أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

مفاجآت تايبيه!

تحولات سياسية كبرى تنتظر تايوان بعد انتخابات 2024

14 يناير، 2024


جاءت نتائج الانتخابات العامة في تايوان، التي أُجرِيَت يوم 13 يناير الجاري، متوافقة مع نتائج كافة استطلاعات الرأي العام في الفترة السابقة لها؛ ففيما يتعلق بانتخاب الرئيس ونائبه، فاز نائب الرئيس الحالي ومرشح الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم لاي تشينغ تي، بمنصب الرئيس، وفازت السيدة هسياو بي خيم، بمنصب نائب الرئيس. وبالنسبة للانتخابات البرلمانية اليوان التشريعي، فلم يتمكن أي من الأحزاب المتنافسة من حصد الأغلبية، وهو ما قد يرسم خريطة لمشهد سياسي مختلف عن الانتخابات العامة التي شهدتها تايوان خلال السنوات الماضية.

وفي خطاب النصر بعد إعلان فوزه بالانتخابات، اعتبر لاي تشينغ تي، ويعرف كذلك باسم ويليام لاي، أن انتصاره يُعد انتصاراً للديمقراطية وتأكيد أن تايوان تسير في الطريق الصحيح، وقال: "أتوجه بالشكر للناخبين على كتابة فصل جديد في ديمقراطيتنا.. لقد أظهرنا للعالم مدى اعتزازنا بديمقراطيتنا.. وهذا هو التزامنا الذي لا يتزعزع"، مضيفاً: "ستواصل تايوان السير جنباً إلى جنب مع الديمقراطيات من جميع أنحاء العالم، فمن خلال أفعالنا، نجح الشعب التايواني في مقاومة جهود القوى الخارجية للتأثير في هذه الانتخابات".

بيد أن نتائج هذه الانتخابات، والتي يمكن وصفها بالأكثر إثارةً وجدلاً، تفتح الباب أمام مزيد من اللايقين حول مستقبل جزيرة تايوان خلال السنوات الأربع المقبلة، خاصة وأن نتائجها قد تجعل العلاقة عبر المضيق على حافة الهاوية؛ وهو الأمر الذي أكده رد الفعل الصيني السريع عقب إعلان النتائج مباشرةً، فقد ذكر المتحدث باسم مكتب شؤون تايوان التابع للحكومة الصينية ما يلي: "الحزب الديمقراطي التقدمي لا يمكنه تمثيل الرأي العام السائد في الجزيرة.. والانتخابات لا تغير الاتجاه العام المتمثل في أن الوطن الأم سيتوحد في نهاية المطاف".

نتائج الانتخابات.. تحولات كبرى في تايوان:

تكشف نتائج انتخابات تايوان عن بعض الملامح الرئيسية لاتجاهات التصويت الأساسية، سواءً في الانتخابات الرئاسية أم اليوان التشريعي. وبحسب نتائج لجنة الانتخابات المركزية، بلغت نسبة المشاركة 71.86%، إذ أدلى أكثر من 14 مليوناً بأصواتهم في الانتخابات من بين حوالي 19 مليون ناخب تايواني لهم حق التصويت. وفي هذا الصدد يُلاحَظ أن نسبة المشاركة قد انخفضت بنحو 3% مقارنةً بانتخابات عام 2020، والتي بلغت نسبة المشاركة فيها 74.9%.

وقد تمكن لاي تشينغ تي، مرشح الحزب الديمقراطي التقدمي من الحصول على أصوات 5.58 مليون ناخب بنسبة تصويت بلغت 40.1%، بينما حصل مرشح الحزب القومي الصيني الكومينتانغ، هو يو إيه، على 4.67 مليون صوت بنسبة تصويت بلغت 33.5%، وحل ثالثاً مرشح حزب شعب تايوان، كو وين جي، بحصوله على 3.69 مليون صوت بنسبة 26.5%. وكانت هذه النتائج متوقعة في ضوء عدم قدرة المعارضة على الاصطفاف ضمن ائتلاف انتخابي واحد لمواجهة مرشح الحزب الحاكم.

 من ناحية أخرى، تمكن حزب الكومينتانغ من حصد أكثرية المقاعد في انتخابات اليوان التشريعي المُكوَّن من 113 عضواً، بعدما فاز بــ52 مقعداً، بزيادة 14 مقعداً مقارنة بانتخابات اليوان التشريعي 2020، والتي حصد خلالها 38 مقعداً. وجاء في المركز الثاني الحزب الديمقراطي التقدمي بحصوله على 51 مقعداً، انخفاضاً بنحو 10 مقاعد مقارنة بعام 2020، واحتفظ حزب شعب تايوان بالمركز الثالث بعدما حصل على 8 مقاعد بزيادة 3 مقاعد عن انتخابات 2020، فيما ذهب مقعدان إلى مرشحيْن مستقليْن.

وفي ضوء تلك النتائج، يمكن الوقوف على مجموعة من التحولات الرئيسية التي تفرضها انتخابات تايوان 2024، وذلك على النحو التالي: 

1 - الانقلاب على السوابق التاريخية: يُعد فوز الحزب الديمقراطي التقدمي بالرئاسة نقطة تحول ولحظة فارقة في تاريخ الانتخابات في تايوان، إذ إنها المرة الأولى التي يتمكن فيها حزب سياسي من الفوز بولاية ثالثة على التوالي، فمنذ إجراء أول انتخابات رئاسية مباشرة في عام 1996، والتي فاز فيها لي تنغ هوي، رئيس حزب الكومينتانغ بمقعد الرئيس، نجح الحزب الديمقراطي التقدمي بالفوز في خمسة استحقاقات رئاسية من أصل ثمانية، في أعوام (2000، 2004، 2016، 2020، 2024)، فيما تمكن حزب الكومينتانغ من الفوز في ثلاثة استحقاقات رئاسية في أعوام (1996، 2008، 2012). وعليه سيصبح الحزب الديمقراطي التقدمي أكثر الأحزاب بقاءً في منصب الرئاسة بشكل متوالٍ لمدة 12 عاماً، وقد تزيد هذه المدة في حالة فوزه في انتخابات 2028. كما أصبح لاي تشينغ تي، أول نائب رئيس في تايوان يتولى منصب الرئاسة.

2 - انقسام داخل اليوان التشريعي: أفضت نتائج انتخابات اليوان التشريعي إلى عدم قدرة أي من الأحزاب الثلاثة على حيازة الأغلبية البرلمانية وهي 57 مقعداً من أصل 113 مقعداً؛ وهو ما يظهر قدراً من الانقسام غير المعهود داخل اليوان التشريعي. وقياساً على الاستحقاقات الماضية، يمكن القول إن الانتخابات الحالية هي الأولى التي لا يحصل فيها الحزب الفائز بمقعد الرئيس على أغلبية اليوان التشريعي منذ انتخابات عام 2008، كما يوضح ذلك الجدول التالي:


وفقاً للجدول السابق، فإن اليوان التشريعي يشهد لأول مرة منذ أكثر من 15 عاماً انقساماً بين الحزبين الكبيرين في تايوان، إذ لم يستطع أي منهما تحقيق الأغلبية البرلمانية؛ الأمر الذي يمكن أن يفرض قيوداً على القرارات التي يتخذها الرئيس، خاصة في قضايا الدفاع والميزانية العسكرية، وكذا القضايا المرتبطة بالتجارة عبر المضيق. وقد حدث هذا الأمر سابقاً خلال فترة الرئيس تشن شوي بيان (2000-2008)، إذ قام البرلمان الذي كان يهيمن عليه حزب الكومينتانغ بمنع إقرار الميزانية العسكرية التي أقرها الرئيس أكثر من 60 مرة، ما أجبره على خفض الإنفاق الدفاعي حينذاك.

3 – بداية التحول في خريطة القوى السياسية: يبدو أن تجربة تايوان الديمقراطية تتجه نحو مزيد من النضج، فبعد نحو ثلاثة عقود من أول عملية انتقال ديمقراطي للسلطة، جاءت نتائج انتخابات 2024 لتضع طرفاً ثالثاً على خريطة القوى السياسية في تايبيه؛ إذ تمكن حزب شعب تايوان، الذي يخوض الانتخابات الرئاسية لأول مرة من إثبات قدرته على إضفاء مزيد من الزخم على التفاعلات السياسية، وهو ما قد يغير المعادلة السياسية في تايوان على المدى الطويل بما يتجاوز فكرة تبادُل المواقع بين الحزبين الكبيرين، إذ يمكن لحزب شعب تايوان أن يقوى ويتحول بمرور الوقت إلى منافس حقيقي يمكنه الفوز بمنصب الرئاسة.

وقد منحت نتائج انتخابات اليوان التشريعي الحزب ميزة إضافية، إذ ستصبح مقاعده وازنة وستؤدي دوراً رئيسياً في ترجيح كفة طرف على حساب الآخر، في ظل غياب الأغلبية البرلمانية؛ وبالتالي فإن حاجة الحزبين الكبيرين له داخل أروقة البرلمان سوف تزداد، ما يزيد من حيويته ودوره المؤثر في السنوات الأربع المقبلة.

4 - التوجه نحو تعزيز الهوية التايوانية: تشير نتائج الانتخابات، كما يروج لذلك الحزب الديمقراطي التقديمي، إلى رغبة الناخب التايواني في فرض الهوية التايوانية بعيداً عن الصين، وهو ما يتماشى مع الاتجاه العام السائد خلال السنوات الماضية، إذ تراجعت نسبة المواطنين الذين يفضلون "التوحيد" مقابل زيادة الأصوات الداعمة لمبدأ "استقلال" تايوان أو الحفاظ على الوضع الراهن، مثلما كشفت عنه استطلاعات الرأي المتوالية التي تجريها جامعة تشينجتشي الوطنية، إذ كانت نسبة سكان تايوان الذين وصفوا أنفسهم بأنهم تايوانيون أقل من 18% فقط في عام 1992، ولكن هذه النسبة قد ارتفعت كثيراً بحلول عام 2023 لتبلغ 63%؛ ما يشير إلى أن الاتجاه العام لحوالي ثلثي عدد سكان تايوان أكثر ميلاً للابتعاد عن الصين.

معضلة الداخل وتوجهات الخارج:

تتشكل ملامح اليوم التالي بالنسبة للرئيس التايواني الجديد بدايةً من 20 مايو المقبل، وهو يوم تنصيب لاي تشينغ تي، رئيساً لتايوان، في ظل جملة من التحديات على الصعيدين الداخلي والخارجي، والتي يحتاج التعامل معها بقدر كبير من التوازن والانضباط.

على الصعيد الداخلي، سيكون الرئيس الجديد في وضع أصعب مما كانت عليه الرئيسة الحالية تساي إنغ وين، إذ سيحتاج لبذل مزيد من الجهد، وربما تقديم تنازلات، في بعض الملفات والقضايا للحيلولة دون الوصول بالعلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية إلى طريق مسدود. ويبدو أن لاي، على قناعة بهذا التحدي، الأمر الذي عبَّر عنه ضمنياً عقب إعلان النتائج، إذ أكد أنه "سينظر في البرامج الانتخابية للمرشحين، كما قد يتجه خلال الفترة المقبلة لمنح المعارضة عدداً مناسباً من الحقائب الوزارية".

من ناحية أخرى، تظل الأوضاع الاقتصادية في تايوان من بين التحديات التي تنتظر الرئيس الجديد، في ظل ارتفاع أسعار المعيشة والسكن وانخفاض الأجور، وهذا الوضع قد يتفاقم خلال السنوات المقبلة، في ظل توقعات بتوجه صيني نحو ممارسة مزيد من الضغوط والإكراه الاقتصادي على تايوان.

كذلك ستكون السياسة الدفاعية ومساعي تعزيز وامتلاك أدوات الردع في مقدمة أولويات لاي، ويُتوقَّع أن يستمر النهج التايواني في زيادة الإنفاق العسكري خلال السنوات المقبلة، مع العمل على تحديث وتطوير القدرات القتالية والدفاعية للجيش وتزويده بمعدات وأسلحة نوعية، وهو التوجه الذي يسعى إلى رفع تكلفة الحرب في حال إذا لجأت الصين إلى اتخاذ قرار إعادة التوحيد بالقوة وغزو تايوان؛ ولكن هذا التوجه ربما يجد اعتراضات وقيوداً أيضاً داخل اليوان التشريعي في ضوء عدم امتلاك الحزب الديمقراطي التقدمي للأغلبية.

أما على صعيد السياسة الخارجية، فيبدو أن الحفاظ على الوضع الراهن في التعامل مع الصين سيكون الخيار الأفضل بالنسبة للرئيس الجديد، إذ أكد لاي، عقب إعلان فوزه بالرئاسة أنه يفضل المزيد من التبادل والحوار بدلاً من العرقلة والصراع، ويأمل في السلام والاستقرار مع بكين، مضيفاً أنه لن يسعى إلى الاستقلال أو الاتحاد مع الصين، ومتعهداً في الوقت ذاته بحماية تايوان من التهديدات الصينية.

وفقاً لهذه التصريحات لا يُرجَّح أن يُقدِمَ لاي، خلال السنوات المقبلة على اتخاذ أي خطوات استفزازية بالنسبة للصين، ولن يكون خيار طرح الاستقلال القانوني على أجندته، ولكن هذا يتوقف كذلك على الصين، فعلى الرغم من مساعي تايوان للابتعاد عن التصعيد مع بكين، فإن السنوات المقبلة قد تشهد مستويات غير مسبوقة من التوتر بين الجانبين، فقد تتجه الصين نحو ممارسة الضغط على تايوان بكافة الصور والأشكال، سواءً الاقتصادية أم السياسية أم العسكرية، بحيث يمكن أن تشهد السنوات المقبلة قدراً من الاحتكاك العسكري في نطاقه المحدود وقد يتسع ليشمل حرباً مفتوحة بين الطرفين، إذ ما قررت الصين غزو تايوان وفقاً لعدد من الترجيحات التي تشير إلى أن عام 2027 قد يكون عاماً لإعادة التوحيد كما صرح بذلك الرئيس شي جين بينغ، من قبل.

ومن أجل موازنة النفوذ الصيني، سوف يعمل لاي، خلال ولايته الرئاسية على تعزيز وتوثيق علاقات تايوان مع الولايات المتحدة الأمريكية واليابان بصورة أساسية، وقد يعمل على انتزاع مزيد من الاعتراف الدبلوماسي بتايوان، أو على أقل تقدير الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية مع ثلاث عشرة دولة تقيم علاقات مع تايوان حتى الآن.

في المجمل، أفضت انتخابات 2024 العامة في تايوان إلى جملة من التغيرات اللافتة، سواءً ما يتعلق باتجاهات التصويت أم ما يتعلق بالتركيبة المختلفة للسلطتين التنفيذية والتشريعية أم بالمعادلة الحزبية الجديدة التي تم تشكيلها؛ إذ تبقى هذه الانتخابات شاهدة على تحولات غير مسبوقة في تاريخ الاستحقاقات الانتخابية التايوانية. ومع ذلك ربما تنتظر تايوان خلال السنوات الأربع المقبلة تحولات أخرى قد لا تؤدي لتغيير خارطة التفاعلات الداخلية فحسب، بل يمكن أن يتسع تأثيرها لتغيير قواعد اللعبة في العالم!