أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

تدوير الزوايا:

لماذا تزايد الاهتمام الدولي بقضايا الأقليات في الشرق الأوسط؟

22 فبراير، 2017


بدأت قضايا الأقليات في منطقة الشرق الأوسط تكتسب مزيدا من الاهتمام من جانب قوى دولية وإقليمية معنية بالأزمات المتعددة التي تشهدها المنطقة. ورغم أن ذلك ربما لا يعبر عن ظاهرة جديدة، حيث دائما ما وضعت تلك القوى قضايا الأقليات على أجندتها، سواء لأهداف إنسانية مرتبطة بتصاعد حدة التهديدات التي تواجهها بعض الأقليات أو الانتهاكات التي تتعرض لها من جانب أطراف مختلفة، أو لاعتبارات سياسية تتعلق بمحاولة استغلال تلك القضايا، في بعض الأحيان، كوسيلة لفرض مزيد من الضغوط على بعض الأطراف، في حالة ما إذا اتسع نطاق الخلافات معها حول العديد من الملفات الإقليمية، إلا أن توقيت إعادة الاهتمام بتلك القضايا يكتسب وجاهة خاصة، لا سيما أنه يرتبط باستمرار الجهود التي تبذلها بعض الأطراف للوصول إلى تسويات سياسية للأزمات الإقليمية المختلفة، وبمساعي بعض القوى الدولية لتكريس دورها كطرف رئيسي في الترتيبات السياسية والأمنية التي ربما تشهدها المنطقة خلال المرحلة المقبلة.

تصاعد الاهتمام الذي أبدته العديد من القوى الدولية الإقليمية والدولية بقضايا الأقليات في المنطقة، خلال منتصف فبراير الجاري، وهو ما بدا جليا في مؤشرات عديدة تتمثل في:

1-استضافة العاصمة الروسية موسكو مؤتمرا لأكراد الشرق الأوسط، في 15 فبراير 2017، تحت عنوان "المنافسة لإعادة تقسيم النفوذ في الشرق الأوسط: الوضع الراهن والعواقب المحتملة"، والذي شاركت فيه وفودا من إيران وتركيا وسوريا والعراق، وذلك لمناقشة موقف الأكراد من الترتيبات السياسية والأمنية التي تجري عملية صياغتها في الفترة الحالية، لا سيما في كل من العراق وسوريا، حيث طرح رئيس التحالف الوطني الشيعي في العراق عمار الحكيم مشروعا جديدا للتسوية السياسية، فيما تتواصل الاستعدادات لإجراء مفاوضات جديدة في جنيف في 23 فبراير الجاري، من أجل دعم فرص الوصول إلى توافق على التسوية السورية.

واللافت في هذا السياق، هو أن هذا المؤتمر تلى بفترة قصيرة إعلان روسيا، في يناير 2017، عن مشروع جديد لدستور سوري تضمن العمل على تأسيس ما يسمى بـ"جمعية المناطق" التي تضم ممثلين عن مناطق في البلاد وتحظى بصلاحيات متعددة، خاصة في مجال التشريع، وإقامة حكم ذاتي كردي، وهو ما رد عليه أكراد سوريا باقتراح مشروع مقابل ينص على إقامة فيدرالية سورية وإضفاء طابع شرعي على الميليشيات المسلحة الكردية وتأسيس علاقات دبلوماسية.

2-تنظيم المعهد الأوروبي للسلام مؤتمر في جنيف، بالتعاون مع المجلس الأطلسي في الولايات المتحدة الأمريكية، يومي 15 و16 فبراير 2017، حول مستقبل التسوية السياسية في العراق في مرحلة ما بعد "داعش"، وجاء تحت عنوان "إغاثة المناطق والمدن المتضررة من الإرهاب"، دعا فيه معظم القوى السنية العراقية وبعض الشخصيات الدولية، على غرار الجنرال ديفيد بترايوس المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والمدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي  ورئيس الوزراء الفرنسي الأسبق دوفيلبان.  

3-مطالبة وزارة الخارجية الأمريكية إيران، في 15 فبراير 2017، برفع الإقامة الجبرية عن قادة المعارضة الإصلاحية (التي تعتبرها بعض الاتجاهات أقلية سياسية)، وهما رئيس الوزراء الأسبق مير حسين موسوي (وزوجته زهرا راهنافارد) ورئيس مجلس الشورى الأسبق مهدي كروبي، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، حيث قالت أن الإقامة الجبرية تتعارض مع المقررات والحقوق الدولية التي أعلنت إيران التزامها بها، وذلك بمناسبة الذكرى السادسة لفرض الإقامة الجبرية على موسوى وكروبي بعد مطالبتهم بتنظيم احتجاجات لرفض النتائج التي أسفرت عنها انتخابات الرئاسة الإيرانية التي أجريت في عام 2009 وإصرارهم على عدم الاعتراف بفوز الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية.

4- تزايد اهتمام ألمانيا بإصدار مذكرات توقيف ضد بعض قادة وكوادر تنظيم "داعش" بتهمة ارتكاب جرائم إبادة ضد الأقلية الأيزيدية في شمال العراق، على غرار مذكرة التوقيف التي أصدرها المدعي العام في ألمانيا، في ديسمبر 2016، ضد أحد قادة التنظيم، الذي تولى، وفقا للتحقيقات التي أجراها المكتب الاتحادي للتحقيقات الجنائية، أسر النساء الأيزيديات واستعبادهن.

وقد تزامن هذا الاهتمام مع الانتقادات التي وجهتها المفوضية الأوروبية، في 8 فبراير 2017، للدول الأعضاء في الاتحاد، التي أخلت، في رؤيتها، بواجب التضامن مع اليونان وإيطاليا في مواجهة الموجات المتتالية من اللاجئين، وهو ما يبدو أنه يرتبط بالأفكار الجديدة التي طرحتها المجر، والتي قضت بإقامة مخيمات لاستيعاب المهاجرين واللاجئين، واعتقالهم لحين حسم البحث في ملف كلاهما، وذلك بعد أن أعلنت المجر عن تخليها عن خطة التوطين الأوروبية.

اعتبارات مختلفة:

إن تصاعد اهتمام تلك القوى بقضايا الأقليات في منطقة الشرق الأوسط في هذا التوقيت تحديدا يعود إلى اعتبارات عديدة، يمكن تناولها على النحو التالي:

1-ممارسة ضغوط سياسية: وهى سياسة تتبناها روسيا تحديدا، التي ترى أن رفع مستوى علاقاتها مع الأكراد في المنطقة يمكن أن يساعدها في دعم دورها ليس على المستوى السياسي الرسمي فقط، في إطار علاقاتها مع الأنظمة السياسية في المنطقة، وإنما أيضا على المستوى الاجتماعي، بشكل ربما يوفر لها أوراق ضغط يمكن أن تستخدمها في تفاعلاتها حتى مع بعض القوى التي تؤسس علاقات قوية معها على غرار كل من تركيا وإيران.

ففي رؤية موسكو، فإن إصرارها على فتح قنوات تواصل مع أكراد تركيا، على سبيل المثال، خلال فترة التوتر التي تصاعدت بين الطرفين عقب إسقاط المقاتلة الروسية في نوفمبر 2015، كان أحد الأسباب القوية التي دفعت أنقرة إلى إجراء تغيير في سياستها تجاه موسكو، من خلال تقديم اعتذار عن إسقاط الطائرة، والانخراط في تفاهمات سياسية وأمنية دعمت من حضور روسيا في الأزمة السورية باعتبارها القوة الأكثر تأثيرا التي تمتلك القدرة، وفقا لها، على تحديد المسارات المحتملة للتسوية السياسية للأزمة.

كما أن علاقاتها القوية مع إيران لم تحل دون اتجاه موسكو إلى فتح قنوات تواصل أخرى مع أكراد إيران، وهنا ربما يمكن الاستناد إلى أن التنسيق الحالي بين الطرفين، الذي يبدو جليا في التوافق حول الأزمة السورية والاتفاق النووي (حيث تدعم موسكو موقف طهران داخل مجلس الأمن)، لا ينفي أن التوتر كان سمة غالبة للعلاقات بين إيران وروسيا على مدار عقود عديدة، خاصة في ضوء تأكيد اتجاهات عديدة داخل إيران على أن روسيا ورغم دعمها لإيران في بعض الملفات لا تزال تمثل مصدر تهديد تاريخيا لإيران.

وهنا، فإن روسيا ربما تسعى في الفترة الحالية إلى الاحتفاظ بورقة علاقاتها مع أكراد إيران تحسبا لاحتمال اتساع نطاق الخلافات بين الطرفين حول أى من الملفات التي تحظى باهتمام مشترك من جانبهما، وهى الخلافات التي بدأت تظهر إلى العلن، من خلال الانتقادات التي يوجهها بعض المسئولين الإيرانيين للتفاهمات التي توصلت إليها روسيا وتركيا حول الأزمة في السورية، والتي كانت الدافع الرئيسي للوصول إلى اتفاق حول إخراج قوى المعارضة من حلب في منتصف ديسمبر 2016، ثم إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار في نهاية الشهر ذاته، وعقد مفاوضات بين النظام السوري وقوى المعارضة في الآستانة على مدى جولات عديدة في يناير وفبراير 2017، سوف تمهد لانعقاد مفاوضات "جنيف 4" في 23 فبراير الحالي.

2-تغيير توازنات القوى السياسية: خاصة في العراق، التي يبدو أنها سوف تكتسب اهتماما خاصا من جانب بعض القوى الدولية، خلال المرحلة القادمة، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يبدو جليا في اختيار باتريوس تحديدا، الذي يؤسس علاقات قوية مع بعض قادة وكوادر السنة في العراق، خاصة خلال الفترة التي برز فيها دور كأحد الشخصيات التي ساعدت في تكوين قوات "الصحوات" في العراق، لدرجة أن بعض الاتجاهات تطلق عليه "مهندس الصحوات".

وقد أشارت تقارير عديدة إلى أن الهدف الأساسي من المؤتمر هو رفع مستوى التنسيق بين المكونات السنية العراقية لضمان حصولها على موقع بارز في خريطة القوى السياسية العراقية، في مرحلة ما بعد القضاء على تنظيم "داعش"، خاصة في ظل استمرار الجهود التي تبذلها القوى الشيعية العراقية للاتفاق على مشروع وطني جديد طرحه رئيس التحالف الوطني عمار الحكيم للوصول إلى تسوية للأزمة العراقية وتقليص الخلافات العالقة بين تلك القوى.

3-تصعيد التوترات الإقليمية: وهو ما يبدو جليا في حرص إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على فتح ملف خلافي جديد مع إيران، إلى جانب الملفات الأساسية التي تتمثل في الاتفاق النووي ودعم إيران للإرهاب، بشكل يمكن أن يخدم أهداف الإدارة الجديدة في إبراز صورة إيران على الصعيد الدولي كدولة راعية للإرهاب ومنتهكة لحقوق الإنسان وغير ملتزمة بتعهداتها الدولية.

4-مواجهة الانتقادات: والتي تصاعدت بشكل كبير خاصة في بعض الدول الأوروبية، على غرار ألمانيا، بسبب فشلها في التعامل مع ملف اللاجئين الشرق أوسطيين إلى الدول الأوروبية، وفي حماية الأقليات العرقية والمذهبية من الانتهاكات التي تعرضت لها من جانب التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها تنظيم "داعش"، وبعض الأنظمة السياسية على غرار النظام السوري.

تأثيرات متباينة:

وفي النهاية، يمكن القول، إن هذا الاهتمام قد يكون موسميا أو مؤقتا، لا سيما أنه ارتبط بمتغيرات أخرى يتعرض تأثيرها للصعود والهبوط، على غرار الخلافات العالقة بين القوى الإقليمية والدولية المعنية بأزمات منطقة الشرق الأوسط، والانتقادات التي تواجهها بعض الدول بسبب تعاملها مع ملفات الأقليات، سواء في الداخل أو في المنطق