أخبار المركز
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)
  • شريف هريدي يكتب: (مخاطر الانفلات: خيارات إيران للرد على استهداف قنصليتها في دمشق)

أدوار خمسة:

لماذا تزايدت أهمية "المنتديات الحوارية" في الشرق الأوسط؟

12 ديسمبر، 2019


شهدت بعض الدول العربية، وبصفة خاصة الإمارات والسعودية والبحرين والمغرب ومصر والأردن، في السنوات القليلة الماضية، انعقاد منتديات حوارية تتمثل في حلقات نقاشية وندوات فكرية وملتقيات ثقافية، مع وجود نسبي للقاءات الفردية والجلسات الحصرية، لمناقشة العديد من الأبعاد السياسية للقضايا الإقليمية والشئون الدولية، وفي بعض الأحيان يتم التطرق إلى المشكلات الداخلية ذات الامتدادات الخارجية، فضلاً عن منح أوزان نسبية أكبر للتهديدات الأمنية والموضوعات الاقتصادية والتطورات الثقافية والتحديات الإعلامية.

الفكرة هنا تتعلق بتدعيم الصيغة المؤسسية لهذه المنتديات، التي تجعلها "أطراً سياسية". وهذا أمر لم يكن معهوداً من قبل، بحيث يمكن توظيف المداخلات، التي تقدم من العاملين في مجالات تتعلق بصنع القرارات السياسية والأعمال التجارية والشركات الدولية الكبرى والخدمات الاستشارية والبحوث العلمية والمنظمات العالمية، بالإضافة إلى المجتمع المدني ووسائل الإعلام، والتي تلقى على مدار أيام انعقاد هذا المنتدى أو ذاك فيما يخص رسم التوجهات وصياغة الاستراتيجيات وطرح البدائل في ظل سيولة إقليمية متسارعة.

خريطة واسعة:

هناك العديد من المنتديات التي تستضيفها دول الإقليم. فعلى سبيل المثال، ينعقد منتدى "حوار المنامة" بصورة سنوية منذ عام 2004، والذي تنظمه وزارة الخارجية البحرينية بالتعاون مع المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن IISS، إذ يجتمع رؤساء وزراء ووزراء الخارجية والدفاع ومستشارو الأمن القومي وبعض قادة الجيوش وممثلو أجهزة الاستخبارات وخبراء الشئون الاستراتيجية وسفراء سابقون ورجال أعمال، من مناطق مختلفة في العالم، على مدى عدة أيام. 

وقد ناقش المنتدى، على مدى جلساته المختلفة في الفترة (22-24 نوفمبر 2019)، عدة موضوعات ضاغطة على الأمن الإقليمي، مع الأخذ في الاعتبار تنوع المناطق الجغرافية "الفرعية" موضع الاهتمام نظراً لما يواجه الشرق الأوسط من تهديدات تقليدية ومخاطر أمنية غير تقليدية.  وهيمنت على جدول أعمال المؤتمر تهديدات إيران الإقليمية وأمن الملاحة في منطقة الشرق الأوسط وتزايد التوتر بين واشنطن وطهران، على نحو أدى إلى هجمات ضد ناقلات نفط وضربات بطائرات مُسيَّرة وصواريخ استهدفت شركة "أرامكو"، فضلاً عن قضايا افتراضية مثل احتمال استخدام أسلحة الدمار الشامل في سوريا مرة ثانية.

هذا فضلاً عن عدد من المنتديات التي تناقش أيضاً قضايا أمنية مثل منتدى عمان الأمني ومنتدى المملكة العربية السعودية للأمن السيبراني ومنتدى مراكش للأمن، والتي تتباين اهتماماتها، وفقاً لمحورين رئيسيين: الأول، يتعلق بالبعد الموضوعي، حيث تحولت بعض المنتديات من التركيز على الأمن بالمفهوم الواسع إلى قضايا ومفاهيم أكثر تخصصاً مثل الإرهاب والأمن الفكري والانتشار النووي والأمن السيبراني. أما الثاني، فيرتبط بالنطاق الجغرافي، إذ قد تركز بعض المنتديات على القضايا الأمنية المتعلقة بمنطقة جغرافية محددة، وهو ما يبدو بوضوح في منتدى مراكش للأمن، الذي ينظمه كل من المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية بالاشتراك مع الفيدرالية الإفريقية للدراسات الاستراتيجية، ويركز على قضايا الأمن في منطقة الساحل والصحراء. 

يضاف لذلك المنتدى الهام الذي تنظمه وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية سنوياً، بالتعاون مع معهد الدراسات الدولية والاستراتيجية ومقره واشنطن، وهو ملتقى صير بني ياس، الذي يشهد حضوراً دولياً قوياً، وحوارات جادة، وإن كانت فعالياته تتم عادة بشكل هادئ، بعيداً عن وسائل الإعلام، وعقد اللقاء العاشر في الفترة (16-17 نوفمبر 2019) للنقاش حول السياسات التي تمارس في الشرق الأوسط، مع الإشارة بشكل خاص إلى السياسة الإيرانية لاسيما في ظل وكلاءها في اليمن وسوريا والعراق. وكذلك عقد مركز الإمارات للسياسات ملتقى أبوظبى الاستراتيجي السادس خلال الفترة (10-11 نوفمبر 2019) للنقاش حول خريطة القدرات العالمية (العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية) بهدف معرفة توازن القوى العالمي والتنافس على القوة في الشرق الأوسط.

كما عقدت فعاليات الملتقى السنوي السادس لمنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة في أبوظبى خلال الفترة (9-11 ديسمبر 2019) تحت عنوان "دور الأديان في تعزيز التسامح من الإمكان إلى الإلزام" بمشاركة 1000 شخصية من القيادات الدينية على مستوى العالم. وأطلق المنتدى "حلف الفضول العالمي الجديد" الذي يسترشد بإعلان مراكش التاريخي ومؤتمر واشنطن ومؤتمر أبوظبى ووثيقة عمان ووثيقة مكة المكرمة ووثيقة الأخوة الإنسانية. ويأتي انعقاد هذا المنتدى تثميناً لقرار الإمارات باعتبار 2019 عاماً للتسامح.  

وقد عقد المنتدى الاستراتيجي العربي بدبى في 9 ديسمبر 2019 لمناقشة التقرير المعنون "11 سؤالاً للعقد القادم"، إذ تطرق التقرير إلى الصراعات التقنية بين الولايات المتحدة والصين، ومدى خطورة حرب الإنترنت في مواجهة الاقتصاديات الكبيرة ومستقبل الدور الأمريكي في ظل نظام دولي متعدد الأطراف، ومستقبل الأوبك في ظل اقتصاد عالمي خالٍ من الكربون، والمخاطر الأمنية المتعلقة بندرة المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأثر اكتشاف حقول غاز شرق المتوسط الواقعة قبالة سواحل قبرص ولبنان ومصر على استقرار المنطقة، وإنهاك نظام الحكم في إيران نتيجة للعقوبات الاقتصادية، ووتيرة انتشار الأسلحة النووية في المنطقة. ويجيب التقرير الذي يناقشه المنتدى عن أبرز الأسئلة المطروحة على الساحة العالمية والإقليمية ويستشرف السيناريوهات الممكنة بهدف دعم قدرة صناع القرار على توجيه عملهم بما يتناسب مع جميع الاحتمالات المستقبلية واستباق التحديات السياسية والاقتصادية الإقليمية والدولية.

كذلك عقدت النسخة الأولى من منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة خلال الفترة (10-11 ديسمبر 2019) وتطرقت جلساته إلى عدد من القضايا منها "إسكات البنادق في افريقيا. ملكية أجندة منع النزاعات" و"نحو إطار إقليمي للتعاون لتحقيق السلام والأمن والتنمية في البحر الأحمر وخليج عدن" و"لماذا لا يزال تحقيق السلام والتنمية المستدامة في منطقة الساحل أمراً صعب المنال" و"استدامة السلام: السياسات والمؤسسات والشراكات" و"بناء الدول بعد هزيمة الجماعات الإرهابية" و"تعزيز دور المرأة الإفريقية في تحقيق السلام والأمن والتنمية" و"تعزيز شراكة إفريقيا مع العالم" و"أمن الطاقة في إفريقيا" و"دور التمويل الرقمي والشمول المالي".  

فضلاً عن "منتدى أصيلة" الثقافي الذي يقام سنوياً في المغرب، ويطرح موضوعاً محدداً من زوايا عدة ووفق خصوصيات كل دولة. وعقد منتدى روما لحوار المتوسط في الفترة (5-7 ديسمبر 2019) – بدأ عام 2015 بمبادرة مشتركة بين وزارة الخارجية الإيطالية والمعهد الإيطالي للدراسات الدولية-بهدف إطلاق نقاش رفيع المستوى بين دول شمال وجنوب المتوسط حول سبل مواجهة التحديات المشتركة. وقد خصص جلسة مهمة لمناقشة الأزمة الليبية في حال فشل المؤتمر الدولي الذي سوف تستضيفه العاصمة الألمانية برلين.

كما يعقد المنتدى السنوي "حوارات أطلسية" في دورته الثامنة بمراكش، في الفترة (12-14 ديسمبر 2019) لمناقشة موضوع "قضايا الجنوب في عصر الاضطرابات" بمشاركة نحو 400 شخصية من 66 دولة، من إفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا. ويأتي ذلك في ظل التحديات المتعددة التي تواجهها دول الجنوب في ظل استمرار الصراعات المسلحة والتهديدات الإرهابية وارتفاع معدلات البطالة لدى الشباب والتوسع الحضري السريع إضافة إلى تداعيات تغير المناخ واحتمالات حدوث أزمة مالية دولية جديدة وإصلاح هيكل النظام الدولي. وهنا تجدر الإشارة إلى أن المؤتمر يسعى، منذ إطلاقه عام 2012، إلى إدماج جنوب المحيط الأطلسي في النقاش الجيوسياسي العالمي.

وعقد أيضاً في الفترة (2-3 ديسمبر 2019) منتدى الإعلام السعودي في نسخته الأولى في الرياض تحت عنوان "صناعة الإعلام. الفرص والتحديات" بمشاركة أكثر من 1000 إعلامي من 32 دولة يشاركون بـ 50 جلسة وورشة عمل لاستعراض التجارب المحلية والدولية في الصناعة والتحديات التي تواجهها، من خلال عدة جلسات فرعية تناولت "الدبلوماسية والإعلام. من يحرك الآخر؟" و"الحرب على الأخبار المضللة" و"مراكز الدراسات وصناعة الإعلام الحديث" و"الإعلام وتأجيج الأزمات السياسية في العالم العربي" و"الإعلام وتغطية الحروب والأزمات" و"سباق التحول الرقمي في المؤسسات الإعلامية".

أهداف متعددة:

تهدف هذه المنتديات إلى تحقيق عدة أهداف رئيسية: يتمثل أولها، في كونها نافذة مكثفة لمتابعة وفهم شئون دول الإقليم التي تواجه حزمة واسعة من المشكلات والأزمات، وتقديم رؤية "عن قرب". ويتعلق ثانيها، بطرح الآراء المتعددة بعيداً عن أجواء الأطر الرسمية، التي قد لا تطرح فيها القضايا المثيرة بصراحة كاملة، إذ حافظت بعض المنتديات مثل منتدى حوار المنامة منذ انطلاقها على طابع الحوار الذي يتسم بالصراحة والوضوح، وهو ما يجعلها أقرب إلى "المسارات الثانية"، وينطبق ذلك أيضاً على ملتقى "صير بني ياس".

وينصرف ثالثها، إلى توجيه رسالة معينة مفادها أن هذه الدول صارت جزءاً فعالاً في تشكيل المنظومة العالمية سياسياً واقتصادياً وثقافياً. ويتصل رابعها، بدعم الجهود الجماعية المشتركة للوصول إلى تفاهمات محددة للحد من المشكلات والأزمات التي تواجهها دول الإقليم والعالم لاسيما أن المستقبل غير واضح المعالم. ويركز خامسها، على تداول التجارب في سياق عالمي عبر عرض التوجهات الجديدة والجوانب العملية والخبرات المختلفة، على نحو ما تقوم به مصر باستضافة منتدى شباب العالم. 

مؤسسات مفتوحة:

إن المسار المحتمل لهذه النوعية من المنتديات هو التزايد عاماً بعد آخر، لسبب أساسي هو أنها تبنت أسلوب "الحوار المفتوح"، في الداخل أو بين الداخل والخارج، القائم على استحضار التساؤلات ومناقشتها بدلاً من الأسلوب التقليدي الذي يعتمد على التحضير المسبق لأوراق بحثية ودراسات أكاديمية بل ينطلق بعضها من التنامي المتوقع في مساحات التوتر في إقليم الشرق الأوسط، وفق نظرية "البجع الأسود" القائم على تصور أسوأ سيناريو محتمل. ولذا، انتشرت منتديات السلام أو إحياء السلام أو تعزيز السلم في دول الشرق الأوسط، عبر تكوين منصات حوارية ترمي إلى تعزيز البنية التحتية لترسيخ السلام. 

كما أن هذا الحوار لا توجد فيه توصيات وإنما يمثل فرصة لتبادل الأفكار وعرض وجهات النظر بشأن رصد ظواهر بازغة أو طرح تحديات محتملة أو تحديد أبعاد جديدة لمشكلات قديمة أو تقديم مبادرات بناءة في موضوعات مختلفة تتعلق بالاقتصاد والتكنولوجيا والإعلام والثقافة والسلام، ليتم ملء مساحات الفراغ الخاصة بالقضايا غير المعالجة من قبل مؤسسات الحوار ومراكز الأبحاث وأجهزة الإعلام، وتخرج من الإطار المحلي لتعبر على جسر الإقليم "الشرق الأوسط" متجهة نحو العالمية، على نحو يهدف -بصورة أساسية- إلى بلورة تصور للمستقبل واستشراف ملامحه والسعى بخطوات محسوبة نحوه.