أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

خمس حقائق:

العلاقة بين المحدد الديني والصراعات المسلحة

22 ديسمبر، 2014


إعداد: أحمد عاطف


شهدت السنوات الأخيرة تنامي ظاهرة الصراعات المسلحة على مستوى العالم، وفي منطقة الشرق الأوسط تحديداً، وأشار الكثيرون بأصابع الاتهام إلى الدوافع الدينية باعتبارها المسؤولة عن تفاقم هذه الحالة من عدم الاستقرار، خاصةً مع استمرار الصراع العربى - الإسرائيلي وقضية القدس، والتوتر المذهبي الذي ألقى بظلاله السلبية على علاقات إيران بدول المنطقة السنية.

مثل هذه التحديات، دفعت المراكز البحثية والمتخصصين إلى إيجاد مقاربات فكرية تجعل من الخلافات الدينية عامل توحد لا خلاف، وما يشجع على ذلك أن العالم – على الرغم من الصراعات الدينية التي عاشها ويعيشها - لم يخلُ من مبادرات عالمية وإقليمية لتقريب وجهات النظر، والدفع من أجل حوار بين الأديان يزيل النقاط الخلافية.

وفي إطار هذه الجهود، نشر معهد الاقتصادات والسلام (IEP)، تقريراً في أكتوبر 2014 حول العلاقة بين الدين والسلام (وفقاً لمقياس السلام في مؤشر السلام العالمي GPI). جدير بالذكر أن (معهد الاقتصادات والسلام) هو مؤسسة بحثية عالمية مستقلة، وغير ربحية، ومتخصصة في دراسات وبحوث السلام والأمن والاقتصاد والأعمال، وتسعى لتحويل تركيز العالم إلى السلام كإجراء إيجابي ملموس يمكن تحقيقه لرفاهية وتقدم الإنسانية.

ويعتمد التقرير في مصادر معلوماته على اثنين من المؤشرات اللذين تم إعداهما بواسطة مؤسسة "بيو" البحثية الأمريكية، وذلك لقياس القيود التي تفرضها الحكومات على الممارسات الدينية، وأيضاً لقياس العداء الاجتماعي تجاه الفئات الدينية. كما تم الاعتماد على التقارير المنشورة من 18 مصدراً، بما في ذلك تقارير وزارة الخارجية الأمريكية، وكذلك الأمم المتحدة حول حرية الدين أو العقيدة. واستندت الدراسة إلى تحليل أكثر 100 عنصر من العوامل الاجتماعية والاقتصادية.

بدايةً، يتطرق التقرير إلى ملامح العلاقة بين السلام والدين، مشيراً إلى تدهور السلام العالمي بشكل مطرد على مدى السنوات السبع الماضية، وذلك وفقاً لما كشف عنه مقياس مؤشر السلام العالمي (GPI)، حيث ساء الوضع في 111 بلداً مقابل تحسنه في 51 دولة. ويرى التقرير أن أحد الأسباب الرئيسية لهذا التراجع العالمي في السلام، يتعلق بتزايد النشاط الإرهابي الذي كان مدفوعاً بتنظميات متطرفة تزعم صلتها بالإسلام، مثل "داعش" و"بوكو حرام"، و"القاعدة". ومن ثم فقد تصاعدت حدة وحجم الإرهاب، والدليل على ذلك أن 24 دولة سجلت كل منها أكثر من 50 حالة وفاة بسبب الأنشطة الإرهابية بحلول عام 2013، في مقابل 13 دولة عام 2011.

ويؤكد معدو التقرير أن الأحداث الجارية تقف على النقيض تماماً من الدور الإيجابي الذي سبق أن لعبته شخصيات دينية في بناء السلام، فعلى مدار السنوات الـ 100 الماضية، كان أعظم قادة السلام في القرن العشرين من رموز ورجال الدين مثل (غاندي، ومارتن لوثر كينج). كما اعتمدت العديد من الحركات المضادة للعنف على المبادئ والتعاليم المتضمنة في الأديان السماوية الرئيسية (الإسلام، المسيحية، واليهودية).

وقد أجاب التقرير على خمسة أسئلة أساسية ذات صلة بالعلاقة بين السلام والدين، وهي كالتالي:

1- هل الدين السبب الرئيسي للصراع حالياً؟

يشير (معهد الاقتصادات والسلام) في تقريره إلى أن الدين ليس السبب الرئيسي لأي من الصراعات في الوقت الراهن، ففي حين كان الدين سبباً للعديد من الصراعات على مر التاريخ، فإنه ليس بأي حال السبب الوحيد للصراعات حالياً.

ويدلل التقرير على هذه النتيجة التي توصل إليها، من خلال إلقاء الضوء على 35 حالة نزاع مسلح في عام 2013. والمقصود بالنزاع المسلح هنا "الاستخدام المتواصل والمنظم للقوة، مما يؤدي إلى ما لا يقل عن 100 حالة وفاة سنوياً، فضلاً عن تأثيرها الخطير على الأمن البشري والبنية التحتية أو الموارد الطبيعية". وقد ثبت أن ثمة أسباباً عديدة للصراع في هذه الحالات (35)، حيث إن ثلثي تلك الصراعات في العام الماضي كان من بين أسبابها معارضة حكومة معينة أو التحفظ على النظام الاقتصادي أو الأيديولوجي أو السياسي أو الاجتماعي للدولة. كما كانت الهوية والرغبة في الحكم الذاتي وراء 60% من هذه النزاعات المسلحة.

ويضيف التقرير أنه من بين 35 حالة من النزاعات المسلحة في عام 2013، لم يلعب "العنصر الديني" دوراً في 40% من هذه النزاعات، بينما كان الدين وإقامة "الدولة الإسلامية" أحد الأسباب لنحو 14% من الصراعات. ومن بين حالات الصراعات المسلحة في منطقة الشرق الأوسط التي كان الدين أحد الأسباب وراء اندلاعها أو استمرارها العام الماضي، تأتي نماذج مثل (العراق، وسوريا، واليمن، والصراع الفلسطيني – الإسرائيلي).

2- العلاقة بين التدين أو الإلحاد والسلام

طبقاً للنتائج التي تضمنها التقرير، فإن ارتفاع عدد المتدينين ليس سبباً في عدم الاستقرار والحروب، كما أن زيادة عدد الملحدين ليس سبباً في تعزيز الأمن والسلام، حيث إن الصراعات وعمليات القتل والجريمة في المجتمعات التي تحارب التدين كانت عالية جداً، بينما تضمحل في الدول التي يكون فيها التدين غالباً.

وتشمل البلدان الأكثر استقراراً دولاً متدينة وأخرى أقل تديناً. فعلى على سبيل المثال، فإن هناك ثلاث دول تعد أكثر تديناً من المتوسط العالمي، تقع في مقدمة الدول العشر الأولى من حيث معدلات السلام والاستقرار العالية على مؤشر السلام العالمي. وعلى النقيض في نهاية المؤشر فيما يتعلق بالدول الأقل استقراراً، توجد دولتان لديهما أدنى معدلات التدين في العالم، مثل كوريا الشمالية.

3- البعد الديمواغي في الدول الإسلامية (سنة/ شيعة) وعلاقة بالصراع

يقرر التقرير أنه على الرغم من كون العنف الطائفي بين السنة والشيعة يُعد سمةً رئيسيةً من سمات الصراعات في الشرق الأوسط حالياً، فإنه يؤكد أن الصراعات المذهبية بين السنة والشيعة ليست حتمية، بمعنى أن الدول ذات النسب العالية من السنة والشيعة لا تعاني بالضرورة الصراعات. ويضرب التقرير مثالاً في هذا الشأن بمملكة البحرين التي تعد أكثر استقراراً من دول أخرى لديها توترات مشابهة بين السنة والشيعة، مثل العراق ولبنان واليمن.

ومن ثم، فإن أوجه الاختلاف بين الدول ذات الأغلبية المسلمة هو تباينها في محددات السلام التي وضعها (معهد الاقتصادات والسلام) لقياس مؤشر السلام العالمي، أي أن البلدان التي لديها (انخفاض في معدلات الفساد، حكومة تعمل بشكل جيد، وعلاقات أفضل مع الدول المجاورة)، هي أكثر سلمية بغض النظر عن نسبة السنة والشيعة فيها.

4- هل الدين مفتاح أساسي لفهم محركات السلام؟

تكشف نتائج التقرير عن أن هناك العديد من المحددات الاجتماعية والاقتصادية الأخرى التي تلعب دوراً أكثر أهمية – مقارنةً بالعامل الديني - في فهم لماذا يحدث الصراع والسلام؟ ويوضح التقرير أن ثمة علاقة ثابتة بين عوامل مثل (الفساد، والإرهاب السياسي، وعدم المساواة الاقتصادية والنوعية "الجنس"، والحكم الرشيد) وبين الاستقرار والسلام في دولة ما.

ومع ذلك، يرى التقرير أن هناك بعض العوامل الدينية التي لها صلة إلى حد كبير بالسلام أو الصراع، وهما القيود على الممارسات الدينية، والأعمال العدائية تجاه المعتقدات الدينية؛ إذ تعد الدول التي تتمتع بمستويات عالية من الحريات الدينية أكثر استقراراً، ولا تعاني من الصراعات، وذلك على العكس تماماً من الدول التي لديها هامش محدود من الحريات الدينية.

كما يكشف التقرير عن نتيجة مهمة مفادها أن الدول التي ليس بها جماعة دينية مهيمنة، تعتبر الأكثر استقراراً، وتوجد بها مستويات أقل من القيود أو الانتهاكات الدينية، وذلك بالمقارنة بالبلدان الأخرى التي لديها جماعة دينية تتمتع بالغلبة أو السيطرة (بمعنى أن 60% من السكان يتبعون معتقداً دينياً أو طائفة معينة).

ومن ثم، فإن تعدد الأديان في الدولة يكون له تأثير إيجابي "سلمي" في حالة عدم وجود قيود على الممارسات الدينية. وعلى النقيض، إذا كان لدى أعضاء جماعة دينية الهيمنة في الدولة، فمن المرجح وصولهم إلى السلطة واستغلالها.

كما يتطرق التقرير إلى نوع وطبيعة الحكومات كعامل مؤثر في الصراع، موضحاً أن الديمقراطيات الكاملة لديها أفضلية في تحقيق السلام، وتفرض أدنى مستويات من القيود الدينية، فيما تسجل الدول السلطوية أسوأ أداء في مؤشر السلام، وفي ممارسة الانتهاكات الدينية.

5- الدين والدور الإيجابي في بناء السلام

في حين أن الكثير من التحليلات قد ركزت على الدور السلبي للدين، فإن تقرير (معهد الاقتصاديات والسلام) يلفت الانتباه إلى الإيجابية المحتملة لدور الدين في بناء السلام، من خلال الحوار بين الأديان، والحركات ذات الدوافع الدينية. كما يؤكد التقرير أن الدين يمكن أن يكون دافعاً أو حافزاً لتحقيق السلام، من خلال إنهاء الصراع، وكذلك المساعدة في بناء التماسك الاجتماعي القوي.

وبشكل عام، يمكن تلخيص النتائج الأساسية لتقرير (معهد الاقتصادات والسلام) بشأن العلاقة بين الدين والسلام والصراع، في النقاط التالية:

1 ـ تتمتع العديد من البلدان التي بها مزيج سكاني من السنة والشيعة (مثل قطر، والكويت)، بالاستقرار، وهذا مرده الأداء الجيد للحكومات، وانخفاض مستويات الفساد، ووجود علاقات طيبة مع الدول المجاورة.

2 ـ ثمة عوامل أخرى بعيداً عن الاختلافات الدينية، تعد أكثر تأثيراً في تحديد مستويات السلام، ومن هذه العوامل (الفساد، والإرهاب السياسي، وعدم المساواة الاقتصادية، فضلاً عن عدم الاستقرار السياسي).

3 ـ تعد البلدان التي تتمتع بدرجة عالية من الحريات الدينية أكثر استقراراً، على عكس نظيرتها الأقل حرية في الممارسات الدينية. والعامل الأكثر تأثيراً في هذا الصدد على الحرية الدينية هو طبيعة الحكومات، بمعنى أن الديمقراطيات الكاملة هي الأكثر سلمية وتتيح أعلى مستوى من الحريات الدينية، بغض النظر عن اختلاف المعتقدات الدينية.

4 ـ لا توجد علاقة بين مستويات الإلحاد أو التدين وبين احتمالات الصراع أو السلام، وهذا يعني أن البلدان الأكثر سلمية ليست بالضرورة الأقل تديناً، كما أن البلدان الأكثر اضطراباً ليست بالضرورة الأكثر تديناً.

5 ـ العديد من البلدان الأقل استقراراً، لم تكن لديها مستويات عالية من التعددية أو التنوع الديني.

* عرض موجز لتقرير نشر تحت عنوان: "خمسة أسئلة رئيسية أجابت على العلاقة بين السلام والدين"، والصادر في أكتوبر 2014 عن معهد الاقتصادات والسلام (IEP).