أخبار المركز
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (المعضلة الروسية: المسارات المُحتملة لأزمات الانتخابات في جورجيا ورومانيا)
  • إسلام المنسي يكتب: (جدل الوساطة: هل تخلت سويسرا عن حيادها في قضايا الشرق الأوسط؟)
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)

ثورة المعاملات الرقمية:

لماذا تهدد "سلسلة الكتلة" ملايين الوظائف في العالم؟

19 ديسمبر، 2017


تُعد سلسلة الكتلة أو البلوك تشين (blockchain) إحدى التقنيات الثورية التي ستكون لها تداعيات كبيرة في مجال الإدارة والتسويق والماليات وكافة الوظائف التي تحتاج إلى وسيط للعمل. وقد بدأت تلقى رواجًا كبيرًا لدى الجهات الرسمية وغير الرسمية في الفترة الأخيرة، حيث أعلنت كلٌّ من الإمارات والسعودية هذا الشهر التوجه نحو إصدار أول عملة رقمية رسمية قابلة للتداول بين البلدين من خلال نظام سلسلة الكتلة. وفي أغسطس 2017، اتفق 6 من كبرى البنوك في العالم على التوجه نحو استخدام سلسلة الكتلة في تداول نقود رقمية. وفي فبراير 2016، أعلنت مؤسسة دبي لمتحف المستقبل عن تأسيس المجلس العالمي للتعاملات الرقمية بهدف استكشاف وبحث التطبيقات الحالية والمستقبلية لها، والعمل على تنظيم التعاملات الرقمية عبر منصات تكنولوجيا البلوك تشين، والتي يمكن من خلالها تسجيل وتوثيق كل المعاملات الرقمية والتداولات.

مفهوم "سلسلة الكتلة":

سلسلة الكتلة هي بمثابة "الجسر الرقمي المشفر" الذي يضمن انتقال المعاملة -أي معاملة- من الطرف (أ) إلى الطرف (ب) بكفاءة وفاعلية، ويربط جميع المعاملات والتحويلات بعضها ببعض لضمان إحكام السيطرة عليها في مكان واحد آمن، ولذلك فهي الآلية الرئيسية التي تعمل بها العملات الرقمية على سبيل المثال مثل البيتكوين. وهي عبارة عن دفتر حسابات رقمي واسع وموزع حول العالم، لا يخضع لأي سلطة مركزية تقوم بإحكام السيطرة عليه، سواء كانت بنكًا أو جهة حكومية أو خاصة، حيث يعتبر بمثابة قاعدة بيانات لا مركزية، يشترك فيها جميع الحواسب المتناظرة الموجودة في شبكة الند - للند (peer to peer network) في إتمام المعاملة أو التحويل، دون وجود وسيط أو رقيب، وهو ما يهدد بصورة مباشرة كثيرًا من الوظائف وأعمال الوساطة مثل البنوك والمسوقين والمنتجين وغيرهم.

فالفكرة ببساطة أن ما تقوم بإرساله عبر الإنترنت في الحقيقة ما هو إلا نسخة من الملف الأصلي الذي تمثله، فعند إرسال بريد إلكتروني أو ملف فإنك ما زلت تحتفظ بالأصل لديك، ولكن هناك كثير من الأعمال التي تتطلب نقل الأصل وليس نسخة منه كالنقود مثلًا، ففي هذه الحالة يجب أن تمتلك النقود نفسها لكي تقوم بإرسالها وليس إرسال نسخة منها، والأمر ينطبق كذلك على العديد من التطبيقات الأخرى مثل الأسهم والسندات والتصويت في العملية الانتخابية، وملفات الموسيقى والأفلام والتصميمات الإبداعية المحمية بحقوق ملكية فكرية، وغيرها من التطبيقات الأخرى التي لا يجدي فيها إرسال نسخة من الأصل.

ولكي يمكن نقل الأصل لهذه المعاملات أو التطبيقات من طرف إلى آخر، لا بد من الذهاب إلى وسيط، سواء كان بنكًا أو بورصة أو شركة مالية أو منتجًا أو مسوقًا أو خلافه، وهذا الوسيط يقوم بتحصيل نسبة من المعاملة كرسوم أو أجر للقيام بمهام الوساطة. لكن مع نظام سلسلة الكتلة، سيتم نقل أصل الملف إلى الطرف الآخر وتخزينه وإدارته دون أن تكون هناك حاجة إلى هذا الوسيط، أو أن الوسيط الحقيقي في هذه الحالة سيكون ملايين أجهزة الحواسب الأخرى المتصلة بالنظام، والتي تنتقل بينها المعاملة بصورة مشفرة وآمنة حتى تصل إلى الطرف الآخر، وهو ما يعني بصورة مباشرة تهديد ملايين الوظائف حول العالم.

آلية عمل سلسلة الكتلة:

يقوم المستخدم في أي مكان في العالم بالدخول إلى نظام سلسلة الكتلة الخاص بالمعاملة التي يرغب في القيام بها. فمثلًا إذا كان الغرض نقل عملة إلكترونية، فسيقوم المستخدم بإنشاء محفظته الخاصة التي سيتم إرسال النقود منها وإليها، ثم تحديد المبلغ المرجو تحويله عبر نظام سلسلة الكتلة إلى الطرف الآخر، وهذا الطرف قد يكون شركة أو شخصًا أو خلافه، وبمجرد إرسال المعاملة يقوم ملايين من المنقبين Miners حول العالم الذين يجلسون خلف أجهزتهم بإجراء مجموعة من العمليات الحسابية المعقدة عبر أجهزتهم بغرض التأكد من صحة المعاملة، وبمجرد أن يتم التأكد منها يسمح لها بالدخول في السلسلة ويتم ضمها إلى غيرها من الكتل مكونة في النهاية سلسلة الكتلة، مما يعني اشتراك ملايين الأجهزة حول العالم في التأكد من صحة المعاملة قبل إتمامها، وهو ما يجعل عملية اختراق النظام أو التلاعب به أمرًا صعبًا للغاية لأنه يتطلب اختراق جميع هذه الأجهزة في الوقت نفسه.

ويحصل هؤلاء المنقبون على مكافآت مالية نظير عملية التدقيق الحسابي التي قاموا بها، فإذا كان الأمر نقل عملة البيتكوين فإنهم يحصلون على نسبة من عملية التنقيب ضئيلة جدًّا ولكنها موزعة على جميع من شاركوا في العملية، مما يحقق مبدأ المساواة في توزيع الثروة على الرغم من ضآلة هذه الثروة، وبالتالي تمكن هذه التقنية أية جهتين من تبادل أي أموال ذهابًا وإيابًا دون الحاجة إلى وسيط مالي بالاعتماد على وسائط تقنية تستخدم سلسلة الكتل مثل Due.com، مما يعني التخلص من الرسوم الهائلة، وتسريع عملية تحويل الأموال من 3-7 أيام إلى بضع دقائق مقابل رسوم رمزية تمثل رسوم استخدام النظام وليس رسوم وساطة.

التخوفات والتهديدات:

على الرغم من التأثير الكبير لسلسلة الكتلة؛ إلا أن المصمم الرئيسي لها لا يزال مجهولًا، حيث دفع انهيار النظام المالي العالمي عام 2008 أحد الأشخاص المجهولين، ويطلق على نفسه ساتوشي ناكاماتو، إلى ابتداع نظام جديد لتبادل العملات النقدية دون الحاجة إلى وسائط مثل البنوك والشركات المالية. وعلى الرغم من التأثير الواسع للبيتكوين كعملة رقمية، إلا أن التأثير الأكبر سيكون للنظام نفسه الذي تعمل به البيتكوين وهو سلسلة الكتلة.

وتطرح سلسلة الكتلة إشكالين رئيسيين: الأول متعلق بالشفافية، نظرًا لعدم وجود جهة مركزية تقوم بالسيطرة على هذا النظام وإدارته وبالتالي يمكن محاسبتها في حالة خلل النظام أو تعرضه لقرصنة أو عمليات غش وتزوير. والثاني متعلق بالتكلفة، فعلى الرغم من أن نظام سلسلة الكتلة في حد ذاته غير مكلف، إلا أنه يحتاج إلى عدد كبير من أجهزة الحاسب التي لها مواصفات خاصة تمكنها من إجراء المعاملات والتحويلات، فضلًا عن استهلاكها كمية كبيرة من الطاقة لإنهاء المعاملات، مع الأخذ في الاعتبار ارتفاع أسعار الطاقة في الآونة الأخيرة.

ويظل التهديد الأكبر لدى قطاعات المال والإدارة والأعمال الوسيطة، والتي من المتوقع أن يكتب لها هذا النظام الفناء والاندثار كما فعلت التطورات التكنولوجية في كثير من الصناعات والأعمال والحرف من قبل، إلا إذا استطاعت هذه الوظائف تطوير نفسها لاستيعاب هذه التقنية الجديدة.