أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

جدل مستمر:

تزايد اهتمام القنوات العربية بتليفزيون الواقع

20 سبتمبر، 2016


انتقل نمط برامج تليفزيون الواقع "Reality TV" من القنوات الغربية إلى الشاشات العربية بشكل سريع، لا سيما في ظل التطور التكنولوجي الهائل في مجال الإعلام، وبصفة خاصة الإعلام الفضائي، والانتشار الواسع للقنوات الفضائية العربية، والحاجة الملحة لدى رأس المال الإعلامي لوضع خرائط للبث الفضائي على مدار الساعة، وذلك من خلال كم هائل من المحتويات الإعلامية المتنوعة من برامج ودراما قادرة على جذب المشاهد والشركات المعلنة على حد سواء.

وقد أثبتت التجربة على مدار سنوات عديدة أن الآلية الرئيسية التي يمكن من خلالها الحصول على نسبة ملائمة من السوق الإعلانية العربية تتمثل في البرامج الترفيهية، وفي مقدمتها برامج "تليفزيون الواقع" التي سرعان ما انتشرت بين القنوات الفضائية العربية خلال الأعوام الأخيرة على الرغم من كونها نمطًا من البرامج باهظة التكلفة، حيث أنها تهتم برصد الحياة اليومية لمجموعة من الأفراد، سواء كانوا من الشخصيات المعروفة على المستوى الاجتماعي أو كانوا أشخاصًا عاديين يسعون إلى الفوز بالمسابقة التي تقوم تلك البرامج بتنظيمها.

انتشار ملحوظ

على الرغم من النجاح الذي يصادفه هذا النمط الإعلامي من البرامج، فإن الجدل بشأنه لم ينقطع منذ إطلاق برنامج "ستار أكاديمي" على قناة "إل بي سي" اللبنانية في ديسمبر 2003، والذي يعد أول برنامج واقعي عربي وفق المفهوم المتعارف عليه حاليًّا لبرامج "تليفزيون الواقع".

ويُمكن القول إنه من خلال النظر إلى كم برامج "تليفزيون الواقع" التي تم بثها منذ بداية الألفية الحالية، فإن ثمة ملاحظة أساسية تغلب على هذه البرامج، وهى أنها عبارة عن استنساخ لبرامج غربية ذاع صيتها في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وفي بعض الأحيان في دول أمريكا اللاتينية، تعتمد في الأساس على الترفيه، وقليل منها يهدف إلى التثقيف وصقل المهارات، حيث أن أغلبها برامج لاكتشاف مواهب الغناء والرقص وتصميم الأزياء والطهى والتجميل، وكذلك المواهب الرياضية، إلى جانب برامج قليلة تهدف إلى صقل موهبة الشعر، وتنمية الذكاء، واستحصال المعلومات، ودعم الابتكارات والاختراعات، وتحفيظ القرآن الكريم.

ومن أشهر هذه البرامج، برنامج "الهوا سوا"، وهو برنامج كان يهدف إلى التقريب بين شباب من الجنسين يرغبون في الزواج، بثته شبكة " ART"، قبل أن يُلغَى، وبرنامج "حياة خوات" الذي بثته قناة "روتانا"، إلى جانب البرنامج الأكثر شهرة "ستار أكاديمي" الذي استطاع الاستمرار 12 موسمًا، وبرنامج "من سيربح المليون"، وهو النسخة العربية من برنامج "who wants to be a millionaire"، والذي أطلقته قناة "إم بي سي1" عام 2000.

كما اهتمت بعض القنوات الفضائية في دول شمال أفريقيا ببث عدد من برامج تليفزيون الواقع، مثل برنامج "نص الدين" الذي تم بثه على قناة "First TV" التونسية، وبرنامج "عندي ما نقلك" الذي بثته قناة "التونسية"، وأثار جدلا واسعًا داخل تونس، لا سيما بعد أن قامت الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري "الهايكا"، في مارس 2014، بإيقاف بثه لمدة شهر مع غرامة مالية وصلت إلى 200 ألف دينار وذلك على خلفية بث حلقة تتعلق بقضية نسب.

وظهرت أيضًا برامج أخرى مثل "جاك مرسول" على قناة "نسمة" وهو نسخة تونسية من برنامج "المسامح كريم"، وبرنامج "لالة العروسة" على القناة "الأولى" المغربية. بينما انفرد التليفزيون المغربي بقناته الثانية "دوزيم" ببث برنامج ‏"مواهب في تجويد القرآن الكريم" خلال شهر رمضان على غرار البرنامج الماليزي ذائع الصيت "الإمام الصغير".

أسباب متعددة

منذ ظهور هذا النمط من البرامج في بعض القنوات العربية، تصاعدت حدة الجدل حول أسباب انتشاره، وهل تعود إلى حرص القنوات العربية على تلبية رغبة المتلقي في متابعة هذه البرامج التي تتجاوز الخطاب الإعلامي العام الذي التزمت به قبل ذلك، لا سيما فيما يتعلق بمناقشة بعض القضايا التي تتسم بحساسية خاصة في المجتمعات العربية، أم تعود إلى أن هذه القنوات تسعى إلى استثمار هذه النوعية من البرامج عالية المشاهدة من أجل تحصيل مكاسب مالية ونسبة كبيرة من الإعلانات.

فبمتابعة حجم المشاركات الجماهيرية في هذه البرامج، والتي عادةً ما تكون من خلال اتصال هاتفي مدفوع الثمن، أو رسائل نصية، يلاحظ أن ثمة مشاهدة عالية لأغلب هذه البرامج، ويأتي على رأسها برنامج "ستار أكاديمي" الذي بلغت المشاركات الجماهيرية في أحد مواسمه 23 مليونًا ومائة وخمسة وسبعين ألف اتصال من مصر، و18 مليونًا وخمسمائة وستة وثلاثين ألف اتصال من لبنان،‏ و16 مليونًا وتسعمائة ألف وثلاثة وثلاثين اتصالا من سوريا،‏ و11 ‏مليونًا وثلاثمائة ألف اتصال من المملكة العربية السعودية، و8 ملايين وثمانية وسبعين ألف اتصال من الأردن،‏ إلى جانب الاتصالات من دول أخرى، وهى مشاركات تتصاعد بشكل مستمر، وتتزايد فيها غالبًا مشاركات الدول التي يصل متسابقها للمراحل النهائية من المسابقة.

ويمكن القول إن الأرباح السريعة التي تحصل عليها القنوات الفضائية التي تقوم باستنساخ هذا النوع من البرامج قد دفعتها إلى الاستمرار في تبني هذه الآلية، دون الحرص على تقييم مدى ملائمة هذه البرامج للنسق الاجتماعي والثقافي للمجتمعات العربية وحتى السياسي أيضًا، وهو ما أثار حفيظة طوائف عديدة من المجتمعات العربية، وكان لبعض القوى السياسية والتيارات الدينية في عدد من الدول دور في وقف بث بعض البرامج.

وفي رؤية اتجاهات عديدة، فإن المشكلات العديدة التي تثيرها بعض برامج تليفزيون الواقع في الدول العربية تعود إلى الآليات التي تتعامل بها مع القضايا التي تتسم بأبعاد قيمية واجتماعية وتحظى بأهمية خاصة لدى المجتمعات العربية.

وبعبارة أخرى، يمكن القول إن الانتقادات التي توجهها بعض القوى والتيارات لتلك النوعية من البرامج لا تعود إلى مجرد استنساخ نمطها من البرامج الغربية، كما لا تعود إلى كونها تعرض قضايا اجتماعية واقعية، وإنما تعود إلى تجاوزها، في بعض الأحيان، للسياق الاجتماعي العام الذي تتسم به المجتمعات العربية، والذي يختلف عن ذلك الذي تتسم به المجتمعات الغربية، فضلا عن أن بعضها لم يعد يعبر عن الواقع في الأساس، خاصة في البرامج التي يخضع فيها بعض الأشخاص لمراقبة مستمرة من الكاميرا، بشكل يؤثر على ردود فعلهم وسلوكياتهم من دون شك.

ومن هنا، فإن تلك الأطراف كانت حريصة في الوقت ذاته على تأكيد أن بعض برامج تليفزيون الواقع يمكن أن تتضمن جوانب إيجابية عديدة، حيث أنها يمكن أن تساعد على الابتكار ودعم المواهب ونشر القيم الاجتماعية الإيجابية والتنافس واستحصال المعلومات وتنمية الوعي الاجتماعي.

وعلى ضوء ذلك، ربما يمكن تفسير أسباب الدعم الملحوظ الذي حظيت به برامج مثل "من سيربح المليون" و"شاعر المليون" و"المسامح كريم" و"مواهب في تجويد القرآن الكريم"، والتي لاقت استحسان المتلقين وإقبالهم على متابعة هذا النوع الجاد من برامج تليفزيون الواقع، الذي يتوافق بشكل كبير مع السياق الاجتماعي العام للمجتمعات العربية.