أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

فوضى التسلح:

كيف تؤجج دول شرق ووسط أوروبا الصراعات في الشرق الأوسط؟

06 نوفمبر، 2016


عرض: محمد عبدالله يونس، مدرس العلوم السياسية المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة

"على الرغم من تشدد مواقف دول شرق ووسط أوروبا تجاه استقبال اللاجئين من مناطق الصراعات في الشرق الأوسط، إلا أن هذه الدول تسهم بصورة كثيفة في تأجيج هذه الصراعات المسلحة من خلال تصدير الأسلحة السوفيتية القديمة للفاعلين المسلحين من غير الدول".. هذا هو الاستنتاج الرئيسي الذي تضمنه التقرير الصادر عن كلٍّ من "شبكة البلقان للتحقيقات الإخبارية" و"مشروع تقارير الجريمة المنظمة والفساد" في أغسطس 2016، حيث يؤكد التقرير تحول دول شرق ووسط أوروبا إلى فاعلين مركزيين في سوق تصدير الأسلحة الصغيرة والمتوسطة إلى بؤر الصراعات الإقليمية عبر تعاقدات بلغت قيمتها حوالي 1.2 مليار دولار خلال الفترة بين عامي 2012 و2016.

طفرة صادرات السلاح:

يؤكد مراقبو الصراع الأهلي في سوريا وجود كميات ضخمة من الأسلحة والذخائر التي تنتمي للحقبة السوفيتية، مثل: البنادق الآلية من طراز (AK-47)، وقاذفات الصواريخ، والأسلحة المضادة للدبابات، والمدافع المضادة للطائرات، والدبابات القديمة من طراز (T-55) و(T-72)، وهو ما يرجع إلى وجود طفرة غير مسبوقة في تصدير الأسلحة من البوسنة وبلغاريا وكرواتيا والتشيك وسلوفاكيا وصربيا ورومانيا والجبل الأسود إلى دول الشرق الأوسط، حيث باتت هذه الأسلحة تنتقل عبر مسارات متعددة إلى مناطق الصراعات.

وكشف رصد الذخائر والأسلحة المنتشرة في الصراع في سوريا عن أن أسلحة شرق ووسط أوروبا تُستخدم بكثافة من جانب فصائل الجيش السوري الحر وجماعة فتح الشام (جبهة النصرة سابقًا) التي ترتبط بعلاقات وثيقة بتنظيم القاعدة وكذلك تنظيم داعش، كما أن الميليشيات المسلحة الداعمة لنظام الأسد باتت تعتمد على هذه الأسلحة، كما امتدت آثار أسلحة شرق أوروبا إلى ساحة الصراع اليمني، حيث تعتمد الميليشيات المسلحة على ذات النوعية من الأسلحة. وهو ما أثار تساؤلات حول مسارات التصدير، وكيفية وصول تدفقات هذه الأسلحة للفاعلين في الصراعات الإقليمية.

وفي هذا السياق، اعتمد التقرير الصادر عن "شبكة البلقان للتحقيقات الإخبارية" و"مشروع تقارير الجريمة المنظمة والفساد" على بيانات وتقارير صادرة عن مؤسسات دولية، فضلا عن تتبع تدفقات الأسلحة من دول شرق ووسط أوروبا إلى منطقة الشرق الأوسط، ومراجعة تعاقدات تصدير الأسلحة، وشهادات المستخدم الأخير (End User Certificate)، بهدف معرفة كيفية وصول الأسلحة من دول شرق ووسط أوروبا إلى مناطق الصراعات المسلحة في الشرق الأوسط.

وقد شهدت صادرات الأسلحة من دول شرق ووسط أوروبا طفرة غير مسبوقة، بداية من عام 2012، بالتوازي مع احتدام الصراع المسلح في سوريا، وتركزت أغلب صادرات هذه الدول على الأسلحة الأكثر شيوعًا لدى الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية، مثل: البنادق الآلية، والأسلحة المضادة للدبابات، وقذائف الهاون، ومنصات إطلاق الصواريخ، والمدافع المضادة للطائرات. وبلغ إجمالي صادرات هذه الدول خلال الفترة بين عامي 2012 و2016 حوالي 1.2 مليار دولار.


وتصدرت كرواتيا الدول الأكثر تصديرًا للسلاح إلى منطقة الشرق الأوسط، حيث قامت بتصدير أسلحة قيمتها حوالي 302 مليون دولار، تليها في المرتبة الثانية جمهورية التشيك التي استوفت تعاقدات تسلح بحوالي 240 مليون دولار، كما صدرت صربيا أسلحة بحوالي 194 مليون دولار، وكان نصيب سلوفاكيا حوالي 192 مليون دولار، أما بلغاريا فقد صدرت أسلحة بحوالي 122 مليون دولار، وحصلت رومانيا على تعاقدات تصدير بحوالي 81 مليون دولار، والبوسنة والهرسك حصلت على تعاقدات بحوالي 72 مليون دولار.

وتتم هذه الصادرات بصورة قانونية، غير أنها تجد طريقها بعد ذلك عبر ممرات ومسارات متعددة إلى بؤر الصراع في سوريا والعراق واليمن من خلال عمليات نقل الأسلحة وتهريبها عبر المنافذ الحدودية، وهو ما أكدته تقارير دولية متعددة فيما يتعلق بتهريب الأسلحة عبر الحدود التركية مع سوريا. 

صعود الكيانات الوسيطة:

رصد التقرير تصدير حوالي 68 شحنة من الأسلحة من دول شرق ووسط أوروبا إلى الشرق الأوسط خلال عامي 2015 و2016، ووفق أقل التقديرات التي أوردها التقرير فإن الشحنة الواحدة -على الأقل- تتضمن 16000 بندقية آلية، وثلاثة ملايين طلقة ذخيرة، ولا تقتصر شحنات الأسلحة على النقل الجوي، وإنما تشمل النقل بالسفن، حيث أشار التقرير إلى قيام الجيش الأمريكي بنقل حوالي 47 ألف طن من الأسلحة والذخائر من موانئ البحر الأسود إلى تركيا في ديسمبر 2015.

وأدى تزايد أرباح تصدير الأسلحة إلى تأسيس كيانات وسيطة في دول شرق ووسط أوروبا لتجميع الأسلحة سوفيتية الصنع التي انتشرت خلال الصراعات الأهلية الدامية في دول البلقان في مطلع تسعينيات القرن الماضي، وقيامها بتصديرها لتلبية الطلب المتصاعد من منطقة الشرق الأوسط، وتعد شركات CPR Implex الصربية وEldon السلوفاكية من أهم الكيانات الوسيطة التي تقوم بتصدير الأسلحة والذخائر إلى دول الشرق الأوسط.

وفي السياق ذاته، عادت مصانع السلاح في هذه الدول للعمل بقوة بعد فترة تعثر طويلة في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة، وأشار رئيس وزراء صربيا ألكسندر فوتشيتش إلى أن مصانع السلاح في دولته زادت إنتاجها بحوالي 5 أضعاف، ولا تزال غير قادرة على تلبية الطلب المتصاعد على الأسلحة والذخائر والانتهاء من تسليم شحنات الأسلحة التي تم التعاقد عليها، وهو ذات الاتجاه الذي ينطبق على صناعة الأسلحة في البوسنة والهرسك وكرواتيا.

وتمثل صوفيا وبلجراد وبراتسلافا أهم نقاط انطلاق شحنات الأسلحة إلى منطقة الشرق الأوسط، حيث يتم تصدير الأسلحة بعقود قانونية وبطرق شرعية، ثم يتم نقل هذه الأسلحة عبر المنافذ الحدودية إلى داخل سوريا في إطار الدعم العسكري من جانب بعض القوى الإقليمية والدولية إلى أطراف الصراع الأهلي في سوريا، ونتيجة لتعارض المصالح الحاكم للاستقطاب الحاد حول الصراع في سوريا.

مؤشرات الانخراط الأمريكي:

تدعم الولايات المتحدة الأمريكية بصورة مباشرة عمليات تصدير الأسلحة من دول شرق ووسط أوروبا إلى منطقة الشرق الأوسط، حيث تقوم قيادة العمليات الخاصة بوزارة الدفاع الأمريكية (SOCOM) بدور مركزي في عمليات تصدير الأسلحة ونقلها إلى ساحة القتال في سوريا.

وتندرج عمليات شراء ونقل الأسلحة من دول شرق ووسط أوروبا إلى داخل سوريا التي تشرف عليها قيادة العمليات الخاصة الأمريكية ضمن برنامج قيمته 500 مليون دولار لتسليح وتدريب المعارضة السورية ومواجهة الدعم الروسي المتصاعد لنظام الأسد ومشاركة روسيا عسكريًّا في الصراع المحتدم في سوريا.

ومنذ ديسمبر 2015 حتى أغسطس 2016، قامت قيادة العمليات الخاصة الأمريكية بالإشراف على تصدير ثلاث شحنات أسلحة ضخمة يقدر وزنها بحوالي 4700 طن من خلال ناقلات بحرية عملاقة انطلقت من موانئ كونستانتا في رومانيا وبرجاس في بلغاريا، وتضمنت هذه الشحنات بنادق آلية ثقيلة، وقاذفات صواريخ، وأسلحة مضادة للدبابات، وقذائف مورتر، وقنابل وصواريخ عابرة للمدن، ومتفجرات وذخيرة.

وعلى الرغم من عدم إعلان الولايات المتحدة عن وجهة شحنات الأسلحة، إلا أن الصور المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي كشفت عن وصول هذه الأسلحة إلى الميليشيات الكردية في سوريا. أما التقارير الرسمية الصادرة عن إدارة المشتريات التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية فقد كشفت عن شراء الولايات المتحدة أسلحة من بلغاريا بحوالي 27 مليون دولار ومن صربيا بحوالي 12 مليون دولار خلال الفترة بين عامي 2014 و2016، وهي الأسلحة التي تم الاعتماد عليها في دعم فصائل المعارضة السورية.

اختلال المعايير القانونية:

تُنظِّم تجارةَ الأسلحة العالمية ثلاثةُ مستويات مترابطة من التشريعات، هي: التشريعات الوطنية، والاتفاقيات الإقليمية، والمعاهدات الدولية. وعلى الرغم مما تتسبب فيه تجارة الأسلحة ووصولها إلى مناطق الصراعات المسلحة من تداعيات إنسانية معقدة، إلا أنه لا توجد أي آلية لفرض عقوبات على تصدير الأسلحة باستثناء الدول التي يفرض عليها مجلس الأمن (التابع للأمم المتحدة) حظرًا على تصدير السلاح، ومن ثم لا يوجد ما يجرم تصدير الأسلحة لأطراف الصراع في سوريا.

وتعد كل من البوسنة والهرسك وبلغاريا وكرواتيا وجمهورية التشيك والجبل الأسد ورومانيا وصربيا وسلوفاكيا من الدول الموقعة على معاهدة الأمم المتحدة لتجارة الأسلحة التي دخلت حيز النفاذ في ديسمبر 2014، والتي تتضمن إجراءات متعددة لمنع تحويل مسار شحنات الأسلحة، ومواجهة انتشار الميليشيات المسلحة وحصول التنظيمات الإرهابية على الأسلحة.

كما أن هذه الدول تخضع لقواعد قانونية ملزمة في إطار الاتحاد الأوروبي في إطار وثيقة "الموقف المشترك من تصدير الأسلحة" الصادرة في عام 2008، والتي تضع 8 معايير يجب الالتزام بها عن تصدير الأسلحة من جانب دول الاتحاد الأوروبي، يتمثل أهمها في: التزام الدول المستوردة بحقوق الإنسان، والتزامها بمقتضيات الاستقرار والأمن الإقليمي، فضلا عن تقييم مخاطر إعادة تصدير الأسلحة من الدول المستوردة ونقلها للميليشيات المسلحة في مناطق الصراعات.

وتركز القواعد الأوروبية على ضرورة توافر "شهادة المستخدم النهائي" (End User Certificate) من جانب الدول المستوردة كشرط أساسي لتسليم شحنات الأسلحة، وتنص هذه الوثيقة على تعهد حكومة الدولة المستوردة على أن الأسلحة التي يتم استيرادها مخصصة للاستخدام من جانب قواتها المسلحة، وأنها لن يتم إعادة تصديرها لأطراف ثالثة، كما تتضمن تعاقدات الأسلحة في الدول الأوروبية شرطًا واضحًا حول ضرورة الحصول على موافقة الدولة المصدرة للسلاح في حال قيام الدولة المستوردة بإعادة تصديرها إلى دولة أخرى.

وعلى الرغم من أن صادرات السلاح من دول وسط وشرق أوروبا تتم بصورة قانونية ودون أي اختراق لمعايير الاتحاد الأوروبي، إلا أن المفترض -وفق القواعد الأوروبية- أن تقوم هذه الدول بتقييم مخاطر التصدير، ومراجعة مدى التزام المستوردين بتسلم الأسلحة، والامتناع عن نقلها إلى مناطق الصراعات المسلحة، وفي المقابل تركز الحكومات في دول وسط وشرق أوروبا على استيفاء المتطلبات الشكلية للتصدير دون مراجعة مسارات انتقال شحنات الأسلحة، والتحقق من عدم وصولها إلى الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية.

تهديدات أسلحة البلقان:

يمكن اعتبار تزايد تدفقات الأسلحة من دول شرق ووسط أوروبا إلى بؤر الصراعات في منطقة الشرق الأوسط أحد أهم مؤشرات ضعف النظام العالمي لضبط التسلح الذي يُفترض أن يحول دون تداول الأسلحة من جانب الميليشيات المسلحة وعصابات الجريمة المنظمة والتنظيمات الإرهابية، وتتمثل أهم الدلالات التي يمكن استخلاصها من هذا التقرير فيما يلي:

1- اقتصاديات السلاح الموازية: تحولت دول البلقان خلال العقود الماضية إلى مستودع أسلحة ضخم يهدد الأمن العالمي، حيث إن نسبة كبيرة من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة المنتشرة للتداول بصورة غير شرعية في العالم تأتي من شرق ووسط أوروبا، كما أن التنظيمات الإرهابية باتت قادرة على الحصول على هذه الأسلحة بأسعار زهيدة، ووفقًا للتحقيقات الأوروبية فإن مُنفِّذي الهجمات الإرهابية في باريس وبروكسل قد استخدموا بنادق من طراز زاستافا تم إنتاجها خلال فترات الحرب الأهلية في يوغسلافيا، وهو ما ينطبق على الخلايا الإرهابية التي تم تفكيكها في إيطاليا.

ولا تزال مخزونات الأسلحة التي استُخدمت خلال الحروب الأهلية في البلقان في تسعينيات القرن الماضي يتم تداولها من خلال عصابات تهريب السلاح بأسعار محدودة وبصورة غير شرعية، وهو ما تؤكده دراسات معهد الدراسات الأوروبية وتقارير منظمة مراقبة الأسلحة الصغيرة والمتوسطة في شرق ووسط أوروبا التابعة للأمم المتحدة. ووفقًا لوزارة الداخلية الصربية، فإن عدد الأسلحة الصغيرة غير المشروعة يتراوح بين 200 ألف و900 ألف قطعة سلاح، ويصل هذا العدد في كوسوفو إلى 450 ألف قطعة سلاح وفق تقارير الأمم المتحدة، بينما لا يزال في البوسنة والهرسك حوالي 750 ألف قطعة سلاح مملوكة للمدنيين وخارج نطاق سيطرة مؤسسات الدولة.

وعلى الرغم من تركيز الدول الأوروبية على منع التدفقات المباشرة للأسلحة إلى بؤر الصراعات المسلحة واستيفاء كافة المعايير القانونية لتصدير الأسلحة، إلا أن آليات ضبط تدفقات السلاح أخفقت بصورة كبيرة في منع وصول تهديدات انتشار السلاح للدول الأوروبية، حيث كشفت موجات العمليات الإرهابية التي شهدتها فرنسا وبلجيكا منذ مطلع العام الجاري عن تصاعد نشاط شبكات الجريمة المنظمة التي باتت تهيمن على بعض المناطق في الدول الأوروبية، وتدير من خلالها عمليات لتهريب الأسلحة والمخدرات عبر الحدود، وهو ما كشفت عنه التحقيقات في حادثة تشارلي إيبدو، حيث تم التأكد من حصول الإرهابيين على الأسلحة من منطقة ميدي في بلجيكا التي تشتهر بوجود عصابات تهريب الأسلحة والتي تقوم ببيع الأسلحة التي استخدمت في حروب البلقان في شرق أوروبا للإرهابيين في حي مولينبيك في بلجيكا والتنظيمات الإرهابية في كافة أرجاء القارة الأوروبية.

2- الانخراط الغربي في سوريا: تكشف عمليات تصدير الأسلحة من شرق ووسط أوروبا أن عمليات نقل الأسلحة والذخائر للفصائل المسلحة في سوريا لا تقتصر على روسيا والصين وإيران، وإنما تشمل أطرافًا إقليمية أخرى، بالإضافة إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي أسهمت بصورة مباشرة وغير مباشرة في انتظام تدفقات السلاح من شرق ووسط أوروبا إلى سوريا دون عوائق، وهو ما يرتبط بدعم بعض الدول الأوروبية المعلن لفصائل المعارضة السورية في مواجهة نظام الأسد.

3- شكلية مبادرات التسوية: على الرغم من تعدد مبادرات التسوية الدولية والمؤتمرات العالمية لمواجهة تردي الأوضاع الإنسانية في سوريا والصياغات المختلفة لفرض هدنة أو تهدئة مؤقتة بين مختلف الأطراف المتصارعة، إلا أن واقع سياسات مختلف الأطراف الدولية والإقليمية يكشف عن عدم وجود بوادر لإنهاء دعم وكلائهم في الداخل السوري عسكريًّا في ظل انتظام وتصاعد تدفقات الأسلحة، وهو ما يؤكد أن الأطراف الدولية والإقليمية ليست لديها مصلحة أو نية لفرض التسوية في سوريا في الأمد القريب.

4- سياسات احتواء التهديدات: تقوم سياسة الولايات المتحدة والدول الأوروبية في سوريا على تأسيس نطاقات عازلة للتهديدات الإرهابية من خلال الاعتماد على وكلاء محليين لمواجهة التنظيمات الإرهابية، وفي إطار هذه السياسة قدمت الولايات المتحدة دعمًا عسكريًّا متواصلا للميليشيات الكردية في سوريا وللقوات العراقية وميليشيات الحشد الشعبي في مواجهة تنظيم داعش، وعلى الرغم من تسبب سياسات تسليح الفصائل والميليشيات في تصاعد حالة عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وتصدع بعض دول الإقليم نتيجة فقدانها القدرة على ضبط انتشار الأسلحة، إلا أن السياسات النفعية والمصلحية للولايات المتحدة والدول الأوروبية لا تركز إلا على استباق التهديدات وتجفيف منابع الإرهاب دون تقدير تداعيات هذه السياسات على الأمن الإقليمي.

وإجمالا، على الرغم من تركيز الدول الأوروبية على فرض مزيد من القيود على تصدير الأسلحة إلى بؤر الصراعات المسلحة، وفرض بعض المشروطيات على تصدير الأسلحة (مثل: التفتيش على المؤسسات المستوردة للأسلحة، وفرض حظر على تصدير الأسلحة للدول التي يثبت قيامها بإعادة التصدير ونقل الأسلحة إلى بؤر الصراعات المسلحة)، إلا أن دول شرق ووسط أوروبا لا تلتزم بهذه القواعد في ظل الربحية العالية لتصدير الأسلحة، وعودة صناعة الأسلحة للإنتاج بكثافة، بالإضافة إلى ارتباط هذه الصادرات بدعم غير مباشر من جانب الولايات المتحدة في إطار سياسات دعم فصائل المعارضة السورية والميليشيات الكردية لمواجهة تنظيم داعش وحلفاء روسيا في منطقة الشرق الأوسط.

المصدر:

Lawrence Marzouk, Ivan Angelovski and Miranda Patrucic, “Making a Killing: The 1.2 Billion Euro Arms Pipeline to Middle East”, Balkan Insights, Balkan Investigative Reporting Network, July 27, 2016