أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تهديدات الجوار:

المطلوب أوروبياً لتخفيف تداعيات الصراع السوري

29 أغسطس، 2016


إعداد: أحمد عبدالعليم

تشكل الأزمة السورية، منذ بدايتها، عبئاً كبيراً يثقل كاهل دول الجوار، وبالتحديد لبنان والأردن وتركيا، في ظل ما أفرزته من تهديدات تتعلق بتزايد العنف والإرهاب، أو تفاقم أزمة اللاجئين، أو خسائر اقتصادية نظراً لتكلفة استضافة اللاجئين وتراجع الاستثمارات والانخفاض الحاد في عائدات السياحة بهذه الدول.

وتثير مثل هذه التحديات تساؤلات حول الدور الأوروبي المطلوب في التعامل مع الأزمة السورية وتخفيف تداعياتها على دول الجوار؟ وهو ما يتناوله تقرير صادر عن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية بعنوان: "الحرب في الجوار: سوريا وتراجع الاستقرار في لبنان والأردن وتركيا". وأعد التقرير Julien Barnes-Dacey، وهو زميل أول ببرنامج الشرق الأوسط في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.

تهديدات الجوار السوري

يشير التقرير إلى أنه بعد أكثر من خمس سنوات على اندلاع الحرب في سوريا، فإن تداعياتها لم تقتصر على الداخل السوري فقط، وإنما امتدت إلى دول المنطقة وبالتحديد الجوار السوري. فقد شهدت تركيا، على سبيل المثال، في يونيو الماضي سلسلة هجمات جديدة نفذها تنظيم "داعش" في مطار إسطنبول، ما تسبب في مقتل ما لا يقل عن 41 شخصاً. وفي لبنان، تمّ تنفيذ عدة هجمات انتحارية في شمال شرق البلاد، ما أسفر عن وقوع قتلى. ولم تسلم الأردن أيضاً من ذلك، حيث شهدت هجمات إرهابية، في يونيو 2016، أسفرت عن مقتل خمسة من ضباط المخابرات. كذلك فإن دول الجوار لم تسلم من التدفقات الكبيرة للاجئين والمسلحين القادمين من سوريا.

وفي هذا الإطار، يطالب الكاتب الدول الأوروبية ببذل مزيد من الجهد لحل النزاع السوري، من أجل تقليل حدة المخاطر المتزايدة في الشرق الأوسط، وضرورة أن يكون ثمة دعم مادي أكبر للشركاء الإقليميين. وقد شهد مؤتمر لندن، في فبراير 2016، خطوة إيجابية في هذا الاتجاه، حيث جمع أكثر من 11 مليار دولار من التعهدات لحل مشاكل اللاجئين السوريين، وإمكانية خلق فرص عمل وتوصيل المرافق وإتاحة التعليم لهم.

لبنان: العنف وتدفق اللاجئين

على الرغم من إعلان الحكومة اللبنانية أنها بعيدة عن الصراع في سوريا، فإن هناك مجموعات شيعية وسُنيّة لبنانية قدمت مساعدات مالية وعسكرية لتنظيمات في سوريا. وبالتالي فالموقف الرسمي لم يشفع للبنان كي لا تنجر إلى الدوامة السورية، حيث بدأت الأوضاع في الانهيار منذ مايو 2012 مع اندلاع أعمال عنف في مدينة طرابلس بشمال لبنان، عندما قامت قوات الأمن المرتبطة بحزب الله باعتقال شخصية بارزة من المناهضين للأسد، وأعقبت ذلك سلسلة من الاشتباكات السياسية والهجمات العنيفة، استمرت خلال عامي 2013 و2014 ما خلَّف مئات من الجرحى والقتلى.

ولم يرتبط الأمر بالعنف فحسب، بل اقترن بتدفق أعداد هائلة من اللاجئين، حيث إنه بحلول نهاية عام 2014 كان قد وصل إلى لبنان أكثر من مليون لاجئ، وهو رقم كبير للغاية يمثل نحو رُبع عدد سكان لبنان. وخلال عام 2015 مثلت مشكلة اللاجئين أزمة على موارد الدولة اللبنانية، خاصةً في ظل تزايد أعدادهم، وهو ما تزامن مع تراجع كبير في حجم التجارة الإقليمية والسياحة اللبنانية، وقد قدَّر البنك الدولي حجم خسائر لبنان منذ عام 2012 بحوالي 13.1 مليار دولار.

وفي ظل هذا الوضع الاقتصادي المتردي، حاولت الأطراف السياسية اللبنانية تجميد الصراع الداخلي من أجل الحفاظ على قدر من الهدوء يوقف أي انجرار أكبر للدوامة السورية.

الأردن: تحجيم المخاطر

يواجه الأردن ضغوطاً مكثفة جراء الحرب السورية، ولكن مقارنةً بدول الجوار السوري يعتبر الأردن الأكثر فعَّالية في مواجهة عدم الاستقرار، حيث سارع بتعزيز السيطرة على حدوده الشمالية، ومنع تدفق الأسلحة. ويؤكد التقرير أنه لم تكن هناك هجمات على نطاق واسع في الأردن جراء ما يحدث في سوريا على الرغم من وجود ما يقرب من ألفي مقاتل أردني ضمن صفوف "داعش"، وإن كان أسفر هجوم في يونيو الماضي عن مقتل خمسة ضباط مخابرات، ما أدى إلى تزايد المخاوف حول الأوضاع الأمنية في جنوب سوريا ومدى قدرة الأجهزة الأمنية الأردنية على التصدي لها. ولمواجهة هذه المخاطر الأمنية القريبة من الحدود الشمالية، منح البرلمان الأردني الأجهزة الأمنية سلطات أكبر.

وفيما يتعلق باللاجئين؛ فإن الأردن في بداية الأزمة السورية اتبع سياسة "الباب المفتوح" للسوريين الفارين، وترتب على ذلك تدفق 650 ألف لاجئ إلى الأردن وفقاً لبيانات الأمم المتحدة، وحوالي 1.3 مليون لاجئ طبقاً للحكومة الأردنية التي تحاول زيادة الدعم المالي الدولي المقدم لها في هذا الشأن. وحسب بيانات البنك الدولي، فإن التكلفة التقريبية لهذا العدد من اللاجئين هي 2.5 مليار دولار سنوياً.

تركيا: حدود ملتهبة

يبرز التقرير التداعيات السلبية للحرب السورية على تركيا، حيث إنها باتت مُعرضة لحالة من عدم الاستقرار. وتدخلت تركيا في هذا الصراع بشكل أكبر من لبنان والأردن، باعتبار أنها غضت الطرف عن الجماعات المسلحة المناهضة للأسد من خلال السماح بتدفق الأسلحة وهؤلاء المقاتلين عبر الحدود.

وقد أدى ذلك إلى ظهور تهديدات "داعش" لتركيا، ففي منتصف عام 2015 نفذ التنظيم تفجيرات في تركيا، ما جعل أنقرة أكثر فعَّالية في مكافحة "داعش"، حتى أنها فتحت قاعدة أنجرليك وديار بكر في يوليو 2015 للقوات الأمريكية. وعلى الرغم من التدابير الأمنية الشديدة إلا أن ذلك لم يمنع من حدوث سلسلة تفجيرات أخرى نفذها تنظيم "داعش".

كما ألقى الصراع السوري بتبعاته على الحرب التركية – الكردية، في ظل صعود الأكراد السوريين الذين أعلنوا منطقة حكم ذاتي باسم كردستان سوريا على الحدود التركية، ما زاد من قلق أنقرة.

وحسب التقرير، يوجد في تركيا بها ما يقرب من 2.7 مليون لاجئ على الأقل، وتؤكد أنقرة أنها أنفقت حوالي 7 مليارات دولار من مواردها الخاصة لإيواء اللاجئين ومن أجل توفير فرص تعليمية ورعاية صحية أفضل لهم.

الدور الأوروبي في سوريا

يشير التقرير إلى ثلاثة مجالات رئيسية يمكن لأوروبا التأثير من خلالها في الأزمة السورية، من أجل تعزيز وجودها في منطقة الشرق الأوسط ومواجهة المخاطر المتزايدة فيه، وهي:

1- زيادة الدعم المالي: يتعين على دول الاتحاد الأوروبي زيادة دعمها الحالي لجيران سوريا الثلاثة (لبنان، الأردن، وتركيا)، وذلك من أجل تحسين ظروف اللاجئين السوريين الصعبة في دول الجوار، وتوفير التعليم وفرص العمل لهم.

2- محاولة الوصول لحل سياسي للأزمة السورية: يعتبر الكاتب أن التوافق السياسي بين أطراف الأزمة هو المحرك الرئيسي لتحقيق استقرار حقيقي في سوريا، من دون أن يرتبط ذلك بأي صفقات خاصة مع تركيا التي تشن حرباً ضد الأكراد، وما لذلك من تداعيات خطيرة مستقبلاً. كما أن الدول الأوروبية مطالبة بدعم الأمن في دول الجوار من أجل تحقيق استقرار المنطقة بشكل عام.

3- التعامل بحذر: على الدول الأوروبية التعامل بحذر مع الصراع السوري، على اعتبار أن أي جولة جديدة من التصعيد في سوريا قد تزيد من عدم الاستقرار في المنطقة، وخاصةً الدول المحيطة بسوريا. وعلى هذا النحو، ينبغي أن تتوخى الدول الأوروبية الحذر حول الأطراف التي تدعمها في الصراع، وأن تحرص على إنقاذ العملية السياسية الجارية.

مُجمل القول، يشير التقرير إلى ثلاثة مخاطر مرتبطة بدول الجوار السوري إثر تفاقم الوضع في سوريا، يتعين على أوروبا التأثير فيها، وهذه المخاطر هي:

1- إنهاك دول الجوار اقتصادياً: فمع تزايد عبء اللاجئين السوريين، ثمة تكلفة كبيرة على دول الجوار، خاصةً في ظل المشكلات الاقتصادية وتراكم الديون على دولة مثل لبنان. وإذا كانت المساعدات الخارجية تساهم في بعض المعالجة للوضع المتفاقم بيد أن توقفها يعني أن المخاطر سوف تصبح أكبر في ظل عدم توفير سوى 64% من المبلغ المطلوب لمساعدة اللاجئين في دول الجوار السوري.

2- التوترات السياسية: يشير التقرير إلى إمكانية تأثر دول الجوار السوري سياسياً بشكل سلبي، ويتجلى ذلك بشكل كبير في لبنان، وبدرجة أقل في تركيا، وبدرجة أقل حدة منهما في الأردن، إذ إن استمرار الأزمة السورية قد يزيد من الاستقطاب السني- الشيعي، بما قد يؤثر على عملية الاستقرار السياسي في هذه البلدان، وبالتحديد لبنان.

3- تهديدات تنظيم "داعش": فقد شهدت الأشهر الأخيرة تكثيف الضربات ضد "داعش" في سوريا والعراق، وهو ما يدفع التنظيم إلى تأمين موطئ قدم له في الإقليم، وبالفعل فقد رحلت بعض عناصره إلى ليبيا. ولكن يبقى الخطر من عودة عناصر "داعش" إلى بلادهم، حيث يوجد في التنظيم 2000 مقاتل من الأردن، ومثلهم من تركيا، وألف مقاتل لبناني، وقد بدت ملامح هذا التهديد من خلال الهجمات التي نفذها التنظيم في الدول الثلاث خلال الفترة الأخيرة.

* عرض مُوجز لتقرير تحت عنوان: "الحرب في الجوار: سوريا وتراجع الاستقرار في لبنان والأردن وتركيا" والصادر عن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في يوليو 2016

المصدر:

Julien Barnes-Dacey, The War Next Door: Syria and The Erosion of Stability in Lebanon, Jordan and Turkey, (London: European Council on Foreign Relations, July 2016).