أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

الزراعة الذكية:

كيف تُوظف الإمارات التكنولوجيا في تعزيز أمنها الغذائي؟

07 أبريل، 2023


قطعت دولة الإمارات شوطاً كبيراً في التكنولوجيا الزراعية، في ظل رؤية قيادتها الرشيدة وما أطلقته من مبادرات واستراتيجيات طموحة في هذا المجال، وعلى نحو يُطور اقتصادها القائم على الابتكار والتطبيقات التكنولوجية التي تدمج التقنيات الحديثة في الزراعة، وبالتالي يعزز أمنها الغذائي ولاسيما في ظل الأزمات العالمية الراهنة.

ففي عام 2017 تم تعيين معالي مريم بنت محمد سعيد حارب المهيري وزيرة دولة للأمن الغذائي. وفي عام 2018، أطلقت الإمارات "الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي"، وكان من أبرز أهدافها أن تكون الإمارات الأفضل عالمياً في مؤشر الأمن الغذائي العالمي بحلول عام 2051، وبالفعل خلال أعوام قليلة بدأ حصاد ثمار هذه الخطوات.

تنويع الزراعة:

تشكل البيئة الصحراوية أكثر من ثلاثة أرباع المساحة الكلية لدولة الإمارات، وهي تحتل المركز الثاني عالمياً في مؤشر الإجهاد المائي بعد الكويت بنسبة 1667%، أي أنها تحتاج إلى أكثر من 16 ضعف مواردها المائية العذبة المتجددة المتاحة لتلبية احتياجاتها. 

لذلك اعتمدت الإمارات على تنويع أساليب الزراعة قليلة الاعتماد على المياه والتربة الخصبة، لتنجح في زيادة القيمة المضافة لقطاع الزراعة والغابات وصيد الأسماك الإماراتي من 2.6 مليار دولار في عام 2014 إلى 3.1 مليار دولار في عام 2019، وهي أعلى من قيمة إسهام نفس القطاع في دول أغنى بالموارد المائية مثل ألبانيا وبلجيكا وبلغاريا وكوستاريكا، وفقاً لبيانات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "فاو".

توظيف التكنولوجيا:

تستغل الإمارات التكنولوجيا بشكل كثيف لدعم الزراعة، ولكن الأهم هو توفير البيئة المناسبة لاستخدام التكنولوجيا واستغلالها بشكل متوازن في جميع المؤشرات الفرعية للأمن الغذائي (الوفرة والإتاحة والجودة والسلامة والاستدامة والتكيف).

وتدعم وزارة التغير المناخي والبيئة بدولة الإمارات استخدام التكنولوجيا المائية بين المزارعين، وتعتمد هذه التكنولوجيا على استخدام المياه الغنية بالمغذيات اللازمة لنمو النباتات من دون تربة، أو بوجود كمية قليلة من التربة، حيث توفر هذه الطريقة ما يتراوح بين 70% و90% من المياه، كما توفر حوالي 99% من مساحة الأرض المطلوبة للزراعة، وبتكلفة قريبة من التكلفة التقليدية للزراعة في أرض خصبة. علاوة على أن "المزارع العمودية" تعمل بشكل "مؤتمت" بالكامل، وتقدم محاصيل زراعية بتكاليف ثابتة على امتداد المواسم. وفي هذا الإطار، دشنت معالي مريم المهيري، وزيرة التغير المناخي والبيئة في دولة الإمارات، يوم 15 فبراير 2023، أكبر مزرعة في العالم للزراعة العمودية الداخلية في أبوظبي.

وتحاول الإمارات زيادة الاعتماد على الزراعة الملحية، حيث قام المركز الدولي للزراعة الملحية "إكبا" بزراعة عدد من المحاصيل مستخدماً المياه المالحة، مثل "الساليكورنيا" "فاصوليا البحر"، ونبتة "الكينوا"، وهي إن كانت تفتقد إلى الشعبية في منطقة الخليج إلا أنه يمكن تصديرها إلى الخارج والاستفادة من عائدها في استيراد أغذية أخرى. وتعتمد أساليب هذه الزراعة على استصلاح وإعادة استخدام الأراضي الزراعية المتدهورة، وذلك من خلال زراعة بعض المحاصيل والسلالات النباتية التي تتحمل المياه المالحة أو شبه المالحة، مما يخفف من استخدام المياه العذبة وتحسين خصائص التربة.

أما عن توفير مصادر المياه، فتحتل الإمارات حالياً المركز الثاني عالمياً في تحلية المياه، وبلغت السعة الإجمالية لمحطات تحلية مياه البحر في عام 2022 حوالي 1.6 مليون جالون يومياً، وبحلول عام 2025 ستصل السعة الإجمالية إلى 2.2 مليون جالون يومياً. وتستهدف استراتيجية الأمن المائي 2036 خفض إجمالي الطلب على المياه في الدولة بنسبة 21%، مع زيادة إنتاجية المياه وإعادة استخدام 95% من المياه في الوقت نفسه، وفق أفضل تقنيات إعادة تدوير المياه.

وعلى مستوى تحسين سلاسل الإنتاج وجودة المنتج وتقليل الهدر، تقوم هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية بتسويق المنتجات الزراعية المحلية اعتماداً على علامتها التجارية الخاصة، حيث تقوم بدور الوسيط بين مئات المزارعين وتجار الجملة، كما طورت تطبيقاً إلكترونياً لتدريب المزارعين على أفضل الممارسات، إذ يزود التطبيق المستخدمين بأحدث المعلومات التقنية عن المحاصيل الشعبية. وأطلقت الهيئة مشروع تحديد جيني للماشية يهدف إلى تحديد السلالات الأنسب لبيئة الإمارات من أجل تحقيق أعلى إنتاجية للمزارعين، كما أصدرت تسلسلاً جديداً للجينوم لنخيل التمر، للمساعدة في تطوير أنواع جديدة ومحسنة من نخيل التمر، وهي تعمل أيضاً على تعزيز تقنيات ما بعد الحصاد المحسنة لتقليل فاقد المحاصيل.

دعم الابتكار:

تقوم دولة الإمارات بالعديد من الأنشطة لجذب التكنولوجيا الحديثة في مجالي توفير المياه وتطوير الزراعة، فمثلاً استضافت أبوظبي في عام 2019 المنتدى العالمي للابتكارات في الزراعة، وهو أكبر معرض للابتكارات في مجال التكنولوجيا الزراعية في العالم. وأيضاً في منتصف فبراير 2023، استضافت "آيروفارمز"، الشركة المتخصصة في مجال الزراعة العمودية الداخلية، فعاليات قمة "آيروفارمز" السنوية الثانية لابتكارات التكنولوجيا الزراعية في أبوظبي بمشاركة 24 متحدثاً وأكثر من 1000 مشارك من 65 دولة لمناقشة مستقبل الزراعة والأمن الغذائي. وقامت شركة "آيروفارمز"، خلال هذه القمة، بتوقيع مذكرتي تفاهم مع كل من جامعة نيويورك أبوظبي، والمركز الدولي للزراعة الملحية "إكبا".

وتم إنشاء هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية في عام 2019 لضمان استدامة تطوير قطاع الزراعة، ودعم المزارعين المحليين في استخدام التقنيات والمنهجيات والممارسات الجديدة، فضلاً عن توفير التدريب الفني والمشورة. وفيما يخص تمويل الابتكار، شهد عام 2019 تقديم أبوظبي تمويلاً للبحث والتطوير بقيمة 5.6 مليار درهم للمساعدة في معالجة ندرة المياه، ومليار درهم لشركات التكنولوجيا الزراعية المحلية أو الدولية لتأسيس وجود في أبوظبي.

وفي عام 2022، حددت وزارة التغير المناخي والبيئة في الدولة متطلبات ومعايير جديدة للانضمام إلى برنامج "دعم المزارعين"، وذلك لتشجيع الزراعة الحديثة مثل الزراعات المائية والعضوية والمحمية، وحماية المزارعين ودعمهم لمواجهة التحديات، وتعزيز الإنتاج المحلي المستدام. ومن أهم هذه المتطلبات، قبول المتعامل بدور الوزارة كمحفز أو مشرف فني في عملية الإنتاج، ومن ثم يحصل المزارع على مواد الدعم "مستلزمات الإنتاج الزراعي" التي توفرها الوزارة للمزارعين بنصف قيمتها الشرائية، بالإضافة إلى استفادة المزارعين من برنامج ضمان القروض الزراعية وسلسلة التوريد.

وكانت وزارة التغير المناخي والبيئة قد وقّعت في أغسطس 2022 مذكرة تفاهم مع مصرف الإمارات للتنمية، بهدف التعاون في إيجاد حلول تمويلية مبتكرة لدعم ريادة الأعمال في المجال الغذائي القائم على الاستفادة من التقنيات الحديثة والنظم المستدامة.

صدارة إقليمية:

يبقى الهدف الرئيسي لدولة الإمارات هو ضمان الأمن الغذائي للمواطنين والمقيمين فيها، وقد سمح تميز الدولة في استخدام التكنولوجيا والالتزام بحرية التجارة وسهولة تداول السلع، باستقرار متوسط كفاية الإمدادات الغذائية لسكانها عند 133% من احتياجاتهم، مقارنة بحوالي 124% للمتوسط العالمي، وذلك وفقاً لتقديرات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة. كما ظل معدل ارتفاع أسعار السلع الغذائية عند مستوى أقل من المتوسط العالمي للارتفاع، حيث انخفضت مثلاً أسعار الغذاء في الإمارات بمعدل 1.4 نقطة مئوية في عام 2019، قبل أن ترتفع بمعدل3.7 نقطة مئوية في عام 2020، هذا في الوقت الذي سجلت فيه الأسعار العالمية ارتفاعاً بمعدل 4.4 نقطة و6.3 نقطة خلال نفس العامين المذكورين.

وقد تصدرت دولة الإمارات دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على المؤشر العالمي للأمن الغذائي 2022، والصادر عن "إيكونوميست إيمباكت". وعلى المستوى العالمي، جاءت الإمارات في المرتبة الـ23 من أصل 113 دولة شملها المؤشر الإجمالي للأمن الغذائي، متقدمة 12 مرتبة مقارنة بنتائج عام 2021، والمرتبة السابعة في المؤشر الفرعي لتوافر الغذاء، والـ16 في مستوى سلامة وجودة الغذاء. وحققت الإمارات 75.2 درجة على المقياس العام لمؤشر الأمن الغذائي المكون من 100 درجة، مقارنة مع 71 درجة سجلتها في عام 2021.

ختاماً، تعمل دولة الإمارات على الاستفادة من آخر ما توصلت إليه دول العالم في التكنولوجيا الزراعية، وتسعى لتصدر قائمة أفضل دول العالم من حيث الأمن الغذائي. وقد ارتبطت الإمارات باتفاقيات لتبادل الخبرات وتوطين التكنولوجيا مع دول العالم الرائدة في مجال التكنولوجيا الزراعية، ومنها فنلندا (الأفضل في المؤشر العام للأمن الغذائي)، وأستراليا (الأفضل في توفير الغذاء الأقل تكلفة)، واليابان (الأفضل في توفير الغذاء بأكبر كميات)، وكندا (الأفضل من حيث جودة وسلامة الغذاء). ويتبقى دراسة التكنولوجيا النرويجية (الأفضل من حيث الاستدامة والتكيف)، لزيادة تأمين قطاع الأغذية الإماراتي ضد الصدمات العالمية الخارجية.