أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تنازل مشروط:

لماذا أعلنت إيران استعدادها للعودة إلى الاتفاق النووي في هذا التوقيت؟

23 ديسمبر، 2022


أكّد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، خلال منتدى طهران الثالث، في 19 ديسمبر 2022، استعداد بلاده العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، حال عادت واشنطن إليه. ويأتي هذا في الوقت الذي تجمدت فيه المباحثات النووية بين طهران والغرب منذ سبتمبر 2022، في ضوء التعنت والمماطلة الإيرانية، والتمسك بشروط ترى واشنطن والغرب صعوبة تحقيقها.

مؤشرات التراجع:

ثمة مؤشرات تُدلل على رغبة إيرانية في حلحلة الوضع المتعثر بشأن الاتفاق النووي، ويمكن الإشارة إليها على النحو التالي:

1- إبداء الاستعداد للعودة للاتفاق: صرّح عدد من المسؤولين الإيرانيين، خلال الفترة الأخيرة، باستعداد طهران العودة إلى الاتفاق النووي، في حال عادت واشنطن إليه، إذ أكد رئيس منظمة الطاقة النووية، محمد إسلامي، في 9 ديسمبر 2022، أن إيران ستعود إلى التزاماتها النووية الموقعة بموجب الاتفاق النووي، في حال تم رفع العقوبات المفروضة عليها، وهو الأمر ذاته الذي أكده رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيراني، كمال خرازي.

وتحمل تلك التصريحات تغيراً في الموقف الإيراني، والذي كان رافضاً للعودة للاتفاق، وهو الأمر الذي يمكن التدليل عليه من خلال تصريح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، في 5 ديسمبر 2022، بأن إيران لن تتفاوض بشأن الاتفاق النووي على أساس الحاجة إلى المفاوضات، مشدداً على عدم تقديم أي تنازلات أمام الضغوط التي تتعرض إليها إيران حالياً.

2- الموافقة على مسودة التفاوض الأخيرة: أعلن وزير الخارجية الإيراني موافقة طهران على اختتام مباحثات فيينا، على أساس مسودة التفاوض الأخيرة للمباحثات النووية، وذلك خلال مؤتمر صحفي عقده مع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، في 20 ديسمبر 2022، على هامش قمة بغداد الثانية، بالعاصمة الأردنية عمّان، كما تم الاتفاق خلال اللقاء على ضرورة استمرار التواصل وإعادة العمل بالاتفاق على أساس مفاوضات فيينا.

ويحمل هذا الإعلان من جانب طهران دلالة لافتة تتعلق بالتحوّل في الموقف من رفض مقترح المسودة الذي تقدم به الوسيط الأوروبي في المفاوضات، في يوليو الماضي، وهو ما علقت عليه واشنطن حينها بأنه موقف غير بنّاء ويمثل "خيبة أمل" بالنسبة لها، إلى الموافقة على التفاوض على أساس تلك المسودة.

3- السماح بزيارة لوفد وكالة الطاقة الذرية: يجري وفد الوكالة الدولية للطاقة الذرية زيارة إلى إيران، منذ 18 ديسمبر الجاري، وهو أمر يمكن اعتباره محاولة من جانب طهران للتهدئة مع الوكالة، خاصة أن هذه الزيارة قد تم تأجيلها الشهر الماضي، بعد قرار الوكالة بإلزام إيران بالتعاون بشكل عاجل مع تحقيق الوكالة حول آثار اليورانيوم التي تم العثور عليها في ثلاث مواقع غير مُعلنة.

يضاف إلى ذلك، محاولة نفي المسؤولون الإيرانيون أي صلة لبلادهم بآثار اليورانيوم تلك، وفي سبيل ذلك، فقد نفي رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، وجود أنشطة نووية سرية لبلاده، مؤكداً أن آثار اليورانيوم التي تم العثور عليها قد قدمت إلى إيران من نفايات بلدان أخرى. ومن جانبه، أعرب رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية، عن أمله في حل الخلافات مع الوكالة خلال زيارة وفدها إلى طهران.

دوافع التراجع الإيراني:

أدت جملة من العوامل إلى إعراب إيران عن استعدادها العودة للاتفاق النووي، ويمكن استعراضها على النحو التالي:

1- تفادي الضغوط الغربية عليها: دفعت المواقف الإيرانية المتشددة في المفاوضات واشنطن والقوى الأوروبية، إلى استبعاد إمكانية التوصل إلى اتفاق مع إيران، كما تبنت الدول الغربية مواقف ناقدة لطهران بسبب قيامها بدعم روسيا بالطائرات المُسيّرة في حربها ضد أوكرانيا. 

ورداً على ذلك، شنّت الدول الغربية حملات دبلوماسية ضد إيران، سواء بسبب دعم موسكو بالطائرات المسيرة، أو دعم الاحتجاجات. ومن ثم قامت هذه الدول بتوقيع حزم متتابعة من العقوبات على مسؤولي قمع الاحتجاجات داخل النظام الإيراني، والقائمين على تصدير المسيرات لروسيا. وإلى جانب ذلك، فقد دفعت واشنطن باتجاه استصدار قرار داخل الأمم المتحدة، يقضي بطرد إيران من لجنة المرأة الأممية. لذا تسعى إيران من خلال إبداء مرونة حيال العودة للمباحثات مع الغرب بشأن برنامجها النووية، إلى تفادي فرض مزيد من الضغوط الجديدة عليها.

2- الحيلولة دون نقل ملفها النووي لمجلس الأمن: استبقت إيران زيارة وفد الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بالإعلان عن استعدادها العودة للاتفاق النووي في حال رفعت واشنطن العقوبات عنها، خاصة أنه في حال لم تتعاون إيران مع الوكالة خلال هذه الزيارة، فقد يكون ذلك مدعاة لاستصدار قرار من مجلس محافظي الوكالة، بإحالة ملف إيران إلى مجلس الأمن، ومن ثم توقيع عقوبات دولية عليها.

ويُدلل على ذلك، تصريح السفيرة الأمريكية في المجلس، والتي هددت بأنه "على إيران أن تعلم أنها إذا فشلت في التعاون مع الوكالة لحل تلك القضايا، فسيتعين على المجلس اتخاذ مزيد من الإجراءات". هذا إلى جانب أن ذلك الأمر، من شأنه أن يؤدي إلى غلق باب المفاوضات مع إيران بشكل نهائي، لاسيما في ضوء وجود تشاؤم غربي من إمكانية إحياء الاتفاق النووي. 

3- محاولة تهدئة الاحتجاجات: تهدف إيران من موقفها الجديد في المفاوضات النووية إلى محاولة امتصاص الغضب الشعبي المتنامي، على خلفية الاحتجاجات المتصاعدة، منذ منتصف سبتمبر 2022، على أساس أن جزءاً من مطالب المتظاهرين، ينطوي على تحسين الظروف الاقتصادية والمعيشية للمواطنين، وهو ما يتطلب رفع العقوبات عنها، من خلال التوصل إلى اتفاق مع الغرب. يضاف إلى ذلك اعتقاد إيران أن العودة للمباحثات النووية مع إيران، قد يدفع بالأطراف الغربية للتهدئة بشأن موقفها الداعم للاحتجاجات، ما قد يُسهم في تقويض الاحتجاجات.

عقبات ماثلة: 

على الرغم من تعدد العوامل التي تدفع باتجاه إبداء إيران مرونة إزاء العودة للاتفاق النووي، فإن ثمة عقوبات تحول من دون تحقيق الهدف من ذلك، وهو ما يمكن استعراضه على النحو التالي:

1- رفض غربي للعودة للاتفاق: جاء الرد الأمريكي على الموقف الإيراني الجديد سريعاً برفض إعلان وزير الخارجية الإيراني، استعداد طهران العودة للعملية التفاوضية، إذ أعرب المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي، أن الولايات المتحدة لا تتوقع أي تقدم على مسار العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران في المستقبل المنظور، وأن الصفقة النووية مع إيران ليست في صدارة اهتمامات واشنطن، وأن التركيز الآن على دعم الاحتجاجات.

ومن جهة أخرى، فإن الموقف الأوروبي بات متطابقاً مع نظيره الأمريكي بشأن إيران، إذ أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية، في 22 نوفمبر الماضي، أن بلاده تتفق مع الولايات المتحدة في تحويل تركيزها بعيداً عن إحياء الاتفاق النووي إلى دعم احتجاجات الشعب الإيراني. ولعل هذا ما يفسر فرض الاتحاد الأوروبي وبريطانيا عقوبات متتالية على النظام الإيراني منذ بدء الاحتجاجات، الأمر الذي يضعف من فرص العودة للمباحثات مرة أخرى مع إيران.

2- مواصلة إيران التصعيد: استبقت إيران زيارة وفد الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالإعلان عن أن قدرات البلد في تخصيب اليورانيوم قد ارتفعت إلى أكثر من الضعفين، في الآونة الأخيرة. وسبق ذلك إعلان طهران عن رفع مستوى التخصيب في منشأة فوردو، بنسبة 60%، إلى جانب مواصلة التخصيب بالنسبة نفسها في منشأة نطنز، باستخدام أجهزة الطرد المركزي المتطورة في المنشأتيْن، بما يمكن من التخصيب بسرعة أكبر وبكميات أكبر، وكان هذا الإعلان بمنزلة رد من جانب إيران على قرار الوكالة بإلزامها بالتعاون معها بشكل عاجل.

هذا إلى جانب استمرار طهران في التهديد بقدراتها الصاروخية، إذ أعلنت عن النجاح في اختبار إطلاق صاروخ قائم 100، وهو ناقل يعمل بالوقود الصلب من ثلاث مراحل، ويمكنه حمل أقمار صناعية تزن 80 كجم، ووضعها في مدار الأرض على بعد 500 كم، وهو ما أتبعه إعلان من جانب وزير الاتصالات الإيراني، عيسى زارع بور، بعزم بلاده إطلاق قمرين صناعيين ناهيد 1 و2، قبل نهاية العام الإيراني الحالي، والذي ينتهي في 21 مارس 2023. 

ويدرك الغرب جيداً أن إيران تستخدم برنامجها الفضائي كغطاء لتطوير صواريخ باليستية عابرة للقارات، وقادرة على حمل رؤوس حربية نووية. وتجعل هذه العوامل من الصعب إحياء المفاوضات النووية، وسط استمرار تصعيد إيران في الملفين النووي والصاروخي.

3- إمداد إيران روسيا بالمسيرات: تتهم الولايات المتحدة إيران بتزويد روسيا بالطائرات المسيرة، التي تستخدمها في حربها في أوكرانيا، كما تثير واشنطن من فترة لأخرى إمكانية قيام طهران بتزويد روسيا كذلك بصواريخ باليتسية، أو تصدير المقاتلات الروسية "سو – 35" إلى إيران خلال الفترة القادمة. 

كما مثّل هذا الملف أحد أبرز الأسباب التي دفعت بالموقف الأوروبي من كونه موقف يفضل المقاربة الدبلوماسية في التعامل مع أزمة برنامج طهران النووي، إلى موقف أكثر حدة في التعامل معها، في ضوء أن تلك المُسيّرات تمثل تهديداً للأمن الأوروبي عموماً.

4- تمسك إيران بالعودة المشروطة للاتفاق: أعلنت إيران قبولها العودة للتفاوض، بشرط عودة واشنطن إليه أيضاً، ورفع العقوبات عنها، وهو ما يُعني تراجعها عن شرطها المتعلق بالحصول على ضمانات من واشنطن بعدم الانسحاب مجدداً من الاتفاق، غير أنها لاتزال تصر على إغلاق ملف التحقيق في أثار اليورانيوم، وهو ما مثل أحد الأسباب في إفشال الجولة الأخيرة من المفاوضات، وهو ما يدفع تلك الأطراف إلى عدم التعامل بشكل جدي مع طرح إيران، على أساس أنه مراوغة من جانبها لتخفيف الضغوط عليها.

وفي التقدير يمكن القول إن إبداء إيران رغبتها في العودة لطاولة المفاوضات بشأن برنامجها النووي قد رافقه تخلي إيران عن المطالبة بضمانات سياسية من واشنطن لعدم الانسحاب مجدداً من الاتفاق، وذلك في مقابل انتزاع تنازل مقابل من الولايات المتحدة، وهو إغلاق ملف تحقيقات الوكالة، وذلك حتى لا يتم تحويل ملف إيران إلى مجلس الأمن، ويعيد عليها العقوبات الدولية مجدداً. ومن أجل تجنب إظهار الضعف أو التراجع، فقد اتجهت إيران إلى التصعيد في مجال تخصيب اليورانيوم وإطلاق الصواريخ الباليستية، وذلك لإقناع واشنطن بأن البديل عن العرض الإيراني الأخير هو مواصلة طهران طريقها لامتلاك السلاح النووي.