أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تداعيات واسعة:

العقوبات الاقتصادية وآثارها المحتملة على روسيا وأوكرانيا والاتحاد الأوروبي

02 مارس، 2022


عرض: سهير الشربيني

شنت روسيا هجوماً عسكرياً على الأراضي الأوكرانية، بعد نحو يومين من اعترافها بالمناطق الانفصالية "دونيتسك" و"لوهانسك"، في أوكرانيا كجمهوريات مستقلة. وقد أثار ذلك موجة تساؤلات حول ماهية العقوبات المفروضة على روسيا، في سبيل ردعها عن الاستمرار في الحرب على أوكرانيا، والآثار الاقتصادية المتوقعة جرّاء تنفيذ تلك العقوبات.

يجيب عن تلك التساؤلات، التقرير الخامس والخمسون الصادر في فبراير لعام 2022، عن معهد فينا لدراسات الاقتصاد الدوليThe Vienna Institute for International Economic Studies ، تحت عنوان "الغزو الروسي المحتمل لأوكرانيا: سيناريوهات العقوبات والتأثير الاقتصادي المحتمل على روسيا وأوكرانيا والاتحاد الأوروبي"، من إعداد مجموعة من الباحثين على رأسهم "فاسيلي أستروف"، و"ريتشارد جريفسون". 

وتأتي أهمية ذلك التقرير، لتركيزه على تحليل الآثار الاقتصادية المترتبة على الغزو الروسي والعقوبات ضدها ليس على روسيا فحسب، بل وعلى أوكرانيا والاتحاد الأوروبي كذلك، في ضوء سيناريوين، الأول: سيناريو التدخل العسكري المحدود في أوكرانيا، أما الآخر فسيناريو الغزو الكامل، وهو ما سنستعرض آثاره الاقتصادية في ظل العقوبات المفروضة فيما يلي:

عقوبات قوية وموحدة

توقع التقرير أن يقابل الغزو الروسي لأوكرانيا عقوبات قوية وموحدة من جانب الاتحاد الأوروبي بما في ذلك ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية، كتلك التي نفذها الاتحاد الأوروبي ضد روسيا بعد ضمها لشبه جزيرة القرم في عام 2014.

وفي ذلك السياق، قدم التقرير ثلاثة خيارات للعقوبات الغربية في ظل الغزو الروسي على أوكرانيا، وهي:

الخيار الأول: تقييد أو وقف واردات الطاقة من روسيا، الأمر الذي من شأنه أن يلحق الضرر بروسيا اقتصادياً، وربما يتسبب في حدوث تضخم هائل وركود في الاقتصاد العالمي، بما يؤدي إلى تضرر الاقتصاد الأوروبي بالتبعية، وهو ما وصفه التقرير بكونه "تدميراً اقتصادياً متبادلاً" ستكون تداعياته الاقتصادية ممتدة ومتشعبة.

الخيار الثاني: اللجوء لاستهداف البنوك الروسية، وقطعها عن التمويل بالدولار، الأمر الذي من شأنه أن يخلق اضطراباً مالياً كبير في روسيا، بما يحد من فرص الإقراض والاستثمار، وهو ما سيتطلب من روسيا ضخ المزيد من رأس المال في القطاع المصرفي على نطاق واسع لاحتواء تلك الأزمة.

الخيار الثالث: حظر تصدير الأجزاء عالية التقنية إلى الصناعة الروسية، ولعل أهمية ذلك ترجع إلى كون روسيا لا تزال غير قادرة على شراء مدخلات صناعية مهمة من دول أخرى كالصين، وهو ما ستنعكس آثاره سلباً على بعض الصناعات في روسيا، دون تأثير كبير على الاقتصاد الروسي أو النظام المالي ككل.

الاقتصاد الأوكراني على المحك

تأثر الاقتصاد الأوكراني بالفعل سلباً منذ بداية التهديدات الروسية بغزو قواتها العسكرية للأراضي الأوكرانية، ومع تفاقم الأوضاع سوءاً مع بداية الغزو الروسي لأراضيها فعلياً، فإن التقرير يتوقع أن تشهد قيمة العملة الوطنية في أوكرانيا انخفاضاً كبيراً، علاوة على زيادة تكلفة الاقتراض من الأسواق الخارجية، وتوقف تدفقات رأس المال من قبل المستثمرين من القطاع الخاص، وزيادة الاعتماد على المساعدات المالية الدولية، إضافة إلى المزيد من التباطؤ في التحرك نحو إصلاحات مؤسسية محلية، على المدى الطويل.

وفي ظل حالة عدم اليقين التي تكابدها أوكرانيا، فإن التقرير يرجح أن يؤثر ذلك على ثقة المستهلك والمستثمر بما يساهم في انخفاض الانفاق الاستهلاكي وتأخير المشاريع الاستثمارية، بما في ذلك الاستثمار الأجنبي المباشر. وربما يتطور الأمر لأن تصبح أوكرانيا معتمدة بشكل كبير على الدعم الاقتصادي والعسكري الخارجي، بما يعني مزيداً من عدم الاستقرار الأمني ومن ثم عدم الاستقرار الاقتصادي.

ويشير التقرير إلى التداعيات المترتبة على تدمير أجزاء رئيسية من البنية التحتية لأوكرانيا جرّاء الغزو، خاصة تلك الموجودة في مناطق حيوية كالموانئ الرئيسية الواقعة في أوكرانيا حول "أوديسا" على البحر الأسود، والذي يتم من خلاله نقل ما لا يقل عن 70% من صادرات وواردات أوكرانيا عن طريق البحر.

 كما أنه في حالة تلف جزء من البنية التحتية لخط أنابيب النقل، فسوف يتسبب ذلك في انقطاع إمدادات الطاقة عن جزء كبير من أوكرانيا، بالإضافة إلى انقطاع صادرات الغاز إلى أوروبا. وبالرغم من ذلك، أكد التقرير أن العقوبات المفروضة على روسيا ستكون لها تأثيرات غير مباشرة ومحدودة على الاقتصاد الأوكراني نظراً لتقلص الروابط الاقتصادية بين البلدين بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة.

ارتفاع حاد لأسعار الطاقة 

يشير التقرير إلى أن تكلفة العقوبات بالنسبة لأوروبا ستكون أعلى بكثير من تكلفتها بالنسبة للولايات المتحدة، إذ اعتباراً من عام 2020، وصلت نسبة واردات الوقود المعدني - النفط والغاز الطبيعي وغيرها - من روسيا إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 15% في بعض الدول الأوروبية، وفيما يتعلق باستيراد الطاقة بشكل إجمالي، فإن دول البلطيق وبقية دول أوروبا الشرقية والبلقان هم أكثر المناطق تعرضاً للخطر، نظراً للأهمية التي يمثلها الغاز الطبيعي الروسي في تلك البلدان، التي تعتمد في معظم واردات الطاقة لديها على روسيا.

ومنذ نهاية عام 2020، استحوذت روسيا على نحو 32% من الاستهلاك الأوروبي للغاز الطبيعي، ومن ثم فإن أي قيود على مبيعات شركة "غازبروم" الروسية في أوروبا سيؤدي إلى تحول تصاعدي فوري في أسعار الغاز.

 خاصة أن شركة "غازبروم" قد سلمت نحو 56% من الغاز الطبيعي إلى أوروبا خلال عام 2020، إما على أساس عقود فورية أو عقود آجلة قصيرة الأجل مستحقة خلال شهر واحد، الأمر الذي يعني أن أي زيادة في أسعار الغاز ستصل إلى غالبية المستهلكين الأوروبيين في غضون شهر واحد على الأكثر. 

لذا يرجح التقرير أن تظل أسعار الطاقة مرتفعة خلال الشهور القليلة الماضية تأثراً بالعقوبات المفروضة على روسيا، بما يؤدي إلى زيادة التضخم المرتفع فعلياً وبالتالي زيادة الضغط على الدخل الحقيقي، مع تأثيرات سلبية على النمو الاقتصادي، علاوة على تضرر بعض الصناعات والمصالح التجارية ذات المصلحة المباشرة وغير المباشرة في استمرار التفاعل مع الاقتصاد الروسي.

ليس ذلك فحسب، بل ثمة احتمال كبير أن تتأثر حصة المؤسسات المالية المملوكة للأجانب في البنوك الروسية، والبالغة نحو 4% والبالغ قيمتها حوالي 60 مليار يورو (ما يعادل 67 مليار دولار)، بحزمة العقوبات الغربية، خاصة على مستوى القطاع المصرفي.

تراجع في أداء الاقتصاد الروسي

يتوقع التقرير أن يكون للعقوبات الكبيرة الموقعة على روسيا تداعيات اقتصادية سلبية على الاقتصاد الروسي، فمن ناحية ستكون البنوك الروسية معزولة بشكل كبير عن المعاملات الدولية في ظل العقوبات الدولية، فيما ستعاني بعض الصناعات من حظر التصدير على المكونات والبضائع عالية التقنية المهمة التي يصعب استبدالها بواسطة الإنتاج المحلي أو استيرادها من الصين.

 كما من شأن ذلك أن يؤدي إلى المزيد من انخفاض قيمة العملة الروسية "الروبل"، بما يزيد من الضغوط التضخمية ويقلل الدخل الحقيقي للأسر ويؤثر بشكل كبير بالسلب على شروط التبادل التجاري.

وربما يلجأ البنك المركزي الروسي إلى رفع أسعار الفائدة لحماية الروبل الروسي، لكن ذلك قد يتسبب في زيادة الضغط على النمو الاقتصادي. حينها، قد تحتاج روسيا إلى ضخ حصة كبيرة من الهوامش المالية والخارجية التي أنشأتها من أجل الحفاظ على الاستقرار المالي الكلي في الدولة.

ولعل أي عقوبات غربية كبيرة على روسيا، ستمتد آثارها لفترة طويلة، بفعل العزلة التي سيكابدها الاقتصاد بعيداً عن الاقتصاد العالمي، كما  أن روسيا في ظل العقوبات، لن تكون قادرة على التركيز في صالح تحديث الاقتصاد الروسي أو الدفع نحو تنويع الاقتصاد الروسي وتحسين القدرة التنافسية للدولة. 

غير أن التقرير يعتقد أن بإمكان روسيا تعويض ذلك جزئياً من خلال بناء روابط اقتصادية أقوى مع الصين، لا سيما في مجال الطاقة، إلا أن المزيد من تقليص الوصول إلى رأس المال والتكنولوجيا الغربية سيعزز بدوره - رغم المحاولات الروسية المتوقعة للنجاة من تأثير العقوبات - من ضعف  النمو الاقتصادي المنخفض بالفعل، بما يوسع فجوة الدخل الحقيقي مع اقتصادات الدخل المتوسط الأكثر نجاحاً.

إجمالاً، خلُص التقرير الصادر عن معهد فينا لدراسات الاقتصاد الدولي، إلى أن الغزو الروسي على أوكرانيا، سيترتب عليه تراجع في أداء الاقتصاد الأوكراني، مما سيدفعها إلى الحصول على دعم غربي كبير للحفاظ على الاستقرار المالي الكلي فيها، وإلى المزيد من الاندماج في المؤسسات الأوروبية الأطلسية، وربما إلى زيادة وجودها في الناتو على جانبه الشرقي.

وعلى المدى المتوسط، ستزيد الأزمة الحالية من عزلة روسيا اقتصادياً، بما يؤدي إلى استمرار التراجع في أداء النمو الاقتصادي المتواضع للغاية في روسيا منذ عام 2014، في المقابل قد تنجح روسيا ولو جزئياً في تخفيف الأثر الاقتصادي عليها من خلال بناء علاقات طاقة أوثق مع الصين. فيما يرجح التقرير أن تلجأ الاتحاد الأوروبي إلى تسريع تحركاتها نحو تنويع الطاقة بعيداً عن روسيا، لتفادي الآثار الاقتصادية للعقوبات على اقتصاداتها.

المصدر:

Vasily Astrov&Richard Grieveson & Artem Kochnev, Possible Russian Invasion Of Ukraine, Scenarios for Sanctions, and Likely Economic Impact On Russia, Ukraine And the EU, The Vienna Institute For International Economic Studies, February 2022.