أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

انكشاف طهران:

هل يعرقل اغتيال "فخري زاده" البرنامج النووي الإيراني؟

29 نوفمبر، 2020


أعاد اغتيال العالِم النووي الإيراني "محسن فخري زاده" الملف النووي الإيراني إلى بؤرة الاهتمام ضمن الملفات المرشحة لأن تكون الأكثر سخونة في المرحلة المقبلة، خصوصًا أن توقيت حدوث هذه العملية أتى في الفترة الفاصلة قبل تسلم الإدارة الأمريكية الجديدة مهامها مع وجود توجه لدى الرئيس المنتخب "بايدن" بإعادة التفاوض على الاتفاق النووي مع إيران، وتغيير مقاربة سلفه "ترامب" -الذي تشرف ولايته على الانتهاء- حيال هذا الملف.

وفي الوقت الذي اتهم فيه الرئيس الإيراني "حسن روحاني" إسرائيل بالقيام بهذا الاغتيال بالتواطؤ مع "قوى الاستكبار العالمي" على حد تعبيره، واعتبر ذلك عجزًا من قبل هذه القوى أمام الحراك العلمي وقدرات الشعب الإيراني؛ لم يعلق أي مسؤول رسمي إسرائيلي على هذا الاتهام. وفي حين أدان وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف" العملية، ودعا إلى تحمل المجتمع الدولي مسؤولياته؛ فإن المرشد الأعلى "خامنئي" دعا إلى ضرورة مواصلة العمل العلمي للعالم "فخري زاده"، كما شدد كل من "حسين دهقان" و"حسين سلامي" على أهمية محاسبة مرتكبي عملية الاغتيال.

دلالات مقتل "فخري زاده":

لا يمكن لعملية استخباراتية بهذا الحجم في دولة كإيران تحاول توسيع نفوذها، وتسعى لكسر التوازنات الإقليمية القديمة، وفرض أخرى جديدة؛ إلا أن تكون لها دلالات شديدة الأهمية، يمكن الإشارة إليها على النحو التالي:

1- عمليات اغتيال سابقة: يمكن إدراج عملية اغتيال "فخري زاده" باعتبارها حلقة ضمن مسلسل أوسع، حيث بلغ عدد الاغتيالات التي استهدفت علماء نوويين إيرانيين خمسة منذ عام 2010 (مسعود علي محمدي، ماجد شهرياري، حسن مغدم.. إلخ)، وكلها بقيت مجهولة التنفيذ؛ إلا أن الصحفي الإسرائيلي "يوسي ميلمان" يشير إلى أن الموساد الإسرائيلي كان وراء هذه العمليات. كما ذكر على حسابه على تويتر أن "فخري زاده" كان هدفًا مطلوبًا للموساد منذ عدة سنوات.

2- اختراق الداخل الإيراني: طلب مراقبو الأمم المتحدة في السابق استجواب "فخري زاده"، إلا أن السلطات الإيرانية لم تُتِح لهم الوصول إليه. ويشير تقرير لوكالة "رويترز" تم نشره في 27 نوفمبر 2020، إلى أن مجموعة إيرانية في المنفى تحمل اسم "المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية" كانت أول من سلم معلومات عنه في عام 2011 في إطار الكشف عن معلومات عن برنامج إيران النووي. وتكشف حادثة الاغتيال كما جرت أن المنفذين توصلوا إلى معرفة المبنى الذي يعمل به وكيفية خروجه من مكتبه، على الرغم من التعتيم الرسمي الإيراني حول هوية هذا العالم، والتي لم يكن متاحًا الوصول إليها إلا عبر اختراق داخلي معلوماتي واسع النطاق.

3- انكشاف أمني: يُسلط اغتيال "فخري زاده"، وهو ثاني شخصية عسكرية إيرانية رفيعة المستوى يتم استهدافها في عام 2020 بعد "قاسم سليماني"، الضوء على فداحة الإخفاق الأمني الذي تعاني منه إيران والمتعلق بكيفية حماية كبار قيادييها، كما أن عملية اغتيال "فخري زاده" حصلت في النهار وبالقرب من العاصمة الإيرانية طهران، على عكس عملية اغتيال "سليماني" التي حصلت خارج الأراضي الإيرانية، مما يطرح تساؤلات جدية حول إمكانية توسع عمليات الاغتيال في المستقبل، ووصولها إلى أي مستوى.

4- تحجيم التخصيب النووي: قابلت إيران انسحاب أمريكا "ترامب" بشكل أحادي من الاتفاق النووي الإيراني، وإعادة فرضه عقوبات عليها؛ بالتنصل من العديد من الالتزامات الجوهرية التي تعهدت بها والتي تم تضمينها في قرار مجلس الأمن رقم 2231. وعلى الرغم من تشديد إيران على أن تخصيب اليورانيوم الذي تقوم به هو من أجل توليد الطاقة النووية واستخدامها لأهداف سلمية؛ إلا أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية نبّهت مؤخرًا في بداية شهر نوفمبر 2020 إلى أن إيران باتت تمتلك 12 ضعف اليورانيوم المخصب المسموح لها ضمن الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في عام 2015، وبالتالي فإن حدوث هذا الاغتيال ربما يأتي في سياق رغبة البعض في كبح جماح اندفاعة السلطات الإيرانية نحو زيادة التخصيب.

5- تسليط الضوء على برنامج إيران السري: في حين ذكرت وزارة الدفاع الإيرانية في بيان وفاة "فخري زاده" أنه كان يشغل منصب رئيس منظمة البحث والتطوير فيها؛ إلا أن كثيرين -ومن ضمنهم الرئيس الإسرائيلي "نتنياهو"- يعتبرونه "أب البرنامج النووي الإيراني العسكري"، وفقًا لوثائق حصلت عليها المخابرات الإسرائيلية بعد عملية اختراق قامت بها لأرشيف إيران النووي. وعلى الرغم من نفي إيران المتكرر لامتلاكها مثل هذا البرنامج، وأن هذه الوثائق مزورة؛ إلا أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية طالبت إيران بالدخول إلى مواقع سرية تم ذكرها في هذه الوثائق، ويمكن إدراج عملية اغتيال "فخري زاده" ضمن محاولة البعض إعادة تسليط الضوء على مشروع آماد AMAD الذي يهدف إلى التوصل سريًّا إلى صنع القنبلة النووية الإيرانية، حيث تعتبر الكثير من التقارير أن هذا المشروع بقي مستمرًّا تحت إشراف "فخري زاده" على الرغم من الإعلان رسميًّا عن توقفه منذ عام 2003.

تداعيات ما بعد الاغتيال:

يمكن رصد تداعيات الاغتيال من خلال التطورات في السياقات التالية:

1- مستقبل البرنامج النووي: أجمعت معظم التصريحات الإيرانية على أن اغتيال "فخري زاده" لن يوقف التقدم في البرنامج النووي الإيراني، مثل رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية "علي أكبر صالحي" الذي اعتبر أن "المسار الذي ينتهجه "فخري زاده" يستمر الآن وبشكل أكثر كثافة"، كما أوردت صحيفة "الجارديان" في تقرير لها أن الاغتيال لن يكون له تأثير كبير على البرنامج النووي الإيراني ولكنه سيصعب عملية إنقاذ الاتفاق النووي الذي يحاول تقييد هذا البرنامج؛ غير أن هناك محللين آخرين يرون أنه ليس لدى إيران المقدرة على إيقاف استهداف علمائها النوويين، مما سيؤثر في المستقبل القريب على قدراتها على تطوير برنامجها النووي.

2- عرقلة مساعي "بايدن": قبل حدوث عملية الاغتيال، طالبت الخارجية الإيرانية الإدارة الجديدة للبيت الأبيض بالعودة إلى مسار التعهدات الدولية واحترام حقوق الشعب الإيراني. وعلى الرغم من كون مسألة إعادة التفاوض مع الطرف الأمريكي لا تحظى بتأييد كل التيارات الإيرانية؛ إلا أنه -بحسب مصادر وزارة الخارجية الإيرانية- لا علاقة للتيارات السياسية برسم السياسة الخارجية الإيرانية القائمة فقط على تقييم المصالح الوطنية. وعلى الرغم من كون مستقبل العلاقة مع أمريكا ليس بهذه البساطة؛ لكن يجب الانطلاق في مرحلة إعادة التفاوض من عدم ربط الملف النووي الإيراني بمواضيع أخرى كبرامج الصواريخ الباليستية أو التمدد الإقليمي لإيران. فيما أبدى "محمد جواد ظريف" استعداد بلاده للعودة إلى كامل التزاماتها في حال عودة أمريكا إلى الاتفاق النووي، ورفع جميع العقوبات الأمريكية عن إيران. وعلى الطرف المقابل، قام "نتنياهو" بتوجيه رسالة إلى "بايدن" أعلن فيها معارضته لعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي. وبالتالي فإنه يمكن إدراج تداعيات عملية الاغتيال في سياق عرقلة المساعي الدبلوماسية الأمريكية لاستعادة التفاوض مع إيران، خصوصًا أن إيران بعد الاغتيال ربما قد يصدر عنها رد فعل يزيد من تأزم الوضع الإقليمي.

3- زيادة التوتر الإيراني-الإسرائيلي: بدا واضحًا من خلال التعليقات التي أعقبت الاغتيال أن الإيرانيين متيقنون من وقوف الجانب الإسرائيلي وراء الاغتيال، وأن هذا التنفيذ لا يمكن أن يحصل من دون ضوء أخضر من الجانب الأمريكي، سواء من قبل الرئيس "ترامب" الذي أعاد تغريد خبر عن اغتيال "فخري زاده" على حسابه على تويتر، أو من قبل الرئيس "بايدن" الذي لم يصدر عن أي طرف من فريقه أي تعليق على العملية، وبالتالي فإن الطرف الإسرائيلي ربما يستغل الأيام المتبقية من ولاية الرئيس "ترامب" لضرب أهداف إيرانية جديدة، ومحاولة إضعاف إيران، خصوصًا في ظل كشف معلومات عن أن "ترامب" قام باستيضاح رأي مستشاريه حول إمكانية ضرب مفاعلات نووية في إيران.

4- التوظيف الداخلي لعملية الاغتيال: يربط بعض المراقبين بين الضربات العسكرية التي تتلقاها إيران وبين تراجع التيار الإصلاحي فيها أو المعارضة، حيث أدى اغتيال "سليماني" في بداية العام الحالي إلى خروج مظاهرات ضخمة في كامل أنحاء البلاد للتنديد بعملية الاغتيال رغم أن "سليماني" كان يمثل المشروع التوسعي الذي كان يستنزف أموال الإيرانيين في الخارج التي خرج المحتجون للمطالبة بها لتحسين وضعهم الاقتصادي، وبالتالي فإن الانتخابات الرئاسية الإيرانية القادمة في صيف 2021 لن تكون بمنأى عن محاولة توظيف التيار المحافظ الإيراني لمثل هذه الاعتداءات والتداعيات التي يمكن أن ينتج عنها تشديد سيطرته الداخلية.

ختامًا، يمكن إدراج الأهداف غير المباشرة لعملية اغتيال "فخري زاده" في محاولة إضعاف إيران، وإظهار القدرة على اختراقها من الداخل، وإجبارها على تحمل الضربات دون تمكينها من الرد كما كان يحدث في الضربات الإسرائيلية على القوات الإيرانية في سوريا. أما الأهداف المباشرة فتكمن في عرقلة منح الشرعية الدولية من جديد للبرنامج النووي الإيراني.