أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

آخر معاقل داعش:

الموصل.. تحديات ما بعد التحرير

20 أغسطس، 2016


تكتسب معركة تحرير الموصل أهمية كبيرة بالنسبة لمختلف الأطراف العراقية والإقليمية والدولية المهتمة بالأمر، لأن إنجاز هذه المهمة يعني لهم إعادة سيطرة الدولة العراقية على ما تبقى من الأراضي التي استولى عليها "داعش" والقضاء على آخر معاقله وإسقاطه عملياً في الساحة العراقية.

وتُعد مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى، ثاني أكبر مدن العراق من حيث السكان، ولها أهمية مكانية حساسة، حيث يجاورها إقليم كردستان من جهتها الشرقية، والحدود السورية من جهتها الغربية. وكما أنها أولى المدن العراقية التي سيطر عليها تنظيم "داعش" في 10 يونيو 2014 ومنها انطلق للاستيلاء على العديد من المدن والبلدات العراقية الأخرى، فإنها تُعد آخر معقل للتنظيم في العراق بعد أن تمكنت القوات العراقية من تحرير أغلب الأراضي والمدن التي كان قد استولى عليها هذا التنظيم في محافظات صلاح الدين والأنبار وديالى وطرد عناصره منها.

الاستعدادات للمعركة

تزيد أهمية تحرير الموصل من ضرورة التوصل إلى التفاهمات والتنازلات السياسية داخلياً وخارجياً، والاستعداد لتوفير العدة والعدد عسكرياً. وتتمثل الاستعدادات السياسية في اللقاءات والزيارات المتبادلة بين المسؤولين العراقيين والأمريكيين، للتنسيق والاستعداد لانطلاق عملية التحرير، وذلك بالتزامن مع مباحثات تقوم بها الحكومة العراقية مع قيادة قوات التحالف الدولي لمحاربة "داعش" حول خطة معركة التحرير بدعم وإسناد هذه القوات.

وفيما يخص الاستعدادات العسكرية العراقية، فقد تجسدت في استعادة القوات العراقية للعديد من البلدات والقرى جنوب الموصل، كان أهمها ناحية القيارة، وقبلها قضاء سنجار الذي استعادته قوات البيشمركة الكردية من قبضة التنظيم. كما وصلت العديد من أفواج شرطة نينوى التي كانت تخضع للتدريب في قاعدة "سبايكر" بمحافظة صلاح الدين إلى قاعدة القيارة العسكرية التي بدأ تأهيلها واستخدامها كنقطة انطلاق للقوات فور استعادتها من "داعش".

وضمن الاستعدادات العسكرية جاء تشكيل قيادة عمليات نينوى التي تتمركز في منطقة مخمور وتعزيزها بالفرقة العسكرية 15 التي تتكون من الأفواج والألوية القتالية، وبعدد من ألوية الشرطة الاتحادية التي من المفترض مشاركتها في العملية العسكرية لتحرير الموصل.

أما بالنسبة لاستعدادات القوات الأمريكية، فقد أعلن رئيس هيئة أركان الجيش الأمريكي الجنرال "جوزيف دانفورد" منذ شهر مارس المنصرم أن معركة استعادة الموصل قد بدأت مقدماً، وأن قواته تتعاون مع القوات العراقية في وضع خطة التحرير والتدريب وتقديم الاستشارات العسكرية، وأن قوات أمريكية تتولى مسؤولية قيادة أكثر من أربعة مراكز تدريب للقوات العراقية لتكون هذه القوات مستعدة لمعركة الموصل.

وبالطبع تجد الولايات المتحدة في تحرير الموصل مدخلاً لإثبات التأثير والقوة في العراق والجدارة بقيادة التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب والتخفيف مما أُخذ على سياستها المنكفئة في الشرق الأوسط، مثلما ستكون هذه المعركة عاملاً مهماً في مجال الصراع ضد "داعش"، لاسيما في تضييق الخناق عليه والتسهيل في عملية تحرير الرقة، معقله الرئيسي في سوريا.

جدل المشاركة

تثير معركة تحرير الموصل جدلاً مستمراً بين الأطراف ذات الشأن حول هوية القوات التي ستشارك في هذه المعركة، في ظل سعي هذه الأطراف لتحقيق مصالحها من خلال مشاركتها في العمليات العسكرية وإثبات وجودها على الأرض أمام من ينافسها من الجهات المحلية.

وإذا كان هناك إجماع من مختلف الأطراف على إعطاء الدور الأساسي لقوات الجيش العراقي وتشكيلات الشرطة الاتحادية والشرطة المحلية لمحافظة نينوى في معركة التحرير، فإن الاختلاف يُثَار حول مشاركة قوات أخرى كقوات الحشد الشعبي وقوات البيشمركة؛ ففي الوقت الذي أعلن فيه رئيس مجلس الوزراء، حيدر العبادي، عن مشاركة جميع القوات المقاتلة في عملية تحرير الموصل بما فيها قوات الحشد الشعبي، تأتي الأصوات المعارضة لهذه المشاركة من ممثلي نينوى في البرلمان العراقي وأغلب أعضاء مجلس المحافظة وعدد من العشائر العربية فيها.

وفي الوقت الذي أعلن فيه "ائتلاف دولة القانون" تحذيره للحكومة العراقية من الرضوخ لأي ضغوط بشأن عدم مشاركة قوات الحشد الشعبي في عملية تحرير الموصل، يأتي رفض "اتحاد القوى" لمشاركة هذه القوات في العملية. وليس هذا الاعتراض الوحيد فحسب، بل هناك أصوات معارضة لمشاركة قوات البيشمركة من قبل بعض الأطراف العراقية، في مقابل إصرار حكومة إقليم كردستان على هذه المشاركة بسبب وجود مشاكل عربية – كردية حول إدارة محافظة نينوى والمناطق المتنازع عليها.

الأطراف المشاركة في المعركة

نظراً لأهمية معركة تحرير مدينة الموصل لمختلف الأطراف وكبر حجم المدينة وحجم السكان الكبير الموجود فيها؛ فإنها تحتاج إلى حجم كبير من القوات ذات القدرة القتالية العالية. وعلى الرغم من ذلك أبدت العديد من الجهات استعدادها للمشاركة في هذه المعركة. ولعل أهم الأطراف التي من المتوقع أن تشارك فيها بغض النظر عن حجم هذه المشاركة، هي:

1 - القوات الدولية: ستشارك قوات التحالف الدولي لمحاربة "داعش" في معركة تحرير الموصل، ويصل عددها إلى 4000 جندي من 18 دولة بحسب بعض المصادر، ومنها قوات بريطانية وكندية وفرنسية، تتوزع مهامها بين الوجود المباشر على شكل قوات قتالية كالقوات البريطانية الموجودة بالقرب من الحدود العراقية - السورية، وبين وجود مستشارين عسكريين ومدربين كما هي حال المشاركة الكندية، وهناك الاستهداف الجوي ضد مراكز "داعش" في المناطق التي يسيطر عليها كما هي حال المشاركة الفرنسية.

ويضاف إلى ذلك أن دول التحالف الدولي ستشارك في المعركة النهائية لتحرير الموصل، خاصة في تأمين الغطاء الجوي والدعم اللوجستي للقوات المهاجمة، إذ يشكل هذا الجانب أهمية كبيرة في إنجاح عملية التحرير.

2 - القوات الأمريكية: سوف تشارك هذه القوات، سواءً تلك المنضوية تحت لواء التحالف الدولي، أو التي تعمل بشكل مستقل عنه مع الجهات العراقية. وتُعد القوات الأمريكية طرفاً أساسياً في عملية تحرير الموصل، وتتجلى مشاركتها بما أرسلته من قوات قتالية كان آخرها 560 جندياً والعديد من المستشارين والمدربين الذين ينتشرون في العديد من القواعد العسكرية، ومنها قاعدة عين الأسد في الأنبار، وقاعدة سبايكر في صلاح الدين، وقاعدة القيارة التي تمثل منصة انطلاق مهمة صوب الموصل. وتعمل القوات الأمريكية على تدريب القوات العراقية وتهيئتها لخوض الحرب مع "داعش" وتحرير المناطق التي استولى عليها، وتقديم الدعم اللوجستي والاستخباري، وتأمين الغطاء الجوي في هذه الحرب.

3 - قوات من الجيش العراقي والشرطة الاتحادية وجهاز مكافحة الإرهاب: سوف تشارك هذه القوات التي أثبتت كفاءتها في تحرير أغلب مناطق محافظة الأنبار وصلاح الدين، وسيكون لها الدور الأساسي والمفصلي في عملية تحرير الموصل، فضلاً على كونها نالت رضا وتأييد مختلف الأطراف لتتولى هذه المهمة.

4 - قوات من الحشد الشعبي ومجموعات من الفصائل المسلحة للأقليات المسيحية والأيزيدية والشبك والتركمان والحشد الوطني والحشد العشائري، وهي قوات خاصة بمحافظة نينوى، فهذه القوات تصر على المشاركة في القتال، ولكن الأمر يبقى مثار جدل حول مشاركة البعض منها دون الآخر.

5 - قوات البيشمركة: على الرغم من صدور تصريحات معارضة من بعض الجهات والكتل السياسية لمشاركة قوات البيشمركة في عملية تحرير الموصل، بيد أن الواقع يشير إلى أن هذه القوات استطاعت استعادة العديد من المراكز الإدارية والقرى التابعة لمحافظة نينوى، وأهمها قضاء سنجار من سيطرة "داعش"، حتى وصلت إلى مشارف مدينة الموصل. وتحظى قوات البيشمركة بدعم أمريكي وفر لها غطاءً جوياً في كل المعارك التي خاضتها ضد التنظيم، وتُصر حكومة كردستان على المشاركة في معركة الموصل المرتقبة.

تحديات ما بعد التحرير

تمر العراق بأوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية معقدة وأزمات متعددة منذ سنوات فاقمتها الأزمة الأمنية الأخيرة منذ منتصف عام 2014، وتضاف إليها تعقيدات مرحلة ما بعد التحرير، خاصة في محافظة نينوى التي تتداخل فيها العوامل المحلية والإقليمية والدولية. ولعل أهم ما يمكن أن يظهر في الموصل من تحديات بعد التحرير، يتمثل في:

1 – قد تبرز صعوبات في مسألة إدارة المحافظة نتيجة لما قد يتصاعد من خلافات بينية قومية وطائفية بسبب التنوع العرقي والإثني في هذه المحافظة التي يتوزع سكانها من الناحية القومية بين عرب وأكراد وتركمان وآشوريين وشبك. ومن الناحية الدينية تتوزع بين مسلمين "سنة وشيعة" ومسيحيين وإيزيديين، لاسيما في ظل هذه المرحلة التي أصبح فيها لمختلف الجماعات العرقية والإثنية فصائل مسلحة خاصة بها.

2 – يتوقع تفاقم مشكلة "المناطق المتنازع عليها" بين العرب والأكراد، وهي مناطق مختلطة السكان يسعى كلا الطرفين إلى السيطرة عليها، حيث فرضت قوات البيشمركة سيطرتها على العديد منها أثناء الأزمة الأمنية الأخيرة، ما يعني أنها أصبحت مشاكل مؤجلة تنتظر الانفجار.

3 - يُشكل موضوع "إعادة الإعمار" في المناطق المحررة ملفاً شائكاً ومعقداً في ظل تراجع أسعار النفط وكلفة الحرب التي تخوضها القوات العراقية لتحرير المناطق التي استولى عليها "داعش"، فضلاً عن مشاكل الفساد المالي والسياسي المستشرية، لاسيما أن المناطق المحررة تعرضت إلى أضرار جسيمة في البنى التحتية والمنشآت الخدمية والتعليمية والصحية والأحياء السكنية، وتحتاج إلى عملية إعمار كبيرة وتقديم خدمات عاجلة لضمان عودة السكان إليها.

4 - يتطلب وضع ما بعد التحرير تقديم مساعدات إنسانية كبيرة وعاجلة للسكان، خاصة أن مدينة الموصل لايزال فيها ما يزيد على مليون مدني، وهذا الرقم ليس بالسهل فيما يحتاجه من خدمات في حال نزوحهم وضرورة إيوائهم وتقديم كافة الخدمات لهم، خصوصاً إذا تأخرت عملية إعادتهم إلى المدينة.

5 - يُشكل توفير الأمن وضمان عدم عودة النشاط لتنظيم "داعش" أو أي جماعات إرهابية أخرى إلى المناطق المحررة قضية ملحة تتطلب معالجات عسكرية وسياسية واقتصادية وثقافية وإعلامية تشترك فيها كافة الأطراف الحكومية والشعبية.

خلاصة القول: إن معركة تحرير الموصل لها أهمية كبيرة على سلم أولويات مختلف الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، ولكن تختلف هذه الأهمية بحسب طبيعة مصالح كل طرف من هذه الأطراف، وبقدر أهميتها يأتي انعكاسها على مستقبل العراق في حال استمرار الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية الراهنة في ظل ما يتم طرحه من مشاريع لمعالجة الأزمات المزمنة من تشكيل الأقاليم الفيدرالية إلى تصريحات الأكراد حول إمكانية تطبيق حق تقرير المصير والاستقلال عن العراق... وكلها قضايا قد تشهدها الساحة العراقية في مرحلة ما بعد التحرير والقضاء على "داعش".