أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

عودة واشنطن:

كيف تعاملت قمة "G7" مع التحدي الروسي- الصيني؟

15 يونيو، 2021


عقد قادة مجموعة الدول الصناعية السبع قمتهم السنوية، خلال الفترة من 11 - 13 يونيو الجاري، في منتجع كاربيس باي الساحلي شمال غرب إنجلترا، وذلك بحضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، وبمشاركة افتراضية لممثلين عن منظمات دولية، مثل: منظمة الصحة العالمية، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. فضًلا عن حضور قادة دول أستراليا، والهند، وكوريا الجنوبية، وجنوب إفريقيا، كضيوف للقمة، لتشكل ميزانيات دول القمة (الدول الـ11 من المجموعة والضيوف) أكثر من نصف اقتصاد العالم. وتناولت القمة عددًا من القضايا فيما يخص التعافي العالمي، والصحة، والمناخ، والتنمية، والأمن.

سياقات الحدث:

تأتي هذه القمة في سياق دولي يحمل عددًا من الدلالات والمتغيرات، ومنها:

1- القمة الأولى: تعد قمة "كاربيس باي" القمة الحضورية الأولى لمجموعة الدول الصناعية السبع منذ عامين. حيث انعقدت القمة الـ45 بفرنسا عام 2019، وأُلغيت القمة التي كان من المقرر عقدها في الولايات المتحدة العام الماضي بسبب الإجراءات الاحترازية لمواجهة جائحة (كوفيد–19). ويُنظر إلى هذه القمة أيضًا على أنها القمة الأولى بعد ذروة جائحة كورونا في الدول الصناعية المتقدمة قبل بدء حملات التطعيم الجارية.

وعلى مستوى الدول المشاركة فإنها القمة الأولى للرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي يُنظر إليه كبداية لحقبة أمريكية جديدة في المجتمع الدولي بعد حقبة دونالد ترامب. كما تعد أيضًا القمة الأولى لبريطانيا بعد الخروج الرسمي من الاتحاد الأوروبي، حيث تأمل لندن في بلورة دور عالمي جديد.

2- العودة الأمريكية: بخلاف التحديات العالمية المتزايدة، فإن أهمية تلك القمة تأتي أيضًا من كونها القمة الأولى للرئيس الأمريكي جو بايدن بعد أربع سنوات شهدت خلالها التجمعات الدولية إهمالًا أمريكيًا، وغياب النمط الانخراطي التعاوني خلال حقبة دونالد ترامب. وقد أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن على هامش القمة عودة الحضور الأمريكي الكامل في الدبلوماسية الدولية عبر قمة مجموعة السبع التي عكست "تعاونًا وإنتاجية استثنائيين". مشيرًا إلى أن الدفاع المتبادل عن حلف شمال الأطلسي "واجب مقدّس"، وأن القوى الديمقراطية تخوض "منافسة مع تلك الاستبدادية". وتوقعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن تعطي حقبة جو بايدن زخمًا جديدًا لأعمال المجموعة.

3- الإشكالية الصينية: تأتي هذه القمة وسط خلافات بين دول المجموعة حول أفضل آليات التعاطي مع الإشكالية الصينية، وكيفية مواجهة التحدي الصيني. حيث تتبنى ألمانيا والاتحاد الأوروبي بشكل عام نهجًا أقل تصادمًا إزاء تزايد النفوذ الصيني. والموازنة بين مواجهة التحدي الصيني ومعاقبة بكين على انتهاكات حقوق الإنسان، وبين المصالح الأوروبية الصينية خاصة في المجال الاقتصادي، وكذلك بين مصالحهم مع الولايات المتحدة. كما أشارت بعض التقارير إلى خلافات بين دول المجموعة حول صياغة البند المتعلق بالصين في البيان الختامي للقمة في ظل الإصرار الياباني على اتخاذ موقف أشد حزمًا تجاه الصين. وبينما شدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في كلمته على أن مجموعة السبع ليست معادية للصين رغم وجود خلافات معها؛ فإن الرئيس الأمريكي كان أكثر حزمًا تجاه الصين بحديثه عن التنافس بين الدول الديمقراطية والحكومات الاستبدادية.

4- الإشكالية الروسية: تنعقد قمة "G7" في سياق عام من الخلافات بين دول المجموعة وروسيا، حيث فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوبات جديدة على روسيا على خلفية قضية المعارض الروسي أليكسي نافالني، فيما منعت موسكو 8 مسؤولين أوروبيين من دخول أراضيها. وتعارض الولايات المتحدة مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي الروسي "نورد ستريم 2"، وهددت أكثر من مرة بفرض عقوبات على الشركات الأوروبية العاملة فيه، وهو ما يضع برلين في حرج بسبب مصالحها مع روسيا ومشاركتها في المشروع في ظل استمرار الاستفزازات الروسية، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الألماني هايكو ماس بقوله: "آمل ألا يجبرنا الروس على أن نغير موقفنا بشأن نورد ستريم 2". كما تحافظ فرنسا على موقف متوازن تجاه روسيا بالالتزام بتعليق التعاون في المجالات المشمولة بالعقوبات، مثل التعاون العسكري، مع الحفاظ عليه في المجالات الأخرى.

5- حضور احتجاجي: شهد شاطئ سوانبول بالقرب من فالماوث في كورنوال البريطانية أنشطة احتجاجية على هامش انعقاد قمة G7""، حيث طالب نشطاء منظمة أوكسفام خلال وقفتهم الاحتجاجية بوقف الحروب، وحماية المناخ. فيما تظاهر آخرون في منطقة هيل، القريبة من مقر انعقاد القمة، احتجاجًا على الانقراض، وللمطالبة بحماية البيئة. وذلك بخلاف المسيرات التي طالبت بإنقاذ الشعب الفلسطيني، حيث استخدم المتظاهرون بالقرب من مقر الحكومة البريطانية في لندن "نعوشًا رمزية" للإشارة إلى ضحايا الغارات الإسرائيلية الأخيرة على غزة.

مُخرجات القمة:

بعد نقاشات دامت ثلاثة أيام بين قادة الدول السبع، خرج البيان الختامي للقمة متضمنًا بعض القرارات والخطط والتعهدات، ومنها:

1- مواجهة كورونا والأوبئة: احتل فيروس (كوفيد–19) مكانة مهمة في نقاشات القمة ومخرجاتها على أكثر من مستوى، فقد تعهدت دول G7"" بتكثيف وتيرة إنتاج وتصدير اللقاحات، وتوفير وتوزيع أكثر من مليار جرعة من اللقاحات المضادة للفيروس بحلول نهاية عام 2022 عبر التمويل أو آلية كوفاكس، من أجل القضاء على الجائحة. ووعدت الولايات المتحدة بتوفير نصف مليار جرعة، فيما التزمت بريطانيا بـ100 مليون جرعة عبر آلية "كوفاكس". وأعلنت فرنسا عن إرسال 60 مليون جرعة من اللقاح إلى الدول النامية بحلول نهاية العام. وهو ما اعتبرته منظمة "أوكسفام" غير كافٍ في ظل الاحتياج العالمي إلى 11 مليار جرعة على الأقل. ودعت المنظمة إلى تعليق براءات الاختراع للقاحات الفيروس، وهو الأمر الذي تجاهلته المجموعة في ظل الخلافات الداخلية حوله.

ومن جهة أخرى، دعت القمة إلى إجراء المرحلة الثانية من الدراسة التي تجريها منظمة الصحة العالمية بهدف معرفة منشأ فيروس (كوفيد–19) في الوقت المناسب، وبشكل شفاف وعلمي، مشددًة على ضرورة أن يشمل التحقيق الصين، وأن تتعاون الدول مع المنظمة في سبيل إتمام هذه الدراسة. وأكد الرئيس الأمريكي ضرورةَ سماح الصين بدخول محققين لتحديد ما إذا كان ظهور فيروس (كوفيد-19) طبيعيًا أم نتيجة خطأ معملي، محذرًا من أن غياب الشفافية قد يولد وباء آخر.

وقد ردت الصين عبر سفارتها في بريطانيا على دعوة المجموعة لتحقيق جديد حول منشأ فيروس (كوفيد–19) بأن تتبع منشأ الفيروس لا يحتاج لإجراء تحقيق جديد، وأنه ينبغي أن يتم بشكل علمي وموضوعي عبر علماء عالميين دون تسييس.

كما أقرت المجموعة "إعلان كاربيس باي" للحد من احتمالات تفشي أوبئة في المستقبل، حيث ينص على تعهدات تعمل على تحقيق هذا الهدف، مثل: خفض المهلة لتطوير اللقاحات والعلاج والتشخيص، إلى الدرجة التي يكون العالم فيها جاهزًا لمواجهة مرض طارئ خلال أقل من 100 يوم. وتعزيز الرقابة الصحية، وإصلاح منظمة الصحية العالمية وتعزيز دورها، والعمل المشترك بهدف التأهب لجوائح مستقبلية محتملة في العالم. إلا أن الإعلان لم يتطرق لمسألة التمويل التي تعتبرها منظمة الصحة العالمية أمرًا حاسمًا للقضاء على الأوبئة والإصلاح التنظيمي الجاد. وأكدت المجموعة على أهمية الاستثمار في المجال العلمي والتكنولوجيا الجديدة بهدف ضمان فعالية اللقاحات ضد مختلف سلالات كورونا وتطوير أساليب علاج مختلفة.

2- التغير المناخي: تعهدت G7"" بتسريع مواجهة التغير المناخي، وخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار النصف بحلول عام 2030، ووقف المساعدات الحكومية لمحطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم اعتبارًا من هذا العام. وجددت الدول السبع التزامها بتوفير 100 مليار دولار سنويًا من الموارد العامة والخاصة حتى عام 2025، لمساعدة الدول الفقيرة على خفض انبعاثات الكربون، والتكيف مع آثار التغير المناخي، على الرغم من أن دول المجموعة لم تنجح حتى الآن سوى في جمع 11،6 مليار دولار لتمويل الخطة المناخية، ولذلك أعلنوا عن زيادة إجمالي المساهمات الدولية العامة في تمويل المناخ لهذه الفترة، ودعوة دول أخرى للانضمام. وتعهدت كندا بمضاعفة تعهدها المالي تجاه المناخ إلى 4.4 مليارات دولار، فيما أعلنت ألمانيا زيادة مساهمتها بواقع مليارين إلى 7.26 مليارات دولار سنويًا حتى 2025. وواجهت القمة انتقادات بسبب عدم تحديد جدول زمني مبكر للقضاء على انبعاثات الفحم الحجري.

3- النظام الضريبي: أقرت قمة مجموعة السبع اتفاق النظام الضريبي الذي توصل إليه وزراء مالية المجموعة في 5 يونيو الجاري، بشأن فرض ضريبة على شركات التكنولوجيا العملاقة متعددة الجنسيات، وهو الاتفاق الذي وصفه وزير الخزانة البريطاني ريشي سوناك بأنه: "اتفاق تاريخي لإصلاح النظام الضريبي العالمي". واتفقت دول المجموعة على فرض ضريبة موحدة على الشركات التكنولوجية العملاقة التي تحقق هامشًا ربحيًا يفوق 10% قدرها 15% كحد أدنى قابل للزيادة مستقبلًا، على أن يُعرض الاتفاق على قمتي مجموعة العشرين ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية المقبلتين.

ويعمل هذا الاتفاق على مواجهة التسابق في تقديم الإعفاءات الضريبية، وخفض المعدلات الضريبية لاستقطاب الشركات، بفرض معدل ضريبي موحد. ومواجهة الملاذات الضريبية التي كانت تلجأ إليها الشركات لدفع معدلات ضريبية منخفضة، بإلزام الشركات بدفع الضرائب في الدول التي تعمل فيها وتحقق الأرباح منها، وليس في الدول التي تعلن ضرائبها فيها. ورغم أن المشاورات حول النظام الضريبي ليست بالجديدة، إلا أن جائحة (كوفيد–19) ساعدت على دفع الاتفاق إلى الأمام، بسبب الخسائر الاقتصادية للدول، وحاجة الحكومات إلى الأموال نتيجة فقدان الإيرادات الضريبية، وتقلص النشاطات الاقتصادية، والحاجة إلى رفع معدلات الإنفاق الصحي لمواجهة الجائحة، في الوقت الذي حققت فيه الشركات التكنولوجية العملاقة أرباحًا كبيرة خلال الفترة الماضية.

4- البنية التحتية: تسعى دول "G7" إلى تقديم بديل ديمقراطي لنفوذ الصين المتنامي على الصعيد الاقتصادي. ولذلك أعلنت عن إطلاق برنامج استثماري ضخم تحت اسم "إعادة بناء العالم بشكل أفضل"، وتطوير البنى التحتية في الدول النامية عبر "بنك البنية التحتية" الذي سيعمل على تعبئة المليارات من الموارد العامة والخاصة لدعم المشاريع الكبرى في الدول النامية في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية كبديل لمبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقتها الصين عام 2013. وتتضمن الخطة شقًا بيئيًا يعمل على تحفيز النمو الاقتصادي الصديق للبيئة عبر تحفيز الاستثمارات في موارد الطاقة المتجددة والتكنولوجيا النظيفة.

5- مواجهة روسيا: طالبت المجموعة روسيا بـوقف أنشطتها "المزعزعة للاستقرار"، والانسحاب من أوكرانيا، واحترام حقوق الإنسان. ودعا البيان الختامي للقمة موسكو إلى "إجراء تحقيق عاجل وإلى تقديم شرح ذي مصداقية وإعطاء توضيحات ذات مصداقية حول استخدام أسلحة كيميائية على أراضيها. ووضع حد للقمع الممنهج للمجتمع المدني ولوسائل الإعلام المستقلة. وكشف المسؤولون عن شن هجمات إلكترونية بواسطة برمجيات الفدية من داخل أراضيها"، في ظل توعد قادة المجموعة بمحاسبة الروس المسؤولين عن تنفيذ الهجمات الإلكترونية.

6- الانتهاكات الصينية: أدان قادة المجموعة الانتهاكات الصينية ضد الأقليات في شينجيانغ، والنشطاء المدافعين عن الديمقراطية في هونغ كونغ. ودعا البيان الختامي بكين لاحترام حقوق الإنسان والقيم الدولية، وضمان السلام والاستقرار في مضيق تايوان. وهو ما اعتبرته السفارة الصينية في بريطانيا تدخلًا مرفوضًا في شؤونها الداخلية، متهمةً المجموعة بترويج "أكاذيب وشائعات واتهامات لا أساس لها".

7- رسائل متعددة: حملت القمة رسائل متعددة حول الأزمات الدولية، فقد أدانت الانقلاب العسكري في ميانمار، ودعت الجيش إلى الإنهاء الفوري لحالة الطوارئ، وإعادة السلطة للحكومة المنتخبة ديمقراطيًا، والإفراج عن المعتقلين. كما أدانت "الجرائم" التي يرتكبها نظام الرئيس بشار الأسد وداعموه ضد الشعب السوري، ومحاولاته عرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى سوريا وتسييسها. وحث قادة المجموعة كوريا الشمالية على العودة إلى محادثات إنهاء برامجها النووية، وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة في هذا الشأن، والامتناع عن الأعمال الاستفزازية، والحوار مع كوريا الجنوبية. مع دعوة إيران أيضًا إلى وقف جميع أنشطة الصواريخ الباليستية التي تتعارض مع قرارات الأمم المتحدة، والامتناع عن الأعمال المزعزعة للاستقرار، والمضيّ قدمًا في مفاوضات الاتفاق النووي.

ختامًا، انعقدت قمة G7"" بحضور قادة الدول للمرة الأولى منذ عامين، بأجندة مزدحمة، وخلافات بينية، وسياق دولي تسيطر عليه اضطرابات الجائحة. ومثّلت العودة الأمريكية للساحة الدبلوماسية الدولية على يد جو بايدن أحد رهانات وآمال المجموعة من أجل تنفيذ خططها، والمضيّ قدمًا في مواجهة التحديات العالمية، في إطار من الزخم والتعاون الدولي.