أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

واقع صعب:

كيف يعكس "الأطفال القُصّر" في بؤر التوتر تفاعلات الإقليم؟

03 يونيو، 2019


يعد مصير الأطفال القُصّر الذين ولدوا لمقاتلين في التنظيمات الإرهابية أو حارب بعضهم ضمن الميلشيات المسلحة داخل بؤر الصراعات العربية في الأعوام القليلة الماضية، أحد القضايا الرئيسية التي تفسر ملامح التفاعلات العربية- الإقليمية بل والتفاعلات الإقليمية- الدولية خلال النصف الأول من عام 2019، على نحو ما عكسته مجموعة من المؤشرات والنماذج الدالة. إذ أن تصاعد حدة الصراعات الداخلية العربية المسلحة ذات الأبعاد الإقليمية ساهم في زيادة عدد الأطفال المشاركين في الأعمال القتالية. كما أن نقص الخدمات الأساسية وانهيار الأوضاع الإنسانية دفع عددًا كبيرًا من الأطفال إلى حمل الأسلحة والانخراط في أتون الصراعات فيما عرف بظاهرة "الجنود الأطفال" أو "أشبال الخلافة".

مصير عالق:

نظرًا لأن عددًا من المقاتلين في التنظيمات الإرهابية، وبصفة خاصة "داعش"، في ليبيا وسوريا والعراق، قُتِلوا أو فروا أو سُجِنوا أو احتُجِزوا، يظل مصير أطفالهم الذين ولدوا "عالقًا"، لا سيما في حال فقدان أمهاتهم أيضًا، وعدم امتلاك أوراق ثبوتية رسمية. وقد يعيش بعض هؤلاء الأطفال مع أمهاتهم في السجون أو المخيمات داخل الدول السابقة، حيث يعانون من نقص حاد في الغذاء والملبس والدواء، وهو ما قد يتعرض له الأطفال المجندون، بشكل قسري، في صفوف الميلشيات المسلحة اليمنية والليبية، على نحو يثير اهتمام بعض المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية المعنية بحقوق الأطفال وخاصة في النزاعات المسلحة. 

وهنا، يطالب البعض بضرورة فتح ملفاتهم والالتزام بإعادتهم إلى بلادهم وإدماجهم في عائلاتهم الموسعة، عبر تبني سياسة اجتماعية تضمن لهم الرعاية لأنهم لا يتحملون مسئولية أفعال آبائهم وأمهاتهم، فضلاً عن إرغامهم بشكل قسري على حمل الأسلحة. كما أن القانون الدولي يعترف، حسب ما تشير إليه بعض المنظمات الدولية، بأن الأطفال المجندين من الجماعات المسلحة هم في المقام الأول ضحايا ينبغي إعادة تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع، في حين يتخوف البعض الآخر من عودتهم وخطرهم على الأمن القومي على الرغم من صغر سنهم ويعتبرهم "الأطفال-القنبلة". ويمتد الرأيان من الدول العربية إلى الدول الأوروبية فيما يخص أزمة التعامل مع مقاتلي التنظيمات الإرهابية وأطفالهم.

نماذج دالة:

تعددت الحالات المعبرة عن تصاعد هذا الجدل بشأن الأطفال حديثي الولادة أو المنخرطين في القتال إلى جانب التنظيمات الإرهابية أو الميلشيات المسلحة في بؤر الصراعات العربية، خلال الأسابيع القليلة الماضية، وما يفرضه ذلك من تأثيرات على الاستقرار الإقليمي، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:  

1- تسليم العراق مجموعة من الأطفال من أبناء مقاتلي "داعش" إلى تركيا، بحضور مسئولين من حكومتى الدولتين (ممثل عن وزارة الخارجية العراقية وآخر عن السفارة التركية في بغداد) ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، وهو ما أشار إليه القاضي عبدالستار بيرقدار، في 29 مايو 2019، قائلاً: "إن محكمة التحقيق المركزية المسئولة عن ملف الإرهاب والمتهمين الأجانب سلمت الجانب التركي 188 طفلاً خلفهم داعش الإرهابي في العراق"، مضيفًا: "إن بينهم بالغون بنسبة قليلة أدينوا بعبور الحدود بشكل غير قانوني وانتهت فترة عقوبتهم، ويمكن أن يحاسب الأطفال في العراق على ارتكاب جرائم في سن التاسعة".

وهنا تجدر الإشارة إلى أن عدة مئات من أطفال مقاتلي تنظيم "داعش" يختلف مصيرهم من حالة لأخرى، فبينما يبقى الصغار منهم مع أمهاتهم في السجون، تتم إدانة آخرين وإصدار أحكام بالسجن في مراكز الأحداث في بغداد ضدهم لفترات تتراوح بين بضعة أشهر و15 عامًا. ويأتي هذا التسليم والتسلم بين بغداد وأنقرة في ضوء محاولة العراق وتركيا طى قضايا الخلاف بينهما، على نحو ما عكسته زيارة الرئيس العراقي برهم صالح لتركيا مؤخرًا والتي التقي فيها بالرئيس رجب طيب أردوغان. 

وسبق أن استعادت موسكو، في 10 فبراير 2019، 27 طفلاً من أبناء متطرفات روسيات محكوم عليهن في العراق بتهمة الانتماء لـ"داعش". كما أعلنت وزارة الخارجية الألمانية، في 5 إبريل 2019، أنها "استعادت عددًا من أطفال مقاتلي تنظيم داعش المحتجزين في العراق بتهم تتعلق بالإرهاب، بمساعدة من الحكومة الاتحادية"، وفقًا لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية. وقد بلغ عدد الأطفال العائدين 10، وتم تسليمهم لأقارب ذويهم بهدف تولي رعايتهم.

2- مطالبة مجموعة من المنظمات الحقوقية التونسية باستعادة أبناء "الدواعش" التونسيين العالقين في بؤر التوتر في ليبيا وسوريا والعراق، والذين تتراوح أعدادهم، حسب بعض التقديرات، ما بين 100 و200 طفل، وتتراوح أعمارهم ما بين حديثي الولادة و6 أعوام. ويقود هذا الملف جمعية حقوقية مستقلة هى "جمعية إنقاذ التونسيين العالقين بالخارج"، على نحو ما انعكس في تنظيم أعضاء الجمعية وقفة احتجاجية، في 27 مايو 2019، بوسط العاصمة التونسية لجذب انتباه التونسيين إلى هذا الملف. غير أن هناك رأيًا آخر معارضًا يطالب بمنع هؤلاء الأطفال من العودة إلى تونس خشية التأثير على أمن واستقرار البلاد.

وتعد تونس من أكثر الدول العربية المُصدِّرة للمقاتلين في صفوف الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية في بؤر التوتر العربية. ووفقًا لما كشفته هذه الجمعية بشأن أبناء "الدواعش" التونسيين الذين يوجدون في السجون ببؤر الصراعات في الخارج لعدد من وسائل الإعلام المحلية، فإن نحو 50% منهم يوجدون في ليبيا، و32% في سوريا، و4% في العراق، وتتوزع النسبة الباقية على عدد من الدول الأخرى. وفيما يخص مراحلهم العمرية، فإن 26% منهم تقل أعمارهم عن عامين، و24% تتراوح أعمارهم بين 2 و4 أعوام، في حين ترتفع النسبة إلى 34% للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و6 أعوام، وتقدر نسبة من تتعدى أعمارهم 6 سنوات نحو 16%.

3- تركيز بعض مقاطع الفيديو التي تبثها جهات محسوبة على قوات حكومة الوفاق الليبية على أطفال يقودون آليات عسكرية ضخمة في الخطوط الأمامية في العاصمة طرابلس، على نحو ما سلطت عليه الضوء بعض وسائل الإعلام العربية والغربية في النصف الثاني من مايو 2019، وهو ما يأتي في سياق المعركة العسكرية لتحرير طرابلس بين الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر، والقوات الموالية لفائز السراج رئيس المجلس الرئاسي، إذ توظف ميلشيات مصراتة التابعة للأخيرة أطفالاً صغار سبق تدريبهم في معركة سرت قبل تحريرها من قبضة "داعش" في عام 2016.

ونظرًا لخطورة هذا الوضع، فقد قالت منظمة "اليونيسيف"، في 17 مايو 2019، أنها تعمل من خلال شركائها في البلاد على حماية ما يقرب من 400 ألف طفل وأسرهم في طرابلس وعدة مدن أخرى. كما أشار خيزت كابالاري المدير الإقليمي للمنظمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى أن "عددًا أكبر بكثير من الأطفال يواجهون انتهاكات متعددة لحقوق الطفل"، إذ أن مزيدًا من الأطفال يجري تجنيدهم للقتال، مما يعرضهم لخطر داهم.

4- قيام إدارة ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" في القامشلي، في 22 إبريل 2019، بتسليم 5 أطفال من أفراد عائلات مقاتلي "داعش" الأجانب إلى الحكومة السودانية، بحضور الوزير المفوض ومبعوث وزير الخارجية السوداني بدر الدين علي. وفي هذا السياق، قال الناطق باسم مكتب العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية الكردية كمال عاكف: "إن أعمار الأطفال الخمسة كانت أقل من 10 أعوام"، مضيفًا: "الأطفال السودانيون الذين تم تسليمهم كانوا قد خرجوا من الباغوز مع العائلات بعد مقتل آبائهم خلال المعارك. والحكومة السودانية تواصلت معنا بشكل رسمي لاستلامهم".

5- تأكيد قيادة قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن، في تصريح نقلته وكالة الأنباء السعودية (واس)، في 26 إبريل 2019، على لسان المتحدث باسم قوات التحالف العقيد الركن تركي المالكي، على منعها مشاركة من هم دون سن الثامنة عشر من كل الدول الأعضاء، مذكرًا في الوقت نفسه بجهود التحالف في إعادة الأطفال المجندين من قبل الميلشيا الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران، الذين وصلت أعدادهم إلى 120 مجندًا، وكذلك جهود إعادة تأهيلهم ببرامج تأهيل الأطفال المجندين والمتأثرين بالحرب بمدينة مأرب، وبالشراكة مع مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية.

وأضاف العقيد المالكي: "حرصًا من قيادة القوات المشتركة على حماية الأطفال في اليمن فقد عقدت اتفاقية شراكة مع الأمم المتحدة لتعزيز حماية الأطفال في مناطق النزاع المسلح باليمن، من خلال إنشاء وحدة حماية الأطفال بقيادة القوات المشتركة للتحالف، في الوقت الذي تثبت فيه التقارير الأممية وتقارير المنظمات الحقوقية تجنيد الميلشيا الحوثية الإرهابية لأكثر من 23 ألف طفل يمني، ما يعد جريمة حرب، وفق القانون الدولي الإنساني"، إذ ينتقل مسئولو التجنيد بالميلشيا من منزل لآخر لإخبار الأسر أنه يتعين عليهم الاختيار ما بين تسليم أبنائهم للقتال في صفوف الميلشيا أو دفع مبالغ مالية مقابل تعزيز المجهود الحربي.

كما وقع الفريق ركن فهد بن تركي بن عبدالعزيز قائد القوات المشتركة لتحالف دعم الشرعية في اليمن وفرجينا جامبا الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالأطفال والنزاع المسلح، في 25 مارس 2019، مذكرة تفاهم لتعزيز حماية الأطفال المتضررين من النزاع المسلح في اليمن بعد اختطاف ميلشيا الحوثيين للأطفال لتجنيدهم بشكل قسري والزج بهم في جبهات القتال. 

جدل متواصل:

خلاصة القول، إن الجدل الخاص بسبل التعامل مع الأطفال المولودين والمنخرطين في بؤر الصراعات المسلحة العربية سيظل محتدمًا ما بين إعادة تأهيلهم ودمجهم في مجتمعاتهم الأصلية وتسليمهم لأقاربهم، أو نقلهم لدار رعاية الطفولة، أو تجنيدهم بالإكراه على نحو ما يفعل الحوثيون باليمن، أو بقاؤهم وسط بؤر التوتر باعتبار أنهم يشكلون، وفقًا لأحد الاتجاهات، خطرًا مقبلاً على المنطقة ونواة لأزمات أكبر.