أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

المبادرة الأممية:

هل تؤدي محادثات تونس إلى حلحلة التوترات الراهنة في ليبيا؟

26 مارس، 2022


أعلنت المستشارة الأممية، ستيفاني ويليامز، في 21 مارس 2022، عن الاستعداد لعقد محادثات بين مجلسي النواب والدولة الليبيين، خلال الأسبوع الراهن، في تونس، في محاولة للتوصل إلى صيغة توافقية بشأن القاعدة الدستورية التي سيتم بناءً عليها إجراء الانتخابات المقبلة، وهو ما يأتي بعد نحو ثلاثة أسابيع من إطلاق ويليامز مبادرة أممية تتعلق بتشكيل لجنة مشتركة من المجلسين لتجاوز الخلافات القائمة بين رئيس الوزراء الجديد فتحي باشاغا، ورئيس الوزراء المقال عبدالحميد الدبيبة الذي يرفض الاستقالة من منصبه.

تطورات متشابكة

شهدت الأيام الأخيرة عدد من التطورات المهمة المتعلقة بمسارات العملية السياسية في ليبيا، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- اجتماع النواب والدولة في تونس: أعلنت ستيفاني ويليامز، في 22 مارس الجاري، انطلاق الجلسات الأولى للاجتماع المشترك بين مجلسي النواب والدولة في تونس. وكشفت ويليامز عن حضور ممثلي مجلس الدولة فقط، وأن ممثلي مجلس النواب سوف ينضمون قريباً لاجتماعات تونس، تمهيداً لبدء الاجتماعات المشتركة.

وكانت ويليامز طرحت في 3 مارس الجاري، مبادرة تتعلق بتشكيل لجنة مشتركة من مجلسي النواب والدولة، تتكون من 6 أعضاء لكل منهما، من أجل وضع قاعدة دستورية جديدة، يتم الاعتماد عليها في إجراء الانتخابات المقبلة، وعلى الرغم من إعلان مجلس الدولة عن اختياره لأعضائه الذين سيشاركون في هذه اللجنة، إلا أن مجلس النواب التزم الصمت حيال هذه المبادرة، مع إعلان عدد من أعضائه رفضهم المبادرة.

2- تسلم باشاغا السلطة في الشرق والجنوب: تسلمت حكومة باشاغا مقر الحكومة في بنغازي، حيث أشارت بعض التقارير إلى أن النائب الأول لرئيس الحكومة الليبية الجديدة، على القطراني، قد بدأ مباشرة العمل من مقر الحكومة في بنغازي، ملمحةً إلى أن نائب رئيس حكومة الوحدة الوطنية، حسين القطراني، خال الأول، لم يمانع تسليم مقار الحكومة في شرق ليبيا لحكومة باشاغا، بيد أنه لا يريد الإعلان عن ذلك بشكل علني. كذلك، تسلم النائب الأول لرئيس الحكومة الليبية الجديدة عن المنطقة الجنوبية، سالم الزادمة، في 22 مارس الجاري، مقر رئاسة الوزراء بمدينة سبها في جنوب ليبيا. 

3- إعادة فتح الأجواء بين شرق ليبيا وغربها: أعلنت مصلحة الطيران المدني الليبية، في 22 مارس الجاري، عن إعادة فتح الأجواء الداخلية وتسير الرحلات بين طرابلس وبنغازي، وذلك بعد نحو ثلاثة أسابيع من إغلاق المجال من قبل الدبيبة لمنع وصول أعضاء الحكومة الجديدة، برئاسة فتحي باشاغا، للعاصمة طرابلس، في خطوة تعكس مؤشرات مهمة بشأن وجود ضغوطات دولية متزايدة على الدبيبة للتهدئة وقبول تسليم السلطة.

دلالات مهمة:

تشير التطورات الراهنة المتعلقة بمساعي ويليامز لإجراء مشاورات مشتركة مع الممثلين من مجلسي النواب والدولة عن جملة من الدلالات المهمة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- إلغاء محتمل للإعلان الدستوري: يعني إطلاق مباحثات تونس بشكل رسمي ضمنياً انهيار الإعلان الدستوري الثاني عشر، الذي كان مجلس النواب الليبي قد أقره في 10 فبراير الماضي، والذي كان ينطوي على تشكيل لجنة من الخبراء والمختصين، من 24 عضواً، يتم اختيارهم بشكل متساوي من قبل مجلسي الدولة والنواب، لدراسة التعديلات المقترحة على مشروع دستور عام 2017. 

ويلاحظ أن هناك إمكانية للتوصل لحل وسط، يقوم على إحداث نوع من الاتساق بين الإعلان والمبادرة الأممية، خاصة مع قيام مجلس الدولة بتسمية 12 عضواً كممثلين عنه في اجتماعات تونس، فضلاً عن تداول معلومات عن قيام رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، بتشكيل لجنة مكونة من 12 شخصاً، منهم 6 من أعضاء مجلس النواب، و6 من الخبراء والقانونيين. ويؤكد صحة ما سبق تصريحات ويليامز الأخيرة، والتي أشارت إلى أن مجلس النواب الليبي سيرسل لها أسماء ممثليه في اللجنة المشتركة المتعلقة بالمبادرة الأممية خلال الأيام القليلة المقبلة.

2- غموض مستقبل ويليامز في ليبيا: هناك تحديات عميقة باتت تواجه استمرارية ستيفاني ويليامز كمستشارة أممية في ليبيا، في ظل الاعتراض الروسي الحاد ضد التجديد لها، والتي ينتهي عقدها في نهاية أبريل المقبل، وبالتالي يبدو أن ستيفاني تسعى إلى التوصل إلى نتائج إيجابية على الأرض في أسرع وقت ممكن، حيث أشار النائب الأول لممثل روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، ديمتري بوليانسكي، خلال الاجتماعات الأخيرة لمجلس الأمن إلى ضرورة تعيين مبعوث أممي خاص إلى ليبيا بشكل عاجل، الأمر الذي سيقوض كثيراً من دور ويليامز أو حتى ربما يدفعها للاستقالة.

3- دعم دولي متزايد لباشاغا: يلاحظ أن تسلم حكومة باشاغا للسلطة في منطقتي الشرق والجنوب الليبيين، يعني ضمنياً خروجهما من سيطرة الدبيبة، مما يمثل ورقة قوية لصالح الحكومة الجديدة للضغط على الدبيبة، وبالتالي فإن قرب انتهاء حكومة الدبيبة باتت مسألة وقت.

وتجدر الإشارة إلى أنه لم تعبر أي من القوى الدولية أو الأممية عن إدانتها لخطوة تسلم حكومة باشاغا مقار مجلس الوزراء في شرق ليبيا وجنوبها. كذلك، أجرى سفير الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا، خوسيه ساباديل، اجتماعاً مع رئيس الحكومة الجديدة، فتحي باشاغا، في مؤشر هام على وجود دعم أوروبي ضمني للحكومة الجديدة، حيث ألمح ساباديل إلى ضرورة تجنب أي تصعيد محتمل.

كما أجرى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أول اتصال هاتفي رسمي مع رئيس الحكومة الليبية الجديدة، فتحي باشاغا، ما يعكس اعترافاً ضمنياً من قبل الأمم المتحدة بالحكومة الجديدة.

وتمارس واشنطن ضغوطاً على الدبيبة من أجل دفعه لتسليم السلطة بشكل سلمي، وذلك عبر التنسيق مع رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، مصطفى صنع الله، لتجريد الدبيبة من عائدات النفط كجزء من الحصار المالي الذي تفرضه الولايات المتحدة على حكومة الدبيبة المقالة.

سيناريوهات محتملة:

ثمة سيناريوهات محتملة للانقسامات القائمة بين باشاغا والدبيبة، والتي يمكن توضيحها على النحو التالي:

1- تزايد حظوظ حكومة باشاغا: يلاحظ أن هذا السيناريو هو المرجح، إذ تمارس الولايات المتحدة ضغوطاً لإعادة دعم مجلس الدولة لحكومة باشاغا، فضلاً عن التوصل إلى توافقات تتعلق بالقاعدة الدستورية التي ستنظم الانتخابات المقبلة. فقد أعدت يليامز خطة بديلة حال فشل ممثلي مجلسي النواب والدولة في التوصل إلى توافقات خلال اجتماعات تونس، والتي تقوم على إقرار المجلس الرئاسي الليبي للقاعدة الدستورية عبر مرسوم رئاسي، ويبدو أن هذه الخطة تستهدف الضغط على المجلسين للتوصل إلى تفاهمات مشتركة تنهي الخلافات القائمة بينهما، وهي كلها أمور تصب في النهاية في صالح باشاغا. 

ومن ناحية أخرى، أشارت تقارير إلى أن القوات التي صاحبت نائب رئيس الحكومة الجديدة، على القطراني، عند تسلم مقار الحكومة في شرق ليبيا، تتبع قوة "فرض القانون" الشرطية، والتي يرأسها وكيل وزارة الداخلية بحكومة الدبيبة، فرج قعيم، والذي كان قد أعلن مؤخراً استعداده تسليم السلطة لحكومة باشاغا، في مؤشر مهم بشأن استمرارية تصدع التكتل الداعم للدبيبة. 

2- استمرار خطر المواجهات العسكرية: لا تعني التطورات السابقة أن سيناريو المواجهات العسكرية بات مستبعداً تماماً، فقد أجرى الدبيبة اتصالاً مع الرئيس الشيشاني في 13 مارس الجاري، حيث طالب الأول من الثاني تعزيز التعاون الأمني، والمساعدة في تشكيل حرس أمني خاص للدبيبة، وإرسال عدد من العناصر المسلحة الموالية له إلى الشيشان للحصول على تدريبات.

ودعمت روسيا تنامي التقارب بين الدبيبة وقاديروف، والذي تم منذ فترة تسبق الأزمة الحالية، بيد أن موسكو أبدت مؤخراً دعمها لباشاغا، خاصةً بعد العقوبات الغربية عليها، حيث ترى موسكو بأن حلف باشاغا يمتلك السيطرة على قطاع النفط في ليبيا، وبالتالي تسعى روسيا لضمان الحفاظ على تحالفاتها القائمة في الشرق، وذلك كورقة ضغط على الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.

3- العودة إلى حكومتين منفصلتين: يلاحظ أن تمسك الدبيبة بالبقاء في السلطة، ومساعيه لحشد الدعم الميليشياوي في طرابلس للحيلولة دون دخول حكومة باشاغا، يمكن أن تدفع القوى الدولية إلى مسار بديل، يتمثل في محاولة إبقاء الوضع الراهن كما هو عليه، حتى موعد النهاية الرسمي لحكومة الوحدة الوطنية في يونيو المقبل، وهو ما سيقوض شرعيتها داخلياً وخارجياً، خاصةً في ظل صعوبة إجراء الانتخابات قبل نهاية يونيو المقبل، كما يدعي الدبيبة.

وفي الختام، لا يزال الغموض يسيطر على مستقبل الحكومة الليبية، على الرغم من الدعم الدولي لحكومة باشاغا، خاصة أن مبادرة ستيفاني ويليامز في ليبيا قد تواجه تحديات في حالة عدم التجديد لها في أبريل القادم، وعدم توصل مجلسي النواب والدولة لاتفاق حول القاعدة الدستورية بحلول ذلك الوقت.