أخبار المركز
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (سيطرة تبادلية: السيناريوهات المُحتملة لانتخابات الكونغرس الأمريكي 2024)
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"

تنازلات محدودة:

دلالات الاتفاق الجزئي بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية

15 سبتمبر، 2021



أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في بيان مشترك لها مع منظمة الطاقة النووية الإيرانية في 12 سبتمبر الجاري عقب زيارة أجراها مدير عام الوكالة، رفائيل جروسي، إلى طهران، عن التوصل إلى اتفاق جزئي مع إيران يسمح لمفتشي الوكالة بالصيانة الفنية والتقنية لأجهزة المراقبة المحددة في بعض المنشآت النووية الإيرانية، واستبدال بطاقة الذاكرة لهذه الأجهزة، التي ستُختم من قبل الجانبين وتُحفظ في إيران، مشيرة إلى أنها لم تحصل، حتى الآن، على إمكانية الاطلاع على تسجيلات الكاميرات، والتي تتحجج إيران بالاحتفاظ بها حتى يتم التوصل لاتفاق نووي.

وتعد هذه الزيارة الثانية لجروسي إلى طهران هذا العام، فضلاً عن كونها الأولى منذ تولي إبراهيم رئيسي منصب الرئاسة في إيران، كما تأتي هذه الزيارة في أعقاب تقرير للوكالة الدولية وجه اتهامات شديدة اللهجة إلى إيران بعرقلة مهام المراقبة التي يجريها مفتشوها بعدما علقت طهران بعض عمليات التفتيش لأنشطتها النووية، وقبل اجتماع لمجلس محافظي الوكالة الأسبوع المقبل.

دلالات التراجع الإيراني:

يمكن إبراز دلالات الاتفاق الجزئي الأخير بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية في الآتي:

1- محاولة إيران تفادي عقوبات جديدة: يأتي هذا الاتفاق الجزئي التقني بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية في إطار محاولات إيران تفادي فرض واشنطن والغرب المزيد من العقوبات ضدها، حيث أبلغت الوكالة الدول الأعضاء، في تقريرها الصادر في الثلاثاء 8 سبتمبر، أنه لم يتم إحراز أي تقدم بشأن قضيتين محوريتين مع إيران، هما شرح آثار اليورانيوم التي تم العثور عليها في العديد من المواقع غير المعلنة، والوصول العاجل إلى بعض معدات المراقبة حتى تتمكن الوكالة من تتبع برنامج إيران النووي على النحو المنصوص عليه في اتفاق 2015.

وتزامنت هذه التطورات مع مواصلة إيران تصعيدها النووي، وتسريعها وتيرة تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60%، فضلاً عن إنتاجها معدن اليورانيوم المخصب بنسبة 20%، والمستخدم في صناعة السلاح النووي، وهو ما دفع واشنطن ودولاً غربية للتلويح باتهام طهران في اجتماع مجلس محافظي الوكالة القادم بأنها جعلت الإشراف على برنامجها النووي مستحيلاً، وتحميلها مسؤولية فشل المفاوضات النووية في فيينا.

ويلاحظ أن اتهام إيران بانتهاك الاتفاق النووي من قبل مجلس محافظي الوكالة يفتح الباب أمام "العودة التلقائية إلى العقوبات" (Snapback)، وتمنح هذه الآلية، بموجب نص لمادة 11 من القرار 2231، أيّ دولة طرف في الاتفاق النووي المُبرَم مع إيران في 2015م الحقّ في أن تلجأ إليها لإعادة فرض العقوبات الدولية على إيران، إذا ما رأت هذه الدولة أن إيران قد أخلت إخلالاً كبيراً ببنود الاتفاق النووي.

لذا عملت طهران على تفادي ذلك، ويبدو أن ذلك قد أتى ثماره، حيث أعلنت الخارجية الأمريكية، في بيان الاثنين 14 سبتمبر الجاري، التخلي عن طرح مشروع قرار ضد إيران في مجلس الوكالة هذا الأسبوع، كما وصف مبعوث الاتحاد الأوروبي إنريكي مورا، الذي ينسق المفاوضات حول إحياء الاتفاق النووي، هذا الإعلان بأنه خطوة إيجابية نحو ضمان استمرار المعرفة بتفاصيل البرنامج النووي الإيراني.

2- ترك مجال لاستئناف المفاوضات النووية: تحاول إيران من خلال هذا الإعلان الأخير، منح فرصة لإمكانية استئناف المفاوضات النووية، المجمدة منذ 20 يونيو الماضي. ويلاحظ أن طهران تسعى للمماطلة في العودة للمفاوضات النووية، وترغب في كسب مزيد من الوقت، لتقليص التنازلات التي يمكن أن تقدمها، خاصة إذا ما راكمت خبرات فنية في مجال تخصيب اليورانيوم.

ودفع ذلك واشنطن إلى تبني لهجة تصعيدية والتهديد بالانسحاب من المفاوضات إذا استمرت المماطلة الإيرانية. ولا شك أن طهران تسعى للإبقاء على فرص إحياء المفاوضات النووية قائمة، حتى لا تتجه واشنطن للنظر في خيارات أخرى، كتحويل ملفها إلى مجلس الأمن، أو فرض عقوبات جديدة عليها. 

3- إفشال مساعي واشنطن لتشكيل جبهة مع موسكو ضد إيران: بادر المبعوث الأمريكي إلى إيران روبرت مالي، بعد نشر تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية يتهم إيران بعرقلة مهام المراقبة على أنشطتها النووية، للسفر إلى موسكو، وذلك في خطوة تكشف عن سعي واشنطن للتوافق مع موسكو لاتخاذ موقف ضد إيران، أو على الأقل إثنائها عن إصرارها بشأن التعاون مع وكالة الطاقة الذرية ومراقبة برنامجها النووي.

وكانت موسكو قد أعربت من قبل عن قلقها إزاء ممارسات طهران النووية، حيث أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في أغسطس الماضي، أن خطوات إيران الخاصة بإنتاج اليورانيوم المعدني تتناقض مع الاتفاق حول برنامجها النووي، وإن أعربت عن تفهم بلادها أسباب تلك الخطوات.

وقد بادر كل من مالي، ونائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، إلى التعجيل بإعادة إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران بعد اجتماعهما في موسكو، ولعل اتصال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، بنظيره الإيراني بعد ذلك جاء في ضوء محاولات إقناع موسكو طهران باستئناف التعاون مع الوكالة الدولية، وكنتيجة لزيارة مالي إلى موسكو.

كما أن تقرير الوكالة أدى إلى إدانة واسعة من قبل الأطراف الأوروبية التي ترفض تصعيد إيران النووي، فقد طالبت الخارجية الفرنسية في 6 سبتمبر الجاري، إيران بتقديم تفسيرات كاملة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، بشأن اكتشاف مواد نووية سرية لديها.

4- استمرار إيران في تبني سياسة حافة الهاوية: تستمر إيران في اتباع سياسة حافة الهاوية، أي انتهاك الاتفاق النووي، سواء عبر وقف التعاون مع الوكالة، أو رفع مستويات التخصيب، ثم تقديم تنازلات محدودة، حتى لا تتجه واشنطن لتصعيد العقوبات ضدها، أو الإيعاز لحلفائها الغربيين بتفعيل آلية "العودة التلقائية للعقوبات".

ولذا أقدمت إيران على التراجع خطوة للوراء وتقديم تنازلات محدودة، من خلال عقد هذا الاتفاق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن تجديد شرائح كاميرات المراقبة، غير أنها ما زالت تصر على عدم تسليم شرائح التسجيل، إلا بعد التوصل إلى تفاهم بشأن إعادة إحياء الاتفاق النووي، يقتضي رفع العقوبات المفروضة عليها. ونظراً لأن واشنطن والغرب رضيا بالخطوات الإيرانية المحدودة، فإن طهران لاتزال ناجحة في تنفيذ هذا التكتيك. 

وختاماً، يمكن القول إن إيران تصر على تعليق مراقبة برنامجها النووي لممارسة الضغوط على واشنطن، وتعزيز موقفها في المفاوضات النووية في فيينا. كما أن تقديم إيران تنازلات محدودة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو أول تنازل من قبل طهران بعد تولي الرئيس المتشدد إبراهيم رئيسي الحكم، يكشف عن إمكانية عودة إيران للمفاوضات النووية، إذا ما مارست واشنطن والغرب ضغوطاً جدية على إيران.