أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

زحف متواصل:

هل تدعم روسيا حركات التمرد في تشاد لإزاحة حليف فرنسا؟

26 فبراير، 2022


أعلن المتحدث باسم الحكومة التشادية، عبدالرحمن كلام الله، في 16 فبراير 2022، بأن تيمان إرديمي، زعيم حركة "اتحاد قوى المقاومة" المتمردة، قد أجرى اتصالات هاتفية خلال الأيام الأخيرة لطلب دعم شركة "فاجنر" الروسية العسكرية الخاصة؛ لدعم حركات التمرد ضد نظام محمد إدريس ديبي، الموالي لفرنسا، وهو ما يحمل مؤشراً على تحوّل تشاد لنقطة جديدة للصراع الروسي – الفرنسي بعد مالي.

عسكرة الأزمة التشادية

قام رئيس المجلس العسكري الانتقالي، محمد إدريس ديبي، بتأجيل الحوار الوطني، والذي جاء في إطار التنافس الفرنسي – الروسي في منطقة الساحل الأفريقي، ويمكن عرض هذه التطورات على النحو التالي:

1- تقارب أرديمي مع روسيا: أعلن المجلس العسكري الحاكم في تشاد، في 16 فبراير، أن زعيم حركة "اتحاد قوى المقاومة"، تيمان إرديمي، قد عمد خلال الأيام الأخيرة للتواصل مع شركة فاجنر الروسية، وهو ما انعكس في التسريبات التي نشرها مؤخراً إرديمي، المقيم بالعاصمة القطرية، الدوحة، وهو يطلب من مستشار رئيس أفريقيا الوسطى، فوستن أرشانج تواديرا، المساعدة في دعم عناصر فاجنر لحركات التمرد التشادية من أجل إزاحة نظام، محمد إدريس ديبي، حليف فرنسا في المنطقة.

وعلى الرغم من إصدار رئاسة أفريقيا الوسطى لبيان رسمي، في 17 فبراير الجاري، تؤكد فيه أن تواديرا قد تمت إقالته من منصبه منذ نحو عام، مؤكدة التزامها بقواعد حسن الجوار، بيد أن الوجود المكثف لعناصر فاجنر في بانغي يجعل احتمالات إقدام هذه العناصر بدعم تيمان أرديمي قائمة.

وتعكس هذه المعطيات أكبر تهديد للنفوذ الفرنسي في تشاد، وذلك منذ قيام حركات التمرد التشادية، وفي مقدمتها "جبهة الوفاق من أجل التغيير" (FACT) باغتيال الرئيس السابق، إدريس ديبي، في أبريل الماضي، حيث تولى ابنه، محمد إدريس ديبي، رئاسة المجلس العسكري الانتقالي الحكم في البلاد لحين إجراء الانتخابات خلال نحو 18 شهراً، وتجدر الإشارة إلى أن هناك العديد من التقديرات التي أشارت إلى أن عناصر جبهة الوفاق المتمركزين في جنوب ليبيا، قد تلقوا تدريبات ودعم من قبل عناصر فاجنر الروسية.

2- تحرك عناصر فاجنر باتجاه الساحل: أشار تقرير صادر عن الجزيرة، في 20 فبراير الجاري، إلى أن مرتزقة فاجنر الروسية قد عمدت خلال الأيام الأخيرة إلى سحب عناصرها كافة من مواقعهم كافة وغرف عملياتهم في مدينة سوكنة، ومن الطريق الواصل بين مدينتي ودان وسرت بوسط ليبيا، وأن عناصر فاجنر عمدت إلى التمركز في قاعدة الجفرة الجوية.

وتلمح تقديرات إلى وجود مساعي روسية لإعادة تموضع عناصرها بالقرب من منطقة الجنوب الليبي، لضمان قربها من منطقة الساحل الأفريقي، مما يعكس وجود ترتيبات جديدة ربما تعمد موسكو إلى تنفيذها خلال الفترة المقبلة، الأمر الذي سينعكس بشكل مباشر على الداخل التشادي، في ظل الحدود المتاخمة والرخوة التي تفصل الجنوب الليبي عن تشاد.

3- تعثر جلسات الحوار الوطني: كانت الحكومة التشادية قد أعلنت، في 27 يناير الماضي، عن تأجيل موعد "الحوار الوطني الشامل"، الذي كان محمد إدريس ديبي قد وعد به المعارضة وحركات التمرد المسلحة، للتوصل إلى اتفاق مشترك، فبعدما كان مقرراً إجراء هذا الحوار في 15 فبراير الجاري، تم تأجيله لـ 10 مايو المقبل. 

كما تم إرجاء الحوار التمهيدي مع المجموعات المسلحة، والذي كان من المقرر انعقاده في 27 يناير الماضي، ليتم إجراؤه في 27 فبراير الجاري في الدوحة، بيد أنه، حتى الآن، لا تزال هناك شكوك بشأن إمكانية عقد هذه الحوار في الموعد المحدد.

وكانت الدوحة قد احتضنت في يناير الماضي عدداً من المفاوضات، التي جمعت بين ممثلين عن السلطات الانتقالية التشادية وعدد من حركات التمرد المسلحة، والتي شهدت حضور تيمان أرديمي، زعيم حركة "اتحاد قوى المقاومة"، والذي يقيم بالدوحة منذ عام 2009، عندما انتقلت قيادات المعارضة التشادية من السودان إلى قطر، بعدما توصلت الخرطوم ونجامينا إلى اتفاق لتسوية الخلافات القديمة بينهما.

أسباب تعثر الحوار الوطني

تعكس المعطيات السابقة جملة من الدلالات المهمة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- عرقلة فرنسا الحوار الوطني: ألمحت العديد من التقديرات إلى أن تأجيل ديبي الحوار الوطني، يرتبط بتحركات فرنسية للحيلولة دون دخول السلطات التشادية في مفاوضات مع المجموعات المتمردة، نظراً لعدم اقتناع باريس بهذه الخطوة، ومن ثم قد تضغط لإقصاء بعض حركات التمرد، خاصة تلك التي تتمتع بعلاقات، مؤكدة مع روسيا. 

2- رفض ديبي مطالب المعارضة: كشفت الاجتماعات التي عقدت في يناير في الدوحة، بين ممثلين عن السلطات الانتقالية في تشاد وعدد من حركات التمرد عن اتساع الهوة بين الطرفين، وتمسك كل طرف بموقفه، حيث تتمسك بعض الحركات المسلحة بخطوة الإفراج عن الأسرى واستعادة المملتكات، فضلاً عن مطالب المعارضة السياسية بضرورة تعديل الميثاق الانتقالي لمنع أعضاء المجلس العسكري من الترشح للانتخابات المقبلة، وربما هذا المطلب تحديداً تسبب في إقصاء حركة "جبهة الوفاق والتغيير" من عملية الحوار الوطني.

3- سعي ديبي للبقاء في الحكم: أشارت عدة تقديرات إلى أن هناك تحركات يقودها محمد ديبي لتكريس بقائه في السلطة، وأنه قد يعيد تكرار تجربة أبيه قبل نحو ثلاثة عقود، عندما وصل إدريس ديبي إلى السلطة عبر تمرد مسلح قاده للإطاحة بسلفه الرئيس حسين حبري في نهاية 1990، حيث أطلق ديبي آنذاك "المؤتمر الوطني المستقل" من أجل تسوية النزاعات المسلحة، والذي لم يسفر عن أي خطوات جادة.

تحولات استراتيجية لافتة

تفرز المتغيرات الراهنة في المشهد التشادي عدداً من الانعكاسات المحتملة على المستويين الداخلي والإقليمي، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- احتمالية تعزيز الدور الروسي: أشارت عدة تقديرات إلى وجود مساع روسية لتعزيز نفوذها في الساحل الأفريقي، فبعد ترسيخ أقدامها في جمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا، ومالي، بدأت أنظار موسكو تتجه بقوة نحو تشاد، فبالإضافة إلى التدريبات التي تقدمها عناصر فاجنر الروسية لمسلحي حركة "جبهة الوفاق والتغيير"، فإن الاتصالات الأخيرة التي أجراها إرديمي مع مستشار أفريقا الوسطى ربما تفتح الباب أمام توسيع الدعم الروسي لمزيد من حركات التمرد التشادية.

2- انقسامات داخل أسرة ديبي: أثارت التسريبات لزعيم حركة "اتحاد قوى المقاومة" قلقاً متنامياً لدى السلطات الانتقالية في تشاد، وهو ما دفع الناطق الرسمي باسم الحكومة التشادية، عبدالرحمن غلام الله، إلى إعلان أن الاتحاد أقصى نفسه من جولات الحوار التمهيدية المزمع انعقادها في الدوحة خلال الأيام المقبلة، وهي التصريحات التي نفاها الاتحاد، مشيرةً إلى أنها لم تنسحب من الحوار، وأن هذه التحركات التي تقوم بها السلطات التشادية تنذر بتأجيج صراعات مستمرة. 

وألمح الاتحاد إلى أنه سيعمل على تنظيم نفسها على المستويات كافة، بما يعزز فكرة حصولها على دعم خارجي. وتزامن ذلك مع وجود انقسامات داخل أسرة ديبي، وهو ما انعكس في تشكيل حزب سياسي جديد في أنجامينا، تحت مسمى "الوطنيون"، بقيادة، إبراهيم كورسامي، صهر دوسا ديبي، الأخر الأكبر للرئيس السابق، إدريس ديبي، وذلك بالتوازي مع التسريبات الصوتية لتيمان أرديمي، ابن عم محمد إدريس ديبي، والتي يطلب فيها الأول دعم فاجنر الروسية للإطاحة بديبي الابن. وقد تستفيد روسيا من هذه المعطيات لتعزيز نفوذها في تشاد، بل أن بعض التقديرات جعلت سيناريو بروز معارضة داخلية في المجلس العسكري الانتقالي قائماً.

3- موقف قطري غامض: أشارت بعض التقديرات إلى أن ثمة خلافات راهنة بين الدوحة وأنجامينا، تتعلق بعدد حركات التمرد التي يتوجب عليها المشاركة في الحوار الوطني، وربما ينعكس ذلك في الإعلان عن وجود صعوبات لوجستية في استقبال رئيس حركة جبهة الوفاق من أجل التغيير، محمد مهدي علي، فضلاً عن تيمان أرديمي، بيد أن هذه التقديرات قد ألمحت إلى أن ديبي، قد التقى الأسبوع الماضي بوفد قطري في باريس، ويبدو أن هذا اللقاء قد أفضى إلى بعض التوافقات بين الجانبين، غير أن ثمة شكوك تتعلق بمدى إمكانية سماح الدوحة لأرديمي بتعزيز علاقاته مع روسيا.

4- توترات إقليمية متصاعدة: أعلن ديبي نية بلاده زيادة عدد قواتها المشاركة في قوة الأمم المتحدة لمكافحة الجهاديين في مالي (مينوسما)، وذلك بعد أيام قليلة من إعلان فرنسا عن سحب قواتها وشركائها الأوروبيين من باماكو، مما يعكس وجود ترتيبات جديدة تم التوافق عليها خلال زيارة ديبي لفرنسا الأسبوع الماضي، برفقة رئيسي موريتانيا والنيجر، ولقاء الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون. 

ويبدو أن هذه الترتيبات الجديدة تنطوي على محاولة العناصر التشادية تعويض "نسبي" للقوات الفرنسية والأوروبية التي سيتم سحبها، لكن يبدو أن هذه التحركات من قبل ديبي أثارت غضب موسكو، وهو ما قد يفضي إلى قيامها بدعم أكبر لحركات التمرد التشادية في مواجهة نظام محمد إدريس ديبي.

كما يبدو أن هناك محاولات فرنسية لإثارة الاضطرابات في أفريقيا الوسطى، وهو ما يتضح من البيان الصادر عن النائب العام في أفريقيا الوسطى، في 21 فبراير الجاري، والذي أكد أن السلطات في بانغي قد ألقت القبض على خمسة من الجنود الفرنسيين أثناء محاولتهم تنفيذ عملية اغتيال لرئيس أفريقيا الوسطى، حليف روسيا، أثناء عودته من القمة الأفريقية – الأوروبية، وهي الاتهامات التي نفتها باريس، مؤكدة أن الجنود الفرنسسين كانوا برفقة الجنرال، مارشينوار، رئيس أركان قوة عملية الأمم المتحدة في أفريقيا الوسطى.

وفي الختام، يبدو أن التنافس الروسي – الفرنسي في هذه المنطقة ستتجه خلال الفترة المقبلة صوب تشاد، والتي تشهد تحديات أمنية وسياسية متفاقمة، بيد أن المعضلة الأكبر ربما تتعلق بالانعكاسات الإقليمية التي يمكن أن تتمخض عن تصاعد حدة التنافس بين موسكو وباريس في نجامينا، فأي تدهور في الأوضاع الأمنية في تشاد يرجح أن تكون له ارتدادات سلبية على المحيط الإقليمي الملتهب، خاصةً في ليبيا والسودان، وكذلك منطقة الساحل الأفريقي ككل.