أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

متغيرات طارئة:

لماذا تتصاعد الأزمات المفاجئة بين دول الإقليم؟

25 يونيو، 2017


نشبت أزمات مفاجئة بين بعض دول المنطقة خلال الفترة الأخيرة، بشكل لم يعد يفرض عقبات عديدة أمام جهودها لتطوير علاقاتها الثنائية فحسب، بل إنه بات يساهم في عرقلة المساعي التي تبذلها لتسوية الخلافات القائمة فيما بينها حول بعض الملفات الأخرى، على غرار ما حدث بين المغرب والجزائر حول قضية اللاجئين السوريين، وتركيا وإسرائيل حول السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، وإيران وباكستان حول قضية الحدود والتنظيمات المسلحة. 

ويعود اندلاع الأزمات ذات الطابع المفاجئ بين بعض دول الشرق الأوسط إلى اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في تراكم رواسب الأزمات الأساسية العالقة بين الطرفين، وتأسيس علاقات مع الخصوم، وتفاقم التهديدات الحدودية، وترابط الملفات الإقليمية.

مشكلات متعددة:

لم تعد مشكلة الصحراء هي الأزمة الوحيدة العالقة بين المغرب والجزائر؛ حيث اتسع نطاق الخلافات بين الطرفين لتصل إلى قضية اللاجئين السوريين العالقين على الحدود بينهما منذ فبراير 2017، إذ استدعت كلتا الدولتين سفير كل منهما لدى الدولة الأخرى، في 23 أبريل 2017، ووجّها اتهامات متبادلة لبعضهما بعضًا، حيث قالت المغرب إن السلطات الجزائرية سمحت لأربعة وخمسين سوريًّا بدخول أراضيها بطريقة غير شرعية عبر مدينة فجيج الحدودية، وذلك بهدف إثارة توترات على الحدود.

وهو ما ردت عليه الجزائر باتهامات مقابلة ادعت فيها أن السلطات المغربية قامت بإرسال لاجئين سوريين عبر الحدود مع المغرب إلى الجزائر. وقد دفع ذلك منظمة "هيومان رايتس ووتش"، في 7 مايو 2017، إلى توجيه انتقادات قوية للدولتين، خاصة أن من بين اللاجئين نحو 22 طفلاً ونساء حوامل.

كما جددت إيران تهديداتها باجتياح الحدود مع باكستان وتوجيه ضربات لبعض الجماعات المسلحة التي تستغل الحدود المشتركة بين الطرفين لتنفيذ عمليات ضد قوات الأمن الإيرانية، على غرار ما حدث في 26 أبريل 2017، عندما قامت جماعة "جيش العدل" التي تنتمي لقومية البلوش الموجودة على الحدود بين إيران وكلٍّ من باكستان وأفغانستان، باستهداف قوات حرس الحدود، وهو ما أسفر عن مقتل عشرة جنود. وقد دفع ذلك المسئولين الإيرانيين إلى شن حملة ضد باكستان اتهموها فيها بالتقاعس عن مراقبة الحدود لمنع تلك العمليات التي لم تكن الأولى من نوعها.

وفي هذا السياق، وجه رئيس هيئة الأركان الإيرانية اللواء محمد باقري تهديدًا، في 8 مايو 2017، بأن "طهران سوف تقوم بضرب قواعد داخل باكستان إذا لم تتصدَّ إسلام أباد للمتشددين الذين ينفذون هجمات عبر الحدود"، معتبرًا أن "إيران لا يمكن أن تقبل استمرار هذا الوضع".

وبعد مرور أقل من عام على تطبيع العلاقات بين تركيا وإسرائيل، نشبت أزمة جديدة بين الطرفين، على خلفية الانتقادات القوية التي وجهها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تل أبيب، في 8 مايو 2017، والتي اتهم فيها إسرائيل بتبني سياسة عنصرية في الضفة الغربية قريبة من الفصل العنصري "أبارتايد" التي كانت تطبق ضد السود في الولايات المتحدة في السابق وفي جنوب إفريقيا، واعتبر أن إسرائيل تعمل على تهويد القدس، وتنتهك المسجد الأقصى.

وقد دفع ذلك تل أبيب إلى استدعاء السفير التركي إلى جلسة استيضاح بشأن تصريحات أردوغان، بالتوازي مع توجيه انتقادات لافتة إلى الإجراءات التي اتخذتها أنقرة ضد المتهمين بالمشاركة في محاولة الانقلاب التي وقعت في منتصف يوليو 2016، والتي اعتبرت أنها تمثل انتهاكات لحقوق الإنسان.

اعتبارات عديدة: 

يمكن تفسير أسباب تصاعد حدة تلك الأزمات المفاجئة خلال الفترة الأخيرة في ضوء اعتبارات عديدة تتمثل في:

1-تراكم رواسب الخلافات التقليدية: وذلك على غرار الخلاف حول قضية الصحراء بين المغرب والجزائر، والذي فرض تداعيات سلبية عديدة على العلاقات الثنائية بين الطرفين، إلى درجة أصبح معها التوتر والتنافس هما السمة الغالبة في التفاعلات القائمة فيما بينهما. ومن دون شك، فإن هذا الوضع ساهم في فقدان الثقة بين الطرفين، إلى درجة دفعتهما إلى اعتبار أن حرص كل طرف على تصدير أزمة اللاجئين السوريين إلى الآخر هي محاولة لتشويه الصورة وإثارة التوتر على الحدود المشتركة.

2-تفاقم تهديدات الحدود المشتركة: وهو ما يبدو جليًّا في التوتر الذي تصاعد فجأة بين إيران وباكستان بسبب الاتهامات التي وجهتها إيران لإسلام أباد بالتقاعس عن حماية الحدود، بشكل منح الفرصة لبعض التنظيمات المسلحة، على غرار جماعة "جيش العدل" باستهداف قوات الأمن الإيرانية، خاصة أنها لم تكن المرة الأولى التي تقوم فيها تلك الجماعة بتنفيذ عمليات انطلاقًا من الحدود المشتركة، حيث سبق لها أن قامت باختطاف 5 من جنود حرس الحدود الإيرانيين في فبراير 2014، ما دفع إيران إلى التهديد بالتدخل العسكري لاستعادة جنودها.

3- ترابط الملفات السياسية الخلافية:  ينطبق ذلك أيضًا على التوتر الحالي بين إيران وباكستان؛ إذ لا يعود فقط إلى مشكلة الحدود رغم أهميتها، وإنما يعود أيضًا إلى القلق الذي تُبديه طهران تجاه تعيين الجنرال راحيل شريف (القائد العام السابق للجيش الباكستاني) قائدًا لقوات التحالف الإسلامي للحرب ضد الإرهاب، وهو القلق الذي عبر عنه السفير الإيراني في إسلام أباد مهدي هنردوست بقوله، إنه "كان من المفروض أن تقوم باكستان بإطلاع إيران قبل إصدار الترخيص للجنرال راحيل شريف لتولي رئاسة التحالف الإسلامي، إلا أن ذلك لا يعني موافقة طهران أو قبولها بقرار إسلام أباد".

كما أن ذلك يعود أيضًا إلى المخاوف التي تنتاب إسلام أباد تجاه رفع مستوى التعاون الاقتصادي بين إيران والهند، والذي بدا جليًّا في توقيع الدولتين -إلى جانب أفغانستان- على اتفاقية لتطوير ميناء تشابهار الإيراني، في مايو 2016، والذي تسعى نيودلهي إلى استخدامه كممر لنقل صادراتها إلى أفغانستان وآسيا الوسطى دون العبور بالأراضي الباكستانية، بشكل يقلص من حدة الضغوط التي قد تفرضها الأخيرة على الهند في حال اتساع نطاق الخلاف فيما بينهما حول أيٍّ من الملفات التي تحظى باهتمام مشترك.

وقد انعكس التوتر الباكستاني-الإيراني في قضية التجسس التي كشفت عنها السلطات الباكستانية، في أبريل 2017، والتي اعترف فيها أحد قادة العصابات في مدينة كراتشي بتزويده الاستخبارات الإيرانية بمعلومات عن الجيش الباكستاني والمراكز الحساسة في الدولة.

4- تغير الظروف: تسعى إسرائيل عبر مسارعتها إلى الرد على الانتقادات التركية إلى توجيه رسالة مباشرة لأنقرة بأن حرصها على إعادة تطوير العلاقات معها بعد التوتر الذي نشب بين الطرفين بسبب الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية في مايو 2010، لا يعني أنها سوف تتغاضى عن أية انتقادات من جانب أنقرة، خاصة أن الظروف الحالية تختلف -إلى حد كبير- عن تلك التي كانت قائمة وقت تصاعد الأزمة بين الطرفين.

فالتوتر أصبح علامة بارزة في العلاقات بين تركيا وكثير من القوى الدولية، لا سيما الأوروبية، في الوقت الحالي، بسبب التباين في التعامل مع قضية اللاجئين، فضلا عن الانتقادات الأوروبية للإجراءات التي تتخذها الحكومة على الصعيد الداخلي، بشكل لا يوفر لتركيا هامشًا واسعًا من حرية الحركة في التعامل مع الأطراف الخارجية، لا سيما إسرائيل التي تسعى أنقرة إلى رفع مستوى التعاون معها، بحسب ما جاء على لسان الرئيس طيب أردوغان، الذي قال، في يناير 2016، إن "تركيا في حاجة إلى إسرائيل، على غرار إسرائيل التي تحتاج إلى تركيا".

اتساع الخلافات:

خلاصة القول، إن استمرار وتصاعد حدة تلك الأزمات المفاجئة يبدو أنه سيكون احتمالاً مطروحًا خلال المرحلة المقبلة التي قد تشهد اتساع نطاق الخلافات بين كثير من القوى الإقليمية والدولية المعنية بالتطورات المختلفة التي تشهدها الأزمات الإقليمية في الشرق الأوسط.