يبدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم 20 مايو الجاري، زيارة رسمية إلى المملكة العربية السعودية، التي تم اختيارها لتكون أول محطة في جولات ترامب الخارجية، بما يمثل اختلافاً عن أسلافه من الرؤساء الأمريكيين السابقين الذين اعتادوا أن تكون أولى زياراتهم الخارجية إلى دول الجيران أو للحلفاء الغربيين.
ويحمل هذا الاختيار للمملكة وفاعليات زيارة ترامب، عدة دلالات استراتيجية حول أهمية السعودية ومكانتها الإقليمية، وتبني إدارة ترامب نهجاً استراتيجياً مختلفاً عن سلفه باراك أوباما؛ حيث يتضمن إعادة التوازن إلى السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، خاصةً في العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي، وكذلك صياغة اقترابات جديدة في التعامل مع قضايا المنطقة؛ وعلى رأسها الإرهاب، وعملية السلام بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.
أهداف الزيارة
يسعى الرئيس ترامب في زيارته للمملكة العربية السعودية، إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط، وتشمل ما يلي:
1- تأكيد الشراكة الاستراتيجية: فقد شهدت السنوات الأخيرة لإدارة الرئيس الأمريكي السابق أوباما توتراً مكتوماً في العلاقة بين الولايات المتحدة وحلفائها من دول مجلس التعاون الخليجي، بسبب تجاهل أوباما لتوجهات إيران وتصرفاتها غير المشروعة في الإقليم على حساب مصالح دول الخليج العربية. وهذا التجاهل كان ضمن عملية إعادة هيكلة السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط والتقارب مع إيران، بهدف تقوية ما اعتبره أوباما الجناح المعتدل في طهران.
وتٌضاف إلى ذلك، التحركات الكثيفة لدوائر التيار الليبرالي في واشنطن للتركيز على القضايا الداخلية في دول المنطقة، ونبرة العداء للمملكة العربية السعودية داخل دوائر الكونجرس التي أفضت إلى إقرار قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" المعروف باسم "جاستا"، خلال العام الماضي.
وقد أثَّرت مثل هذه العوامل سلباً على العلاقات بين واشنطن ودول الخليج، ولذلك تأتي الزيارة الحالية لترامب لإعادة ترميم هذه العلاقات، والتأكيد على الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين.
2- إعادة التوازن للسياسة الأمريكية تجاه المنطقة: تبنت إدارة أوباما سياسات تجاه الشرق الأوسط أدت إلى تراجع دور الولايات المتحدة بشكل واضح في إدارة وتسوية الأزمات الإقليمية، فضلاً عن إتاحة الفرصة لعودة قوى دولية مثل روسيا كفاعل رئيسي في قضايا المنطقة. وفي هذا السياق، قام الرئيس الروسي بوتين بصياغة تحالفاته في الإقليم، خاصةً مع إيران، بشكل يضمن مساحة أكبر لنفوذ موسكو.
وكان انتقاد توجهات إدارة أوباما والتي أدت إلى تراجع الدور الأمريكي في المنطقة، جزءاً رئيسياً من حملة ترامب الانتخابية، وضمن وعوده بعودة الولايات المتحدة كقوة مؤثرة عالمياً وفي الشرق الأوسط.
وبالتالي يُؤشر اختيار المملكة العربية السعودية كمحطة أولى في جولات ترامب الخارجية، إلى تحرك استراتيجي أمريكي يؤكد العودة بقوة للانخراط في قضايا المنطقة، وتكثيف جهود الدبلوماسية الأمريكية في التعامل معها.
3- دعم التحالفات: يتعلق جزء رئيسي من أجندة زيارة ترامب ببناء ودعم التحالفات مع القوى الرئيسية في المنطقة، خاصةً دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يسعى الرئيس الأمريكي لدفع العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة ودول الخليج، والبناء على الجهود الأولية التي تمت خلال السنوات الأخيرة في تجاه تعزيز العلاقات بين الجانبين، ومنها إطلاق منتدى التعاون الاستراتيجي لدول مجلس التعاون والولايات المتحدة في عام 2012، والذي يهدف إلى وضع إطار رسمي للتعاون في القضايا السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية.
وفي إطار بناء شبكة التحالف الإقليمية، يهدف ترامب إلى التأكيد على ضمان أمن حلفاء الولايات المتحدة، والعمل على حماية المصالح الاستراتيجية لواشنطن، خاصةً في ظل موقف إدارته من سياسات إيران الإقليمية؛ والتي تعتبر سبباً رئيسياً في زعزعة الاستقرار بالمنطقة.
ويُضاف إلى ذلك، ما سوف ستسفر عنه القمة الثالثة ضمن الزيارة، والتي سيجتمع خلالها ترامب مع نحو 50 من قادة وزعماء الدول العربية والإسلامية في إطار العمل على بناء تحالف إقليمي لمكافحة الإرهاب والتطرف.
ثلاث قمم
يتضمن جدول أعمال زيارة الرئيس ترامب للمملكة، عقد ثلاث قمم دبلوماسية (ثنائية سعودية - أمريكية، وخليجية - أمريكية، وإسلامية - عربية – أمريكية)، تحت عنوان: "العزم يجمعنا"، وبذلك بهدف صياغة رؤية مشتركة بين الولايات المتحدة وشركائها في المنطقة. وتتحدد محاور هذه القمم في الآتي:
1- قمة سعودية - أمريكية: ستكون في اليوم الأول للزيارة، ويلتقي خلالها الرئيس ترامب مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وقادة المملكة. ومن المنتظر أن تؤكد هذه القمة على الطبيعة الاستراتيجية للعلاقات بين الدولتين، وتشهد توقيع عدد من الاتفاقيات الاقتصادية؛ حيث يستهدف صندوق الاستثمارات العامة السعودي ضخ استثمارات في مشروعات البنية التحتية بالولايات المتحدة، فضلاً عن إبرام اتفاقيات أخرى أمنية؛ تشمل حصول المملكة على عدد من أنظمة التسليح الحديثة، خاصةً تلك التي تساهم في تعزيز القدرات العسكرية للقوات البحرية السعودية.
2- قمة خليجية - أمريكية: ستُعقد في اليوم الثاني لزيارة ترامب، وسيلتقي خلالها الرئيس الأمريكي قادة دول مجلس التعاون الخليجي، لمناقشة التهديدات التي تواجه أمن واستقرار المنطقة، وبناء علاقات تجارية بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون. ومن المنتظر أن تؤكد هذه القمة العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربية، ودعم واشنطن لأمن الخليج، وعدم قبولها سياسات إيران في زعزعة الاستقرار الإقليمي عبر وكلائها في المنطقة، خاصةً في سوريا واليمن.
3- قمة إسلامية - عربية - أمريكية: ستُجرى وقائعها خلال اليوم الثاني للزيارة، وتتضمن لقاء الرئيس ترامب مع قادة عدد من الدول الإسلامية والعربية، وقيامه بإلقاء خطاب يتناول فيه تصوره لانتشار رؤية سلمية للإسلام في العالم، وملامح السياسة الأمريكية في مواجهة الإرهاب والتطرف. وسيتم على هامش هذا اللقاء، الإعلان عن افتتاح المركز الدولي لمكافحة الإرهاب والتطرف ومقره الرياض؛ ويسعى إلى منع انتشار الأفكار المتطرفة من خلال تعزيز التسامح ودعم نشر الحوار الإيجابي.
وتتمثل الرسائل الرئيسية لهذه القمة في تأكيد الحضور على نبذ التطرف والعنف، وأن دول المنطقة تدعم الولايات المتحدة في الحرب ضد الإرهاب.
نهج جديد
تصب الأهداف الاستراتيجية لزيارة ترامب للمملكة، والقمم الدبلوماسية الثلاث، في تجاه بلورة اقتراب جديد للإدارة الأمريكية الحالية في التعامل مع القضايا الأكثر تعقيداً في الشرق الأوسط، وبصفة خاصة الإرهاب وعملية السلام، بحيث يقوم النهج الجديد على المسؤولية المشتركة لواشنطن مع دول المنطقة، وذلك على النحو التالي:
1- التعامل مع الإرهاب: في إطار عملية بناء التحالفات الإقليمية، وما ستسفر عنه "القمة الإسلامية - العربية – الأمريكية"، تهدف إدارة ترامب إلى مشاركة دول المنطقة في المسؤوليات والأعباء المتعلقة بمكافحة الإرهاب والتطرف، والعمل على أن يكون لها دور رئيسي في هذا الصدد، وهذا ما يتوافق مع ما كشفت عنه "وكالة رويترز"، في تقرير لها يوم 5 مايو الجاري، من ملامح عامة للاستراتيجية الأمريكية الجديدة في مكافحة الإرهاب، والتي تركز على تحمل الدول الحليفة لدور أكبر، وعدم انخراط الولايات المتحدة بشكل مُكثف في هذا الإطار.
2- دفع عملية السلام في المنطقة: تسعى إدارة ترامب إلى إطلاق عملية سلام جديدة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهذه العملية تختلف عن الجهود الأمريكية السابقة في رعاية المفاوضات بين الجانبين، حيث ترتكز رؤية ترامب على ترك الطرفين بشكل رئيسي يحددان ملامح عملية السلام والتفاوض بشأنها، ويكون دور الولايات المتحدة تسهيل هذا التفاوض. كما سيتم العمل على إشراك دول المنطقة في جهود إطلاق ودفع عملية السلام بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.
مُجمل القول، تمثل زيارة الرئيس الأمريكي ترامب للمملكة العربية السعودية بداية لإعادة هيكلة السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، وتبني سياسات مختلفة عن تلك التي انتهجتها إدارة الرئيس السابق أوباما، حيث تسعى إدارة ترامب إلى جعل دول المنطقة تشارك بشكل أكبر في إدارة ملفاتها الإقليمية بما يتوافق مع مصالح الطرفين، والابتعاد عن نهج أوباما في التقارب مع إيران ومحاولة دمجها إقليمياً. وسينتظر الجميع مرحلة ما بعد زيارة ترامب، لرصد مؤشرات تعزيز العلاقات بين واشنطن ودول المنطقة على أرض الواقع، وبما يخدم المصالح الاستراتيجية للطرفين.