أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

رائدات البيئة:

ملامح جهود النساء لتخفيف آثار التغيرات المناخية

26 ديسمبر، 2023


شهدت السنوات القليلة الماضية تزايد الشعور العام بالتحولات البيئية في مناطق كثيرة من العالم، هذا إلى جانب الزيادة الملحوظة في الكوارث الطبيعية المرتبطة بالتغيرات المناخية بمقدار الضعف، وثلاثة أضعاف تقريباً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وعلى الرغم من الجهود المبذولة في إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، فإن انبعاثات الغازات الدفيئة مستمرة في الزيادة؛ وهنا تشير التقديرات العالمية إلى الارتفاع غير المسبوق في متوسط الاحترار العالمي. هذا، وتحاول الجهود الدولية تسريع وتيرة العمل في مجالات التكيف والتخفيف؛ للحد من تلك المخاطر، وتطوير استراتيجيات تعالج الصدمات المناخية من خلال المعاهدات والمؤسسات الدولية الأساسية الفاعلة في هذا الشأن؛ كاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية (1992)، وبروتوكول كيوتو (1997)، واتفاق باريس (2015)، وجهود كل من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالمناخ (IPCC)، والوكالة الدولية للطاقة المتجددة "إيرينا"، ومكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث وغيرها. وفي سياق تلك الجهود، يلاحظ المتابع للمشهد العام الدور الرئيسي الذي تؤديه النساء في قلب تلك الجهود العالمية؛ فقد أظهرت النساء قدراً ملحوظاً من المرونة والإبداع؛ قد يعود إلى الطبيعة الخاصة للمرأة، من حيث إنها تتمتع بمهارات هائلة في التنسيق والتشبيك، وكفاءة في مرونة التحرك داخل المجتمع العام في مجالات متنوعة. 

يحاول هذا المقال إلقاء الضوء على الجهود النسائية المبتكرة، وما أثبتته من جدارة باعتبارها قوة تغيير اجتماعية مهمة في مجال العمل المناخي، على الرغم من أن النساء من أكثر الفئات الاجتماعية تضرراً من آثار الصدمات المناخية، ويتحملن العبء الأكبر منها، ويحتجن إلى مزيد من الدعم والمساندة لكي يتمكن من القيام بدورهن المؤثر في المستوى المحلي والعالمي. وفي هذا الإطار، ينقسم المقال إلى قسمين أساسين، الأول: يبدأ بإلقاء الضوء على دور المرأة في التكيف والتخفيف من التغيرات المناخية، وأنشطتها العلمية والمجتمعية في هذا الشأن، أما الثاني، فيركز على أهم التوصيات المقترحة حول تعزيز هذا الدور الاجتماعي والتنظيمي للنساء في مجال العمل المناخي.

جهود التكيف والتخفيف:  

1. المرأة في علوم وأبحاث المناخ: تقوم النساء بدور مؤثر في تسهيل التقييمات العلمية وتبادل المعرفة حول أوضاع المناخ في العالم. وتقدم مساهمات كبيرة ومؤثرة في أنشطة البحث العلمي المناخي، وتحتل موقع الصدارة في إعداد الدراسات حول تأثيرات تغير المناخ، واستراتيجيات التخفيف، وحلول التكيف. وتطوير تقنيات مبتكرة تعزز ممارسات الاستدامة في مجالات كالطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة والبنية التحتية الخضراء.

فنجد هنا، عالمة المناخ الألمانية فريدي أوتو، التي أدرجت على قائمة أكثر 100 شخصية تأثيراً في العالم لمجلة التايمز عام 2021، واختيرت كواحدة من عشرة علماء أدوا أدواراً مهمة في التطورات العلمية المعنية بتغير المناخ، وتُعد مؤلفة رئيسة لأبحاث التقييم الصادرة عن الهيئة الدولية الرائدة لتقييم تغير المناخ على مستوى العالم "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالمناخ "IPCC. إلى جانب الدور الكبير الذي أدته باتريشيا إسبينوزا كانتيلانو، التي شغلت منصب الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ خلال الفترة بين 2016 حتى 2022 من خلال خطاباتها وبياناتها العامة، وإدارة مؤتمرات الأطراف. 

كما أسهمت جين لوبتشينكو، عالمة البيئة الأمريكية والرائدة في مجال علم البيئة، بشكل كبير في فهم التفاعلات بين البيئة وصحة الإنسان وتغير المناخ، وحازت العديد من الجوائز والأوسمة، بما في ذلك جائزة نوبل في العلوم البيئية عام 2007، وعدداً من الجوائز الأخرى ذات الصلة، وكانت أول امرأة تشغل منصب مدير الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (أن أو أيه أيه)، ووكيل وزارة التجارة للمحيطات والغلاف الجوي خلال الفترة من 2009 إلى 2013.  

2. مجتمعات مستدامة وقادرة على الصمود من خلال المرأة: تشارك النساء بفاعلية في الحركة العالمية لمواجهة تحديات المناخ، وتقدم العديد من المبادرات المجتمعية التي تغير وجه الحياة داخل المجتمعات المحلية في عدد من الدول وبالأخص الدول منخفضة الدخل. وهنا، أشارت عدد من تقارير هيئة الأمم المتحدة إلى جهود رائدات العمل المناخي، في تطوير حلول مبتكرة برغم ما يواجهن من تحديات العمل في الأجواء المتطرفة مناخياً، وندرة الموارد، وقصور سلاسل التوريد.

فنجد مبادرات التشجير للناشطة البيئية الكينية وانجاري ماثاي، التي كُرمت على جهودها في مجال البيئة بالعديد من الجوائز والأوسمة، بما في ذلك جائزة نوبل للسلام عام 2004، فكانت أول أمرأه إفريقية تفوز بجائزة نوبل للسلام؛ نتيجة تأسيسها حركة الحزام الأخضر الكينية، تحت رعاية المجلس الوطني للمرأة في كينيا عام 1977 كاستجابة لاحتياجات النساء الريفيات الكينيات اللاتي أبلغن عن جفاف مجاريهن وإمداداتهن الغذائية. ولم تهدف ماثاي إلى إعادة تشجير مساحات كبيرة من الأراضي التالفة والحد من إزالة الغابات ومكافحة التصحر في كينيا فحسب، بل أسهمت بدور مهم في مساعدة النساء في كينيا على توليد مصادر إضافية للدخل. 

وكذلك وبيلكيس أديبي أبيولا، التي قدمت مساهمات كبيرة في الاستدامة البيئية وإدارة النفايات في مدينة لاغوس بنيجيريا. وأنشأت مؤسسة اجتماعية تحفز سكان المناطق العشوائية المكتظة بالسكان على إعادة تدوير نفاياتهم مقابل تزويدهم بنقاط قابلة للاستبدال بالطعام ومنتجات التنظيف، ولم يعزز هذا النهج المبتكر إعادة التدوير فحسب، بل أسهم في تحسين نوعية حياة تلك المناطق كثيفة السكان، مما أكسب وبيلكيس اعترافاً دولياً، واختيرت كقائدة عالمية شابة من قبل المنتدى الاقتصادي العالمي، وهو لقب يُمنح للقادة العالميين الشباب الاستثنائيين الذين تقل أعمارهم عن 40 عاماً ويحدثون تأثيراً إيجابياً على مستوى العالم. 

هذا إلى جانب، رائدات الأعمال الهنديات اللاتي يقمن بنشاط في تطوير حلول إبداعية للتخفيف من تأثير تغير المناخ في الزراعة من خلال مشروعات الزراعة العضوية.  وسيدة الأعمال اليابانية أكيرا ساكانو، التي قادت مشروعاً اجتماعياً في مجال إعادة التدوير؛ يهدف لإنتاج سلع جديدة من مخلفات المنازل والشركات، وفي الوقت نفسه الوصول بالنفايات في بلدية كاميكاتسو إلى الصفر بحلول عام 2030.  

3. الشابات يقدن الاحتجاجات المناخية: على الجانب الآخر، كانت النساء في طليعة الاحتجاجات القوية للعمل المناخي، مطالبات الحكومات وقادة الأعمال في جميع أنحاء العالم باتخاذ إجراءات للحد من التأثير المدمر للأنشطة الاقتصادية في مستقبل كوكب الأرض. وهنا لم تقتصر الاحتجاجات النسائية على الفئات العمرية الأكبر سناً، بل شملت الفتيات من صغار السن؛ فنجد الشابة السويدية غريتا تونبرغ، والتي تصدرت غلاف مجلة التايمز الأمريكية عام 2019، لقيادتها الفعالة حركة "الاحتجاج المدرسي من أجل المناخ" عام 2018، ورغم أن حملتها بدأت صغيرة، فإنها تطورت لتصبح أيقونة في النشاط المناخي، ومصدر إلهام لكثير من الفتيات والنساء.

دعم النساء ومستقبل الأرض:

تشير الجهود النسائية العالمية في مجال العمل المناخي إلى قوة النساء في الوصول إلى المجتمعات المحلية والتعرف إلى احتياجاتها بدقة، فضلاً عن قدرتها المتفردة في إنشاء شبكات اجتماعية، ومجموعات دعم بمثابة نواة لإحداث تغيير مجتمعي في المجتمعات المحلية من الداخل فيما يتعلق بقضايا المناخ بين العديد من الفئات العمرية والاجتماعية. وهنا أشارت عدد من تقارير الأمم المتحدة إلى أن المجتمعات المحلية تكون أكثر نجاحاً في استراتيجيات المرونة وبناء القدرات في مجال العمل المناخي عندما تكون المرأة جزءاً من عملية التخطيط.  

في المقابل، يجد المتأمل في أنشطة المرأة في أرض الواقع كثيراً من التحديات التي تعوق قدرة النساء على المساهمة بفعالية في التخفيف من حدة تغير المناخ، تلك التحديات التي تنبع بالأساس من السياق الثقافي للمجتمعات، وتقيد وصول رائدات الأعمال إلى الموارد وفرص التمويل والتواصل مع الأسواق، بالرغم من الحلول الذكية مناخياً التي تقدمها رائدات العمل المناخي. وفي ضوء ذلك، يمكن إجمال التوصيات المقترحة لدعم الدور القيادي للمرأة بهذا المجال، في:

• بناء قدرات الصمود لدى النساء والفتيات من خلال تعزيز جاهزيتهن بدمجهن في برامج رفع الوعي والتدريب وتزويدهن بالمهارات اللازمة للوظائف الخضراء في مجال الطاقة المتجددة، وإدارة الموارد الطبيعية، والطاقة المتجددة، والزراعة المستدامة، والبنية التحتية المقاومة للمناخ. وتشجيع الابتكار والإبداع لدى المرأة حول الممارسات الزراعية المقاومة للمناخ، والحد من مخاطر الكوارث.

• تمكين رائدات الأعمال التجارية الصديقة للمناخ، من الوصول إلى الأسواق وسلاسل القيمة، هذا إلى جانب تسهيل حصولهن على القروض والمنح والتكنولوجيا، وبالأخص تزويد المزارعات بإمكانية الوصول إلى الأراضي والائتمان والتقنيات الزراعية الذكية مناخياً.

• دمج القيادة النسائية في إعداد استراتيجيات التكيف والتخفيف، وخلق فرص التواصل بين القيادات النسائية والمرشدات الأخريات داخل حركة المناخ محلياً وعالمياً من خلال توفير منصات لتبادل خبراتهن ووجهات نظرهن في حوارات ونقاشات مفتوحة، تعكس الخبرة النسائية في هذا المجال، وإشراكهن بشكل كامل في عملية صنع القرار، وضمان تمثيلهن في المؤسسات الحكومية والدولية التي تتناول قضايا تغير المناخ.

وختاماً، يمكن القول إن النساء محركات حاسمة ضمن الأنشطة العالمية على كافة المستويات؛ فهن يقدمن قيمة مضافة استثنائية للعمل المناخي المحلي والعالمي؛ من خلال ما يمتلكن من مهارات في التواصل والتنسيق مع الآخرين، وبناء الشبكات الاجتماعية، فضلاً عن التمتع بمرونة طبيعية في التكيف مع المواقف المتنوعة وتعقيدات التغيرات المناخية.