أخبار المركز
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (المعضلة الروسية: المسارات المُحتملة لأزمات الانتخابات في جورجيا ورومانيا)
  • إسلام المنسي يكتب: (جدل الوساطة: هل تخلت سويسرا عن حيادها في قضايا الشرق الأوسط؟)
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)

المضامين الاستراتيجية لكلمة الشيخ محمد بن زايد

15 يوليو، 2022


وجه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة "حفظه الله"، في 13 يوليو 2022، كلمته الأولى إلى شعب دولة الإمارات، مواطنين ومقيمين، مُدشناً بذلك استراتيجية الدولة في عهده. وقد جاءت كلمة سموه عاكسة للعديد من المضامين السياسية والاقتصادية للداخل الإماراتي وللخارج أيضاً. وبالرغم من أنها كانت كلمة مقتضبة، فإن مضمونها يكشف بوضوح أنها تمهيد لمرحلة جديدة في مكانة دولة الإمارات في الاستراتيجية العالمية، مع الاحتفاظ بمبادئها التي قامت عليها منذ التأسيس على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه". 

كاريزما عالمية:

كان طبيعياً أن تجد الكلمة اهتماماً قبل وبعد إلقائها في الداخل الإماراتي وخارجه، ليس فقط كونها الخطاب الرسمي لرئيس الدولة، كما هي حال كل كلمات قادة الدول المؤثرة في العالم، والتي يوضح من خلالها ملامح سياسة رئيسها ويُمهد للشعب ما ينوي فعله خلال المرحلة المقبلة؛ وإنما تنبع الأهمية الكبرى لكلمة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة "حفظه الله" من صفات شخصيته كقائد استراتيجي يحظى باحترام كبير في دوائر صُنع القرار، وذلك انطلاقاً من مواقفه الواضحة والحاسمة في العديد من الأزمات والتحديات التي مرت على العالم. 

وعليه، فإن ردود الفعل التي أعقبت الكلمة التاريخية لسموه كانت متوقعة، كما أن تحليلات بعض وسائل الإعلام لكلمته كان الهدف منها محاولة تفسير التوجه القادم لسموه ومقارنتها باهتمامات دولة الإمارات خلال العهدين الماضيين؛ "عهد التأسيس" للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، و"عهد التمكين" للمغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان" طيب الله ثراهما"، الذي أطلق عليه الشيخ محمد في كلمته يوم 13 يوليو الجاري (صاحب القلب الكبير).

والمعنى السياسي الذي يُمكن أن يخرج به أي مراقب من هذه الكلمة أنها ليست كلمة عادية، حتى لو كان الكل يُدرك مُسبقاً طريقة تفكير صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في القضايا المحلية ورؤيته للأمن العالمي؛ كونه كان فاعلاً خلال العقد الماضي في العديد من القضايا والأزمات الدولية، فالمكان الذي يشغله الآن صاحب السمو رئيس الدولة يختلف عما كان عليه قبل شهرين عندما كان ولياً للعهد. وبالتالي فهي "كلمة استثنائية وتاريخية" لشخصية لها حضورها الدولي والإقليمي. ولو خاض المراقب في تفاصيل مضمون الكلمة لوجد بسهولة أن ثمة انسجاماً بين محتواها وما يجري على الساحة الدولية. فقد جاءت في توقيت يشهد العالم فيه لغطاً كثيراً في ملفات حساسة، خاصةً ملف أمن الطاقة العالمي الذي يمثل هاجساً كبيراً، باعتباره عاملاً أساسياً في الحفاظ على النمو الاقتصادي العالمي.

ثلاثة أبعاد:

أبرز ملمح في كلمة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة "حفظه الله"، أنها حملت السمات العامة المعروفة عن دولة الإمارات منذ تأسيسها قبل أكثر من نصف قرن، وهي الاهتمام بثلاثة أبعاد أساسية في مسيرتها التنموية النموذجية، وهي كالتالي:

1- البُعد الأول هو "الإنسان" بمفهومه الشامل والاستثمار فيه؛ كونه الصانع الأساسي والمُحرك الفعلي لهذه التجربة. وفي هذا البُعد وعلى الرغم من أن كلامه انصب على المواطن الإماراتي الذي امتدحه سموه عندما قال: "نحن محظوظون بهذا الشعب"، مشيراً إلى إعداد الدولة لمواطنيها وصقل مهاراتهم بالمعرفة والتجارب الحياتية ليكونوا مُستعدين للتحديات المستقبلية؛ فإن سموه حرص على التنويه بدور المُقيمين في دولة الإمارات والذين تتعدى جنسياتهم الـ 200 دولة، والتأكيد على أنهم شركاء في هذه القصة التنموية الأنموذج.

وسموه هنا يُعبر عن قناعة قيادة دولة الإمارات في "عالمية" الإنسان، ومبدأها الثابت في السياسة الخارجية والذي بنت دبلوماسيتها عليه، وهو "عولمة" المساعدات الإنسانية والتنموية وتعميمها في العالم من دون شروط تمييزية أو قيود عنصرية، حتى باتت اليوم بمنزلة إحدى أدوات القوة الناعمة لها.

2- البُعد الثاني الذي ركزت عليه الكلمة هو "التنمية الاقتصادية" بمفهومها الشامل ونطاقها الواسع. وما يعنيه ذلك من مساهمة في تنشيط وتطوير الاقتصاد العالمي، ليس فقط من باب الإحساس بالمسؤولية الإنسانية والدولية للإمارات والتي تحظى باحترام وتقدير كبيرين من المجتمع الدولي، وإنما أيضاً خدمة لمصالح دولة الإمارات، حيث مهمة أي دولة الأساسية هي حماية شعبها وتحقيق مصلحته. 

ولا يعتمد الاقتصاد على مسار واحد ولا يمكن أن يقوم على طرف واحد، وإنما هو عملية مُتشابكة ومُتداخلة بين الدول والمنظمات الدولية والأفراد بشكل عام، فكيف الحالة بدولة بنشاط وتفاعل الإمارات التي تُعتبر إحدى النقاط المركزية في الاقتصاد العالمي والإقليمي، فهي تحتل المركز الثالث إقليمياً من حيث القوة الاقتصادية. وهذا ما حرص صاحب السمو رئيس الدولة "حفظه الله" على تأكيده وبالتالي إبراز دلالاته، حيث نوّه سموه في كلمته بأن "اقتصاد دولة الإمارات من أكثر الاقتصادات قوة ونمواً"، وفي ذلك إشارة إلى مُضي الدولة قُدماً في هذا المسار، وأن دورها المستقبلي سيستمر في التركيز على هذا الجانب.

3- البُعد الثالث يرتبط بالمنطق السابق وهي نقطة رئيسية على الجميع ألا يتجاهلها في التعامل مع دولة الإمارات بشكل مباشر أو بما يُهدد استقرارها حتى لو كانت بعيدة عنها جغرافياً. وهي نقطة لها مكانتها في الفكر الاستراتيجي لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان؛ ألا وهي "سيادة الدولة" وأمنها الشامل.

فكما جاء في كلمته، "السيادة والأمن مبدأ أساسي لا يمكن التنازل عنه أو التهاون فيه"، فالكلام هنا ربما لا يحتاج التنظير أو التحليل باعتبار أن الكل عاش تجربة عملية في كيفية تطبيق سموه هذا المبدأ، سواءً خلال فترة ما كان يُسمى بـ "الربيع العربي"، أو خلال استهداف ميليشيا الحوثيين الأمن الوطني لدولة الإمارات في بدايات عام 2022. بل قبل ذلك، كانت لسموه مواقف عربية ودولية واضحة وحازمة تجاه أي مساس بالسيادة لأي دولة في العالم، وذلك من خلال رفض تدخلات البعض من أصحاب المشروعات السياسية والأجندات الأيديولوجية في شؤون الدول الأخرى.

 واستكمالاً لهذا المبدأ المهم، فقد ذكر سموه "نمد يد الصداقة إلى كل دول المنطقة والعالم التي تشاركنا قيم التعايش والاحترام المُتبادل لتحقيق التقدم والازدهار لنا ولهم"، بما يُعيد تأكيد شفافية سموه ووضوحه في أن الإمارات تُعامل الجميع بمنطق الاحترام، ولكن لديها القدرة الدبلوماسية والعسكرية لردع كل من ينوي شراً لها.

وسبق أن أكدت الإمارات ذلك مراراً، كما جسدته تحركات سموه على مستوى العالم والإنجازات التي تحققت على يديه في إعداد الإنسان الإماراتي للدفاع عن مكتسبات بلاده.  ومعروف عن سموه في هذه المسألة أنه شديد الصرامة وحازم ولا يقبل أي تهاون أو مساس بها ولو رمزياً.

كلمة بمستوى الإمارات:

من خلال استعراض ما تناولته كلمة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة "حفظه الله"، يمكن استخلاص نقاط مهمة؛ أولاها أن النهج التنموي الإماراتي الشامل كان ولا يزال الشغل الشاغل للدولة، قادة وحكومة وشعباً، منذ التأسيس. مع الحرص على مواكبة العصر ومجابهة التحديات المُستقبلية، وبما يتناسب والمكانة الدولية التي حققتها الدولة خلالها مراحل نموها وتوسعها الدولي. وما يتماشى في الوقت ذاته مع المُستجدات والتطور الهائل الذي يشهده العالم في مختلف المجالات. فمثلاً، التركيز التنموي المُستقبلي سيكون مُنصباً على التعليم النوعي والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، من دون التخلي عن تطوير وتقوية دعائم الاقتصاد باعتباره العمود الفقري للتنمية.  

من ناحية أخرى، فإن القضايا التي تطرقت إليها كلمة سموه تكاد تشترك فيها كل شعوب العالم من دون استثناء، ولامس سموه فيها اهتمامات الإنسان في العالم. وهو ما يحرص عليه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في كل خطاباته، ومن هنا صار قائداً عالمياً ورمزاً للإنسانية. وغني عن الذكر أن شمول وعالمية القضايا والهموم الإنسانية، كانت محور اهتمام سموه في كل الأوقات، وطالما بذل جهوداً كبيرة ومتواصلة من أجلها. حتى توجها سموه بحلول أكبر قيادتين دينيتين في العالم في ضيافة سموه؛ فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، والبابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية، في عام 2019، حيث شاركا وباركا توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية في أبوظبي.

كذلك، فإن ما حملته كلمة صاحب السمو رئيس الدولة "حفظه الله"، لم يكن خارج توقعات المُراقبين منذ انتخاب سموه رئيساً لدولة الإمارات في مايو الماضي، ومن ثم فإن التفاعل السياسي والإعلامي مع الكلمة الرئاسية وما أحدثته من صدى واسع في دوائر صناعة القرار الدولي، يكشف عن مدى الحضور الإماراتي كدولة وكذلك لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان باعتباره مُخططاً استراتيجياً وقائداً مُؤثراً إقليمياً ودولياً؛ الأمر الذي يجعل العالم يتطلع دائماً إلى الدولة ويترقب باهتمام كل ما يصدر عن قائد مسيرتها. 

بنظرة شاملة لكلمة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة "حفظه الله"، يتضح أنها وثيقة شاملة تُدشن تاريخاً لعهد سموه، وتُعبر ببلاغة عن فكره الاستراتيجي داخلياً وخارجياً، وتُقدم دليلاً جديداً على تمسك سموه وإخوانه شيوخ وحكام الإمارات بالمبادئ التي قامت عليها الدولة وصورتها التي ترسخت لدى الرأي العام العالمي، والتي تباشر الدولة بالفعل ترجمتها وتطبيقها في الخطط المُستقبلية للخمسين عاماً القادمة.