تزايدت حدة التوتر بشكل لافت بين الحكومة العراقية وإقليم كردستان بشأن المناطق المتنازع عليها، على نحو بدا واضحاً في الاتهامات التي وجهها رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني في 22 سبتمبر الفائت لبغداد بشأن التعريب والتغيير الديمغرافي في المناطق المتنازع عليها، وخاصة في محافظة كركوك، والتي اعتبر خلالها أن ما يجري يعد تكراراً واضحاً لممارسات الأنظمة السابقة. وطالب بارزاني الحكومة الاتحادية بالتوقف عن إعادة توطين من ليسوا من مواطني هذه المناطق الأصليين وإسكانهم في القرى والمناطق الكردية وطرد مواطنيها الكرد والتركمان من قراهم وسلب أراضيهم الزراعية. كما ناشد بعثة الأمم المتحدة في العراق بالتدخل لإيقاف ما وصفها بالانتهاكات الخطيرة بحق المواطنين الأصليين من إقصاء وتهميش، إدارياً وعسكرياً وأمنياً.
دوافع مختلفة:
تتمثل أبرز الأسباب التي دفعت أربيل إلى التصعيد في هذا الملف فيما يلي:
1- اتهامات بغداد المستمرة لأربيل: كان من الملاحظ أن تصعيد أربيل بشأن المناطق المتنازع عليها جاء مباشرةً بعد اتهامات وجهها وزير المالية العراقي علي عبد الأمير علاوي الذي قال أن إقليم كردستان تحول إلى مصدر لتهريب النفط، مبيناً أن الإقليم تسبب بكثير من المشاكل للعراق بسبب عدم الالتزام بنظام الحصص للبلدان المصدرة للنفط "أوبك".
ولفت علاوي إلى أن "إقليم كردستان سبب رئيسي لعدم امتثال العراق الكامل لنظام الحصص بحسب اتفاق أوبك+"، موضحاً أن الإقليم ينتج يومياً بين 450 و470 ألف برميل من النفط الخام، لكن لا توجد معلومات دقيقة حول كمية النفط المهرب، لأن هناك تهريباً للنفط من بعض الحقول، حيث يتم تحميلها عبر الصهاريج الحوضية وتوجيهها إلى أماكن معينة دون معرفة الكميات.
2- حلول ذكرى فشل المحاولة الانفصالية: تزامن تصعيد أربيل بشأن المناطق المتنازع عليها مع حلول الذكرى الثالثة لفشل مساعي إقليم كردستان للانفصال عن بغداد بعد إجراء استفتاء بشأن ذلك في 25 سبتمبر 2017، وتحمل هذه المناسبة ذكريات سلبية في الإقليم، وبشكل خاص بالنسبة لعائلة بارزاني، على اعتبار أنها من قادت محاولة الانفصال.
3- دور تركي محتمل في توسيع نطاق الخلافات: رغم أن المكون التركماني ينافس المكون الكردي في المناطق المتنازع عليها في العراق، كما هو الحال بالنسبة لتنافس الكُرد والعرب، إلا أنه من المحتمل أن يكون لتركيا دور غير مباشر في دفع الأكراد لتصعيد هذا الملف في الوقت الحالي، خاصةً وأن أنقرة تدعم الطموحات والتحركات التركمانية في العراق.
وتشير تقارير إلى أن الأكراد صعَّدوا من موقفهم بشأن المناطق المتنازع عليها في أعقاب الزيارة التي قام بها رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني لأنقرة في 5 سبتمبر الفائت. ويوحي ذلك بأن ثمة ضغوطاً تركية لمحاولة فتح ملف المناطق المتنازع عليها مع بغداد من جديد والحفاظ على وضع الأقليات بها، وعلى رأسها الأقلية التركمانية الموالية لأنقرة، خاصةً وأن هذا الملف لطالما كان نقطة خلاف جوهرية في السابق بين أربيل وأنقرة. واللافت في هذا الصدد أن الاتهامات الأخيرة من جانب رئيس وزراء الإقليم مسرور بارزاني لبغداد تضمنت المطالبة بالحفاظ على حقوق الكرد والتركمان في المناطق المتنازع عليها.
تبعات محتملة:
ربما يفرض هذا التصعيد بين بغداد وأربيل تداعيات عديدة يتمثل أبرزها في:
1- تراجع التنسيق بين الجيش العراقي والبيشمركة ضد "داعش": سوف يؤثر التصعيد الكلامي المُستجد على مستوى التعاون اللافت بين الجيش العراقي وقوات البيشمركة الكردية خلال الفترة الأخيرة في تلك المناطق للتصدي لنشاط تنظيم "داعش"، وهو ما تجلى في اتفاق الطرفين في 5 يوليو الماضي على إنشاء مراكز تنسيق في هذه المناطق، وذلك من أجل مواجهة النشاط المتصاعد للتنظيم.
2- تأثر مفاوضات الطرفين بشأن الملفات العالقة بشكل سلبي: من المتوقع تأثر مسار المفاوضات الممتد على مدار أكثر من أربعة شهور بين بغداد وأربيل بشكل سلبي بتصاعد الخلاف حول المناطق المتنازع عليها، ويأتي ذلك في ضوء كون المفاوضات العامة بينهما يمكن الحكم عليها على أنها متعثرة من الأساس، خاصةً وأن كل ما خرجت به انحصر في وعود واجتهادات لم ترق لمستوى اتفاق مكتوب، وهو الأمر الذي اعتبرته اتجاهات عديدة مماطلة من الجانبين ودليلاً على استمرار أزمة الثقة بينهما. جدير بالذكر أنه حتى زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الأخيرة للإقليم لم تُسفر عن حلحلة في الملفات الخلافية بين الجانبين. ومن المتوقع في هذا الصدد أن تتصاعد في المرحلة المقبلة انتقادات القوى الشيعية لجدوي الحوارات المكثفة مع أربيل.
3- تحركات مضادة داخل محافظة كركوك: ربما يدفع التوتر الحالي بعض المكونات التي تعيش داخل المحافظة إلى التصعيد، وتحديداً التركمان الذين يطالبون بحقوقهم في المحافظة. وستحاول تركيا بطبيعة الحال استغلال وضع التركمان في كركوك لممارسة ضغوط على الحكومة العراقية كما حدث قبل ذلك.
أزمة مزمنة:
سوف تظل قضية المناطق المتنازع عليها تشكل أحد أبرز الملفات التي تهدد بعرقلة أى حوار حقيقي بين بغداد وأربيل، خاصة مع رفض الأولى تسليم تلك المناطق مجدداً لقوات البيشمركة، باستثناء السماح المؤقت لتلك القوات بالتعاون داخل هذه المناطق مع الجيش العراقي للتصدي لنشاط تنظيم "داعش". وستلتزم بغداد بموقفها بضرورة ثبات قوات البيشمركة عند الخط الأزرق الذي يشير إلى المناطق التي كان يسيطر عليها الأكراد حتى الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.