأعمال الإرهابية للقاعدة، خاصة وأنه يقيم في إيران منذ عام 2001، فضلاً عن قيام مساعده خالد العاروري، والذي أسس تنظيم حراس الدين في سوريا، بعمليات تبادل الأسرى مع الحكومة السورية بوساطة من أحد ضباط الحرس الثوري الإيراني.

وباختصار، يفتح اختراق إيران لتنظيم القاعدة من خلال سيف العدل أو قيادات أخرى غير معلن عن وجودها في إيران، باب التساؤل حول احتمالية أن يقوم التنظيم بعمليات إرهابية تخدم المصالح الإيرانية ضد الدول المناوئة للمشاريع الإيرانية التوسعية في المنطقة، وهو ما أكده المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، حينما أشار إلى أنه: "عندما يتعلق الأمر بوجوده هناك، فإن توفير ملاذ آمن للقاعدة هو مجرد مثال آخر على دعم إيران واسع النطاق للإرهاب، وأنشطتها المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط وخارجه".

وعلى الرغم من وجود اتفاق بين القاعدة وطهران، والذي تم بموجبه تحرير أعضاء التنظيم هناك وسُمح لهم بالسفر إلى الخارج، لم يغادر سيف العدل طهران، كما أن أفراد عائلته كانوا من بين القلائل الذين أفلتوا من الاعتقال من بين أُسر القاعدة، واتضح أنهم من دون الباقين كانوا مستثنين من الاحتجاز، مما أشار إلى وجود تفاهمات مع السلطات الإيرانية لم يتم إشراك باقي عناصر القاعدة بها.

زد على ذلك، تقرير صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية عام 2006، والذي أشار حينذاك إلى أن الرئيس الإيراني سعى بقوة لإقناع زعماء القاعدة المقيمين لديه باختيار سيف العدل ليكون الرجل الثالث في التنظيم بعد بن لادن والظواهري.

والجدير بالذكر أيضاً أن العلاقة بين إيران وتنظيم القاعدة هي علاقة قديمة، وتقوم على مصالح متبادلة أخرى، أبرزها عداؤهما المشترك للعديد من الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، فضلاً عن تقديم إيران الدعم اللوجستي للتنظيم واستخدامها كممر وموطن آمنين لقيادات التنظيم، في مقابل استخدام التنظيم كأداة لتهديد مصالح بعض الدول المناوئة للمشروع الإيراني.

وعليه، قد تستخدم القاعدة، تحت قيادة العدل، أيضاً البنية التحتية التي بنتها إيران لشن هجمات على القوات الأجنبية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وحتى مهاجمة أهداف إسرائيلية. وبالنظر إلى خلفية المحادثات النووية المتعثرة بين إيران والولايات المتحدة، من المرجح أن تسعى إيران لتجديد نشاطها الإرهابي العالمي واستخدام القاعدة للقيام بما تريده.

2- توطيد العلاقة مع طالبان: أشارت عدة تحليلات إلى أن تولي سيف العدل قيادة القاعدة، سيؤدي لتعزيز العلاقة مع طالبان، وهو ما تجلى في تحايل سيف العدل على إعلان تنصيبه بإجراء مراسلات مع جميع فروع التنظيم لتأكيد أنه القائد، والتعامل مع الفروع من دون أن يتورط في الإعلان صراحة أنه خليفة الظواهري، وذلك حتى لا يسبب إحراجاً لطالبان، والتي نفت مقتل الظواهري.

فقد شعرت حركة طالبان بالحرج من مقتل الظواهري بعد أن أعطت تأكيدات للولايات المتحدة وآخرين بأنها لن تؤوي أفراداً أو جماعات تهدد الغرب أو حلفاءه في الأراضي الأفغانية، وبالتالي أظهر وجود الظواهري في وسط كابول وجود علاقة تعاون مستمرة بين القاعدة وطالبان.

وعلى الجانب الآخر، ترتبط القاعدة ارتباطاً وثيقاً بشبكة سراج الدين حقاني، والتي تعد جزءاً لا يتجزأ من حركة طالبان، ونظراً لأن الشبكة ما زالت مؤثرة داخل طالبان، فإنه يتوقع أن تحظى القاعدة بوجود معتبر داخل البلاد، وستواصل ترميم شبكاتها وبناء قدراتها كي تعود للواجهة من جديد، وربما تنتقل قيادة القاعدة الجديدة "سيف العدل" إلى أفغانستان وذلك لاعتبارات عديدة منها تلاشي الطعن في شرعيته إذا أقام في أفغانستان، فضلاً عن أن الوجود في أفغانستان سيتيح لسيف العدل حرية حركة ونفوذ أكبر.

3- جدل حول مستقبل القاعدة: جادل البعض بأن تنظيم القاعدة سيشهد تراجعاً في أداء مهامه تحت قيادة سيف العدل، مبررين ذلك بأنه غير مؤهل للقيادة، لأن مهاراته تؤهله أكثر للعمل في تنظيم العمليات المسلحة بدلاً من إدارة شبكة واسعة من الجماعات الإرهابية، فضلاً عن أنه لم يكن محبوباً بين عناصر القاعدة ومعروف عنه أنه متعصب لرأيه، كما أنه سريع الغضب وشديد الانفعال واختلف مع الظواهري في بعض الأمور الفكرية والعقائدية ولذلك رفضه ونفر منه كافة القيادات الوسطى في التنظيم.

ومن جهة أخرى، فإن علاقته بإيران وإقامته فيها، ستجعله غير مؤهل لفهم متطلبات قواعد القاعدة في الداخل أو ما يمرون به من تحديات في الخارج لأنه ابتعد عن مسرح العمليات لفترة طويلة، كما سيصبح مجبراً على تحويل القاعدة لذراع إيرانية، رغم اختلاف المذهب الديني.

وفي المقابل، أكد العديد من الخبراء أن سيف العدل سيجعل التنظيم أكثر خطورة كما كان في عهد أسامة بن لادن، لأنه سيعمل على إعداد "صيغة جديدة للتنظيم"، وبالمقارنة مع الظواهري، من المرجح أن يكون زعيماً أكثر خطورة من سابقيه، بسبب خبرته في الحركة الجهادية العالمية وتجديد قدرات التنظيم على التمويل والتمويه وشن العمليات الإرهابية.

وفي الختام، يمكن القول إن قوة التنظيم تراجعت في الفترة الأخيرة بسبب الضربات الأمريكية، فضلاً عن اغتيال الظواهري، ويتوقع أن يسعى سيف العدل لإعادة بناء القدرات المالية للتنظيم، بجانب إعادة القدرات العسكرية لأعضائه، مع الحفاظ على علاقاته بإيران وطالبان خلال الفترة المقبلة.