أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

رؤية "شي جين بينغ":

هل تستطيع الصين إعادة تشكيل النظام الدولي؟

05 يناير، 2022


عرض : هند سمير

تحتل الصين مكانة مركزية في النظام الدولي، حيث تعتبر أكبر قوة تجارية وسكانية ومصدراً للإقراض في العالم، علاوة على أنها أصبحت مركزاً عالمياً للابتكار ولديها قوة عسكرية كبيرة، كما يتوقع العديد من المحللين أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للصين سيتجاوز الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بحلول عام 2030، وهو ما سيجعلها أكبر اقتصاد في العالم. 

مع ذلك، تتساءل الكاتبة إليزابيث إيكونومي في مقال نشرته مجلة فورين أفيرز مؤخراً عما إذا كانت بكين تريد تشكيل نظام دولي جديد، أم أنها تحاول فرض بعض التعديلات على النظام الحالي، وتعزيز مصالحها. ويجادل أصحاب الرأي الثاني بأن توجه بكين يتسم بالدفاعية لحماية نفسها من انتقاد نظامها السياسي وفي الوقت نفسه، تحقيق دور مؤثر في النظام العالمي. إلا أن هذا الرأي يعارض رؤية الرئيس الصيني شي جين بينغ الذي يرى مركزية بكين بشكل قد يمكنها من تغيير النظام الدولي جذرياً. 

الصين.. قوة متفوقة

يعرض المقال رؤية الرئيس الصيني، والتي يُمكن إجمالها في أن الصين الجديدة والموحدة ستقف على قدم المساواة مع الولايات المتحدة أو ستتفوق عليها. وبالنظر إلى توزيع القوى حول العالم، فإن الصين هي القوة البارزة في آسيا، في حين تراجعت الولايات المتحدة عبر المحيط الهادئ لتحتل مكانتها كقوة في المحيط الأطلسي. علاوة على ذلك، فإن الشبكة الهائلة من التحالفات الأمريكية التي دعمت النظام الدولي لأكثر من 70 عاماً تتلاشى لصالح إطار صيني مقترح للحوار والتفاوض والتعاون. 

ويشع تأثير الصين أيضاً عبر العالم من خلال البنية التحتية المتنوعة. وبالطريقة نفسها التي قادت بها الشركات الأمريكية والأوروبية واليابانية تطوير البنية التحتية للعالم في القرن العشرين، تتنافس الشركات الصينية على الريادة في القرن الحادي والعشرين، من ثم يمكن القول إن الرئيس الصيني يستخدم القوة الاقتصادية للصين باقتدار للحث على الامتثال لرؤيته وإجبار العالم عليها.

ترى الكاتبة أن هذا التحول في المشهد الجيواستراتيجي يعكس ويعزز تحولاً أكثر عمقاً، وهو "صعود نظام محوره الصين بقواعده وقيمه الخاصة". وعلى الرغم من أن النظام الدولي ما بعد الحرب العالمية الثانية، قد تم تشكيله بشكل أساسي من قبل الديمقراطيات الليبرالية التي التزمت من حيث المبدأ بحقوق الإنسان العالمية، وسيادة القانون، والأسواق الحرة...إلخ؛ إلا أن الرئيس الصيني يسعى إلى تغيير النظام العالمي واستبدال تلك القيم بأولوية الدولة، حيث تعزز المؤسسات والقوانين والتكنولوجيا سيطرة الدولة في هذا النظام الجديد، وتحد من الحريات الفردية، وتقيد الأسواق المفتوحة، لتكون المحصلة عالماً تتحكم فيه الدولة في تدفق المعلومات ورأس المال داخل حدودها وعبر الحدود الدولية، ولا توجد رقابة مستقلة على سلطتها.

إعادة توحيد الوطن:

تبدأ منهجية الرئيس الصيني لإعادة تنظيم العالم بإعادة رسم خريطة الصين، وذلك من خلال تأكيد السيادة على المناطق المتنازع عليها منذ فترة طويلة، لا سيما تلك التي تصفها بكين بمصالحها الأساسية، مثل: هونغ كونغ، وبحر الصين الجنوبي، وتايوان. إذ تعاملت بكين بالفعل مع هونج كونج. في عام 2020، حيث فرضت الصين قانوناً للأمن القومي على المدينة أنهى فعلياً استقلالها الذاتي، بموجب نموذج الحكم "دولة واحدة ونظامان" الذي تم وضعه في عام 1997، وفي غضون أشهر، قوضت بكين التزام المدينة طويل الأمد بحقوق الإنسان الأساسية وسيادة القانون وحولت هونغ كونغ إلى مجرد مدينة صينية أخرى.

أحرز الرئيس الصيني أيضاً – وفقاً للمقال- تقدماً في تأكيد السيادة الصينية في بحر الصين الجنوبي. فقد أنشأ سبعة معالم اصطناعية في البحر ووضع فيها قوات عسكرية، ويقوم بنشر البحرية الصينية بشكلٍ متزايد، بالإضافة إلى أسطول الصيد الضخم لترهيب الدول الخمس الأخرى التي لها مطالب متداخلة - بروناي وماليزيا والفلبين وتايوان وفيتنام - لتأكيد السيطرة في المياه المتنازع عليها.

وطوال فترة انتشار وباء كوفيد-19، استفاد شي جين بينغ من إلهاء الدول الأخرى للضغط على مُطالبات إقليمية إضافية، حيث أبحرت السفن الصينية في المياه قبالة اليابان، وحلقت طائرات عسكرية صينية فوق المياه المتنازع عليها بين الصين وماليزيا؛ وانخرطت الصين والهند في أول نزاع حدودي مميت منذ أربعة عقود. وأثارت التدريبات العسكرية التي تقوم بها بكين بشكلٍ متزايد على طول الساحل التايواني حديثاً متكرراً عن هجوم عسكري صيني محتمل على الجزيرة. 

تنشغل الصين أيضاً بمحاولة إرساء الأساس لبلدها لتحل محل الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها القوة المهيمنة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وقد نجح شي جين بينغ في ترسيخ مكانة الصين كقائد اقتصادي إقليمي، فالصين تعد أكبر شريك تجاري لجميع دول آسيا تقريباً، وفي عام 2021، تم تصنيف أعضاء رابطة دول جنوب شرق آسيا معاً كأفضل شريك تجاري للصين، كما دفع شي الصين أيضاً إلى العضوية في اتفاقية التجارة الحرة بقيادة اليابان، وهذا من شأنه أن يجعل الصين الشريك الاقتصادي المهيمن في أكثر مناطق العالم ديناميكية من الناحية الاقتصادية؛ بينما تبقى الولايات المتحدة مهمشة.

أما من الناحية الأمنية، فقد كانت الصين أقل نجاحاً في جهودها الرامية إلى وضع نفسها كجهة أمنية فاعلة وبارزة في المنطقة، وهو دور لعبته الولايات المتحدة منذ فترة طويلة. ففي عام 2014، اقترحت بكين نظاماً أمنياً آسيوياً جديداً تديره دول آسيوية. إلا أن وجود بكين العسكري بشكلٍ مباشر في المنطقة أدى إلى تقويض مساعيها نحو القيادة. كما أعاد سلوك الصين تنشيط الشراكة الرباعية، والتي تشمل أستراليا، والهند، واليابان، والولايات المتحدة؛ وحفز إنشاء اتفاقية أمنية ثلاثية جديدة بين أستراليا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة (اتفاق إيكوس)؛ كما دفع العديد من الدول الأوروبية، بما في ذلك فرنسا وألمانيا وهولندا، إلى جانب الناتو، إلى تعميق مشاركتها الأمنية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

الإكراه الصيني:

ظهر طموح الرئيس شي جين بينغ – بحسب المقال- لتحقيق مركزية الصين في النظام العالمي جلياً من خلال مبادرة الحزام والطريق، والتي أطلقها في عام 2013، وهي لا تقدم فقط مظهراً مادياً لمركزية الصين من خلال ثلاثة ممرات برية وثلاثة ممرات بحرية ستربط الصين بآسيا وأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، لكنها أيضاً تعيد إلى الأذهان ذكريات تاريخية عن طريق الحرير ومركزية الصين خلال العصر الإمبراطوري. في مفهومها الأصلي، كانت مبادرة الحزام والطريق وسيلة لتطوير البنية التحتية الصلبة بقيادة الصين على طول الممرات الستة. اليوم، تشمل فروع المبادرة ما يسمى بطرق الحرير الرقمية والصحية والقطبية، وجميع البلدان مرحب بها للمشاركة.

لقد وضعت مبادرة الحزام والطريق الصين في مركز النظام الدولي، مع تدفق تأثيرها المادي والمالي والثقافي والتكنولوجي والسياسي إلى بقية العالم. إنها تعيد رسم التفاصيل الدقيقة لخريطة العالم، بخطوط سكك حديدية وجسور جديدة، وكابلات ألياف ضوئية وشبكات الجيل الخامس، والموانئ، مع إمكانية وضع القواعد العسكرية الصينية. مع ذلك، يشير المقال إلى أن مبادرة الحزام والطريق أصبحت معيبة بشكل متزايد، حيث حملت في طياتها جميع سلبيات النموذج الصيني، مثل: المستويات العالية من الديون، والفساد، والتلوث البيئي والتدهور، وممارسات العمل السيئة، مما أدى إلى انتشار الاحتجاجات الشعبية في جميع البلدان المضيفة. 

وتواجه الجهود الأخرى لتعزيز التأثير الثقافي الصيني صعوبات أيضاً، منها على سبيل المثال، نشر اللغة الصينية والعروض الثقافية الصينية، من خلال إنشاء معاهد كونفوشيوس في الجامعات وقاعات الدراسة في الخارج. بالنسبة للعديد من المؤسسات التعليمية، كان دعم بكين المالي لهذه المعاهد ضرورياً لقدرتها على تقديم تدريب على اللغة الصينية، وهو ما أدى إلى انتشارها بسرعة. لكن بمرور الوقت، أدى الطابع القسري للمبادرة إلى تقويض نجاحها المبكر، حيث تم اختيار المناهج التي يتم تدريسها والمعلمين من قبل بكين.  وبحلول عام 2020، كانت الصين قد أنشأت نحو نصف عدد معاهد كونفوشيوس التي كانت تأمل في إنشائها فقط. 

وتنبع مركزية الصين في النظام العالمي بشكل كبير من إمكاناتها الاقتصادية، ومع ذلك، فإن مبادرات شي جين بينغ تثير تساؤلات حول كيفية تفاعل اقتصاد الصين مع بقية العالم. فقد تميزت فترة ولايته بسلسلة من السياسات، ففي عام 2020، صاغ شي نموذجاً اقتصادياً لـ "الدوران المزدوج"، متصوراً صين مكتفية ذاتياً إلى حد كبير، كما عزز شي بشكل كبير سيطرة الحزب الشيوعي الصيني على سلطة صنع القرار للشركات الصينية. في حين تواصل الصين التعامل مع الاقتصاد الدولي من خلال الصادرات، وسلاسل التوريد الحيوية، والواردات المحدودة من رأس المال والمعرفة. 

أدت هذه السياسات البعيدة عن الإصلاح الاقتصادي والانفتاح العالمي إلى ظهور مجموعة جديدة من القضايا في علاقات بكين مع بقية العالم. لم تعد العديد من الدول تثق في استقلال الشركات الصينية عن الحكومة وتقوم الآن بزيادة ضوابط التصدير على التقنيات الحساسة للشركات الصينية. كما أثار استخدام بكين القسري أدوات الحماية الذاتية في وقت مبكر من الوباء أجراس الإنذار بشأن الاعتماد على سلاسل التوريد الصينية، مما دفع الدول إلى تشجيع شركاتها على العودة إلى العمل في الداخل أو الانتقال إلى دول أكثر ودية. 

التضحية بالحرب:

إن رغبة الصين في إعادة ترتيب النظام العالمي طموحة، كما يرى المقال، بينما قيادة الولايات المتحدة للنظام العالمي، ونظام التحالف الديمقراطي، والنظام الدولي الليبرالي بعد الحرب العالمية الثانية، كلها أمور مترسخة بعمق. مع ذلك، يجادل المسؤولون الصينيون بأن القرنين الماضيين، عندما لم تكن الصين هي الاقتصاد المهيمن عالمياً، كانا بمنزلة انحراف تاريخي، ويذهبون إلى أن قيادة الولايات المتحدة آخذة في التراجع. 

من الواضح أن الصين قد أحرزت تقدماً في كل من الأبعاد التي رأت أنها ضرورية للإصلاح، وقد تضررت سمعة وتأثير الولايات المتحدة بسبب الصراع الداخلي والافتقار إلى القيادة على الساحة العالمية، لكن هذا لا يمنع من ترسخ بعض الذكريات الحية عن دبلوماسية بكين "التنمرية" لدى المجتمع الدولي، وممارساتها القسرية تجاه وسائل الحماية الشخصية، والعدوان العسكري، والقمع في هونغ كونغ وشينجيانغ. فأفعال الرئيس الصيني أسفرت عن نتائج لاستطلاعات الرأي العام تعكس مستويات منخفضة من الثقة به ورغبة قليلة في القيادة الصينية. 

يختتم المقال بالقول إن طموح شي جين بينغ في مركزية الصين في النظام العالمي لا يحمل جاذبية كبيرة لجزء كبير من بقية العالم، وفي ظل المعارضة الدولية المتصاعدة لهذه المركزية، يبدو أن نجاحه المباشر غير مرجح. وتعتمد مدى قدرة شي على تحقيق طموحه على التفاعل بين العديد من العوامل، مثل استمرار حيوية الاقتصاد الصيني، والقدرات العسكرية الصينية، ودعم كبار القادة والشعب الصيني، وقدرة العالم أن يواصل مقاومة الإكراه الصيني وقدرة الديمقراطيات العالمية على التعبير عن رؤيتها لمستقبل العالم. وربما يكون العنصر الأهم لنجاح شي، مع ذلك، هو قدرته على التعرف على الفارق الشاسع بين ما يريد تقديمه للعالم وما يريده العالم منه.

المصدر:

The Council on Foreign Relations, Foreign Affairs, REVIEWS & RESPONSES, Elizabeth Economy, Can China Remake the International System?,January/February 2022, Volume 101, Number 1, p – p: 52 - 67.