أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

البديل الإقليمي:

ماذا لو فشلت واشنطن في الاتفاق مع موسكو بشأن سوريا؟

20 سبتمبر، 2016


بينما تتواصل المساعي لإحياء اتفاق الهدنة الأمريكي - الروسي في سوريا، يبدو هذا الاتفاق "هش للغاية"، في ظل التراشق والتصريحات المتبادلة بين مسؤولي الدولتين خلال الأيام الماضية. ويبقى التساؤل: ماذا لو فشلت واشنطن في التوصل لاتفاق مع موسكو بشأن الأزمة السورية؟ فذلك سيعني أنه أمام الإدارة الأمريكية الراهنة أقل من ثلاثة أشهر لوضع تصورات وآليات جديدة وبحث تنفيذها في سياستها السورية، وهذه الآليات والقرارات لن تكون مُجرد خاتمة تسعى إدارة الرئيس أوباما لأن تنهي بها "عصرها السياسي"، بل ستكون أيضاً بالغة التأثير على مُجريات العملية الانتخابية المُستعرة في الولايات المُتحدة، وميراث ستتحمله الإدارة الجديدة.

عجز أمريكي

أثناء المفاوضات الأمريكية - الروسية حول الهُدنة السورية الأخيرة، كان الملفت أن أداة الضغط الوحيدة التي كان يُمارسها الوفد الأمريكي هي التهديد بـ"الانسحاب الكامل" من المسألة السورية. هذا الأمر وإن كان يبدو غريباً على سلوك "دولة عُظمى" وذات مسؤولية عالمية في كافة الملفات الشائكة، فإنه يظهر وكأنه "سلوك طبيعي" من سلسلة السياسات الأمريكية تجاه أحداث "الربيع العربي" منذ بداياتها، وبالتالي تعد الحالة السورية تتويجاً لاستراتيجية الانسحاب الأمريكي تدريجياً من ملفات الشرق الأوسط المُركبة، وبالذات تلك التي تحتاج لمستوى عال من الانخراط المُباشر مثل الحرب السورية.

وبُعيد ظهور بوادر فشل هذه الهدنة الأخيرة، صرح جون برينان، مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، قائلاً: "إن بلاده لا تملك حلاً سحرياً للمشكلة السورية"، مبرراً ذلك بكثرة الأطراف الداخلية والخارجية المتصارعة، والانقسام الطائفي، وسنوات القمع. وباتت مثل هذه التصريحات جزءاً تقليدياً من خِطاب ساسة الإدارة الأمريكية فيما يخص المسألة السورية، وهي تعكس أن السياسة الأمريكية تفتقد لديناميكيتها التقليدية في استحضار البدائل فيما لو فشلت الخيارات المُمارسة في الحاضر.

لكن ذلك بكُل الأحوال لا يعني أن واشنطن سوف تنسحب تماماً من المسألة السورية كما تُهدد، فهي لا تستطيع أن تفعل ذلك، لأنه يُضر بمصالحها الاستراتيجية العميقة في المنطقة، والتي تتجاوز تعقيدات الملف الداخلي السوري إلى ملفات تتعلق بالأمن العالمي و"شبكات العُنف" وطبيعة العلاقات الإقليمية والدولية المُرتبطة بالأمن القومي الأمريكي، ومصالح واشنطن الواسعة ومنها الاقتصادية.

خيارات أمريكية

ثمة طيف واسع من الخيارات التي يُمكن للإدارة الأمريكية الحالية أن تلجأ إليه في سوريا، لكن أغلبها يبدو غير موضوعي، وما يزيد من صعوبة ذلك هو ضغط الوقت القليل الباقي لها. فمن حيث المبدأ، لا يُمكن للولايات المُتحدة أن تلجأ إلى مجلس الأمن من جديد، بعدما اصطدمت كُل مساعيها في ذلك الاتجاه بالفيتو الروسي والصيني، والذي من المُتوقع أن يُعاد استخدامه مُجدداً. كما أن واشنطن لا تستطيع أن تدخل عملاً عسكرياً شاملاً يُجبر روسيا والنظام السوري على إعادة حساباتهم؛ خصوصاً وأنه لن يصدر من نظام بشار الأسد أية سلوكيات غير تقليدية عما يُمارسه مُنذ أكثر من خمس سنوات، والتي نالت بالتقادم غض نظرٍ أمريكي، حتى في أكثر اللحظات الحرجة حينما استخدم النظام الغازات الكيماوية في صيف عام 2013.

باستبعاد هذين الأمرين، يبقى أمام الولايات المُتحدة عدد من الخيارات التي تبدو وكأنها جميعاً إقليمية، أي تتعلق بالمُحيط السوري فحسب، وكذلك فإن مجموعها يسعى إلى إحداث تحول في القراءة الروسية وسلوك النِظام السوري. فقد يعتقد الروس أن الرضا الأمريكي بنفوذهم في سوريا إنما هو القبول النسبي فحسب، وأن موسكو لا تستطيع تحقيق كامل تطلعاتها في سوريا، لأنها تصطدم مُباشرة بالمصالح والأمن القومي للدول الإقليمية الحليفة للولايات المُتحدة، وبالذات تُركيا ودول الخليج العربي وأيضاً إسرائيل. أما النظام السوري، فإن الولايات المتحدة تسعى لأن يعي أن هذه التوافقات الأمريكية - الروسية هي أفضل ما يُمكن أن يحصل عليه، وأن تفوقه النسبي وعملية الدعم المفتوحة التي يتلقاها من حُلفائه الروس والإيرانيين إنما مُتأتية من القبول الأمريكي بها، وعن كبحٍ أمريكي مُقابل للدول الإقليمية التي تسعى لدعم قوى المُعارضة.

وبناءً على ذلك، فإن الإدارة الأمريكية قد تلجأ إلى الخيارات التالية في سوريا:

1- سعي الولايات المتحدة إلى رفع بعض خطوطها الحمراء عن إدخال بعض الأسلحة الاستراتيجية لقوى المُعارضة السورية عن طريق الدول الإقليمية، وبالذات مُضادات الطيران التي قد تُزيح التفوق الجوي للروس والنظام السوري. وهذه الخطوة، فيما لو حدثت من جانب الولايات المُتحدة، ستكون مصحوبة بالضرورة بطلبها من حلفائها في الإقليم بممارسة المزيد من الضغط على مُقاتلي المعارضة المُعتدلين لأن يتمايزوا عن نُظرائهم المُتطرفين، وألا تصل تلك الأسلحة لغير غايتها التي رُسمت لأجلها. وهذا الأمر مُطابق لما فعلته هذه القوى الإقليمية في الأسابيع الأولى التي تلت عملية التدخل الروسية في سوريا العام الماضي، فوقتها كان لمد فصائل الجيش الحُر بمُضادات الدروع الأثر الواضح لكبح عمليات قوات النظام السوري، خصوصاً في المنطقة الواقعة بين الريف الشمالي لمدينة حماة وجنوب مدينة حلب.

غير أن تلك الخطوة الأمريكية لن تلقى استجابات واضحة من قِبل القوى الإقليمية والفصائل السورية المُعارضة ما لم تتعهد الولايات المُتحدة بشكل واضح بأن المناطق التي سوف تخرج من سيطرة التنظيمات المُتطرفة، ستُدار من جديد من قِبل قوى المُعارضة وليس من قِبل النظام السوري. فمثل هذا التعهد سيسمح ببناء المزيد من الثقة في الاستراتيجية الأمريكية، وبالمزيد من الانخراط من قِبل فصائل الجيش الحر في التعاون مع الولايات المُتحدة، وهي خطوة ستُعزز واشنطن من خلالها نفوذها العسكري على الأرض مع روسيا.

2- السعي الأمريكي لأن تُمارس إسرائيل عملياتها "الخاطفة" تجاه قِطاعات من الجيش السوري وحُلفائه من الميليشيات الشيعية جنوب غرب البلاد. ولن يكون لذلك أثر على التوافقات الروسية - الأمريكية، لأن سوريا مُقسمة عملياً إلى منطقتي نفوذ إيرانية جنوبية، وروسية شمالية. كما أن الولايات المُتحدة مُتأكدة أن النظام السوري وحُلفائه الإقليميين لن يقوموا بخطوة جريئة بالرد على تكثيف إسرائيل لغاراتها المُتقطعة، فوضعهم العسكري القلق لن يسمح لهم بذلك. وضمن هذا الإطار، لا يُستبعد أن تقوم القوات الأمريكية بالمزيد من العمليات العسكرية تجاه القوى الحليفة للنظام السوري، على اعتبار أنها أيضاً جزء من المجموعات الإرهابية الدولية، وبالذات حزب الله، وهي عمليات قد تكون شبيهة بتلك التي قامت بها ضد قوات النظام السوري في منطقة جبل الثردة في مُحافظة دير الزور مُنذ أيام.

3- على المُستوى السياسي، يمكن للولايات المُتحدة أن تضغط باتجاه وقف تعاونها السياسي مع روسيا في الملف السوري، وأن ترفع من مستوى ذلك لأن يكون وقفاً للتنسيق معها في الكثير من القضايا المُشتركة. ومن شأن ذلك أن يحول الانخراط العسكري الروسي في سوريا إلى مُجرد عمليات عسكرية من دون أي أُفق سياسي أو مكاسب استراتيجية في المُحصلة.

ومن جانبهم، يُدرك الأمريكيون أن الروس لا يستطيعون مواجهة عمل موحد من قِبل الدول الإقليمية فيما لو انسحبت الولايات المُتحدة من تفاصيل الملف السوري، لأن ذلك قد يندرج إلى مستوى الصراع الكامل الذي يتجاوز الحدود السورية.

مُقابل ذلك الضغط الذي قد تُمارسه الولايات المُتحدة على روسيا، ورُبما بدرجة أقل على إيران، فإنها لا تستطيع أن تفعل أي شيء من ذلك القبيل مع النِظام السوري، حيث إن الإدارة الأمريكية مُنذ أكثر من خمس سنوات تعتبر وبشكل رسمي أن النظام السوري فاقد للشرعية تماماً، وأنه المسؤول عن مُعظم الجرائم التي حدثت في البِلاد، ومع ذلك لم يؤثر ذلك على سلوك النظام أو يُضعف من قُدرته على الاستمرار في سلوكياته في ذلك المنحى. ولذلك لا يعتقد أي من واضعي السياسة الأمريكية أن ثمة شيء ما سياسي قد يؤدي إلى إحداث ضغط ذي معنى على نظام بشار الأسد.