أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

حسابات مضادة:

هل تندلع أزمة جديدة بين طهران وواشنطن حول حظر الأسلحة؟

10 مايو، 2020


مع اقتراب موعد الاستحقاق الخاص برفع حظر الأسلحة وفقاً لما جاء في قرار مجلس الأمن رقم 2231 الذي تلى الإعلان عن الوصول للاتفاق النووي بين إيران ومجموعة "5+1" في 14 يوليو 2015، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية في شن حملة دبلوماسية على الصعيد الدولي لوقف رفع هذا الحظر، في أكتوبر القادم، مستندة إلى أن ذلك سوف يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة، وهو ما ردت عليه الأخيرة بأن واشنطن ليست طرفاً في الاتفاق بعد انسحابها منه قبل عامين، مشيرة إلى إمكانية تبني خيارات أكثر تصعيداً في حالة ما إذا تمكنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من استقطاب دعم دولي لموقفها في هذا السياق، على نحو يوحي بأن ثمة أزمة جديدة تلوح في الأفق سوف تتصاعد حدتها خلال المرحلة القادمة.

خطوات متوازية:

اتسع نطاق الخلافات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية من جديد بسبب اقتراب موعد رفع حظر الأسلحة المفروض على إيران بمقتضى القرار 2231، وذلك في أكتوبر القادم، حيث تسعى واشنطن إلى الحيلولة دون تنفيذ هذا الاستحقاق في موعده، وتمارس ضغوطاً في هذا السياق على كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تحديداً، وهى الدول الأوروبية التي كانت منخرطة من البداية في المفاوضات مع إيران والتي انتهت بالوصول للاتفاق النووي الذي قارب على إنهاء عامه الخامس في يوليو القادم.

 كما يبدو أنها سوف تسعى إلى إجراء مباحثات مع الصين وروسيا من أجل إقناعهما بدعم التوجه الجديد الخاص بتمديد الحظر. وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، في 29 إبريل الفائت، أن "واشنطن تدرس كل الخيارات لتمديد حظر الأسلحة". ويبدو أنه يشير في هذا السياق إلى إعداد صياغة قانونية جديدة تؤكد أن الولايات المتحدة ما زالت شريكة في الاتفاق باعتبار أنها ما زالت ملتزمة بالقرارات الدولية السابقة عليه، وذلك تمهيداً لاستخدام ذلك في المرحلة القادمة لتعزيز احتمال تمديد الحظر أو ممارسة ضغوط على الدول التي يمكن أن تبرم مع إيران صفقات في هذا الصدد. 

تداعيات محتملة:

ووفقاً لرؤية واشنطن، فإن تنفيذ هذا الاستحقاق يمكن أن يؤثر سلبياً على المقاربة الحالية التي تتبناها إزاء إيران وتقوم على رفع مستوى الضغوط بشكل غير مسبوق لدفع الأخيرة إلى تغيير سياستها الحالية والقبول بإجراء مفاوضات للوصول إلى اتفاق جديد لا يتضمن ما تطلق عليه "الثغرات" التي يعاني منها الاتفاق الحالي. وبمعنى آخر، فإن واشنطن ترى أن حصول إيران على هذا العائد الاستراتيجي المهم من الاتفاق النووي يمكن أن يفرض التداعيات التالية:

1- استمرار التصعيد: ترى واشنطن أن رفع حظر الأسلحة سوف يوجه رسالة خاطئة لإيران بأن لديها القدرة على تحدي "الإرادة" الأمريكية والالتفاف على الضغوط والعقوبات التي تفرضها واشنطن، بشكل سيدفعها إلى مواصلة السياسة التصعيدية الحالية التي لا تقتصر على رفع مستوى أنشطتها النووية، وإنما تمتد أيضاً إلى إطلاق قمر صناعي للأغراض العسكرية، والاقتراب من القطع البحرية الأمريكية في مياه الخليج العربي، وإدارة التصعيد الذي تقوم به الميليشيات الموالية لها في العراق وتستهدف من خلاله مصالحها، في إطار سعيها إلى رفع كُلفة مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس في 3 يناير الماضي.

2- تعزيز دور المنافسين: سوف يؤدي رفع هذا الحظر إلى توسيع نطاق العلاقات الثنائية بين إيران وكل من الصين وروسيا تحديداً، والتي سوف تمتد إلى المجال العسكري في هذه الحالة، حيث أشارت تقارير سابقة إلى أن طهران قد تسعى إلى إبرام صفقات عسكرية مع الدولتين للحصول على معدات عسكرية متطورة. وقد باتت مثل هذه الصفقات تثير استياءاً من جانب واشنطن، باعتبار أن ذلك يخصم من نفوذها في المنطقة. 

3- مواصلة دعم الحلفاء: تبدي دوائر عديدة في واشنطن قلقاً خاصاً من أن إيران قد تستغل رفع الحظر من أجل مواصلة الدعم العسكري لحلفائها، بشكل لا يتوافق مع مصالحها وحساباتها إزاء بعض الملفات الإقليمية، لاسيما ما يتعلق بالملف السوري والتصعيد المستمر بين إيران وحلفائها من جهة وإسرائيل من جهة أخرى. ومن هنا يمكن تفسير أسباب حرص تل أبيب على دعم الجهود التي تبذلها الإدارة الأمريكية من أجل تمديد الحظر الحالي.

تحذيرات مسبقة:

إيران بدورها تبدو مهتمة بشكل ملحوظ برفع الحظر المفروض على الأسلحة، وقد حرصت حكومة الرئيس حسن روحاني قبل نحو عام على الترويج إلى التداعيات الإيجابية التي سوف يفرضها رفع هذا الحظر، وحاولت استثمار ذلك للرد على الانتقادات القوية التي تعرضت لها، وما زالت، من جانب المؤسسات الرئيسية في الدولة وتيار المحافظين الأصوليين، بسبب تراجع العوائد الخاصة بالاتفاق النووي بعد انسحاب الولايات المتحدة منه وفرضها عقوبات جديدة على إيران.

ومن هنا، سارعت طهران إلى توجيه تحذيرات مسبقة من التداعيات التي يمكن أن يسفر عنها أى تمديد محتمل للحظر، بما يعني أنها لا تستبعد نجاح الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة في الوقت الحالي، رغم المعارضة العلنية التي أبدتها بعض القوى تجاه ذلك مثل روسيا. إذ تضمنت الرسائل التي بعث بها الرئيس روحاني إلى القوى المعنية بالاتفاق التحذير من العواقب الوخيمة التي يمكن أن يسفر عنها تمديد الحظر. لكن التهديد كان أكثر وضوحاً على لسان الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني، الذي قال، في 3 مايو الجاري، أن "الجثة الهامدة للاتفاق النووي ستتجه للموت الأبدي عبر الالتفاف على القرار 2231 واستمرار حظر الأسلحة".

إصرار إيران على تنفيذ رفع الحظر في موعده والتحذير من عواقب المسار المضاد لذلك يعود إلى اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- الخيار الأخير: رغم أن طهران لوحت أكثر من مرة بالانسحاب من الاتفاق النووي على غرار الخطوة التي اتخذتها الولايات المتحدة قبل عامين، إلا أنها كانت حريصة على تجنب هذا الخيار بالفعل لما سيرتبه من معطيات جديدة ربما ترى أنها لا تتوافق مع مصالحها في الوقت الحالي، لاسيما ما يتعلق بتعزيز نشوب مواجهة أوسع نطاقاً مع الولايات المتحدة أو إسرائيل في المرحلة القادمة. من هنا، ترى إيران أن نجاح واشنطن في تمديد الحظر قد يدفعها حتماً إلى هذا الخيار الذي لا تحبذه باعتبار أن تمديد الحظر قضى، في رؤية بعض المسئولين الإيرانيين، على ما تبقى من الاتفاق ولم يعد هناك ما يدفع إيران إلى التمسك به بعد ذلك. 

2- تطوير القطاعات العسكرية: ترى طهران أن قدراتها النوعية تنحصر في مجالات محددة مثل الصواريخ والقوات البحرية، وهى قطاعات مهمة لا يمكن تجاهلها، لكن ذلك لا ينفي أن ثمة نقصاً كبيراً تعاني منه قطاعات أخرى، مثل المدرعات، وهو ما يدفعها في الوقت الحالي إلى الإصرار على تطوير تلك القطاعات وكانت ترى أن رفع الحظر المفروض على الأسلحة يمكن أن يساعدها في هذا الصدد.

3- إحكام الحصار: يشير أى نجاح محتمل لواشنطن في استقطاب دعم القوى الدولية المعنية بالاتفاق النووي لتمديد الحظر إلى ضعف النتائج التي أسفرت عنها الجهود الإيرانية في الفترة الماضية من أجل احتواء تداعيات العقوبات الأمريكية والالتفاف عليها، وهو متغير لن يضاعف فقط من تأثير تلك العقوبات، وإنما سيوجه رسالة لواشنطن تدفعها إلى المضى قدماً في السياسة الحالية حتى تتراجع إيران عن مواقفها في الملفات المختلفة.

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن الساحة الدولية سوف تشهد معركة دبلوماسية جديدة بين طهران وواشنطن، ربما يتخللها تصعيد، مباشر أو غير مباشر، في المنطقة، في ظل التسابق المحموم بين الطرفين حول رفع حظر الأسلحة أو تمديده.