أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تحولات الطاقة:

الآثار الجيوسياسية للطلب على النفط في المستقبل

11 نوفمبر، 2019


عرض: فردوس محمد - باحثة اقتصادية 

يمر الاقتصاد العالمي بمرحلة انتقالية من استخدام الوقود الأحفوري إلى الاعتماد بصورة كبيرة على الكهرباء منخفضة الكربون، والتي تنتجها مصادر الطاقة المتجددة بشكل متزايد. وقد بدأت عملية التحول بسبب الاعتبارات البيئية بشأن تغير المناخ وانبعاثات الكربون التي أدت في النهاية إلى اتفاق باريس الذي تم التوصل إليه في المؤتمر الحادي والعشرين لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ في أواخر عام 2015. 

وفي هذا الصدد، حاول "بول ستيفنز" في تحليل بعنوان "الآثار الجيوسياسية للطلب على النفط في المستقبل"، نُشِر في أغسطس 2019 بـ"تشاتام هاوس"، المعروف بالمعهد الملكي للشئون الدولية، تحليل تحولات الطاقة عبر التاريخ، والاستنتاجات حول التحول الحالي للطاقة، وآثاره الجيوسياسية.

دروس تحولات الطاقة 

يوضح التحليل أن تحول الطاقة يحدث عندما ينتقل الاقتصاد من مصدر رئيسي للطاقة إلى آخر. وهناك العديد من الأمثلة في التاريخ لذلك، وقد تمت دراسة هذه الظاهرة كثيرًا. وفي الماضي، كانت تحولات الطاقة تميل إلى أن تكون تطورات وطنية أو إقليمية إلى حد كبير. ولكن في عالم اليوم المعولم، فإن التحولات الأخيرة للطاقة قد تؤثر على العديد من الدول في وقت واحد. ومن أبرز الأمثلة لتحولات الطاقة تلك التي شوهدت في الولايات المتحدة بين عامي 1865 و1900، والتحول في فرنسا بين عامي 1973 و1987.

ويشير التحليل إلى أنه من خلال دراسات الحالات السابقة، يمكن استخلاص بعض الدروس ذات الصلة بالتحول الحالي للطاقة:

الدرس الأول- أي تحول له محفزات وعوامل: قد يكون هذا نتيجة عمل الأسواق من خلال تعديلات الأسعار النسبية أو التدخل الحكومي أو مزيج من الاثنين. كما حدد ثلاثة تغييرات رئيسية ظهرت في التحولات عبر التاريخ: تغييرات في شبكة الإمداد، التغييرات في مصدر الطاقة، والتغييرات في خدمة الطاقة المقدمة. 

في جميع الحالات، كان مفتاح التحول هو إنشاء وتقديم خدمات أفضل أو مختلفة. وهذا يعني عادة أن سعر الطاقة كان بحاجة إلى الانخفاض، أو أن كفاءة التكنولوجيا كانت بحاجة إلى التحسين.

الدرس الثاني- أن الإطار الزمني يمكن أن يختلف بشكل كبير: على سبيل المثال، استغرق التحول في بريطانيا العظمى من أجل التدفئة المنزلية -أي الانتقال من الخشب إلى الفحم- أكثر من 200 عام. في المقابل، فإن التجربة الفرنسية استغرقت حوالي 15 عامًا فقط من أجل التحول إلى الطاقة النووية.

الدرس الثالث- أن التحول الحالي أكثر تعقيدًا مما كان يعتقده الكثيرون في البداية، حيث تظهر دراسة حديثة أنه مع زيادة الوعي بتعقيد انتقال الطاقة، فإن العديد من السيناريوهات تزيد من عدد المسارات الممكنة، وهو الأمر الذي يعمل على تقليل الوضوح بدلاً من زيادته.

الدرس الرابع- أن نمط تحولات الطاقة كان يتمثل في الانتقال من موارد منخفضة الطاقة إلى موارد أعلى كثافة للطاقة، وهذا جعل كثافة الطاقة في النفط خيارًا جاذبًا دائمًا، خاصةً في قطاع النقل، والذي يثير الشكوك حول سرعة الانتقال الحالي، مما يشير إلى أنه قد يسير ببطء أكثر مما تشير إليه الأدلة في تلك الورقة.

التحول الحالي للطاقة

أشار التحليل إلى أن التحول الحالي للطاقة يستلزم الابتعاد عن نظام الطاقة الذي يعتمد على جزيئات الهيدروكربون، والتحول إلى نظام قائم على الإلكترونات. وعلى الرغم من أن الفحم والنفط والغاز لا تزال مهيمنة، إلا أنها انخفضت تدريجيًّا في مزيج استهلاك الطاقة. وتتمثل دوافع التحول الحالي للطاقة في:

أولًا- تغير المناخ ونوعية الهواء في المناطق الحضرية: كان الدافع الأول للتحول الحالي هو القلق المتزايد بشأن تغير المناخ. وقد تم التعبير عن هذا في سياق العملية التي بدأت في ريو دي جانيرو في عام 1992، مما أدى إلى توقيع بروتوكول كيوتو في عام 1997، ومؤخرًا اجتماع المؤتمر الحادي والعشرين لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ الذي اختُتم باتفاق باريس في ديسمبر 2015 بشأن تغير المناخ. وكان الهدف الأساسي منه هو تقليل كمية ثاني أكسيد الكربون المنبعثة في الغلاف الجوي. ومن هنا كانت الحاجة إلى الحد من استخدام الوقود الهيدروكربوني.

ومع ذلك، في السنوات القليلة الماضية ومع تسارع عملية التحضر، برز شاغل بيئي ثانٍ كمحفز لتغيير النظام، وهو تدهور نوعية الهواء بالمناطق الحضرية، وزيادة انتشار تلوث الجسيمات الناجم عن حرق الفحم والديزل. في العديد من الدول، بدأ هذا الاهتمام من خلال التركيز على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المحيطة بها باعتبارها المحرك الرئيسي للابتعاد عن الفحم والنفط. 

ثانيًا- التقدم التكنولوجي في السيارات الكهربائية وتخزين الكهرباء: مع انتشار السيارات الكهربائية في دولة معينة ينخفض التأثير المحتمل لانقطاع إمدادات النفط. وفيما يتعلق بمخاوف المناخ، يفترض أن الكهرباء التي تستخدمها هذه المركبات يتم توليدها بواسطة مصادر الطاقة المتجددة. كما تمثل تلك السيارات أيضًا حلًّا محتملًا لمشكلة "الطاقة المتجددة" المتقطعة، حيث تقلبات الطبيعة في التوليد (عندما لا تشرق الشمس أو الرياح لا تهب) تخلق مشاكل في العرض وقد تتطلب احتياطيًّا مكلفًا. 

ثالثًا- التغيرات التكنولوجية الأخرى: قد تؤثر مجالات التغيير التكنولوجي الأخرى أيضًا على الطلب المستقبلي على النفط، والتي تتمثل في دور الذكاء الاصطناعي الذي يبشر بخلق "ثورة صناعية رابعة" تُضيف إلى الثورة الصناعية الثالثة، وهي الثورة الرقمية المرتبطة بأجهزة الكمبيوتر، أنظمة فعلية إلكترونية. وتُعد الآثار المترتبة على استهلاك الطاقة غير واضحة تمامًا. وهناك تناقض محتمل مثير للاهتمام بين استخدام الكهرباء وتكنولوجيا المعلومات. فقد يؤدي الاستخدام المتزايد لتكنولوجيا المعلومات إلى توفير الكهرباء من جهة، ولكنه من ناحية أخرى قد يؤدي إلى زيادة استهلاك الكهرباء لتوليد التكنولوجيا في المقام الأول.

خيارات التكيّف

توصل الباحث إلى أن تحول الطاقة من المحتمل أن يكون أعمق، وأن يحدث بسرعة أكبر مما يتوقعه الكثيرون. ويتمثل أحد الآثار الواضحة في أن سوق المواد الهيدروكربونية سيبدأ في التقلص. ولهذا يناقش الخيارات المتاحة للدول الضعيفة لإدارة انخفاض إيراداتها النفطية. وتعتمد هذه الخيارات بوضوح على سرعة التحول والتغيرات التقنية والتنظيمية في أسواق المستهلكين.

ويُثير هذا تساؤلًا رئيسيًّا حول كيفية استعداد الحكومات (الدول المستهلكة للنفط والدول المنتجة للنفط) والشركات للتغيّرات السياسية المحتملة. ويتعلق أحد الخيارات بسياسة استنزاف الدولة. فإذا اعتقدت دولة منتجة أن التحول وشيك، فمن المنطقي أن يزيد الإنتاج من احتياطياتها إلى أقصى حد للاستفادة من الأسعار قبل أن تبدأ في الانخفاض. وإذا اتّبع عدد من المنتجين تلك السياسة في الوقت نفسه دون تنسيق فعال من قبل منظمة أوبك فستؤدي إلى انخفاض أسعار النفط الخام. ويرى الباحث أن السياسات الخاصة بخفض أسعار النفط الخام قد لا تمنع بحد ذاتها الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، إلا أن تقلب الأسعار قد يفعل ذلك بالتأكيد.

الآثار الجيوسياسية لتحول الطاقة

تُعتبر الجغرافيا السياسية للطاقة -وفقًا للتحليل- موضوعًا مثيرًا للاهتمام والدراسة. إذ يتعلق بمجموعة كاملة من المتغيرات؛ بما في ذلك عمل الأسواق العالمية غير الهيدروكربونية، وطرق التجارة، وقوى السوق، والحصول على الطاقة الهيدروكربونية في هذه الأسواق الدولية، والقضايا المتعلقة بكلٍّ من أمان العرض للمستوردين وأمان الطلب على الموردين. وذلك ينطوي على العديد من الآثار بالنسبة للعديد من جوانب السياسة الخارجية والداخلية، والتي تشمل السياسة الصناعية وسياسة الطاقة على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية.

ويُمكن القول إن التحول تترتب عليه منافسة وصراع محتمل. ومثال تاريخي كلاسيكي لذلك هو تحول البحرية الملكية البريطانية عام 1914 إلى تزويد السفن الحربية بالوقود بدلًا من الفحم. إلا أن دراسة الجغرافيا السياسية للطاقة المتجددة ليست مثمرة للغاية؛ فمع تقدم عملية التحول، سوف تتلاشى الجغرافيا السياسية للطاقة بشكل فعال.

وفي الختام، يمكن القول إن الجغرافيا السياسية للطاقة في حد ذاتها لن تختفي بين عشية وضحاها، فخلال عملية التحول على المدى القصير إلى المتوسط، ستظل الجغرافيا السياسية للطاقة تهيمن عليها نفس الأنواع من القضايا التي برزت منذ بداية القرن العشرين. 

وفي الواقع، قد تصبح مثل هذه الجغرافيا السياسية أكثر حدة وتهديدًا لبعض الوقت. ومع ذلك، حين تحل الإلكترونات محل جزيئات الهيدروكربون بشكل متزايد في مزيج الطاقة، فإن مثل هذا الصراع سوف يتضاءل.

المصدر: 

Paul Stevens, “The Geopolitical Implications of Future Oil Demand”, Chatham House, August 2019