أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

إعاشة الطوارئ:

الأبعاد السياسية لاقتصاديات أجهزة التنفس الاصطناعي في المنطقة العربية

15 أبريل، 2020


أدى تزايد معدلات الإصابات والوفيات بفيروس "كورونا" على مستوى العالم إلى تصاعد الطلب بشكل غير مسبوق على المعدات الطبية بما في ذلك أجهزة التنفس الاصطناعي، وهو ما قاد تباعاً إلى ارتفاع أسعارها، الأمر الذي فرض على المراكز البحثية، والجامعات، والشركات الخاصة في الدول العربية التجهيز لإنتاج هذه النوعية من الأجهزة، شريطة التزامها بمعايير الجودة والكفاءة، لأنها مسألة تتعلق بحياة ليس فقط الأفراد وإنما المجتمعات. وقد برزت عدة أبعاد سياسية لتزايد اقتصاديات أجهزة التنفس الاصطناعي في الإقليم، ومنها تعزيز شرعية النظم السياسية الحاكمة، وتأمين احتياجات السوق المحلية، واختبار التعاون بين الهيئات والمؤسسات الحكومية، وتصاعد مطلب نواب البرلمان بتصنيع أجهزة محلية للتنفس الاصطناعي، وتعزيز الشراكة مع الهيئات الطبية المحلية الخاصة، وتشكل إرهاصات "أنسنة" في التفاعلات الدولية والإقليمية.

طلب متصاعد:

تعددت محاولات وتجارب إنتاج شركات التصنيع في المنطقة العربية كميات من أجهزة التنفس الاصطناعي، نظراً لإيقاف الدول المصنعة تصديرها من ناحية وتزايد الطلب الهائل عليها لمواجهة فيروس "كورونا" المستجد من ناحية أخرى، بل إن هناك توجهاً عالمياً بتحويل نشاط عدد من الشركات الدولية ذات الصيت لتصنيع وإنتاج أجهزة التنفس الاصطناعي مثل "فورد" و"جنرال موتورز" و"بيجو" و"سيتروين" و"تيسلا"، إذ تقوم تلك الأجهزة بوظائف إمداد الأكسجين ومحاكاة عملية التنفس، على نحو يسمح لرئتى المريض بالراحة والتعافي. وبدون دعم التهوية، قد لا يستطيع عدد من المرضى، الذين يعانون من أمراض الجهاز التنفسي الحادة، العيش.

وتتمثل الأبعاد السياسية لتبلور نمط اقتصاديات أجهزة التنفس الاصطناعي في الدول العربية، مثل مصر والسودان والمغرب والجزائر وسوريا والعراق، في:

شرعنة الأسد:

1- تعزيز شرعية النظم السياسية الحاكمة: أعلن رئيس اتحاد غرف الصناعة في سوريا عضو مجلس الشعب فارس الشهابي عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، في 9 إبريل الجاري، عن تصنيع جهاز التنفس الاصطناعي "أمل" بشكل كامل محلياً وفق المعايير الدولية شكلاً ومضموناً، حيث قال: "أمل تقدم عدة خدمات متميزة وعملها متطور وصناعتها معقدة ونتائج اختباراتها حتى الآن ممتازة.. لكننا قررنا تمديد فحصها أسبوعاً قبل أن نسلمها إلى وزارة الصحة لتجري عليها مزيداً من الاختبارات والملاحظات قبل اعتمادها أصولاً..، نحن متفائلون جداً بنجاحه"، وهو ما يصب في مصلحة النظام السوري الذي تحاول الجهات التابعة له تصميم جهاز اصطناعي لمواجهة حالات "كورونا" في الوقت الذي يخوض حرباً لمواجهة الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية وتدخلات القوى الإقليمية.

صناعة محلية:

2- تأمين احتياجات السوق المحلية: تعاني بعض دول الإقليم من نقص في الأجهزة التنفسية الاصطناعية، وهو ما يفسر اجتهاد الهيئات الصحية لتوفيرها بصناعة ذاتية تعوض النقص الحاصل من هذه المعدات المستوردة وتؤمِّن حاجة السوق المحلية في حال استمرار انتشار فيروس "كورونا"، الأمر الذي تتجه إليه عدد من المبادرات الخاصة في دول مثل مصر والسعودية ولبنان بتشكيل مجموعات عمل من أطباء ومهندسين وتقنيين بهدف ابتكار وتصميم نماذج أولية لأجهزة التنفس محلية الصنع. 

وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى مبادرة "تنفس" التي طرحها الدكتور مدحت نافع رئيس الشركة القابضة التابعة للصناعات المعدنية، وعدد من المهتمين، في إبريل 2020، لتصنيع خمسة آلاف جهاز تنفس اصطناعي، حيث تم تشكيل مجموعات عمل مكونة من (لجنة مركزية- حاضنة مجموعات بحثية- مجموعة عمل التمويل- مجموعة عمل الاتصال وتبادل المعلومات- مجموعة عمل تحليل الاحتياجات والمكونات- مجموعة عمل دراسة مواقع المصانع وتأهيلها) لمواجهة احتمالات تفشي فيروس "كورونا"، مع الأخذ في الاعتبار ندرة بعض الأجهزة اللازمة لتشغيل الجهاز.

تناغم مؤسساتي:

3- اختبار التعاون بين الهيئات والمؤسسات الحكومية: كشفت وزارة الصناعة والمعادن العراقية، في بيان لها في 8 إبريل الجاري، عن نجاح شركة "أور العامة" في تصنيع نموذج رابع لجهاز التنفس الاصطناعي، وذكر البيان أن الإنجاز يأتي "بعد نجاح كل من الشركة العامة للزجاج والحراريات والشركة العامة للصناعات الكهربائية والإلكترونية وشركة الزوراء العامة في تصميم وتصنيع نماذج لأجهزة التنفس الاصطناعي اعتماداً على الجهود والإمكانات الذاتية والخبرات المتراكمة لكوادرها من أجل إسناد ودعم وزارة الصحة وتلبية حاجتها من هذه الأجهزة لإسعاف المصابين بفيروس كورونا".

وأضاف البيان أن "الشركة كانت سباقة في اتخاذ قرارات عدة أهمها تشكيل خلية أزمة أخذت على عاتقها تنفيذ جميع الإجراءات الوقائية والاحترازية للوقاية من الفيروس وتشكيل فريق فني هندسي لتصنيع جهاز تنفس اصطناعي وفق الإمكانيات المتاحة"، لافتاً إلى أن "الفريق تمكن وبوقت قياسي وكلفة رمزية من تصنيع الجهاز حسب المواصفة العلمية والفنية المطلوبة". وأكد أن "نجاح تصنيع جهاز التنفس الاصطناعي يثبت قدرة الصناعة العراقية على الإنتاج والعطاء في كل الظروف والصعاب لخدمة البلد والمواطن". 

وينطبق ذلك على المغرب التي تحاول البدء في تصنيع أجهزة التنفس الاصطناعي لمكافحة فيروس "كورونا"، حيث تشير بعض وسائل الإعلام إلى توفير 500 جهاز للاستخدام، في منتصف إبريل الجاري، بعد التعاون بين وزارة الصناعة ووزارة الصحة وهيئات عامة أخرى وقطاع صناعة الطيران والإلكترونيات. وكذلك الحال بالنسبة للسودان، إذ أعلن وزير الثقافة والإعلام فيصل محمد صالح، في 28 مارس الماضي، عن تصنيع أجهزة للتنفس الاصطناعي في بلاده، بالتعاون مع التصنيع الحربي.

كما وقع اتحاد الصناعات وبنك الشفاء مذكرة تفاهم مع الهيئة المصرية للشراء الموحد، في 6 إبريل الجاري، للمساهمة بالدعم المالي لرفع كفاءة وصيانة 460 جهاز تنفس اصطناعي بالقطاع الطبي الحكومي، وهو ما يأتي في سياق الإجراءات التي تتخذها الحكومة المصرية لمواجهة "كورونا"، والتي من شأنها التأكد من جاهزية المنشآت الطبية ووحدات الرعاية المركزة للتعامل مع الحالات الخطرة التي تصاب بخلل في وظائف الجهاز التنفسي، وأيضاً في ظل العجز العالمي في توفير الأعداد المطلوبة من أجهزة التنفس الاصطناعي. ودعا اتحاد الصناعات وبنك الشفاء مجتمع الأعمال والمجتمع المدني للانضمام لهذه المبادرة لمساندة الجهود الحكومية.

إحاطة برلمانية:

4- تزايد مطالب نواب البرلمان بتصنيع أجهزة محلية للتنفس الاصطناعي: وهو ما عبرت عنه الحالة المصرية، إذ تقدم عضو مجلس النواب عن دائرة حلوان إسماعيل نصر الدين، بطلب إحاطة، في 31 مارس الماضي، موجه لرئيس مجلس الوزراء، ووزير التجارة والصناعة، ورئيس اتحاد الصناعات، طالب فيه بضرورة تفعيل دور المصانع المصرية لإنتاج أجهزة تنفس اصطناعي لمواجهة تداعيات فيروس "كورونا". ولعل ذلك يتزامن مع وجود تحالف يضم عدداً من المؤسسات الاصطناعية الوطنية المصرية، وعلماء مصريين بالخارج، وأساتذة جامعات، لتصنيع جهاز تنفس اصطناعي بتكلفة أقل من الجهاز المستورد، وهو ما يتسق مع توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي بالعمل على تصنيع أجهزة التنفس الاصطناعي والمستلزمات الطبية في البلاد.   

مبادرات الفاعلين: 

5- تعزيز الشراكة مع الهيئات الطبية المحلية الخاصة: قامت الشركة الجزائرية الخاصة (غلوبال ألجيريان تكنولوجي) بتطوير نموذج أولي لجهاز تنفس اصطناعي قابل للتشغيل، وذلك بالتعاون مع منتدى رؤساء المؤسسات، وبالشراكة مع مركز تطوير التكنولوجيات المتقدمة وجامعة عين تموشنت، وكذلك الوزارات المعنية، فضلاً عن جزائريين من كفاءات المهجر، شريطة اعتماده من قبل السلطات الصحية والهيئات الاصطناعية، وفقاً لتصريحات صحفية في 2 إبريل الجاري.

وقال منتدى رؤساء المؤسسات في بيانه حول هذا النموذج: "هذا الإنجاز دليل قاطع على التزامنا من أجل تطوير البحث العلمي والتنمية في مؤسساتنا، تقريب المؤسسات والجامعات ومراكز البحث العلمي وتسهيل مرافقة مبادرات الفاعلين الاقتصاديين من أجل إنتاج قيمة مضافة حقيقية في محيطنا الاقتصادي لبلادنا وللسكان". 

أنسنة عالمية:

6- تشكل إرهاصات "أنسنة" في التفاعلات الدولية والإقليمية: برز تكاتف عالمي لمواجهة الوباء، لاسيما بعد تكدس غرف العناية المركزة في بعض الدول بالمصابين بفيروس "كورونا"، وهو جزء من إشكالية حادة تواجهها المنظومات الطبية في الدول المتقدمة والنامية، على نحو دفع بعض القوى الدولية مثل روسيا والصين، والقوى الإقليمية مثل الإمارات ومصر إلى توجيه مساعدات لدول كبرى لمواجهة فيروس "كورونا". 

وفي هذا السياق، يمكن القول إن الشركات العالمية المنتجة لأجهزة التنفس الاصطناعي تتجه لإنتاج كميات كبيرة وبأسعار زهيدة للوفاء باحتياجات المستشفيات على مستوى العالم لإنقاذ آلاف الأرواح، بل إن هناك بعض الشركات منحت حقوق التصنيع لكل الدول مجاناً لاسيما بعد نجاح إحدى الشركات البولندية في تصميم جهاز تنفس اصطناعي "فنتيل إيد" بسعر لا يتعدى 44 يورو، وفقاً لما ذكرته وكالة أنباء الشرق الأوسط في 3 إبريل 2020. غير أن ذلك لا ينفي أن هناك اتجاهاً مضاداً، وإن كان أقل تأثيراً في التفاعلات الدولية، يعكس حسابات براجماتية في المقام الأول.

دلالات عاكسة:

خلاصة القول، إن هناك دلالات سياسية عاكسة لعملية إنتاج أجهزة تنفسية اصطناعية في دول الإقليم ومنها أهمية التوطين المحلي للصناعات الطبية وخاصة في فترات الأزمات، وتوفير مساحات لتعاون المؤسسات الحكومية مع بعضها، وتنسيق الجهود بين الهيئات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني للتصدي لهذا الخطر، وتجاوز حقوق الملكية الفكرية من الشركات العالمية لصالح الهيئات الطبية المحلية بما يعطي نوافذ فرصة لمواجهة خطر وباء عالمي.