أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تحولات حرجة:

أوزبكستان بعد كريموف.. صراع الخلافة وفرصة الجهاديين

03 سبتمبر، 2016


أعلنت الحكومة الأوزبكية، يوم 2 سبتمبر 2016، وفاة رئيس البلاد "إسلام كريموف" عن عمر يناهز 78 عاماً، قضى منها نحو 26 عاماً في سدة الحكم. ومما لا شك فيه أن رحيل رئيس أوزباكستان، البلد المحوري والاستراتيجي في آسيا الوسطى والأكبر من ناحية التعداد السكاني في هذه المنطقة، ستكون له تداعيات على المستويين الداخلي والإقليمي، بفعل تنامي الصراع على السلطة في البلاد بين تيارات سياسية مختلفة؛ مدعومة من أطراف إقليمية ودولية، وسط نسيج اجتماعي رخو، وتصاعد في الخطاب الانفصالي، وتمدد مجال نفوذ الجماعات المسلحة والمتشددة.

نسيج اجتماعي رخو

يبلغ تعداد سكان أوزبكستان حوالي 32 مليون نسمة، متفرقة بين العديد من الأعراق (الأوزبك، القزق، الطاجيك، التتار، القراقل باك، الروس). ويعد النسيج الاجتماعي الأوزبكي الأكثر تعقيداً مقارنةً بجيرانه في آسيا الوسطى، كونه نتاج قرون من الصراع بين العشائر المختلفة في المنطقة.

ويمكن التمييز بين ثلاث عشائر رئيسية في أوزبكستان، كالتالي:

1- عشائر الطاجيك، المكونة من ستة ملايين طاجيكي، والمستقرة في منطقة سمرقند، وجبال دجيزاك ما بين نهري أموداريا وسيردريا، والتي على الرغم من تحدث أفرادها الفارسية، فإنها استطاعت الاندماج بشكل كبير مع الأغلبية الأوزبكية كونهم من أهل السنة، وهذه العشائر هي امتداد لإمارة بخارى.

2- عشائر فرغانة المتمركزة في واد فرغانة ومحور طشقند، وتعد المنطقة الأكثر كثافة سكانية في أوزبكستان، إذ يبلغ تعداد سكانها نحو 10 ملايين نسمة، وتتعدد لغات قاطنيها بين: القزقية، الأوزبكية، الفارسية، الطاجيكية، القيرغيزية. ويطبع سلوك هذه العشائر، والتي تعد امتداداً لمدينة "قوقند"، التشدد والفكر الإسلامي الراديكالي.

3- عشائر خوارزم ومركزها مدينة خوارزم، ويبلغ تعداد قاطنيها خمسة ملايين خوارزمي، يختلفون من حيث العادات والتقاليد عن الطاجيك والأوزبك.

وبناءً عليه، تعد وفاة الرئيس كريموف، الذي استطاع ضبط الداخل الأوزبكي والسيطرة على هذه العشائر طيلة الـ 26 سنة الماضية في هذه الظروف الصعبة التي يطبعها غياب بديل سياسي مُتفق عليه من كل الأطياف السياسية، عاملاً من بين مُحفزات أخرى ذات جذور ممتدة في التاريخ، تُنمي من عناصر تأزم هذا النسيج الاجتماعي الرخو، وهي كالآتي:

1- ما زالت الذاكرة الجماعية لسكان هذه العشائر، يطبعها الصراع التاريخي الكبير بين المدن والولايات الأوزبكية التي تعد امتداداً لها، والذي سَّهل من عملية سيطرة الإمبراطورية الروسية على آسيا الوسطى.

2- التفرقة التي رسختها الإمبراطورية الروسية والاتحاد السوفييتي فيما بعد، بين هذه العشائر، بتغيير النسيج الديموغرافي للولايات الأوزبكية، عن طريق ترحيل السكان من مناطق لأخرى، وفقاً للمصالح الاستراتيجية للإمبراطورية الروسية والاتحاد السوفييتي.

3- الاضطهاد والتهميش والعزلة، التي مارسها الرئيس إسلام كريموف، لضبط الداخل الأوزبكي، والتي أدت إلى تشكل البيئة الداخلية الحاضنة للفكر المتطرف، وتنامي الدعوات الانفصالية.

صراع سياسي متشعب

تصاعد الحديث بعد وفاة الرئيس إسلام كريموف، حول من سيخلفه في قيادة البلاد، خصوصاً أن الرئيس الراحل، لم يُفكر ملياً في خليفته، وكان منتشياً بعظمة السلطة، في ظل إمساكه بقبضة حديدية على دواليب الحكم، حيث قام باستبعاد ابنته الكبرى جلنارا كريموفا، عن المشهد السياسي وفرض عليها الإقامة الجبرية، بعدما كانت توصف في دواليب القرار الغربية حتى عام 2012 بخليفة كريموف.

ويتسم الصراع السياسي في أوزبكستان، بكونه امتداداً للنسيج الاجتماعي المُعقد الذي يطبعه سلوك العشائر والمناطق، ما يجعلنا نُميز بين ثلاثة تيارات سياسية متصارعة على الرئاسة الأوزبكية، وهي:

1- "تيار سمرقند – دجيزاك"، وهو امتداد لعشائر الطاجيك، حيث سيطر هذا التيار على المشهد السياسي الأوزبكي منذ الاستقلال، عن طريق تحكمه في الجيش وقوات الأمن والمخابرات، إذ يضم هذا التيار كلاً من الرئيس الراحل كريموف، ورئيس جهاز المخابرات رستم إينوياتوف، ورئيس الوزراء شوكت ميرزاييف.

2- "تيار طشقند"، وهو امتداد لعشائر فرغانة، ويضم كلاً من رئيس البرلمان نعمة الله يولداتشيف، ووزير المالية رستم عظيموف، ويتميز هذا التيار عن سابقه، بالمرونة التي يتيحها له دستور البلاد في التحكم في السلطة مؤقتاً، بفعل تعيين رئيس البرلمان رئيساً مؤقتاً للبلاد خلفاً للرئيس المتوفى.

3- تيار خوارزم، ويعد التيار الأقل قدرة على المنافسة على رئاسة البلاد، في ظل التضييق الذي عرفه زعيمه المعارض وقائد الحركة الشعبية بأوزبكستان محمد صالح، وابنه تيمور صالح.

وعموماً، يبقى الصراع السياسي في البلاد ما بعد كريموف، محصوراً بين التيارين الأول (المدعوم من قِبل موسكو) والثاني (المتقارب مع واشنطن)، مع غلبة لصالح التيار الأول، وبالخصوص رستم إينوياتوف، الذي جاور كريموف طوال مساره السياسي، والذي يمتلك من القوة، بفعل رئاسته جهاز المخابرات، ما يكفي لتولي زمام الأمور وضبط الداخل الأوزبكي، وإن كان كِبر سنه (72 عاماً) قد يدفع إلى اختيار شخصية أخرى للحكم.

وفي هذا الخصوص، يبرز اسم شوكت ميرزاييف (59 عاماً) الرجل الثالث في نظام كريموف، والذي يحظى بدعم كبير من موسكو، التي ترى فيه الشخص القادر على تسهيل إدماج أوزبكستان في مشروع بوتين التكاملي "الاتحاد الاقتصادي الأوراسي"، مقارنةً بكريموف الذي رفض هذا المشروع، وإعادة انضمامها لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي بعد انسحابها مرتين خلال عهد كريموف (1994-1999)، (2006-2016). وتلعب موسكو بورقة المهاجرين الأوزبكيين في روسيا (مليوني عامل)، والذين حولوا في عام 2014 لبلادهم ما يعادل نحو 6 مليارات دولار.

ويذهب الجانب الصيني إلى دعم التوجه الروسي، خصوصاً أن بكين تنأى بنفسها تماماً عن التدخل بشكل مباشر في مناطق النفوذ الروسي.

تمدد جهادي محتمل

لم يتوان الرئيس الراحل كريموف طيلة فترة حكمه البلاد، في الضرب بيد من حديد تجاه الحركات الإسلامية المتشددة، وعلى وجه التحديد "حركة أوزبكستان الإسلامية"، مُتبنياً المقاربة الأمنية كحل جذري، لاستئصال الإسلام الراديكالي المتشعب الجذور في فرغانة جنوب البلاد. غير أن تبنيه نفس المقاربة تجاه معارضيه، واستخدامه القوة المفرطة في فض التظاهرات الشعبية (أحداث نمنجان في عام 1993، وأحداث أنديجان في عام 2005)، جاءت بأثر عكسي، ومهدت لبيئة حاضنة للجماعات المتشددة، تجد مُحفزاتها الداخلية في الاستبداد والاضطهاد، والعنف الاقتصادي المُمارس على الفئات الهشة من فقر وتهميش وعزلة وغياب للتوزيع العادل لعوائد التنمية.

ومن المتوقع أن تتصاعد وتيرة عمليات "حركة أوزبكستان الإسلامية" بعد وفاة كريموف، استناداً للأسباب التالية:

1- تهدف "حركة أوزبكستان الإسلامية" إلى قلب نظام الحكم في أوزبكستان، وتأسيس دولة خلافة إسلامية في تركستان الممتدة من بحر قزوين إلى إقليم شينجانغ شمال غرب الصين. وتمثل وفاة كريموف فرصة سانحة لتكثيف عمليات الحركة من جديد وتوسيع نفوذها.

2- لقد أظهرت "حركة أوزبكستان الإسلامية" في الماضي، وفي مختلف البلاد (أوزبكستان، طاجيكستان، قيرغيزستان)، قدرتها على الاستفادة من التحولات السياسية واستثمار الفوضى والعنف.

3- يعد الصراع السياسي على السلطة في أوزبكستان، عاملاً مُحفزاً للحركة، سيمكنها من امتلاك هامش للتحرك والمناورة، لتوسيع نفوذها في منطقة فرغانة، والسيطرة على مناطق متفرقة أخرى، وهو ما يعزز من فرضية عودة عدد من مقاتلي الحركة في سوريا والعراق وتعدادهم 5000 متشدد.

ولن تقف التوقعات عند هذا الحد، بل تتجاوزها نحو تمدد جهادي في آسيا الوسطى عبر منطقة فرغانة، بعد إعلان الحركة دعمها تنظيم "داعش" في أكتوبر 2014، جراء التلاقي الأيديولوجي بين التنظيم والحركة حول تأسيس "دولة الخلافة الإسلامية"، ما سيجعل من المنطقة قاعدة خلفية محتملة لتنظيم "داعش"، على ضوء انحصار نفوذه في سوريا والعراق وفشله في سرت بليبيا.

وعلاوة على مبايعة "حركة أوزبكستان الإسلامية" تنظيم "داعش" في آسيا الوسطى، فقد أعلن التنظيم عن تأسيس إمارة القوقاز في منطقة القوقاز في أغسطس 2015، وهو ما يدق ناقوس الخطر لدول المنطقتين، في ظل الارتداد الجهادي المحتمل بعد وفاة كريموف، ما يفرض على دولها الآتي:

1- تجاوز المشاكل التي تعكر صفو العلاقات بينها، والتي تنحصر فيما يخص الجانب الأوزبكي، في الخلاف مع كل من قيرغيزستان وطاجيكستان، حول المناطق الحدودية في واد فرغانة، وترشيد استغلال مياه نهري أمودريا وسردريا، إذ ترى أوزبكستان في المشاريع الهيدروكهربائية، التي شرعت فيها الدولتان، خطراً على منسوب وحجم المياه تجاهها، والتي تعتمد عليها في ري القطن، حيث تعد أوزبكستان أحد أهم مصدريه على الصعيد العالمي.

2- العمل على تنسيق الجهود للقضاء على التصاعد المحتمل للتمدد الجهادي، وارتداد العناصر الجهادية من سوريا والعراق، وهو ما يفرض، في ظل غياب القدرة الكافية لدول المنطقة على درء ذلك، اللجوء لإطار حمائي بديل، إذ تعد منظمتا "شنغهاي للتعاون" و"معاهدة الأمن الجماعي" الكفيلتين بضمان هذا الاستقرار، ما سيعزز لا محالة من أدوار موسكو وبكين في آسيا الوسطى على حساب واشنطن، والتي تأزمت علاقات الأخيرة مع دول المنطقة بعد بدء انسحابها التدريجي من أفغانستان، الذي رأت فيه دول المنطقة تخلياً صريحاً لواشنطن عن أمن دولها.

تنامي النزعة الانفصالية

تقع "جمهورية قراقل باك" الأوزبكية شمال مدينة خوارزم على الحدود الغربية مع كازخستان، ويقدر تعداد سكانها بـ 300 ألف نسمة. وتتمتع الجمهورية بحكم ذاتي، وسط رخاء اقتصادي ناجم عن امتلاكها احتياطات مهمة من الغاز الطبيعي.

وتشكل فرضية غياب سلطة سياسية عن أوزبكستان، أو فشل الدولة خلال فترات متقطعة في ضبط إقليمها على الرغم من توفر سلطة سياسية، أحد العوامل المٌحفزة للنزعة الانفصالية مُستقبلاً في "قراقل باك"، على ضوء الرخاء الاقتصادي الذي تعيشه الجمهورية، والتخوف الكبير لصانعي قرارها من تمدد الخطر الجهادي داخلها، في ظل تنامي وتصاعد قوة "حركة أوزبكستان الإسلامية" المحتمل لما بعد كريموف.

ختاماً، لا تعد الحالة الأوزبكية الوحيدة من نوعها في آسيا الوسطى التي يتوجب ضبط عناصر تأزمها، وإنما يحيلنا الواقع الأوزبكي الحالي، لما يمكن أن تشهده كازاخستان البلد المزدهر في المنطقة والذي يحكمه نور سلطان نزارباييفب قبضة من حديد، والذي يعاني بدوره من مشاكل صحية.