أخبار المركز
  • صدور العدد السادس من "التقرير الاستراتيجي" بعنوان "حالة الإقليم: التفاعلات الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط 2024"
  • محمد خلفان الصوافي يكتب: (منتدى الخليج وأوروبا.. دبلوماسية جماعية للتهدئة الإقليمية)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (تأملات حول فشل جهود السلام الفلسطينية الإسرائيلية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (المكاسب المُنتظرة: حدود فاعلية رسائل الضربات الإسرائيلية الإيرانية المتبادلة)
  • سعيد عكاشة يكتب: (مستقبل الحرب بين إسرائيل وإيران ومأزق "مصداقية الردع")

أولويات "فلين":

استراتيجية مستشار "ترامب" للأمن القومي لمحاربة الإرهاب

15 يناير، 2017


عرض: أحمد عبدالعليم - باحث في العلوم السياسية

اختار الرئيس الأمريكي المنتخب "دونالد ترامب" الجنرال "مايكل فلين" الرئيس السابق لوكالة استخبارات الدفاع بوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) لتولي منصب مستشار الأمن القومي بإدارته التي ستتولى السلطة رسميًّا في العشرين من يناير 2017. وقد أثار هذا الاختيار الجدل لرؤيته أن الولايات المتحدة الأمريكية في حرب عالمية ضد "الإسلام المتطرف"، وليس فقط ضد الجماعات الإرهابية الأكثر تطرفًا، فقد غرد على موقع تويتر خلال هذا العام (2016) بأن "الخوف من المسلمين أمر عقلاني".

وانطلاقًا من الدور المتنامي لمستشار الأمن القومي في عملية صنع السياسة الخارجية الأمريكية، واحتمالات تأثير توجُّهات "فلين" وأفكاره على استراتيجية الإدارة الأمريكية الجديدة لمواجهة الإرهاب والتطرُّف العنيف؛ نعرض لأحدث مؤلفات "فلين" والذي يحمل عنوان "ميدان القتال: كيف يمكننا كسب الحرب العالمية ضد الإسلام الراديكالي وحلفائه"، الصادر في يوليو 2016 في خضم التنافس الانتخابي بين المرشحة الديمقراطية "هيلاري كلينتون" والمرشح الجمهوري "دونالد ترامب" على منصب الرئيس. وقد شارك في تأليفه "مايكل ليدين" المستشار السابق لمجلس الأمن القومي الأمريكي.

يُوضح هذا الكتاب رؤية مستشار الأمن القومي الجديد لمحاربة الإرهاب، ولما يسميه "حربًا عالمية" بين الغرب وبين الإسلاميين المتطرفين. كما يُفنّد أخطاء إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته "باراك أوباما" في التعامل مع قضية "الإسلام الراديكالي"، وصولا إلى طرح عددٍ من الأولويات الهامة لمواجهة المخاطر المتنامية لظاهرة "التطرُّف الإسلامي" العنيف. 

حرب عالمية جديدة:

يبرز "فلين" في مؤلفه أن الولايات المتحدة دائمًا ما تواجه خيارات صعبة للغاية تتطلب قرارات مصيرية دائمًا ما تغير مصيرها إلى الأبد. ويجادل بأنها تقف حاليًّا مرة أخرى في مفترق طرق؛ حيث إنها طرف في حرب عالمية تدور رحاها بين الديمقراطية الغربية من جانب وبين ما يسميهم "الإسلاميين الراديكاليين" والدول القومية التي ترعاهم من جانبٍ آخر، وأن هناك عددًا قليلا من الأمريكيين يدركون ذلك، وعددًا أقل لديه فكرة عمَّا يمكن فعله من أجل الفوز والانتصار في تلك الحرب التي يصفها بحرب عالمية جديدة. 

ويرى أن "الإسلام الراديكالي" قد انتصر على الولايات المتحدة؛ لأن القادة الأمريكيين قد فشلوا في وضع استراتيجية جيّدة لمواجهته، وكانوا يفتقرون إلى وضوح الرؤية واليقين اللازم من أجل فهم العدو بشكل أوضح، وطرح آليات ناجحة للتعامل معه؛ ولذا فإن الأعداء لم يعودوا يكتفون بالتهديد من بعيد، بل إنهم باتوا يُبادرون بالهجوم في أماكن متفرقة من الدول الغربية بلا هوادة.

ويرى أن تلك الحرب العالمية الجديدة التي تخوضها الولايات المتحدة في ظل التهديدات القائمة والمحتملة تفرض عليها ضرورة تحديد العدو بشكل واضح بما في ذلك مَن هم في الداخل. ومعرفة ودراسة مَن يقود العدو، بجانب تبني سياسات واقعية قوامها المصارحة والمكاشفة لا التجمُّل واللباقة، والتعامل مع المخاطر والتهديدات بشكل شامل، وإدراك وفهم السياقات الاجتماعية لها.

"تسييس" الاستخبارات:

انتقد الكتاب استراتيجية إدارة الرئيس الأمريكي "أوباما" لمحاربة التنظيمات "الإرهابية الإسلامية" وسنوات حكمه التي اتسمت بتسييس الاستخبارات الأمريكية؛ وذلك من خلال التلاعب بالاستنتاجات والتحليلات والمعلومات الاستخباراتية لتناسب الرواية السياسية المطلوبة، وهو ما شكّل دائمًا إطارًا غير واقعي للتعامل مع المخاطر من وجهة نظر الكتاب؛ ولذا يشير "فلين" إلى عدم امتلاك إدارة "أوباما" للقيادة الواضحة من أجل مواجهة مخاطر "الإسلام الراديكالي".

وينتقد بشدة قراره بالانسحاب من العراق في ظل العديد من التحذيرات حول إمكانية أن يخلق ذلك فراغًا أمنيًّا كبيرًا يستغله أعداء جُدد، خاصة في ظل عدم وجود جيش عراقي وطني قادر على القيام بمهامه على الوجه الأمثل، وهو ما تأكد بصعود تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وسيطرته على مساحات شاسعة من أرضي العراق وسوريا. كما ينتقد "فلين" خطاب الرئيس "أوباما" القائم دائمًا على إنكار أي وجود للجهاد في الإسلام، ويرفض أيضًا تصريحاته بأن التنظيمات المتطرفة، ومنها تنظيم داعش، ليس لها علاقة بالإسلام.

تحالف العدو:

يُشير "فلين" في مؤلفه إلى أن السياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط، وعلى مدى عقودٍ، قد تجاهلت التهديد الإيراني، حتى أن إدارة "أوباما" توصلت مع إيران مؤخرًا لاتفاق نووي. وعن إيران يقول إنها الدولة التي لا تكف عن دعم الأنشطة المتطرفة من خلال تمويل الميليشيات الشيعية الموالية لها.

ويضيف أن طهران تدعم أيضًا جماعات سُنيّة متطرفة انطلاقًا من مقولة أن "عدو عدوي صديقي". ولهذا يرى "فلين" أن هناك ما أطلق عليه "تحالف العدو" في مواجهة المصالح الأمريكية، حيث إن أعداء الولايات المتحدة يتحالفون ضدها حتى لو كانوا خصومًا، في حين أن إدارة "أوباما" خلال سنوات حكمها الأخيرة عملت جاهدة على اتباع سياسة لفت الأنظار عن الحقيقة من خلال تقديم خطاب يتسم باللباقة السياسية، لكنه مُفرغ من الحقائق، ومن المعطيات الواقعية التي تنذر بمخاطر جمَّة على الأمن القومي الأمريكي، حيث كانت هناك أولوية للسياسة على حساب المعلومات الاستخباراتية. 

خمس أولويات لمواجهة "الإسلام الراديكالي":

يبرز الكتاب تعدُّد التهديدات الأمنية التي تواجهها الولايات المتحدة، سواء كان مصدرها روسيا أو الصين، وتلك غير التقليدية المرتبطة بالإنترنت، إلا أنه يؤكد أن الإرهاب و"الإسلام الراديكالي" هما أكثرها خطورة؛ لاستمرار التنظيمات "الإسلامية الراديكالية" والحكومات التي تدعمها في مهاجمة الولايات المتحدة طالما لا يُتَّخذ ضدهما إجراءات حازمة. 

ولهذا دعا "فلين" إلى التعامل معهما من زوايا مختلفة، سواء من خلال مواجهة هؤلاء المتطرفين و"سحقهم"، أو من خلال تهديد الدول والحكومات التي تدعمهم. حيث يرى أنه إذا لم يحدث ذلك فإنهم سيستمرون في توظيف نقاط ضعف الولايات المتحدة لتحقيق أهدافهم وتهديدهم للأمن القومي الأمريكي. ولا يجد مستشار الأمن القومي الجديد -اتساقًا مع رؤية الرئيس الأمريكي المنتخب- حرجًا في تحالف الولايات المتحدة مع خصومها مثل روسيا من أجل مواجهة مخاطر التنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط. ويرى أن على الساسة الأمريكيين فهم واستيعاب ذلك جيدًا من أجل إلحاق الهزيمة بهم. ويحذر الحلفاء الأوروبيين من الاختراق الذي يمكن أن يحدثه اللاجئون، لا سيما مع سعي بعضهم إلى "أسلمة" العالم. 

وفي مؤلفه يطرح "فلين" خمس أولويات هامة لمواجهة "الإسلام الراديكالي"، وذلك على النحو التالي:

أولا: أولوية الأمن القومي على التوازنات السياسية: يؤكد "فلين" أن على الولايات المتحدة تنظيم كافة مواردها وجهودها تحت قيادة وطنية واحدة تتحمل مسئولية التعامل بجديّة مع مخاطر التنظيمات المتطرفة كما لو أنها "حرب عالمية"؛ نظرًا لأن تهديدات تلك التنظيمات على الأمن القومي لا تختلف عن تهديدات الحرب العالمية الثانية أو الحرب الباردة. وكذلك من المهم المصارحة وكشف الإخفاقات وعدم الهدنة مع الأعداء، وأن يكون هناك اتساق بين الأقوال والأفعال، وألا تكون السياسة والدبلوماسية مقدمة على متطلبات الأمن وتحدياته المتباينة. 

ثانيًا: ملاحقة المتطرفين: يرى "فلين" ضرورة تتبُّع "الإسلاميين الراديكاليين" في جميع أنحاء العالم وليس في الدول التي تشكل تهديدًا فقط على الأمن القومي الأمريكي، وذلك بطردهم من أي أراضٍ يوجدون بها، أو ملاحقتهم في معسكرات التدريب التي تأويهم، وذلك من خلال التعاون مع حكومات تلك الدول، حيث يرى أنه من المهم ألا يحصلوا أبدًا على "ليلة نوم هانئة"، وعليهم أن يتوقعوا الهجوم في أي لحظة وفي أي مكان من أجل ألا يُمنحوا فرصة للتخطيط والتفكير.

ثالثًا: الداخل قبل الخارج: يبرز "فلين" أن المعركة ضد الإرهاب و"الإسلام الراديكالي" تبدأ بالأساس من داخل الولايات المتحدة من خلال مواجهة المتطرفين بها، ويجزم بأن تلك المعركة لن تُجدي نفعًا معهم في الخارج إلا بعد مواجهتهم في الداخل وتنقية المجتمع الأمريكي منهم، ويُحذر من "الإسلاميين الراديكاليين" الموجودين داخل أمريكا لأنهم قد يتخذون خطوات من أجل إقامة دولة إسلامية في البلاد، على حد قوله.

رابعًا: تغيير سلوك الدول: يشير "فلين" إلى أهمية إجبار الدول التي تقوم بتقديم الدعم أو التمويل للإسلاميين "الراديكاليين" على التوقُّف عن ذلك فورًا، وذلك بالتهديد بقطع العلاقات العسكرية والاقتصادية معها. حيث يرى أن على السياسة الخارجية الأمريكية التوقف عن مجرد إلقاء اللوم والكلام المنمّق، وفي المقابل فإن عليها أن تقوم بأفعال تغيّر من سلوك تلك الدول على أرض الواقع.

خامسًا: تصحيح الأفكار: يؤكد "فلين" في مؤلفه أهمية معالجة الأفكار المتطرفة التي تدعو إلى الموت والدمار في الغرب من خلال التعامل الأيديولوجي مثلما تم التغلُّب على أيديولوجيات النازيين واليابانيين في الحرب العالمية الثانية، وكذلك الشيوعيين خلال الحرب الباردة، حيث يعتبر أن تصحيح أفكار الأعداء المغلوطة ضرورة هامة من أجل كسب المعركة بشكل كامل، حيث يرى أن "الإسلام الراديكالي" ليس بظاهرة بجديدة، ولم يكن بأيّ حال من الأحوال - كما يدّعي البعض- ردّ فعل على الإمبريالية الأمريكية. ولذلك يرى أن الحرب ضد الإرهاب التي يراها حربًا عالمية جديدة هي حرب أيديولوجية وليست مجرد حرب عسكرية ضد المتشددين في ميادين القتال في العراق أو سوريا.

ختامًا، يقدم الكتاب نقدًا حادًّا لإدارة الرئيس المنتهية ولايته "باراك أوباما" في تعاطيها مع ملف الإرهاب والتطرُّف بشكل خاص، ومع قضايا الشرق الأوسط بشكلٍ عام، مقدمًا طرحًا جديدًا يرفض بشدة تحييد الأمن القومي لصالح السياسة، ويطالب بأن تكون السياسة الخارجية الأمريكية أكثر براجماتية وواقعية في التعامل مع واقع ديناميكي يتطلب ما هو أكثر من اللباقة السياسية والمهادنات غير الهادفة. 

وفي مؤلفه الذي يحمل رؤيته للحرب ضد "الإسلام الراديكالي" قدم مستشار الأمن القومي الجديد بعض الأولويات التي يمكن من خلالها مواجهة مخاطره، بما في ذلك محاربة الأفكار المتطرفة من خلال أيديولوجيا واضحة تحاول أن تجتث جذور الفكر المتطرف. ولا شك أن هذا الكتاب يقدم طرحًا مختلفًا وجادًّا لكن لا يمكن إنكار اتسامه بقدرٍ من الديماجوجية في بعض الأمور. ويظل الحكم على مدى جدوى أفكار "فلين" المطروحة في مؤلفه هذا وجودتها متوقفًا على تنفيذها، وعلى ما يمكن أن تنجزه على أرض الواقع، وهو ما سيتم اختباره مع الإدارة الأمريكية الجديدة.

*عرض موجز لكتاب "ميدان القتال: كيف يمكننا كسب الحرب العالمية ضد الإسلام الراديكالي وحلفائه؟"، الصادر في يوليو 2016.

Michael T.Flynn and Michael Ladeen, “The Field of Fight: how can win the global war against radical Islam and its allies", (New York: St. Martin's Press, 2016)