أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

اشتباك حدودي:

أسباب تحاشي إيران التصعيد مع حكومة طالبان الأفغانية

05 يونيو، 2023


أفادت مصادر إعلامية، في 27 مايو 2023، بمقتل عنصريْن إلى ثلاثة من حرس الحدود الإيراني وإصابة مواطنيْن اثنيْن بجروح، في مواجهات مُسلحة بين الحرس وعناصر من حركة طالبان المُسيطرة على الحكم في أفغانستان، باستخدام الأسلحة المتوسطة والثقيلة، في منطقة "ماككي" الحدودية بين البلدين والتابعة لمحافظة نيمروز الأفغانية.

ملفات خلافية: 

يمكن توضيح أبعاد الاشتباك الحدودي الأخير بين إيران وأفغانستان، وكذلك أبعاد الملفات الخلافية بينهما على النحو التالي:

1- تبادل الاتهام بإشعال النزاع: تبادلت إيران وحركة طالبان الاتهام ببدء إطلاق النار، إذ صرّح نائب قائد قوة الشرطة الإيرانية قاسم رضائي، بأن مقاتلي طالبان فتحوا النار على معبر ساسولي الحدودي أولاً، ما أسفر عن سقوط ضحايا من قوات حرس الحدود الإيراني، إلا أن المتحدث باسم وزارة الداخلية لدى طالبان، عبد نافع تاكور، اتهم القوات الإيرانية بإطلاق النار أولاً، مشيراً إلى مقتل أحد عناصر طالبان. 

وزعمت طالبان قيامها بتدمير 18 منشأة حدودية إيرانية، مُهددة بالاستيلاء على طهران، إذا سمح قادة الحركة بذلك. وفي المقابل، هددت طهران بطرد اللاجئين الأفغان، المقدر عددهم بنحو 5 ملايين لاجئ، وإغلاق السفارة الأفغانية في طهران، وقطع طرق البضائع إلى أفغانستان، إذا ما أصرت طالبان على التصعيد. كما هدد القائد العام لقوى الأمن الداخلي الإيراني، العميد قاسم رضائي، بأن حدود بلاده تشكل خطاً أحمر غير قابل للتجاوز.

2- الخلاف المائي حول نهر هلمند: صعّدت طهران في الآونة الأخيرة من اتهامها للجانب الأفغاني بتقليص تدفق المياه من نهر هلمند، والذي ينبع من جبال هندكوش في شمال شرق أفغانستان، إلى المناطق الشرقية من إيران، والتي تعاني من الجفاف، وذلك نتيجة بناء عدد من السدود على النهر، مثل سد سلما وسد كجيكي، وسد كمال خان، والذي تم إنشاؤه في 2021، فيما تراه إيران انتهاكاً لاتفاقية 1973، المبرمة بين البلدين بشأن الانتفاع بمياه النهار، والتي تقضي بتدفق 850 مليون متر مكعب سنوياً لإيران.

وطالب الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، في 18 مايو 2023، حركة طالبان، بضرورة توفير حقوق بلاده في مياه نهر هيلمند، لتغذية بحيرة هامون الحدودية، والتي تصب فيها مياه النهر، والتي تعرضت للجفاف، نتيجة نقص المياه المتدفقة من النهر، وذلك خلال زيارته إلى محافظة سيستان وبلوشستان في جنوب شرق إيران. 

ومن جانبه، استهجن المتحدث باسم حركة طالبان، ذبيح الله مجاهد، تصريحات رئيسي السابقة، مشيراً إلى إنه لا توجد مياه كافية في الخزانات تتدفق إلى إيران بسبب الجفاف. ودعت وزارة الخارجية الإيرانية إلى السماح لخبرائها بزيارة مجرى النهر، وتقييم منسوب المياه في الخزانات، إلا أن طالبان رفضت ذلك.

وتجدر الإشارة إلى أن 80% من المياه التي تمتلكها أفغانستان، والتي تقدر بحوالي 70 مليار متر مكعب سنوياً، تذهب إلى إيران وباكستان والدول المجاورة الأخرى في آسيا الوسطى، وهو ما دفع الحكومة الأفغانية لإقامة سدود متعددة للاستفادة من الموارد المائية وتوليد الطاقة الكهربائية.

3- رفض طهران الاعتراف بطالبان: تستمر طهران في رفض اعترافها بحكومة طالبان، إذ أكد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في 25 مايو 2023، أن بلاده أبلغت كابُل بأن الأولى ليست راضية عن تشكيل حكومة طالبان، وأنها لا تعترف بالهيئة الحاكمة حالياً في أفغانستان.

وتطالب إيران بأن تضم حكومة كابُل شخصيات موالية لها من قبيلة الهزارة المحسوبة على الطائفة الشيعية في أفغانستان، بما يضمن لها امتلاك نفوذ وتأثير في الحكومة الأفغانية، وهو ما ترفضه الأخيرة.

وفي هذا السياق، طالب عبد اللهيان، خلال مشاركته في الاجتماع الرابع لدول الجوار الأفغاني في مدينة سمرقند الأوزبكية، في 13 إبريل 2023، بتشكيل حكومة شاملة، مدعياً بأن ذلك من باب المساعدة، وليس تدخلاً في الشؤون الداخلية لأفغانستان، فيما يؤشر إلى ربط طهران الاعتراف بحكومة أفغانستان بهذه القضية.

تهوين إيراني من الأزمة: 

يلاحظ أن طهران اتجهت إلى تجنب التصعيد، وهو ما تتضح مؤشراته في التالي: 

1- الحفاظ على القنوات الدبلوماسية: تزامن وقوع الاشتباكات الحدودية، مع لقاء مبعوث إيراني لدى أفغانستان بالقائم بأعمال وزير خارجية طالبان، أمير خان متقي، وهو ما يُدلل على محاولة إيران احتواء أزمة المياه مع أفغانستان عبر الوسائل الدبلوماسية. 

وسلمت إيران حركة طالبان السفارة الأفغانية بطهران، في فبراير 2023، في مؤشر على رغبة الأخيرة في الحفاظ على قنوات دبلوماسية للتواصل مع طالبان، وذلك على الرغم من عدم الاعتراف الإيراني بها.

2- اتهام الطرف الثالث: وصف وزير الداخلية الإيراني، أحمد وحيدي، التصعيد بين الجانبيْن، بأنه اشتباك محدود، وأنه تم حله لاحقاً بعد مفاوضات مع طالبان، هذا إلى جانب محاولة قائد القوة الجو فضائية في الحرس الثوري الإيراني، أمير علي حاجي زاده، التقليل من أهمية المواجهات، بالإشارة إلى أن "أطراف ثالثة"، لم يُسمها، معادية لكل من إيران وطالبان، تسعى إلى إثارة الصراع وربما الحرب، مؤكداً اتخاذ خطوات لمعالجة الوضع. 

3- فتح المعابر الحدودية: قامت إيران بفتح المعابر الحدودية التي كانت قد أغلقتها على هامش التصعيد، مثل معبر ميلك الحدودي، فيما يُعد رسالة من جانب إيران لعدم رغبتها في التصعيد مع طالبان.

أسباب تحاشي التصعيد:

على الرغم من أن التصعيد بين الجانبين قد بلغ مستوى يُنذر بتفجر حرب بينهما، فإن ثمّة قيوداً تعمل على الحد من اندلاعها، ويمكن الإشارة إليها على النحو التالي:

1- تجنب جبهة أخرى للصراع: تدرك إيران أن كلفة التصعيد مع حركة طالبان مرتفعة، ولذلك عملت تاريخياً على تحاشي التصعيد معها، خاصة وأن الحركة متمرسة على شن حروب التمرد، والتي نجحت من خلالها في استعادة السيطرة على كامل الأراضي الأفغانية من الولايات المتحدة. 

ولذلك، فإن إيران لا تبدي أي استعداد لخوض معركة مع طالبان يترتب عليها استنزافها عسكرياً، خاصة في الوقت الذي تسعى فيه طهران إلى التركيز على صراعها مع الولايات المتحدة وإسرائيل. وليس من الحكمة، وفقاً للحسابات الإيرانية فتح جبهة جديدة للحرب مع طالبان، في الوقت الذي تتحسب فيه طهران لاحتمال تعرضها لعمليات تخريبية من واشنطن أو تل أبيب. 

كما أن أي اندلاع لأي حرب طويلة مع طالبان سوف يترتب عليه إضعاف مركزها التفاوضي مع الغرب، وذلك في حالة نجح الجانبان في إحياء الاتفاق النووي، سواءً بشكل كلي، أو جزئي. 

وجدير بالذكر أن طالبان خلال فترة حكمها الأولى من 1996 وحتى 2001، اغتالت عشرة دبلوماسيين إيرانيين في هجوم على القنصلية الإيرانية في مدينة مزار شريف، في أغسطس 1998، ومع ذلك، تحاشت إيران الدخول في صراع مسلح معها وقتها.

2- مخاوف طهران من صعود داعش: يستمر التخوف الإيراني من أن تتراجع سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان، في مواجهة تنظيم داعش، الأمر الذي يمثل تهديداً مباشراً لأمن إيران المجاورة.

فقد نشط التنظيم في الفترة الأخيرة في تنفيذ عمليات إرهابية سواءً ضد حكومة طالبان، أو الأقلية الشيعية في أفغانستان، إذ قام داعش بتصفية حاكم ولاية بلخ، محمد داود مزامل، في هجوم استهدف مكتبه الواقع في مدينة مزار شريف، في مارس 2023، كما أعلن التنظيم مسؤوليته، في 11 من نفس الشهر، عن تفجير استهدف حفلاً جرى تنظيمه داخل المركز الشيعي لتكريم عدد من الصحفيين، في مدينة مزار شريف شمال أفغانستان، والذي أسفر عن مقتل حارس أمني وجرح عدد من الصحفيين. 

3- قلق طهران من تفاقم أزمة البلوش: تسعى طهران إلى الحيلولة دون أن تستغل أقلية البلوش، التي تقطن مناطق جنوب شرق إيران، في محافظة سيستان وبلوشستان الحدودية مع أفغانستان، الأخيرة كقاعدة لدعم التنظيمات المسلحة المناوئة للنظام في طهران، مثل جماعة جيش العدل البلوشي. 

ومثلت تلك المنطقة بؤرة تمرد خلال الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها إيران، للدرجة التي وصل فيها الأمر لمطالبة الزعيم الروحي للبلوش في المحافظة، مولوي عبدالحميد، في 4 نوفمبر 2022، بإجراء استفتاء للانفصال عن إيران، وذلك نتيجة لتكثيف النظام استخدامه أدوات العنف والقمع ضد المحتجين في هذ المحافظة. وربما هذا ما يفسر زيارة الرئيس الإيراني لها عقب تصاعد أزمة المياه مع أفغانستان، باعتبارها المنطقة المتأثرة بشكل مباشر بالأزمة، فضلاً عن سفر قائد القوات البرية للجيش الإيراني، كيومرث حيدري، إلى محافظة سيستان وبلوشستان في 28 مايو، عقب الاشتباك الحدودي.

وفي التقدير، يلاحظ أنه على الرغم من وجود أسباب للخلاف بين إيران وطالبان، فإن الجانبين يدركان حجم وكُلفة الخسائر التي قد يتسبب فيها اندلاع المواجهة بينهما، لذا اتجهت إيران إلى استيعاب الخلاف مع طالبان، حتى لا تفتح طهران جبهة جديدة للحرب تشغلها عن صراعها الدائر مع الولايات المتحدة وإسرائيل، أو تضعف موقفها التفاوضي في مفاوضات الاتفاق النووي حال اتفاق الجانبين على إحيائه مجدداً.