يبدو أن تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" يسعى إلى توسيع نطاق نشاطه في منطقة الساحل الأفريقي خلال الفترة القادمة، خاصة أنه يعتبرها إحدى أهم معاقله الرئيسية، وذلك من خلال تكثيف هجماته الإرهابية، ليس فقط ضد جيوش المنطقة، ولكن أيضاً ضد القوات الدولية الموجودة فيها. وفي هذا السياق، أعلنت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، التي تعد المظلة "القاعدية" الأكبر في الساحل والصحراء، مسئوليتها عن الهجوم الإرهابي الذي أدى إلى مقتل جندي فرنسي في شمال مالي في 23 يوليو الفائت، وهو ما يطرح تساؤلات حول أهم الدلالات التي يطرحها ذلك، خاصة أن هذا التصعيد يأتي في وقت تسعى فرنسا إلى مواجهة خطر الإرهاب المتصاعد في منطقة الساحل والصحراء، بشكل أصبح يهدد مصالحها الحيوية في تلك المنطقة.
توقيت لافت:
جاء هجوم تنظيم "القاعدة" ضد القوات الفرنسية المرابطة في منطقة الساحل والصحراء، والتي تعمل ضمن قوة "برخان" التي تضم ما يقرب من 5100 جندي فرنسي، في وقت تشهد المنطقة منافسة قوية بين المجموعات الموالية للتنظيم وتلك الموالية لـ"داعش" على النفوذ في أفريقيا، في ظل محاولة الأخير تأسيس خلايا وفروع تابعة له في مناطق جديدة من القارة الأفريقية، وهو ما ظهر من خلال تنفيذه لعمليات إرهابية في مناطق بعيدة عن معاقله الرئيسية مثل غرب وشرق أفريقيا، على غرار هجماته في موزمبيق والكونغو، ليس فقط لتأكيد استمرار نشاطه، وإنما أيضاً لإثبات قدرته على التمدد في مناطق متفرقة وفي وقت واحد.
واللافت للانتباه في هذا الإطار، أن الهجوم الأخير جاء بعد تصريحات لوزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي، في 13 يوليو الفائت، قالت فيها أنه سيتم الشروع في نشر قوات خاصة مشتركة تابعة للاتحاد الأوروبي في مالي لمواجهة الخطر المتصاعد للتنظيمات الإرهابية، وأضافت أنه "بالرغم من أن المجموعات الإرهابية باتت أكثر ضعفاً، إلا أنها تلجأ بشكل متزايد لتجنيد الأطفال القصر".
دلالات مختلفة:
يطرح استمرار وتصاعد هجمات تنظيم "القاعدة" ضد القوات الفرنسية في منطقة الساحل الأفريقي، في ذلك التوقيت الذي تسعى فيه باريس إلى تحجم نفوذ المجموعات الإرهابية فى تلك المنطقة، سواء من خلال التعاون مع جيوش المنطقة وتقديم الدعم اللازم لها، أو عبر مشاركتها بقوات عسكرية، مجموعة من الدلالات التي يتمثل أبرزها في:
1- التشكيك في الجهود الفرنسية: جاء الهجوم الأخير بعد قرابة شهر من مشاركة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في 30 يونيو الماضي، مع قادة كل من موريتانيا ومالي وبوركينافاسو والنيجر وتشاد، في قمة نواكشوط التي بحثت سبل تعزيز القوة المشتركة لدول الساحل، والدعم المالي لجيوش هذه الدول، وبسط نفوذ الدول على المناطق التي لم تعد خاضعة لسيطرة الجماعات الإرهابية والمسلحة، وذلك للحد من مخاطر الإرهاب المتصاعد في تلك المنطقة، وهو ما يشير إلى أن "القاعدة" يسعى إلى إضفاء شكوك حول مدى نجاح الجهود الفرنسية لمواجهة الإرهاب في تلك المنطقة، والترويج إلى أنه لا يمكنها القضاء على المجموعات الإرهابية النشطة فيها.
2- التنافس الجهادي: يبدو أن منطقة الساحل والصحراء، التي اكتسبت اهتماماً خاصاً من جانب العديد من التنظيمات الإرهابية، على أعتاب مرحلة جديدة سوف تشهد صراعاً قوياً بين تنظيمى "القاعدة" و"داعش"، خاصة أن الأخير يحاول أن يثبت أركانه فيها، وهو ما كشف عنه إعلانه عن نجاح عناصره في قتل القيادي أبو يحيى أمير منطقة الصحراء التابعة لـ"القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، أثناء هجوم شنته على مجموعته فى مطلع مايو الماضي.
وربما يمكن القول إن "القاعدة" يحاول التعامل مع ذلك عبر آليات عديدة، لا تنحصر فقط في محاولات الرد على هجمات "داعش" بهجمات مضادة، وإنما تمتد أيضاً إلى مهاجمة القوات الفرنسية، وهى الآلية التي تحظى بتأييد خاص من جانب مجمل المجموعات الإرهابية لاعتبارات ترتبط بتوجهاتها الأيديولوجية، بما يزيد من احتمالات تكرارها مرة أخرى في الفترة القادمة.
3- التركيز على الهدف المشترك: حاول تنظيم "القاعدة" في منطقة الساحل الأفريقي احتواء كل المجموعات الإرهابية الأخرى التي ظهرت في تلك المنطقة، باستثناء "داعش"، سواء عبر التعاون معها أو من خلال الانخراط معها في تحالفات تحت مظلته، على غرار تأسيسه لجماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التي أعلن عنها في مارس 2017، والتي تعد أكبر وأوسع تحالف "قاعدي" في العالم. ومن هنا، فإن شن هجمات إرهابية ضد القوات الفرنسية، التي تمثل الهدف المشترك للمجموعات الإرهابية، يمكن أن يساهم، وفقاً لرؤية التنظيم، في تعزيز التماسك التنظيمي بين المجموعات "القاعدية" المتعددة في منطقة الساحل.
4- الانتقام لمقتل دروكدال: لا يمكن فصل مثل هذه النوعية من الهجمات عن محاولات تنظيم "القاعدة" الرد على الضربة القوية التي تعرض لها بمقتل قائده السابق عبد الملك دروكدال المعرف بـ"أبو مصعب عبد الودود" في 3 يونيو الماضي، من خلال عملية نوعية قامت بها القوات الفرنسية بدعم من شركائها المحليين في المنطقة، خاصة بعد أن أكدت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي على أن العملية كانت بمثابة "ضربة قاصمة للجماعات الإرهابية". ومن دون شك، فإن ذلك يرتبط أيضاً بمحاولات التنظيم تجنب بروز ظاهرة الانشقاقات التي يمكن أن يتعرض لها في أى وقت في حالة ما إذا لم يرد على تلك الضربة، في ظل الضغوط التي يمارسها بعض قياداته في هذا السياق.
ختاماً، يمكن القول إن الفترة القادمة قد تشهد مزيداً من الهجمات الإرهابية من قبل تنظيم "القاعدة" والمجموعات الموالية له على نحو سوف يزيد من حالة عدم الاستقرار في هذه المنطقة، ويضفي أهمية خاصة على مواصلة التنسيق الأمني والسياسي بين القوى المعنية بها.