أخبار المركز
  • إصدارات جديدة لمركز "المستقبل" في معرض الشارقة الدولي للكتاب خلال الفترة من 6-17 نوفمبر 2024
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

استغلال الأزمة:

أهداف تركيا من إنشاء خط أنابيب الغاز الطبيعي مع ناخيتشيفان

22 ديسمبر، 2020


بذلت تركيا جهوداً حثيثة لاستغلال النزاع الذي تجدد بين أرمينيا وأذربيجان حول إقليم ناجورني قره باغ منذ 27 سبتمبر الماضي، والذي لم يلبث أن توقف بعد أن توصل الطرفان إلى اتفاق هدنة بينهما برعاية روسية في 10 نوفمبر الفائت. وقدمت أنقرة مساعدات لوجستية وعسكرية لأذربيجان اعتبرتها اتجاهات عديدة حاسمة في استعادة الأخيرة بعض مدن الإقليم. ولكن في مقابل ذلك، سهَّلت باكو مشاريع اقتصادية لأنقرة هناك، حيث من المقرر إنشاء خط أنابيب للغاز الطبيعي يصل الأخيرة بإقليم ناخيتشيفان الآذري، الذي يتمتع بحكم ذاتي، بالإضافة إلى خطة لبناء سكة حديد بين الطرفين. ومن المرجح أن تزعج هذه المشاريع التي ستزيد من النفوذ الجيوسياسي لتركيا، أطرافاً إقليمية أخرى مثل إيران وروسيا، على نحو قد يضع حدوداً للطموح التركي بالمنطقة.

اتفاق مشترك:

وقَّعت تركيا وأذربيجان، في 15 ديسمبر الجاري، اتفاقاً يقضي ببناء خط أنابيب للغاز الطبيعي يصل بين مدينة إغدير شرقى تركيا والحدود مع ناخيتشيفان، الإقليم الآذري الذي يتمتع بحكم ذاتي، على أن يتم بنائه في غضون عام، وبالشراكة بين شركة "بوتاش" التركية لأنابيب النفط والغاز الطبيعي، وشركة النفط الحكومية الأذربيجانية "سوكار".

وقد تأخر تنفيذ خط الأنابيب السابق، والبالغ طوله حوالي 85 كيلو متر، لعدة سنوات، حيث وقَّع الجانبان التركي والآذري الاتفاق الأساسي لتنفيذ المشروع في عام 2010، ولكن تم تجميده إلى حين اتفاق الدولتين على تسريع مسار بناء خط الأنابيب في فبراير 2020.

ومن المقرر أن تبلغ الطاقة الإنتاجية للمشروع نحو نصف مليار متر مكعب سنوياً، أى ما يوازي حوالي 4% من استهلاك أذربيجان سنوياً من الغاز الطبيعي. ونظراً لأن تركيا دولة مستوردة صافية للطاقة (ومن بينها الغاز الطبيعي)، فإنها، على الأرجح، ستزود ناخيتشيفان بهذه الكميات من خلال إعادة تصدير بعض الإمدادات المارة إلى الشبكة الوطنية للغاز التركية.

ومنذ فترة طويلة، يعتمد إقليم ناخيتشيفان، الذي يقع بمعزل عن أذربيجان وبجوار كل من إيران وأرمينيا وتركيا، على طهران في تزويده باحتياجاته من الغاز الطبيعي، حيث يستورد الغاز الإيراني بموجب اتفاق تبادلي تم إبرامه بين باكو وطهران في عام 2004.

وبموجب هذا الاتفاق، تزود أذربيجان مدينة أستارا الحدودية الشمالية الإيرانية بالغاز الطبيعي وبكميات قدرها 400 مليون متر مكعب سنوياً، وفي المقابل تزود إيران ناخيتشيفان بما يساوي 85% من هذا الحجم، مع خصم 15% منها بمثابة رسوم عبور، وهى الشروط التي سعت باكو منذ عدة سنوات إلى إعادة التفاوض بشأنها. وبالإضافة إلى الغاز الإيراني، يعتمد ناخيتشيفان على مصادر أخرى لتوليد الكهرباء مثل الطاقة الكهرومائية.

مكاسب محتملة:

انتهى النزاع بين أرمينيا وأذربيجان حول ناجورني قره باغ، بموجب اتفاقية هدنة بين الطرفين برعاية روسيا أعلن عنها في 10 نوفمبر الماضي، والتي نصت على نشر قوات حفظ سلام روسية على خطوط التماس بين مناطق نفوذ البلدين بالإقليم. وعلى ما يبدو، فإن روسيا ليست هى الفائز الوحيد من هذا الاتفاق، فبدورها جنت أنقرة بعض المكاسب بفضل ما قدمته لباكو من معدات وأسلحة عسكرية، اعتبرتها اتجاهات عديدة متغيراً أساسياً في حسم النزاع لصالح الأخيرة.

فبعد توقيع الاتفاق، سعت أنقرة لكى تستثمر ما قدمته من دعم عسكري لأذربيجان، حيث وقَّع الطرفان مؤخراً اتفاقاً لتنفيذ خط الأنابيب مع ناخيتشيفان، وهو واحد من ضمن مشاريع أخرى تسعى الأولى إلى تنفيذها لدعم الترابط مع الأخيرة، حيث تخطط بدورها لإنشاء خط سكة حديد "كارس- ناخيتشيفان"، قد يستخدم لنقل البضائع والأفراد بين الجانبين. ومما يعزز من جدوى هذه المشاريع من الناحية التجارية والاقتصادية، أن اتفاق الهدنة بين أرمينيا وأذربيجان نص على إقامة ممر بري تشرف عليه روسيا يربط أذربيجان بإقليم ناخيتشيفان عبر الأراضي الأرمينية.

ومن خلال المشاريع الأخيرة، تسعى تركيا إلى رفع مستوى الشراكة التجارية والاستثمارية مع أذربيجان، وتتطلع لزيادة التجارة معها من 4.5 مليار دولار في عام 2019 إلى 15 مليار دولار بحلول عام 2023. كما بالإمكان ربط خط الأنابيب المزمع إنشائه بشبكة الغاز الممتدة من أذربيجان إلى الأسواق الأوروبية.

وعلاوة على ما سبق، يمكن مد خط سكة حديد من تركيا إلى ناخيتشيفان، وربطه بخط السكة الحديد الواصل بين باكو وتبليسي ومدينة كارس التركية، مما يعطي المشروع دوراً أكثر حيوية على المستوى التجاري في المستقبل.

ومن دون شك، فإن المشاريع الجديدة المتوقع إنشائها بين تركيا وناخيتشيفان تمثل نقطة تحول رئيسية في طريقة تواصل الأخير مع العالم الخارجي. فبعد أن كان يعتمد لعقود على إيران لنقل الطاقة والبضائع، صار بإمكانه الانفتاح على تركيا أيضاً، وهذا من شأنه أن يعيد خارطة النفوذ الجيوسياسي هناك، والتي ستميل تدريجياً لصالح تركيا على حساب القوى الإقليمية الأخرى.

فعلى الرغم من أن خط الأنابيب الجديد لن يزيح إيران كمصدر للطاقة إلى ناخيتشيفان، غير أنه سوف يقلص الاعتماد على الغاز الإيراني بالإقليم، وبالتالي سيحد من النفوذ الجيوسياسي الإيراني، ومما قد يمثل مصدر انزعاج بالنسبة لإيران، التي تبدي أيضاً قلقاً، إلى جانب روسيا، من احتمال اتجاه تركيا إلى إضفاء طابع إقليمي على مشاريعها في ناخيتشيفان، وهو ما سيدفعهما، في الغالب، إلى العمل على تقويضها من أجل الحد من الطموح التركي في آسيا الوسطى.