أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

لقاء أبو مازن وترامب في ظل ضعف الفلسطينيين

15 مارس، 2017


أخيراً، وجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب الدعوة للرئيس الفلسطيني محمود عباس للقائه في البيت الأبيض قريباً، لبحث استئناف عملية السلام، مؤكداً «التزامه بعملية تقود إلى سلام حقيقي بين الفلسطينيين والإسرائيليين»، فيما أكد الرئيس عباس تمسكه بالسلام كخيار استراتيجي لإقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل. (بحسب «الأيام الفلسطينية، في 11 الشهر الجاري).

إذاً ليس بيد الرئيس الأميركي، على ما يظهر، سوى إعلان التزامه بعملية السلام، التي لا يعرف أحد متى تنتهي أو على ماذا ستنتهي، علماً أن مفهوم الإدارات الأميركية لهذه العملية لم يخرج عن إطار المفهوم الإسرائيلي، من عهد كلينتون إلى أوباما مروراً بعهد بوش الابن، ما يعني أن استمرار القيادة الفلسطينية على هذه المراهنة، في ظل المعطيات الدولية والإقليمية السائدة، ليس في محله أبداً.

معلوم أن ترامب بدأ عهده مع وعود بتخفيف «الضغوط» التي كانت تبذلها إدارة سلفه أوباما على إسرائيل، وغض النظر عن أنشطتها الاستيطانية في الضفة، واعتزامه نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وإيجاد حلول أخرى غير حل الدولة الفلسطينية المستقلة، الذي أعرب صراحة عن أنه لا يعتبره الحل الوحيد لهذه المشكلة، وأنه ليس متمسكاً بهذا الحل.

على أية حال فإن مواقف الولايات المتحدة في شأن محاباة إسرائيل، ومراعاة متطلباتها وحساسياتها، معروفة، ولا جديد يذكر فيها في هذا الشأن، بمعنى أن المشكلة تكمن في الجانب الفلسطيني، الذي لم يعد يملك شيئاً من أوراق القوة، لا الظاهرة ولا الكامنة، باستثناء تكرار تلك اللازمة المتعلقة بالتمسك بالخيار الاستراتيجي، المتمثل في إقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع، مع استمرار المراهنة، أيضاً، على نيات أو «عطف» الأطراف الآخرين.

هكذا، ليس معروفاً ما الذي سيقوله عباس لترامب، في هذه الحالة الصعبة، إذ إنه سيذهب إلى واشنطن وهو خالي الوفاض، وفي حال شديدة، وغير مسبوقة، من الضعف وانعدام الخيارات، أيضاً، وهذا ما يدركه الراعي الأميركي (وإسرائيل طبعاً)، ولا بد أنه سيتصرف على أساسه، لفرض مزيد من الاملاءات على الفلسطينيين، أو إخضاعهم للمطالب الإسرائيلية.

مشكلة الرئيس عباس أنه سيذهب هذه المرة إلى واشنطن وثمة إدارة أميركية جديدة غير معنيّة تماماً بالإرث الذي خلفته الإدارات السابقة، والمتعلق بما يسمى عملية السلام، سيما أن الرئيس الأميركي الجديد ذاته صرح مرات عدة بإمكان إيجاد حلول أخرى، ضمنها حل «الدولة الواحدة»، الذي لا يعرف أحد ما يقصد به، فهل هي دولة واحدة مع حكم ذاتي للفلسطينيين، أم دولة فيديرالية يتمتع فيها الفلسطينيون بنوع من حكم محلي، أم هي دولة مواطنين متساوين، أم دولة ثنائية القومية، أم غير ذلك كله؟

وكان ترامب تحدث عن ذلك للمرة الأولى لدى لقائه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو، في أواسط الشهر الماضي، بقوله: أدرس كلاً من حل الدولتين، والحل الذي ينص على وجود دولة واحدة، وسيعجبني الاتفاق الذي سيعجب كلا الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي، أي أنه أعاد التقرير في هذا الأمر إلى الطرف الإسرائيلي، مثل غيره من الرؤساء السابقين.

والحال فإن عباس سيذهب للقاء رئيس مختلف تماماً عن سابقيه، وهو شخص يصعب توقّع مواقفه، أو كيفية تعامله، باستثناء تعاليه على الجميع، وانحيازه الى إسرائيل كدولة، مع مواقف تشي بنوع من عنصرية ضد اليهود والمسلمين والنساء والمتحدرين من أصول إسبانية، ومع أي شخص لا يرى العالم إلا من زاوية عظمة أميركا، وفرادتها في العالم.

مشكلة الرئيس عباس أيضاً أنه سيذهب إلى واشنطن منفرداً، أي من دون أي غطاء عربي، من أي نوع أو مستوى، لأن المجتمعات والسلطات العربية مشغولة بقضايا أخرى، أضحت تعتبرها أكثر أهمية من قضية فلسطين، لأمنها القومي، ولاستقرار المنطقة، ولمصالحها السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية. فمن الواضح في ظل الأحوال السائدة، خلال العقد المنصرم، أن إسرائيل نجحت إلى حد كبير في النأي بنفسها عن تداعيات «الربيع العربي»، أو عن الصراعات الإقليمية والداخلية، الحاصلة في المشرق العربي، تاركة المجال واسعاً أمام روسيا وتركيا وإيران، باستثناء احتفاظها بقدرتها على السيطرة على حدودها، وضرب التهديدات التي قد تشعر بأنها تشكل خطراً عليها في سورية أو لبنان، واعتمادها على الحليف الأميركي، طبعاً مع تنسيقها المواقف الميدانية مع روسيا.

يستنتج من ذلك أن السياسات التي انتهجتها إيران، والقائمة على تشجيع ميليشيات طائفية (مذهبية) موالية لها في العراق وسورية ولبنان واليمن، أدت الى تراجع الخطر الإسرائيلي في سلم أولويات وإدراكات الأنظمة العربية، لمصلحة تقدم الخطر الإيراني، الذي فاقمت منه تصريحات، أو تبجّحات، قادة إيرانيين في شأن سيطرة بلدهم على عواصم عربية عدة، من صنعاء إلى بيروت مروراً ببغداد ودمشق.

إذاً لا مظلة عربية لعباس في واشنطن، أي أن الورقة العربية، التي فحواها «سلام إقليمي»، أو «سلام كامل مع تطبيع كامل»، طبعاً مع قيام دولة فلسطينية، لم تعد في التداول إذ بات يمكن لإسرائيل، في الظروف السائدة، أن تحصل على هذا وذاك من دون دفع ثمن للفلسطينيين، أي من دون دولة فلسطينية، سيما أن التهديدات، ولو النظرية، التي كانت تتهدّدها في المشرق العربي انتهت ربما لعقود.

فوق ذلك لا يوجد وضع دولي في الظرف الراهن يمكن أن يدعم موقف الرئيس الفلسطيني، أو يمنحه قوة مضافة، فالإدارة الأميركية تكاد تكون في خصومة مع دول عديدة في أوروبا، من الدول العاطفة على الحق الفلسطيني، ولكن المشكلة بالنسبة الى أوروبا أنها تجد نفسها في مركز دولي ضعيف، في هذه المرحلة، مع انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وغطرسة بوتين، وتعالي ترامب.

بيد أن المشكلة الأكبر للرئيس محمود عباس تكمن في الوضع الفلسطيني، إذ لا تكاد توجد أية حالة فعل فلسطينية، لا على صعيد استنهاض قوى مجتمعات الفلسطينيين، في كافة أماكن تواجدهم، ولا على صعيد تقوية مؤسساتهم الوطنية (المنظمة والسلطة والفصائل والإطارات الجمعية، ولا على صعيد تشكيل حالة كفاحية في مواجهة السياسات الإسرائيلية.

وفي الواقع فإن إسرائيل نجحت في استيعاب الحركة الوطنية الفلسطينية، وتكييفها وفق متطلباتها، وهو ما تمثل بتحول هذه الحركة إلى مجرد سلطة في الضفة والقطاع، مع علاقات تنسيق أمني، وعلاقات تبعية اقتصادية، وسيطرة إدارية، بحيث أضحت إسرائيل في واقع كهذا في وضع احتلال مريح ومربح أيضاً، ومع سلطة تجنّبها الظهور كدولة استعمارية.

ليس هذا فحسب، بل إن محمود عباس سيلتقي ترامب في واشنطن في ظل حال ضعف فلسطينية بنيوية، فكيان السلطة لم ينجح في إثبات نجاعته على أكثر من صعيد، عدا إيجاد طبقة سياسية فلسطينية مصرة على استمرار حراسة الواقع الراهن، الذي نشأ منذ عقد اتفاق أوسلو (1993) وبات له قرابة ربع قرن، من دون أن يحقق التسوية الموعودة ولو على 22 في المئة من أرض فلسطين. فوق ذلك فهو سيذهب إلى واشنطن في ظروف انقسام الكيان الفلسطيني بين الضفة وغزة، وفي ظروف تفكك مجتمعات الفلسطينيين اللاجئين، في سورية ولبنان والعراق، وتشتتها في المنافي. حتى الاعتراف بدولة فلسطين (2012) لم يسمح للسلطة باستثماره، تحت طائلة التهديد، بالنظر لاعتمادها في موازنتها المالية على الخارج، على رغم أهميته، وبالنظر الى نجاح إسرائيل، بالتعاون مع الولايات المتحدة، في تطويق مضاعفات هذا الاعتراف، من خلال الحد من قدرة الفلسطينيين على تفعيل هذا القرار في المؤسسات الدولية المنبثقة من الأمم المتحدة.

هذه هي الحال عشية استعداد أبو مازن للذهاب إلى واشنطن، مع الأسف، بسبب عدم إصغاء القيادة للأصوات المنادية، منذ زمن، بضرورة إعادة بناء وضع الفلسطينيين، وتعزيز مؤسساتهم الكيانية، وصوغ رؤى سياسية تستطيع الحفاظ على وحدتهم كشعب، وتوازن بين حقوقهم الوطنية التاريخية، وما يمكن تحقيقه في ظروفهم الراهنة.

*نقلا عن صحيفة الحياة