ذكرت وكالة "رويترز" للأنباء، في 19 مارس 2024، أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من المُرتقب أن يزور الصين، في مايو المقبل، لإجراء مُحادثات مع نظيره الصيني، شي جين بينغ، وذلك في أول رحلة خارجية له خلال فترته الرئاسية الجديدة التي ستستمر حتى عام 2030.
وفي حين لم يُعلن الكرملين رسمياً عن الزيارة المرتقبة، فقد أكّد بوتين أنه يفكر في زيارة بكين، والتي حظيت باهتمام لافت في خطابه الأول بعد الفوز بالانتخابات، واصفاً علاقات البلدين بأنها عامل استقرار على الساحة الدولية؛ ما يطرح التساؤل بشأن المدى الذي يمكن أن يصل إليه التقارب بين روسيا والصين في ولايته الجديدة، وما قد يترتب على ذلك من انعكاسات على طبيعة النظام الدولي الحالي.
مُحددات العلاقات:
تتأثر العلاقات بين روسيا والصين، وبالتالي مدى تقارب أو تباعد الدولتين، بمجموعة من المحددات الدولية والإقليمية والمحلية، ويمكن توضيح ذلك على النحو الآتي:
1. طبيعة علاقات القوة في النظام الدولي الراهن: يُعد الموقف الغربي تجاه روسيا والصين أحد أبرز المتغيرات الرئيسية التي تؤثر في العلاقات بين الدولتين. والملاحظ هنا أن موسكو وبكين تواجهان أزمة في سياق علاقاتهما مع الغرب عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً؛ إذ تعتبرهما الوثائق الاستراتيجية الغربية والأمريكية مصدراً للتهديد. فقد ركز التقرير السنوي للاستخبارات الوطنية الأمريكية، الصادر في 11 مارس 2024، على استمرار تصاعد التهديد الصيني لمكانة الولايات المتحدة في العالم، وعلى نهج روسيا المُواجه للغرب.
فيما عكس التقرير السنوي لعام 2023 لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، الصادر في مارس 2024، الموقف المتشدد للحلف تجاه الصين؛ إذ صرّح رئيسه ينس ستولتنبرغ، بأن بكين لا تشارك الغرب قيمه، وتتحدى مصالحه، فضلاً عن تنامي تحالفها مع موسكو. ويُثير التقارب بين موسكو وبكين قلق واشنطن ودول غربية أخرى؛ ما دفعها لاتخاذ إجراءات متعددة للحد من النفوذ المتزايد للدولتين. وقد تراوحت هذه الإجراءات ما بين زيادة الإنفاق العسكري، وتعزيز الأمن السيبراني، والتكامل الاقتصادي وغيرها، وذلك بهدف تقليل الاعتماد على روسيا والصين.
2. دور المُتغير القيادي: يؤدي الرئيسان، الصيني، شي جين بينغ، والروسي، فلاديمير بوتين، دوراً مهماً في توجيه العلاقات بين بلديهما. وهو ما يعكس إلى أي مدى يؤثر المتغير القيادي في تطور وتنامي العلاقات بين روسيا والصين. وبالنظر إلى استمرار الرئيسين شي وبوتين، في منصبيهما إلى عامي 2028، و2030، على الترتيب، فمن المتوقع أن تشهد العلاقات بين موسكو وبكين مزيداً من التطور والارتقاء، خاصة وأن هناك العديد من السمات والقواسم المشتركة بين الزعيمين؛ إذ يصف الرئيس شي، نظيره بوتين بأنه صديقه القديم والمفضل، فضلاً عن تشابه نمط التفكير لديهما، كما قاما بعقد أكثر من 40 لقاء قمة بينهما، كان آخرها في أكتوبر 2023، عندما كان بوتين ضيف الشرف في قمة الحزام والطريق في بكين، كما زار الرئيس الصيني شي، روسيا تسع مرات.
3. أزمة الحرب الأوكرانية: تُعد الحرب الروسية المستمرة في أوكرانيا أحد المحددات الرئيسية التي أثرت ولا تزال في العلاقات المتنامية بين روسيا والصين، ولاسيما لجهة علاقات الدولتين مع الغرب. فقد مثلت هذه الأزمة ليس فقط تحدياً كبيراً للعلاقات الثنائية بين الدولتين، ولكن مثلت أيضاً اختباراً صعباً للدبلوماسية الصينية؛ إذ تعرضت الصين لضغوط سياسية غير مسبوقة من الولايات المتحدة والغرب. كذلك، أدى الصراع الروسي الأوكراني إلى تعزيز العلاقات بين موسكو وبكين، ولاسيما مع امتناع الصين عن التصويت ضد روسيا في مجلس الأمن، وتكثيف حضور البلدين في العديد من المنظمات الدولية.
4. مواجهة اقتصاد البلدين عدداً من المشكلات: يُواجه الاقتصادان الروسي والصيني في الآونة الأخيرة العديد من المصاعب والأزمات التي أثرت في معدلات أدائهما ووتيرة نموهما. وذلك في ضوء تداعيات الحرب في أوكرانيا بالنسبة للأول، أو المشكلات الهيكلية التي يواجهها الثاني في مرحلة التعافي ما بعد جائحة "كورونا". فمن جهة، وعلى الرغم من صمود الاقتصاد الروسي في مواجهة تداعيات الحرب في أوكرانيا، ولاسيما العقوبات الاقتصادية الغربية، فإنه مازال يعاني من ارتفاع التضخم، والكلفة الاقتصادية لتداعيات الحرب المتواصلة في أوكرانيا، وتعويم الروبل، فضلاً عن أزمة التراجع الحاد في القوى العاملة، والذي وصل إلى نحو 4.8 مليون عامل في عام 2023، ويتوقع استمراره في عام 2024، وهو ما قد يؤثر في النمو الاقتصادي في روسيا. وهناك تداعيات سلبية طويلة الأجل على الاقتصاد الروسي جراء الحرب في أوكرانيا، من أهمها: خسارة روسيا حصتها في سوق الطاقة الأوروبية، خاصة فيما يتعلق بالنفط، وتراجع قيمة الروبل الروسي، بجانب تأخر التكنولوجيا الروسية.
وعلى الجانب المقابل، يواجه ثاني أكبر اقتصاد في العالم العديد من التحديات والأزمات الداخلية والخارجية التي ترتب عليها تعثر التعافي الاقتصادي في مرحلة ما بعد "كورونا"؛ إذ سجل الناتج المحلي الإجمالي الصيني نمواً بنسبة 5.2%، وهو أقل معدل نمو منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود. ومن أبرز تلك الأزمات والتحديات: أزمة قطاع العقارات، الأزمة الديمغرافية، ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، عدم استقرار سوق الأوراق المالية، انخفاض الاستثمارات الأجنبية، تزايد التوترات التجارية مع الولايات المتحدة وبعض الشركاء الدوليين.
مُحفزات للتقارب:
في ضوء السياقات والمحددات السابقة، هناك العديد من الاعتبارات والأسباب الداخلية والخارجية التي تدفع كلاً من روسيا والصين إلى تفعيل التقارب بينهما في الوقت الراهن، ويمكن توضيح ذلك في الآتي:
1. الدعم السياسي لمواقف كل طرف: تحرص كل من موسكو وبكين على الحصول على دعم ومساندة الجانب الآخر فيما يتصل بقضاياهما ومصالحهما الجوهرية، في ظل استناد العلاقات بين الدولتين إلى المصلحة المتبادلة وتفهم كل طرف للمصالح الأمنية والعسكرية والسياسية للطرف الآخر. وفي هذا الإطار، يمكن تفسير تأكيد بوتين مؤخراً محورية علاقات بلاده مع الصين، خلال خطاب النصر في الانتخابات، وتشديده على دعم بلاده للصين في ملف تايوان، وإشارته كذلك إلى عمق التحالف والتعاون مع بكين.
وفي السياق ذاته أيضاً، يمكن تفسير مواقف الدعم والتأييد التي أبدتها بكين مؤخراً تجاه موسكو، ومنها على سبيل المثال: دعمها لموسكو في المسألة الأوكرانية، وتهنئة بوتين بإعادة انتخابه رئيساً لروسيا، وتعزية الرئيس الصيني لنظيره الروسي في ضحايا الهجوم الإرهابي الأخير الذي تبناه تنظيم داعش الإرهابي، وتأكيده دعم بلاده لجهود الحكومة الروسية للحفاظ على الأمن والاستقرار.
كما ساعدت الصين روسيا على مواجهة العقوبات الغربية المفروضة عليها جراء الحرب في أوكرانيا، من خلال إيجاد بدائل للمنتجات الغربية، والالتفاف على العقوبات الغربية ضد موسكو.
2. ضمان الأمن والاستقرار: يُعد تعزيز التقارب مع روسيا، أحد العوامل الرئيسية التي تضمن لبكين الأمن والاستقرار، وذلك بالنظر إلى وجود حدود مشتركة بين الدولتين، يبلغ طولها حوالي 4300 كيلومتر، كما أن تمتع روسيا باستقرار نسبي يمنح الصين مزايا استراتيجية كبيرة، ولاسيما في حالة مواجهتها أي أزمات خارجية كبرى. فضلاً عن ضمان الأمن والاستقرار في منطقة أوراسيا، ذات الأهمية الاستراتيجية للمصالح الأمنية والاقتصادية للصين. وهو ما يجعل بكين تتفرغ لتركيز مواردها وطاقاتها العسكرية على سواحلها والبحار المحيطة بها، ولاسيما جزيرة تايوان.
3. المصالح الاقتصادية والتجارية المتبادلة: تهدف الصين من خلال سعيها إلى تعزيز التقارب مع روسيا، إلى الحصول على مجموعة من المكاسب الاقتصادية. إذ تُعد روسيا مصدراً رئيسياً للطاقة بالنسبة للصين، كما أنها تؤدي دوراً مهماً في مساعدة بكين على تحقيق بعض أهدافها الاقتصادية والمالية، مثل: تدويل اليوان، وإيجاد بديل موثوق به للأنظمة الغربية. فضلاً عن ضمان الوصول إلى السلع والموارد الروسية، بما في ذلك النفط والغاز، بأسعار رخيصة، بجانب الاستفادة من الثروات الباطنية في روسيا.
وبدورها، تسعى روسيا من خلال تعزيز تقاربها مع الصين إلى التقليل من آثار العقوبات الاقتصادية التي فرضتها عليها الدول الغربية على خلفية حربها في أوكرانيا؛ إذ تُعد الصين بمثابة شريان اقتصادي رئيسي بالنسبة لروسيا في مواجهة العقوبات الغربية، وذلك من خلال تزويدها بالسلع التكنولوجية التي لم تعد تستطيع الحصول عليها من الغرب.
كذلك تسعى الدولتان من خلال تقاربهما في المجال الاقتصادي إلى التخلي التدريجي عن التعامل بالدولار الأمريكي في معاملاتهما التجارية والمالية. وهناك نقاش بين البلدين بشأن دمج أنظمتهما المالية، كما تسعى موسكو وبكين إلى تقويض الهيمنة العالمية للدولار الأمريكي.
4. سعي الدولتين لبناء نظام عالمي مُتعدد الأقطاب: ثمّة اتفاق في الرؤى بين روسيا والصين بشأن إقامة نظام دولي متعدد الأطراف؛ إذ تطرح الصين نموذجاً بديلاً للنموذج الأمريكي، وهو ما يجعلها بحاجة للتنسيق مع العديد من القوى الإقليمية والدولية الكبرى، وعلى رأسها روسيا.
ومن جانبها، أكدت موسكو في وثيقة مبادئ السياسة الخارجية الروسية الجديدة التي دخلت حيز النفاذ في 31 مارس 2023، ضرورة إقامة نظام عالمي عادل ومستدام؛ بحيث يضمن الأمن الموثوق به، ويحافظ على هويتها الثقافية والحضارية، وتكافؤ الفرص في التنمية لجميع الدول. ولتحقيق هذه المعايير، يجب أن يرتكز هذا النظام على تعددية الأقطاب.
5. دور واشنطن في دفع التقارب بين الدولتين: تُعد السياسة الأمريكية، بما تتضمنه من تحركات مضادة وعقوبات، تجاه الصين وروسيا، واللتين تعتبرهما واشنطن خصمين استراتيجيين لها، أحد أهم العوامل التي دفعت الدولتين إلى تعزيز تقاربهما، من أجل مواجهة المحاولات الأمريكية لاحتوائهما، ولاسيما وأن واشنطن باتت تعتبر احتواء روسيا والصين، والحيلولة دون إبدائهما مشاركة فاعلة في وضع أنماط التفاعلات الدولية؛ يمثل أحد الأهداف الرئيسية لسياستها الخارجية، واستمرار هيمنتها على النظام الدولي.
6. مُواجهة التهديدات المشتركة: هناك العديد من التهديدات والمخاطر المشتركة التي تدفع إلى تعزيز التقارب بين الدولتين لمواجهتها، ولاسيما في ضوء تبنيهما لرؤية متقاربة إزاء طبيعة التهديدات والمخاطر التي تواجههما، سواء فيما يتعلق بالعقوبات الأحادية التي تفرض عليهما من جانب الولايات المتحدة أو بعض الدول الأوروبية، أو نتيجة تهديدات حلف شمال الأطلسي وتوسعه باتجاه موسكو.
سيناريوهات مُستقبلية:
هناك العديد من السيناريوهات المستقبلية التي يمكن طرحها بشأن المدى والحد الأقصى الذي يمكن أن يصل إليه التقارب بين روسيا والصين، في فترة الرئاسة الخامسة لبوتين، ومن أبرزها الآتي:
1. تنامي التقارب بين الدولتين: يتوقع هذا السيناريو اتجاه العلاقات بين روسيا والصين نحو مزيد من التطور في المجالات كافة، سواء على مستوى العلاقات الثنائية، أم على مستوى رؤيتهما المشتركة للنظام الدولي، وذلك في ضوء ما يترتب على ذلك من مكاسب وفوائد للدولتين. في هذا الإطار، يتوقع تزايد التنسيق والدعم المتبادل بين الدولتين فيما يتصل بالقضايا التي ترتبط بالمصالح الجوهرية لهما، ثنائياً ودولياً. كما يتوقع تنامي التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدولتين، وهو ما من شأنه مُساعدة اقتصاديهما، بشكل جزئي، على مواجهة الأزمات التي يواجهانها، فضلاً عن إضعاف تأثير العقوبات الغربية على موسكو. كما يُتوقع تزايد التجارة البينية بين الدولتين، والتي قد تصل إلى مستوى غير مسبوق، ربما يتجاوز 300 مليار دولار خلال العام الجاري، خاصة وأنها بلغت مستوىً قياسياً، وصل إلى أكثر من 240 مليار دولار مليار دولار في العام 2023، مُتجاوزة الهدف الذي حددته الدولتان والبالغ 200 مليار دولار بحلول عام 2024.
2. التحالف العسكري: يفترض هذا السيناريو قيام روسيا والصين بتحويل علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة بينهما إلى تحالف عسكري؛ لمواجهة أي مخاطر أو تهديدات وجودية قد تمثل تهديداً لكيان ووجود الدولتين. كأن تتعرض إحداهما إلى حرب تقليدية أو نووية من جانب الغرب بقيادة الولايات المتحدة، وهو ما يعضد من إمكانية اتجاه الدولتين نحو التحالف العسكري.
ومع ذلك، فإن هناك عقبات قد تحول دون تحقق هذا السيناريو، ومنها أن الدولتين لا تنويان تشكيل تحالف عسكري، وذلك رغم إقرارهما بتزايد الحاجة إلى التعاون العسكري بينهما، وتركيزهما على دور الأسلحة الحديثة في ضمان أمن البلدين. هذا بالإضافة إلى الأزمات التي يواجهها الاقتصاد الصيني، والوجود البحري الأمريكي في منطقة بحر الصين الجنوبي ودول جوار الصين، وكذلك اعتماد بكين بشكل كبير على التصدير والاستثمار الأجنبي. وهناك عامل آخر يعوق إمكانية التحالف العسكري، يرتكز على خطاب السياسة الخارجية للبلدين، والقائم على رفضهما المبدئي للتحالفات العسكرية والسياسية.
3. تراجع العلاقات: يفترض هذا السيناريو حدوث تراجع في التقارب بين موسكو وبكين، على خلفية ما يشوب العلاقات بين الدولتين من تحديات ترتبط بالتنافس الاستراتيجي على النفوذ في المجال الحيوي المشترك، والتباين في طبيعة القوة ومستقبلها، والتحولات البنيوية التي قد تحدث في النخبة الحاكمة الروسية والصينية في مرحلتي ما بعد بوتين وشي.
4. تشكيل محور روسي صيني في مُواجهة الغرب: يفترض هذا السيناريو تحرك روسيا والصين وحلفائهما باتجاه تأسيس محور مشترك، في مواجهة المحور الغربي بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها. ويرتبط تحقق هذا السيناريو بما يمكن أن تسفر عنه الحرب الروسية في أوكرانيا؛ إذ قد يترتب على خسارة روسيا، اشتداد الضغوط الغربية والأمريكية على الصين، وبالتالي لن يكون هناك بديل أمامها سوى الاصطفاف مع روسيا وحلفائهما في مواجهة الغرب. وفي المقابل، فإن انتصار روسيا في الحرب؛ سوف يؤدي إلى تقوية المحور الروسي الصيني وإضعاف محور الغرب والولايات المتحدة.
انعكاسات دولية:
يمكن طرح الرؤى التالية بشأن المدى الذي قد يصل إليه تأثير التقارب بين روسيا والصين على شكل النظام الدولي الراهن:
1. عدم القدرة على تغيير النظام الدولي الحالي: تُشير بعض الاتجاهات إلى افتقاد الدولتين بمفردهما أو بتعاونهما معاً للإمكانات والقدرات التي تمكنهما من إحداث تحولات هيكلية في بنية النظام الدولي الحالي. وتقول إن تطور العلاقات بين روسيا والصين يظل في التحليل الأخير ضمن التفاعلات بين القوى الإقليمية الصاعدة. فضلاً عن تباين واختلاف الدور الصيني في السياسة الدولية عن نظيره الروسي، في ظل تباين قدرات ومقومات الجانبين.
2. تحدي النظام الدولي الحالي بقيادة الولايات المتحدة: تمتلك روسيا والصين المعايير الجيوسياسية والقدرات العسكرية، وكذلك تنامي التوافق بينهما، وهو ما يزيد من قدرتهما على التأثير المباشر في هيكل النظام الدولي الراهن، وبالتالي زيادة دور الدولتين في النظام الدولي، وهو ما يمثل تحدياً كبيراً لهيمنة واشنطن على هذا النظام.
ومن العوامل التي تفسر تنامي التحدي الذي تمثله روسيا والصين للنظام الدولي الحالي، تصاعد الوزن النسبي لكل من موسكو وبكين في النظام الدولي، في مقابل تراجع الدور القيادي للولايات المتحدة وتضاؤل التأثير الأوروبي، ونجاحهما في بناء العديد من التحالفات المرنة، فضلاً عن نجاحهما أيضاً في توظيف تفوقهما العسكري والتكنولوجي في توسيع خريطة تحالفاتهما الإقليمية والدولية.
3. تحول العالم إلى التعددية القطبية: يسهم تعزيز التقارب بين روسيا والصين في بناء هيكل متعدد الأقطاب في العالم، في ظل التزام كل منهما بتعددية وديمقراطية العلاقات الدولية، ومعارضتهما سياسة القوة والهيمنة والعقوبات أحادية الجانب، وتعكس تصريحات قيادتي الدولتين، وجود إصرار لدى كل من روسيا والصين على الوصول إلى عالم متعدد الأقطاب، ولاسيما بعد تأزم علاقات الدولتين مع الولايات المتحدة.
ويمكن تفسير ذلك في ضوء اعتبارات عدّة، من أبرزها: تشكيل الدولتان جبهة موحدة إزاء الغرب، ورفضهما الهيمنة الغربية على القرار الدولي، وعمل الدولتين على بروز عالم متعدد الأقطاب وعلاقات دولية أكثر ديمقراطية، ومعارضتهما الدفع نحو "حرب باردة جديدة"، كما أنهما عضوان دائمان في مجلس الأمن الدولي، والعديد من المنظمات الرئيسية الأخرى العالمية والإقليمية. وهي اعتبارات تُرجح اتجاه العالم نحو التحول إلى التعددية القطبية في ظل التقارب الروسي الصيني الحالي.
وفي التقدير، يمكن القول إن زيارة بوتين المرتقبة للصين في مايو المقبل، من المتوقع أن تؤدي إلى نقلة نوعية كبيرة في التقارب بين روسيا والصين، والذي يدفع إليه وجود رغبة وإرادة مشتركة لدى الدولتين في تحقيق أقصى استفادة ممكنة من علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة في العصر الجديد، في جميع مجالات علاقاتهما الثنائية، وكذلك تدشين نظام عالمي جديد يرتكز على تعددية الأقطاب، في ظل التحدي المتواصل الذي يمثله الغرب بقيادة الولايات المتحدة للمصالح الجوهرية للدولتين وحلفائهما. وهو ما يطرح معه العديد من السيناريوهات لهذا التقارب، تتراوح ما بين تزايد تقارب الدولتين في الولاية الخامسة لبوتين، وتأسيس تحالف عسكري بينهما لمواجهة الغرب، والذي يظل خياراً مستبعداً، على الأقل، في المدى المنظور، في ضوء ارتباط المدى الذي يصل إليه تقارب الدولتين بالتطورات المستقبلية التي قد تطرأ على نخبتهما الحاكمة.