أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

الراكب المجاني:

كيف تعامل النظام السوري مع الأزمة القطرية؟

16 يوليو، 2017


يبدو أن استمرار انخراط النظام السوري، سواء في المواجهات الميدانية مع قوى المعارضة المسلحة والتنظيمات الإرهابية، أو في المفاوضات التي تجري حاليًّا جولتها الخامسة في الأستانة برعاية كلٍّ من روسيا وإيران وتركيا؛ لم يدفعه إلى تقليص اهتمامه بمتابعة تطورات الأزمة القطرية.

ومن دون شك، فإن هذا الاهتمام يعود في المقام الأول إلى أن العلاقات بين الدوحة وبعض التنظيمات الإرهابية التي يتسع نطاق دورها في سوريا كان محورًا رئيسيًّا للخلافات المستمرة بين الطرفين، بشكل قد يؤثر، في كل الأحوال، على الموقف القطري من المسارات المحتملة للأزمة خلال المرحلة المقبلة، وبالتالي على موقع النظام والقوى المناوئة له داخل خريطة توازنات القوى في سوريا، على نحو يجعل من نظام الأسد رابحًا من استمرار تلك الأزمة أو بالأحرى رابحًا مجانيًّا منها.

إن النظام السوري قد يرى أن اندلاع تلك الأزمة يمكن أن يُنتج تداعيات عديدة سوف تؤثر على المسارات المحتملة للصراع السوري خلال الفترة المقبلة، ويتمثل أبرزها في:

تأكيد الاتهام:

1- إضفاء وجاهة خاصة على الاتهامات الموجهة لقطر بدعم الإرهاب: إذ يرى النظام أن الاتهامات التي توجهها الدول الأربع إلى الدوحة بدعم بعض التنظيمات الإرهابية تُكسب الرؤية التي يتبناها تجاه الدور الذي تقوم به قطر على الساحة السورية، مزيدًا من الأهمية والزخم، باعتبار أن المسئولين السوريين دأبوا خلال الأعوام الستة الماضية التي أعقبت اندلاع الأزمة السورية في مارس 2011 على توجيه اتهامات لقطر بدعم الإرهاب في سوريا.

في هذا السياق، قال الرئيس السوري بشار الأسد، في 4 يونيو 2017، أي قبل يوم واحد من اندلاع الأزمة بين قطر والدول الأربع: "لسنا نحن من أحضر الإرهابيين، ولسنا من دعم الإرهابيين، ولا من دعم هذه الأيديولوجيا، إن من بدأ هذا الصراع كان قطر".

ورغم أن بعض الاتجاهات تشير إلى أن النظام السوري وحلفاءه من الدول والميليشيات الطائفية تغاضوا -في بعض الأحيان- عن دخول بعض العناصر الإرهابية إلى داخل سوريا بهدف "تمييع" الأزمة في سوريا، وتحويلها من أزمة ضد النظام إلى حرب ضد الإرهاب، وممارسة ضغوط على القوى الدولية، لا سيما الدول الأوروبية، من أجل إعادة فتح قنوات تواصل أمنية مع النظام؛ إلا أنه بات يستغل هذا الملف في تعزيز الاتهامات الموجهة لقطر بدعم الإرهاب.

وقد عبر عن هذه الرؤية تحديدًا نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، في تصريحات لصحيفة "الوطن" السورية، في 12 يونيو 2017، حيث قال في رده على سؤال حول تأثير الأزمة على الواقع الميداني في سوريا: "أعتقد أنه واقع جيد، وأعتقد أن هذه المهزلة التي نشهدها في منطقة الخليج توضح للقاصي والداني أن سوريا كانت دائمًا على حق".

وربما يعوّل النظام على أن ذلك قد يكون حافزًا لبعض القوى الدولية من أجل إعادة فتح قنوات تواصل معه في الفترة المقبلة، خاصة في ظل تزايد مخاوفها من إمكانية تعرضها لعمليات إرهابية جديدة من جانب تلك التنظيمات، خاصة تنظيم "داعش"، الذي ربما يتجه إلى تصعيد تلك العمليات، للرد على اقتراب هزيمته في كلٍّ من الموصل والرقة.

إضعاف الإخوان:

2- الإخوان المسلمين: يرى النظام السوري أن هذه الأزمة يمكن أن تساهم في إضعاف جماعة الإخوان المسلمين بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة، في ظل ارتباطها بالدوحة، وسعيها إلى تنفيذ أجندتها، وهنا تعمّد النظام خلال الفترة الماضية اتهام القيادات القطرية بأنها "إخوانية التوجه"، حيث قال رئيس النظام السوري بشار الأسد، في 11 مايو 2017، إن "داعش والنصرة وأردوغان، وهو من الإخوان المسلمين، لديهم العقيدة نفسها، طبعًا مع قطر. كل هؤلاء لديهم العقيدة المتطرفة".

وبالطبع، فإن ذلك لا يمكن فصله عن أن الأزمة سوف تفرض، وفقًا للنظام، خيارات صعبة أمام حركة "حماس" الفلسطينية، وربما تدفعها إلى محاولة تغيير موقفها من جديد إزاء الأزمة السورية، خاصة أن تلك الأزمة سوف تجعلها تتجه نحو رفع مستوى علاقاتها مع إيران خلال المرحلة المقبلة، لا سيما في ظل توتر علاقاتها مع بعض دول المنطقة. 

تراجع الاهتمام:

3- تراجع الاهتمام القطري بالملفات الإقليمية: دفع تصاعد حدة الضغوط التي تفرضها الدول الأربع على قطر إلى تقليص اهتمام الأخيرة بمتابعة الملفات الإقليمية الأخرى، وذلك لصالح الدفاع عن موقفها في مواجهة الاتهامات التي تتعرض لها، على المستويين السياسي والأمني. إذ كان لافتًا أن الدبلوماسية القطرية ركزت منذ اندلاع الأزمة على محاولة استقطاب دعم إقليمي ودولي لصالح موقف الدوحة، وقد تزامن ذلك مع تخصيص الأجهزة الإعلامية التابعة للدوحة، على غرار قناة "الجزيرة"، قسمًا كبيرًا من برامجها للترويج للموقف القطري، وشن حملة انتقادات ضد بعض دول المقاطعة، بشكل قد يتسبب في تراجع اهتمام قطر بالتطورات السياسية والميدانية في سوريا.

تحالف طهران:

4- تعزيز احتمالات ارتفاع مستوى العلاقات بين قطر وإيران: وهو ما قد يفرض تداعيات إيجابية على النظام السوري، خاصة أن ذلك معناه اتجاه الطرفين إلى رفع مستوى التنسيق السياسي والأمني تجاه التطورات التي يشهدها الصراع السوري، على غرار التفاهمات التي توصل إليها الطرفان ومهدت لإبرام اتفاق البلدات الأربع.

وهنا، لا يمكن استبعاد أن تتجه الدوحة إلى إجراء تغيير في موقفها تجاه الصراع في سوريا، وتحديدًا إزاء رئيس النظام السوري بشار الأسد، باعتبار أن ذلك يُمكن أن يُساهم في دعم علاقاتها مع إيران خلال المرحلة المقبلة، لا سيما إذا ما واصلت إيران دعم الموقف القطري من الأزمة، والمشاركة في جهود الترويج له لدى بعض القوى الدولية، على غرار ما فعل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عندما قام بزيارة ألمانيا وإيطاليا في نهاية يونيو 2017؛ حيث كانت الأزمة مع قطر أحد أهم المحاور التي تم التركيز عليها في تلك الزيارة.

توازنات جديدة:

وفي ضوء ذلك، أقدم النظام السوري على اتخاذ خطوات عديدة هدف من خلالها إلى توجيه رسائل مباشرة للقوى المعنية بالأزمة السورية، ومفادها أن النظام يستعيد سيطرته الميدانية تدريجيًّا داخل سوريا، على غرار وضع صورة رئيس النظام بشار الأسد على الليرة السورية بعد إعادة طبعها في ورقة جديدة من فئة 2000 ليرة، باعتبار أن الظروف الآن باتت مواتية لطرحها للتداول بعد التحولات الميدانية الأخيرة، إلى جانب الجولات التي يقوم بها الأسد في بعض المدن السورية، مثل حماة، التي أدى فيها صلاة عيد الفطر في 25 يونيو الفائت، في أول زيارة معلنة لتلك المدينة منذ بداية الأزمة.

وكل ذلك يُوحي بأن النظام بات يُبدي ارتياحًا ملحوظًا إزاء التطورات الإقليمية الحالية، ومنها الأزمة الحالية مع قطر، خاصةً أنها تتزامن مع ظهور تقارير عديدة تُشير إلى احتمال إقدام إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على وضع مصير الأسد في يد روسيا، بكل ما يُمكن أن يفرضه ذلك من تأثير على توازنات القوى داخل سوريا خلال المرحلة المقبلة.