أخبار المركز
  • يشارك مركز "المستقبل" في الدورة الـ33 لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب في الفترة (29 إبريل - 5 مايو 2024)، وجناحه رقم C39 في القاعة 9
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد 36 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • صدور العدد السادس من "التقرير الاستراتيجي" بعنوان "حالة الإقليم: التفاعلات الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط 2024"
  • محمد خلفان الصوافي يكتب: (منتدى الخليج وأوروبا.. دبلوماسية جماعية للتهدئة الإقليمية)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (تأملات حول فشل جهود السلام الفلسطينية الإسرائيلية)

الشروق:

ثلاث رؤى لمستقبل القوى العالمية.. وأثرها على إفريقيا

17 يونيو، 2023


نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتب حمدى عبدالرحمن، تناول فيه أهداف وتداعيات قمتى مجموعة السبع من جهة، والصين ــ آسيا الوسطى من جهة أخرى على إفريقيا، ولماذا من المتوقع أن تكون إفريقيا من بين الرابحين فى المباراة التى تبدو صفرية بين الولايات المتحدة والصين... نعرض من المقال ما يلى:

لا يخفى أن انعقاد قمتين عالميتين بالتزامن فى شهر مايو 2023: قمة دول السبع، وقمة الصين ــ آسيا الوسطى، يُمثل نقطة تحول كبرى فى مسيرة النظام العالمى منذ نهاية الحرب الباردة.

إننا أمام ما يبدو أنها مباراة صفرية يكون فيها رابحون وخاسرون. وطبقا لتوقعات نتيجة هذه المباراة بين الدول القوية فى النظام الدولى يمكن الحديث عن ثلاث رؤى للمستقبل. الرؤية الأولى تتمثل فى عودة الحلم الأمريكى بأمركة النظام الدولى من خلال تشكيل جبهة موحدة ضد الصين التى صارت تشكل تحديا للهيمنة الأمريكية. أما الصين فإنها تطرح منذ بداية الألفية رؤية أخرى بديلة لنظام دولى أكثر عدالة ومتعدد الأقطاب. وربما تتمثل الرؤية الثالثة فى فرصة أفرقة العالم والتى تجعل إفريقيا أكبر الرابحين فى ظل هذه التحولات والاستقطابات التى يشهدها النظام الدولى الحالى. ويسعى هذا المقال إلى تحليل هذه الرؤى الثلاث من خلال إلقاء الضوء على أهداف وتداعيات قمتى مجموعة السبع من جهة، والصين ــ آسيا الوسطى من جهة أخرى على إفريقيا.

أولا: قمة دول السبع وأمركة العالم

نجحت الولايات المتحدة أثناء قمة مجموعة دول السبع التى انعقدت فى مدينة هيروشيما اليابانية يوم 19 مايو 2023 فى إقناع حلفائها الأوروبيين والآسيويين بتبنى موقف موحد ضد الصين، بينما تُظهر الصين قوتها ونفوذها المتزايدين فى آسيا الوسطى. وبالفعل أدانت الدول المشاركة فى قمة هيروشيما، دون تسمية الصين صراحة، «الإكراه الاقتصادى» و«تسليح التجارة». كما أعربت هذه الجبهة الموحدة من قبل الدول الغنية فى الكتلة التى تقودها الولايات المتحدة عن معارضتها لأى استخدام للقوة لتغيير الوضع الراهن فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ، بما فى ذلك مضيق تايوان.

نضيف إلى ذلك، تسليط الضوء على الجهود المبذولة للحد من وصول الصين إلى مكونات التكنولوجيا المتقدمة، من خلال اجتماعات بين كبار مصنعى الرقائق الإلكترونية وقادة اليابان وكوريا الجنوبية. وكان الهدف هو إقناع صانعى الرقائق بنقل قواعد إنتاجهم خارج الصين وتقليص توريد مكونات التكنولوجيا المتقدمة إلى الصين.

ولمواجهة محاولات الصين خلق انقسامات بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، شددت دول مجموعة السبع على الحاجة إلى تعزيز «المرونة الاقتصادية والأمن الاقتصادى». وربما تسعى هذه الكتلة الاقتصادية الغربية إلى الحد من استغلال الصين وتلاعبها بالاستثمارات الأجنبية وسلاسل التوريد. كما أكد قادة مجموعة السبع أن التزام الصين بالقواعد الدولية سيكون مفيدا للمجتمع الدولى.

وعلى صعيد السياسات المتبعة، تعهدت دول مجموعة السبع باستثمار 600 مليار دولار بحلول عام 2027 فى الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار (PGII) كقوة موازنة لمبادرة الحزام والطريق الصينية.

ثانيا: الصين والنظام العالمى البديل

فى مقابل ذلك، استضافت الصين أول قمة على الإطلاق بين الصين وآسيا الوسطى، مما أظهر نفوذها المتزايد على الصعيد الدولى. وتعهدت دول آسيا الوسطى الخمس بالتعاون مع الصين فى بناء نظام عالمى عادل وضمان إمدادات السلع الأساسية، بما فى ذلك النفط. ولا يخفى أن هذا التطور يعزز نفوذ الصين فى المنطقة.

وهدف الحدث الذى استمر يومى 18 و19 مايو 2023 فى مدينة شيان، إلى تعزيز الشراكات السياسية والاقتصادية بين الصين وجيرانها فى آسيا الوسطى. ويلاحظ أنه مع نقطة الانطلاق الشرقية لطريق الحرير القديم فى شيان، فإن هذا الموقع الرمزى يبرز العلاقات التاريخية بين الصين وآسيا الوسطى. وقد عززت مبادرة الحزام والطريق الصينية أهمية المنطقة، حيث صارت الصين الشريك التجارى الأكبر لآسيا الوسطى.

فى آسيا الوسطى، تعمل الصين على توسيع التحالفات التى تتوافق مع مصالحها وتستمد من منظمات إقليمية مهمة مثل منظمة شنغهاى للتعاون ومجموعة دول البريكس.

وقد أظهرت قمة الصين وآسيا الوسطى أهمية مشاريع البنية التحتية الصينية والتعاون الاقتصادى فى المنطقة. ومع ذلك، لا تزال هناك مخاوف فى وسائل التواصل الاجتماعى الصينية بشأن المساعدات المالية المقدمة إلى دول آسيا الوسطى، والتى يمكن أن تؤثر سلبا فى المزايا الاجتماعية للشعب الصينى نفسه داخل الصين على أن الملاحظة الجديرة بالتأمل هنا تتمثل فى جهود إدارة الرئيس شى جين بينج، لتقويض النفوذ الدولى لروسيا من خلال استبعاد القادة الروس من قمة الصين وآسيا الوسطى. ولعل هذه الخطوة تشير إلى تحفظات الصين بشأن الدعم الكامل للجهود الحربية الروسية فى أوكرانيا.

ثالثا: نحو أفرقة النظام العالمى

يمكن تحليل تأثير قمة «G7» مجموعة السبع، وقمة الصين وآسيا الوسطى على إفريقيا من وجهات نظر مختلفة:

1ــ التداعيات الاقتصادية: نظرا لأن دول مجموعة السبع تهدف إلى الحد من استغلال الصين للاستثمارات الأجنبية وسلاسل التوريد، فقد تكون هناك تداعيات محتملة على الدول الإفريقية التى لها علاقات اقتصادية قوية مع الصين. قد تؤدى هذه القيود إلى إعادة تقييم العلاقات الاستثمارية والتجارية بين الصين والدول الإفريقية، مما قد يؤدى إلى تغيير ديناميكيات التعاون الاقتصادى بين إفريقيا والصين.

2ــ تطوير البنية التحتية: قد يكون لالتزام مجموعة الدول السبع الكبرى باستثمار 600 مليار دولار فى الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار كقوة موازنة لمبادرة الحزام والطريق الصينية آثار على تطوير البنية التحتية فى إفريقيا. فقد تلقت البلدان الإفريقية استثمارات كبيرة فى البنية التحتية من خلال مبادرة الحزام والطريق، وقد تقدم المبادرة البديلة لمجموعة السبع فرصا جديدة لمشاريع البنية التحتية فى المنطقة.

3ــ التحولات المحتملة فى السياسة الخارجية: قد يتردد صدى إدانة مجموعة السبع لما يسمى «الإكراه الاقتصادى» والتركيز على نظام عالمى عادل فى البلدان الإفريقية التى واجهت تحديات مماثلة فى علاقاتها مع الصين. وقد تجد الدول الإفريقية مواءمة مع مبادئ وسياسات مجموعة السبع، مما يؤدى إلى تحولات محتملة فى أولويات سياستها الخارجية وشراكاتها. وفى هذه الحالة قد تصبح الحكومات الإفريقية أكثر حذرا فى تعاملها مع الصين وتسعى إلى تحقيق توازن بين التعاون الاقتصادى وحماية مصالحها الوطنية.

4ــ التأثيرات فى الديناميكيات الإقليمية: يمكن أن يكون لنتائج هاتين القمتين آثار مضاعفة على الديناميكيات الإقليمية داخل إفريقيا. ففى الوقت الذى تواجه فيه مجموعة الدول السبع وحلفاؤها نفوذ الصين، قد تقوم الدول الإفريقية بتقييم ميزان القوى وتعديل تحالفاتها الإقليمية وفقا لذلك. وربما يكون من المحتمل أن يؤثر ذلك فى المنظمات الإقليمية والاتفاقيات التجارية والتحالفات الدبلوماسية، مما قد يؤدى إلى ديناميكيات جيوسياسية جديدة فى إفريقيا.

أضف إلى ما سبق أنه من المتوقع وفقا لمنظور أفرقة النظام العالمى أن تكون إفريقيا من بين الرابحين فى هذه المباراة التى تبدو فى بعض أوجهها صفرية بين الولايات المتحدة والصين:

أولا، يوفر صعود قوى وسطى جديدة، بما فى ذلك الهند والبرازيل والصين وبعض دول الشرق الأوسط القوية، فرصا لزيادة الاستثمار والتجارة والشراكات مع الدول الإفريقية. ويمكن أن يؤدى ذلك إلى تحسين البنية التحتية والتقدم التكنولوجى وزيادة فرص الوصول إلى الأسواق للسلع والخدمات الإفريقية.

ثانيا، تخلق التحولات المتسارعة بين القوى الكبرى مجالا للبلدان الإفريقية لتنويع ارتباطاتها الدبلوماسية والاقتصادية. فمن خلال التحول فى بناء الشراكات الاستراتيجية فى هذا النظام العالمى المتغير، يمكن لإفريقيا تعزيز قوتها التفاوضية، والتفاوض على شروط أكثر ملاءمة فى الاتفاقيات الدولية.

ثالثا، بالإضافة إلى ذلك، فإن تركيز التحول الدولى على الطاقة المتجددة والتنمية المستدامة والتقنيات الرقمية يوفر لإفريقيا فرصة لتسريع تقدمها الاقتصادى والاجتماعى. ومن خلال جذب الاستثمارات فى مشاريع الطاقة النظيفة والبنية التحتية الرقمية والابتكار، يمكن للدول الإفريقية تعزيز النمو الشامل والتنمية.

ختاما، وفقا لمنظور أفرقة النظام العالمى ــ الذى يبدو أكثر تفاؤلا فيما يتعلق بالدور الإفريقى فى إعادة صياغة النظام العالمى ــ فإن موقع إفريقيا فى المشهد العالمى المتغير يطرح سبلا وإمكانات عديدة للنمو والتنمية. ويمكن للقارة الاستفادة من ظهور قوى وسطى جديدة، وتنويع مشاركاتها، واحتضان الطاقة المتجددة والتقدم الرقمى. وهكذا يمكن تغيير المعادلة التاريخية لتصبح القارة الإفريقية فاعلا يسهم فى إعادة تشكيل هذه الفوضى العالمية التى نشهدها منذ نهاية الحرب الباردة.

*لينك المقال في الشروق*