أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

استفادة محدودة:

أبعاد انضمام إيران لمنظمة شنغهاي للتعاون

21 سبتمبر، 2022


قال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في تغريدة له على تويتر، في 14 سبتمبر 2022، إنه والأمين العام لمنظمة شنغهاي للتعاون، جانج مينج، وقعا على تعهدات العضوية الدائمة لإيران في المنظمة. وجاء ذلك على هامش مشاركة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، في فعاليات القمة الحالية لمنظمة شنغهاي للتعاون في مدينة سمرقند بأوزباكستان. 

وبذلك التوقيع تكون إيران قد تحولت من كونها عضو مراقب، منذ عام 2005، إلى عضو كامل، لتصبح بذلك العضو التاسع في منظمة شنغهاي للتعاون إلى جانب روسيا والصين والهند وباكستان وكازاخستان وطاجيكستان وأوزباكستان وقيرغيزستان.

أهداف إيرانية: 

تتعدد الأهداف التي تسعى إيران لتحقيقها من جراء الانضمام لمنظمة شنغهاي للتعاون، ويمكن تسليط الضوء على أبرزها على النحو التالي:

1- مواجهة الضغوط الغربية: تسعى إيران من الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون إلى كسر العزلة السياسية والاقتصادية المفروضة عليها بسبب العقوبات الأمريكية، وذلك من خلال توسيع علاقاتها الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول أعضاء المنظمة، وهو ما قد يُسهم في التخفيف من حدة الضغوط والعقوبات الغربية التي تتعرض لها طهران.

وصرّح الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، خلال لقائه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على هامش اجتماع القمة الحالية، أن "بلاده ستعمل على تحييد تأثير العقوبات الأمريكية ضد روسيا وإيران"، وهي بطبيعة الحال مجرد تصريحات دعائية تستهدف منها طهران توظيفها للضغط على واشنطن، خاصة في ظل تعثر مسار المفاوضات في فيينا بعد الرد الإيراني على المسودة المقترحة لإحياء الاتفاق النووي، والذي وصفته واشنطن بأنه "عاد بالمفاوضات إلى الوراء".

وحرص رئيسي، بعد توليه مهام منصبه في أغسطس 2021، إلى حضور اجتماع قمة شنغهاي في العاصمة الطاجيكية دوشنبه، في سبتمبر 2021، في دلالة على الأهمية التي توليها طهران للانضمام للتجمع، وهو الاجتماع الذي أسفر عن موافقة أعضاء المنظمة على منح إيران العضوية الكاملة للمنظمة في النهاية. 

وتسعى إيران كذلك إلى نيل العضوية الدائمة في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، الذي يضم عدّة دول على رأسها روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان وغيرها، وإحلال اتفاقية التجارة الحرة بدلاً من اتفاقية التجارية التفضيلية السارية حالياً بين إيران ودول الاتحاد، في مسعى من جانب طهران لتعظيم تجارتها الخارجية، بما يسمح لها بإيجاد بدائل عن علاقاتها الاقتصادية بالغرب في حالة الإعلان عن فشل المفاوضات.

وتتوقف فرص نجاح إيران في تحقيق مسعاها هذا على تصاعد الصراع بين الولايات المتحدة من جانب، وروسيا والصين من جانب آخر، على نحو يدفعهما إلى تحدي العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران. ويلاحظ أن تنامي الصراع في العلاقات الأمريكية – الصينية، سواء بسبب سعي واشنطن لمحاصرة الصين عبر تشكيل تحالفات عسكرية، مثل "أوكوس"، أو تصعيد التوتر معها حول تايوان، قد يساهم مستقبلاً في تحدي الصين لواشنطن ودخولها في علاقات تجارية مع إيران.

2- تعزيز العلاقات مع روسيا والصين: سعت روسيا للدفع باتجاه العضوية الكاملة لإيران في منظمة شنغهاي للتعاون. وصرّح بوتين، على هامش اجتماع القمة، بأن موسكو تدعم انضمام إيران إلى التكتل بأسرع وقت ممكن، مؤكداً أن هذا سيكون له أثر إيجابي في عمل المنظمة. 

كما اتفق الرئيسان الروسي والإيراني، خلال القمة على المضي قدماً لإتمام اتفاقية التعاون الاستراتيجي بينهما، بالإضافة للإشارة إلى زيارة مرتقبة لوفد روسي مكون من أكثر من 80 شركة إلى إيران الأسبوع المقبل، بما يعزز من العلاقات التجارية والاستثمارية بين الجانبين.

وتسعى روسيا، جراء تعاونها مع إيران، إلى تفعيل ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب، إذ دعت إلى اجتماع ضم مسؤولين من روسيا وإيران وأذربيجان، في 9 سبتمبر الجاري، في باكو، لمناقشة هذا الأمر، ويكتسب هذا الممر أهمية خاصة في أعقاب الحرب الأوكرانية ورغبة موسكو في إيجاد ممر لوجستي إضافي للتجارة الروسية مع جنوب آسيا.

ومن جانب آخر، تُشير عضوية إيران في منظمة شنغهاي إلى رغبة طهران في تعميق علاقاتها مع الصين، والتي وقعت معها شراكة استراتيجية مدتها 25 عاماً، في مارس 2021، تشمل مجالات اقتصادية وتقنية وسياسية وعسكرية. كما تمثل الصين المصدر الرئيسي للنفط الإيراني المهرب، وذلك قبل أن تتراجع بكين عن استيراده لصالح استهلاك النفط الروسي. 

3- التوافق حول الأوضاع في أفغانستان: تسعى إيران من الانضمام إلى المنظمة لمزاحمة الأطراف الفاعلة في الشأن الأفغاني، إذ تبدي المنظمة اهتماماً بملف أفغانستان، لاسيما في ضوء تصاعد التهديدات التي تواجهها دول المنظمة، بعد الانسحاب الأمريكي، وعودة طالبان إلى الحكم. 

ودعا البيان الختامي للقمة، إلى تشكيل حكومة تشاركية في أفغانستان، وهو ما يتلاقى مع موقف طهران، والتي تسعى إلى الضغط على طالبان لإشراك عناصر من طائفة الهزارة الشيعية في حكومتها. كما تسعى المنظمة إلى إعادة الاستقرار في أفغانستان، تمهيداً للبدء في عمليات إعادة الأعمار، وهو ما قد يتلاقى أيضاً من رغبة طهران للمشاركة في تلك العمليات. 

4- تعزيز شرعية النظام داخلياً: تسعى حكومة رئيسي للتعامل مع الاحتجاجات الداخلية المتزايدة، على خلفية الظروف المعيشية الصعبة جراء العقوبات الأمريكية، وفشل السياسات الحكومية في تحسين الوضع الاقتصادي، وذلك من خلال الانضمام لمنظمة شنغهاي للتعاون، والترويج لذلك باعتباره أمراً سوف يسهم في تحسين أوضاع الاقتصادية في البلاد، حتى في حالة إخفاق إحياء الاتفاق النووي مع واشنطن، والذي كان سيتم بموجبه رفع جانب مهم من العقوبات الأمريكية على طهران. 

ومن جهة أخرى، فإن تلك العضوية تثبت النهج الذي أعلنته الحكومة الإيرانية منذ توليها وهو "التوجه شرقاً"، فضلاً عن أنه تأكيد على ما كرره المسؤولون الإيرانيون بعدم ربط الاقتصاد الإيراني بالاتفاق النووي، من خلال إيجاد مسارات أخرى بديلة من الشراكات مع القوى الدولية غير الغربية.

قيود قائمة:   

على الرغم من اهتمام طهران بالانضمام لمنظمة شنغهاي للتعاون، فإن الواقع يُشير إلى وجود عدد من العقبات التي تعيق الاستفادة الفورية لإيران من تلك العضوية، وهو ما يمكن توضيحه من خلال التالي:

1- استمرار المخاوف من إيران: يلاحظ أن هناك تاريخاً من انعدام الثقة بين الجانبين الروسي والإيراني، خاصة في ظل تنافسهما الشديد حيال عدد من الملفات الإقليمية، أبرزها سوريا، وهو ما قد يعرض التفاهم القائم بين الجانبين للانتكاسة في أي وقت، على الرغم من توافقهما على مواجهة النفوذ الأمريكي، لاسيما بعد اندلاع الحرب الأوكرانية. وعلى سبيل المثال، فإنه إذا اتجهت إيران لإبرام الاتفاق النووي مع واشنطن، فإنه يتوقع أن تستجيب الأولى للعقوبات الأمريكية ضد روسيا. 

ومن جهة أخرى، فإن موسكو وبكين تتحفظان على سلوك إيران العدائي في منطقة الشرق الأوسط، وتبديان اعتراضهما على نوايا طهران التوسعية، وتعريضها الأمن البحري وحرية الملاحة في المنطقة للخطر، لذا فإنه من غير المرجح أن تعزز عضوية إيران في منظمة شنغهاي من تلك السياسات الإيرانية في المنطقة، بل على العكس، ربما تمارس دول المنظمة ضغوط على إيران للعدول عن تلك السياسات.

وتحرص روسيا والصين على الحفاظ على علاقات جيدة مع دول الخليج، وألا تؤدي علاقتهما بإيران، إلى فقدانهما لتلك العلاقات معهم، خاصة أنهم تبنوا مواقف مختلفة عن واشنطن في الأزمتين، وهو ما يفرض سقفاً على علاقة موسكو وبكين بطهران.  

2- انضمام دول عربية للمنظمة: انضمت عدد من الدول العربية إلى منظمة شنغهاي للتعاون، بصفة "شريك حوار"، خلال العامين الماضي والحالي، وهي السعودية ومصر والإمارات والكويت والبحرين وقطر، وهو ما قد يعني مستقبلاً تطور هذا الانضمام إلى صفة مراقب ومن ثم العضوية الكاملة في المنظمة.

وفي ضوء العلاقات الجيدة التي تربط الدول العربية ببعض دول المنظمة كروسيا والصين وباكستان وطاجيكستان، فضلاً عن اعتراض تلك الأطراف على بعض السياسات الإيرانية، فإن ذلك سيضع قيوداً على سلوك إيران داخل المنظمة.

3- هيمنة روسيا والصين على المنظمة: تتخذ المنظمة قراراتها بإجماع أعضائها، وهو ما يُعد أحد العراقيل أمام تطوير أدائها، لاسيما في ضوء استمرار الخلافات بين تلك الدول حول بعض القضايا، فضلاً عن تركز القرار عملياً داخلها بيد روسيا والصين.

ومن جانب آخر، فإن علاقات إيران الاقتصادية بدول المنظمة، باستثناء الصين، ما زالت محدودة، بل وتشارك عدد من تلك دول المنظمة في العقوبات التي توقعها واشنطن على طهران، مثل الهند وباكستان، كما أن إحجام إيران عن المصادقة على قوانين مجموعة العمل المالي "فاتف"، المتعلقة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، يحد من الاستثمار والتبادل التجاري والمالي بين دول المنظمة وطهران.

وفي التقدير، يعكس اهتمام إيران بالانضمام لمنظمة شنغهاي للتعاون رغبتها في التغلب على الحصار الاقتصادي والسياسي المفروض عليها من جانب واشنطن والغرب، ومحاولة توظيف ذلك لتعزيز موقفها في المفاوضات النووية المتعثرة، إلا أن ذلك لا يمنع من القول بأن مكاسب إيران جراء ذلك الانضمام سيكون رمزياً، وذلك بالنظر إلى أن منظمة شنغهاي ليست مؤسسة معنية بالتعاون الاقتصادي، بل هي منتدى دبلوماسي – أمني يسعى لحل المشكلات الأمنية المتعلقة بشكل أساسي بالصين وروسيا ومنطقة آسيا الوسطى، كما أن الدول أعضاء المنظمة، خاصة الصين، لاتزال تتمتع بعلاقات قوية مع واشنطن والغرب، وليست على استعداد لتحدي العقوبات الأمريكية ضد إيران طالما أن الخلافات الصينية – الأمريكية لم تخرج عن السيطرة.